لقاء البرهان ونتنياهو.. لماذا هرول عسكر السودان نحو إسرائيل؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مثل اللقاء بين البرهان ونتنياهو تغييرا كبيرا في العلاقات بين بلدين هما نظريا في حالة عداء، حيث يعد السودان من الدول العربية غير المطبعة مع إسرائيل، ولا يمتلك علاقات دبلوماسية معها، بل كان على قائمة محور الشر والعداء بالنسبة للنظام العبري.

صحيفة "هآرتس" العبرية، أبرزت في تعليقها على لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس المجلس السيادي السوداني عبدالفتاح البرهان، أن "الإطاحة بمن وصفته بـ (الدكتاتور) عمر البشير في أبريل/نيسان الماضي، مهّد الطريق للمضي قدما في تطوير العلاقات بين البلدين".

ثمة محاولات جرت لتطبيع العلاقات خلال حكم البشير، لكنها لم ترق إلى عقد لقاءات على مستوى رفيع مثلما حدث مؤخرا بين البرهان ونتنياهو.

ففي يناير/كانون الثاني 2016، صرح وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، أن الخرطوم يمكن أن تدرس مسألة التطبيع مع إسرائيل.

وفي أغسطس/آب 2107، عبر الوزير الاستثمار السوداني، مبارك الفاضل المهدي، في مقابلة مع قناة "سودانية 24" عن تأييده لإقامة علاقات مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، قائلا: "لا أرى أي مانع في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والأمر قد يكون مفيدا لمصالح السودان".

وفي فبراير/شباط 2019، نقلت وسائل إعلام بريطانية عن لقاء جمع رئيس المخابرات السودانية صلاح قوش مع رئيس الموساد في ألمانيا.

لقاء صادم

في 3 فبراير/ شباط 2020، التقى نتنياهو، بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أوغندا، وهو اللقاء الذي جاء مفاجئا، حيث لم يتم الإعلان عنه مسبقا، ومثل صدمة لمعظم الأوساط السياسية والإعلامية في العالم العربي.

من جانبها، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن اللقاء، تم برعاية الرئيس الأوغندي يوري موسوفيني، وذكرت في بيان "يؤمن رئيس الوزراء نتنياهو بأن السودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي، وعبر عن رأيه هذا في محادثاته مع وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو)".

بينما غرد رئيس الوزراء الإسرائيلي، على تويتر "يريد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان مساعدة دولته في الدخول في عملية حداثة وذلك من خلال إخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم".

من جانبه، أعلن البرهان، في 4 فبراير/ شباط 2020 أنه "تم بالأمس لقاء جمعني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في أوغندا، وقد قمت بهذه الخطوة من موقع مسؤوليتي بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني".

وأضاف البرهان: "أؤكد على أن بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، كما أؤكد على موقف السودان المبدئي من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة، ظل ومازال وسيستمر ثابتا، وفق الإجماع العربي ومقررات الجامعة العربية".

احتفاء إسرائيلي

الصحف ووسائل الإعلام العبرية احتفت باللقاء، وأشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن "التحركات السياسية تشهد في العادة تسارعا من أجل أن تؤتي ثمارها إبان الحملات الانتخابية، وفي حالة السودان، فإن جليد العلاقات معه بدأ في الذوبان".

وذكرت مراسلة "هآرتس" للشؤون الخارجية نوا لانداو، أن "اللقاء مع البرهان دفع معاونين لنتنياهو إلى التكهن بأن من شأن إقامة علاقات ودية مع الخرطوم أن يسهم في تسهيل ترحيل نحو 7000 مهاجر سوداني (غير نظاميين) يعيشون في إسرائيل".

وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن نتنياهو تعهد لأعضاء كتلة الليكود، منتصف يناير/ كانون الثاني 2020، بإبرام اتفاقيات سلام تاريخية مع دول عربية أخرى، مشددا "سنوقف إيران إلى الأبد". كما تعهد بنقل "ما تبقى من أحفاد اليهود الفلاشا الإثيوبيين الذين اعتنقوا المسيحية، إلى إسرائيل". 

ما بين أواخر 1984 وأوائل ،1985، نجحت إسرائيل في نقل 7 آلاف يهودي إثيوبي عبر السودان عبر رحلات جوية، وتوقفت العملية التي حملت اسم "موسى" بعد أن تسربت أنباؤها إلى وسائل الإعلام، لكن المخابرات المركزية الأمريكية رتبت لاحقا نقل بقية اليهود الفلاشا الذين كانوا لا يزالون في السودان إلى إسرائيل.

ونقلت وسائل إعلام عالمية عن الكاتب الصحفي المصري أنيس منصور عام 1985، أن الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري التقى بوزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون قبل عامين في العاصمة الكينية نيروبي وأنهما ناقشا نقل اليهود الإثيوبيين الفلاشا إلى إسرائيل.

ترحيب وغضب

موقف الحكومة الانتقالية جاء متوافقا مع تطبيع البرهان، ففي 5 فبراير/ تشرين الثاني 2020، رحب رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، ذو الميول اليسارية، بالتعميم الصحفي الصادر عن البرهان بشأن اجتماعه مع نتنياهو.

وقال حمدوك: "لا شك أن الطريق إلى التغيير الحقيقي في السودان مليء بالتحديات والعقبات، ومع ذلك يجب أن نعي بأن الالتزام بالأدوار والمسؤوليات المؤسسية أمر أساسي لبناء دولة ديمقراطية حقيقية".

ولم يختلف موقف الجيش السوداني عن موقف الحكومة، إذ أعلن المجلس العسكري تأييده لنتائج "زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، إلى أوغندا، التي التقى خلالها بنيامين نتنياهو".

جاء ذلك في بيان مقتضب صادر عن مكتب المتحدث باسم الجيش السوداني، عقب اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة، وقال البيان: "عُقد اجتماع بالقيادة العامة لقادة القوات المسلحة، وأمّن على نتائج زيارة القائد العام لأوغندا، ومخرجاته، بما يحقق المصلحة العليا للأمن الوطني والسودان".

وزير الإعلام السوداني الناطق باسم الحكومة فيصل محمد صالح نفى علم مجلس الوزراء السوداني بزيارة البرهان، كما نفت وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله علمها باللقاء مؤكدة أنها سمعت بخبر اللقاء عبر وسائل الإعلام مثل أي مواطن.

بينما نفت "قوى الحرية والتغيير" في بيان علمها باللقاء، مؤكدة أنه "لم يتشاور معها أحد بشأنه في أي وقت سابق، وهو أمر مخل ويلقي بظلال سالبة على الوضع السياسي بالبلاد".

اللقاء وتداعياته أحدث غضبا عارما داخل أروقة السياسة والشارع السوداني، وفي 5 فبراير/ تشرين الثاني 2020، شهدت الحكومة الانتقالية أول استقالة احتجاجية بسبب الواقعة، تقدم بها السفير رشاد فراج الطيب، مدير إدارة السياسة الخارجية بمجلس السيادة الانتقالي.

وقال فراج في خطاب استقالته: "بعد سنوات حافلة بالبذل والعطاء من أجل وطني وشعبي العظيم، أجد اليوم عسيرا ومستحيلا على نفسي، الاستمرار في موقعي كمدير لإدارة السياسة الخارجية، بأمانتكم الموقرة، إذ يتعين علي أن أخدم في حكومة يسعى رأسها للتطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني، الذي يحتل القدس الشريف، ويقتل أهلنا في فلسطين، ويعربد في أوطاننا العربية والإسلامية دون رادع".

انقلاب شامل

قال إبراهيم الشيخ القيادي بحزب المؤتمر الوطني "للاستقلال": "موقف الشعب السوداني واضح من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو من أكثر الشعوب العربية والإسلامية رفضا لسياسة الكيان الصهيوني، وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية".

وأضاف: "يكفي السودان فخرا أنه من الدول القليلة التي حافظت على خط الرفض الكامل لإقامة علاقات مع إسرائيل، أو الانزلاق في جريمة التطبيع". 

وأكد القيادي في حزب المؤتمر الوطني: "ما حدث بمثابة انقلاب شامل على إرادة الشعب، وبداية السقوط المزري لهوية الأمة، فنحن لسنا أمام حكومة أو نظام منتخب، ليقرر مصيرنا، وينقلب على تراثنا الوطني، خاصة وأن الأيادي الخارجية تعبث في البلاد حاليا، ولا يخفى على أحد التدخلات الإماراتية، التي تسير بنا نحو الهاوية".

واختتم الشيخ حديثه: "الأخطاء الفجة والمتكررة من النظام، ممثلا في المجلس السيادي، سوف تكون لها تبعات سيئة على استقرار البلاد، والسودان بحاجة إلى ترتيب أوضاعه، وأمنه، وتحسين ظروفه الاقتصادية والسياسية، وإصلاح الشأن الداخلي، أكثر من الدخول في منحى التطبيع مع دولة الاحتلال".

جسر شيطاني

في 4 فبراير/ شباط 2020، نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن مسؤول عسكري سوداني رفيع قوله: إن "لقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا، رتبت له الإمارات، بعلم السعودية ومصر ودائرة ضيقة من كبار المسؤولين السودانيين".

بعد عزل البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019 إثر الاحتجاجات الشعبية، بدا واضحا أن البرهان الذي تولى خلفا للفريق أول عوض بن عوف على رأس المجلس العسكري، كان مرحبا به من السعودية والإمارات، حيث حظي بدعم مطلق من الرياض وأبوظبي هو ومجلسه العسكري الجديد.

وفي 13 أبريل/ نيسان 2019، رحبت أبوظبي بتسلم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي السوداني، واعتبرت الإمارات أن تلك الخطوة "تجسد تطلعات الشعب السوداني الشقيق في الأمن والاستقرار والتنمية".

وعلى نفس النهج تقريبا كانت تسير السعودية بإعلانها "دعم الخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي والوقوف إلى جانب الشعب السوداني".

وحسب تقارير صحفية، فإن البرهان قضى الفترة الأخيرة من حياته متنقلا بين اليمن والإمارات.