أخطر من الإمارات والبحرين.. لماذا تصر إسرائيل على التطبيع مع السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عند منتصف ليلة الثلاثاء 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، فزع أهل العاصمة السودانية الخرطوم، عندما وقع انفجار في مصنع اليرموك للذخائر جنوب العاصمة.

سرعان ما تبين أن إسرائيل وراء قصف مجمع الصناعات العسكرية وهو ما دعا الرئيس السوداني عمر البشير (حينئذ) للتهديد بالرد في المكان والزمان اللذين يراهما مناسبين، وكان لذلك الحدث دلالته أن السودان على رأس محور ممانعة إسرائيل في المنطقة.

اليوم وبعد سنوات طويلة من الصراع والصمود، تحاول واشنطن ومن ورائها أوروبا إلقاء السودان بكينونته الجديدة في أحضان دولة الاحتلال من خلال عقد صفقة تطبيع مريبة على غرار ما فعلته الإمارات والبحرين.

يظل للسودان خصوصيته عن تلك الدول، لما له من تاريخ عريق، وكثافة سكانية كبيرة، وموقع إستراتيجي محكم كبوابة لإفريقيا وموانئ البحر الأحمر، وثروة زراعية وحيوانية ومعدنية تجذب الأنظار.

أضف لما سبق مؤسسات عسكرية وأمنية متجذرة على رأسها الجيش وقوات الدعم السريع، كل ذلك جعل إسرائيل تسعى إلى سلام مختلف مع السودان، تستطيع من خلاله الاستفادة من امتيازات الخرطوم، ومن جهة أخرى تحييد ذلك البلد عن دائرة الصراع والممانعة ضد إسرائيل في المنطقة.

ضغط أميركي

في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أكد مصدران حكوميان سودانيان رفيعا المستوى لـ شبكة (CNN) الأميركية، أن "مجلس الوزراء السوداني يجتمع لتقرير ما إذا كان سيتم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد أن قدمت الولايات المتحدة مهلة للتوصل إلى اتفاق".

وأضافت: أن "واشنطن منحت الحكومة السودانية مهلة لإقرار الاتفاق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مقابل صفقة من شأنها تخفيف الديون، وربما إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".

وتستغل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معاناة السودان وأوضاعه بالغة الصعوبة، من اقتصاد متأزم، ومعدلات بطالة مرتفعة، وتضخم بمعدلات هائلة، وأزمة موارد في سائر أصقاع البلاد.

حيث يرى ترامب، ومن ورائه الحكومة الإسرائيلية، أن الفرصة سانحة في تلك الظروف التي يعيشها السودان، في ظل وجود مجلس سيادي يحاول أن يرسخ حكمه، وحكومة انتقالية تحاول أن تتجاوز هذه الفترة العصيبة، لتوقيع اتفاق سلام تاريخي مع هذا البلد العربي والإفريقي بالغ الأهمية.

طموح إسرائيلي 

إلحاق السودان بقطار المطبعين لم يقف على السعي الأميركي وحده، بل الأهم منه الطموح الإسرائيلي لإحلال اتفاقية سلام مع الخرطوم، وهو ما أبرزته بوضوح قناة (24 الإسرائيلية) عندما كشفت في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن "مجلس السيادة السوداني قرر في اجتماعه، الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل". 

وأضافت بحسب مصادر إسرائيلية: أن "رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتجه للقاء رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان خلال أسابيع لدفع تطبيع العلاقات من أجل إطلاق اتفاق تطبيع مع الاحتلال مقابل إخراج السودان من قائمة الإرهاب".

وذكرت أن "بعض المصادر تحدثت عن وجود مفاوضات لنقل لاجئين فلسطينيين للأراضي السودانية وتوطينهم فيها أيضا".

في 3 فبراير/ شباط 2020، التقى نتنياهو بالبرهان، في أوغندا، وهو اللقاء الذي جاء مفاجئا، حيث لم يتم الإعلان عنه مسبقا، ومثل صدمة لمعظم الأوساط السياسية والإعلامية في العالم العربي.

وقتها أعلنت تل أبيب أن اللقاء، تم برعاية الرئيس الأوغندي يوري موسوفيني، وذكرت في بيان "يؤمن رئيس الوزراء نتنياهو بأن السودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي، وعبر عن رأيه هذا في محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو)".

لقاء البرهان ونتنياهو، كسر حالة طويلة من الجمود فيما يخص أحاديث التطبيع بين السودان وإسرائيل، ونقل الأمر من حالة الأحاديث السرية والتوقعات الجزافية، إلى حالة الممكن والقريب.

البرهان قال حينها: إن "لقاء جمعني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في أوغندا، وقد قمت بهذه الخطوة من موقع مسؤوليتي بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني".

وأضاف: "أؤكد على أن بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية".

ليفتح بذلك الباب على مصراعيه لإسرائيل أن تدخل إلى الساحة السودانية، وتنطلق إلى تحقيق مآربها بعقد اتفاقية سلام مع الخرطوم لها ما بعدها، خاصة لما يتميز به السودان من خصائص

أرض الخيرات 

الحكومة الإسرائيلية تدرك أن السودان يختلف عن الإمارات والبحرين، وأن السلام معه له نسق آخر من حيث الدلالة المعنوية والاقتصادية والإستراتيجية في الشرق الأوسط وإفريقيا. 

السودان ليس بلدا ضئيل الحجم يمتلك كثافة سكانية قليلة، على العكس هو من أكبر الأقطار العربية بمساحة تصل إلى قرابة 2 مليون كلم، وعدد سكان يصل إلى 33 مليون نسمة.

ويمتلك السودان أراضي زراعية ضخمة، حتى أنه يسمى بـ (سلة غذاء العالم) ويعتبر القطن، والسمسم، والفول السوداني والصمغ العربي من أهم الموارد الزراعية، كما أن السودان الدولة الأولى في العالم المنتجة للصمغ العربي بنسبة تصل إلى 80 % من الإنتاج العالمي. 

وتقدر الأراضي الزراعية ذات الترب الخصبة في البلاد بحوالي 200 مليون فدان، وكذلك يتميز السودان بثروة حيوانية ضخمة تجعله من أكبر أقطار إفريقيا امتلاكًا لها. 

وتقدر هذه الثروة كالتالي: 26 مليون رأس من الأغنام، 25 مليون رأس من الماعز، 22.7 مليون رأس من الأبقار، 35 مليون رأس من الإبل، 35 مليون دجاجة. ويتوافر في السودان ثروة سمكية كبيرة توجد بالمسطحات المائية المقدرة بحوالي 42 مليون متر مربع.

أما من حيث الموقع، فيحتل السودان الجزء الشمالي الشرقي من قارة إفريقيا، ما يجعله بوابة محورية لقلب القارة، ومنفذا هاما للربط بين دول وسط وجنوب القارة وشمالها.

تلك المعطيات كانت ذا مأخذ اعتباري لساسة إسرائيل وهم ينظرون إلى السودان، ويحاولون أن يحققوا الاستفادة القصوى على جميع المستويات.

هذا الأمر عبر عنه بوضوح المتحدث الرسمي (السابق) باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر بدوي، يوم 18 أغسطس/ آب 2020، عندما فاجأ الجميع بإعلان "عزم بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

بدوي قال حينها: "إسرائيل ستستفيد من السودان، ونحن سنستفيد منها ويجب التعامل بندية، إسرائيل ستستفيد منا فائدة عظيمة. تطبيعنا مع إسرائيل سيكون مختلفا ومن نوع فريد ولا يشبه الدول الأخرى".

محور الممانعة

وبالفعل السودان لا يشبه الدول الأخرى، فإذا تجاوزنا مسألة العلاقات الاقتصادية والسياسية، فإن الخرطوم ظل على مدار التاريخ العربي الحديث متصدرا لمحور ممانعة إسرائيل منذ الإعلان عن قيام الدولة العبرية. 

وبانضمام السودان إلى صف التطبيع سيتم كسر واحدة من أكثر حلقات الممانعة رسوخا، كيف لا والخرطوم كان يطلق عليه "عاصمة اللاءات الثلاث"، في المؤتمر العربي الشهير الذي عقد فيها عقب نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967.

كان السودان حاضنا لأكبر مصالحة عربية بين العاهل السعودي الملك خالد وبين الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في ذلك المؤتمر، الذي أعلن فيه العرب بوضوح رفض الاعتراف بإسرائيل، واستمرار المقاومة.

ومنذ ذلك الحين ظل السودان مستهدفا بالمؤامرات والضربات العسكرية من قبل تل أبيب التي تربصت به على الدوام، ففي عام 2009، استهدفت إسرائيل قافلة داخل الأراضي السودانية قالت إنها تحمل أسلحة عبر السودان إلى غزة، قتل فيها 119 شخصا.

وفي عام 2011 قصفت إسرائيل سفينة في ميناء بورتسودان، وفي عام 2012 قصفت طائرة إسرائيلية سيارة مواطن سوداني اتهمته بأنه يهرب الأسلحة إلى قطاع غزة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أغارت طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي على مجمع اليرموك الصناعي  العسكري، جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، ما تسبب في إحداث تدمير شبه كلي بالمجمع الصناعي.

كما أن إسرائيل هي من رعت ودعمت انفصال جنوب السودان، وأمدت الحركات المتمردة في بدايتها بالمال والسلاح، وعززت من الأمر حتى تم تقسيم السودان، وهو الدور الذي لعبته أيضا في دارفور وجنوب كردفان. 

التاريخ الراسخ من الممانعة والصدامات المتكررة حتى وقت قريب، سيكون من أبرز مكتسبات إسرائيل، ما سيمثل خسارة ضخمة للعرب والقضية الفلسطينية، وفوق ذلك الشعب السوداني الذي أعلن رفضه للتطبيع شكلا ومضمونا.