الجزائر تكثف حملاتها على المهاجرين الأفارقة.. ما علاقة إيطاليا؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعود ملف اللاجئين الأفارقة للطرح مجددا في الجزائر، لكن هذه المرة من بوابة اتهام منظمات حقوقية للحكومة الجزائرية بترحيل لاجئين أفارقة من بينهم طالبو لجوء لدى المفوضية الدولية.

في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": إن السلطات الجزائرية طردت آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء إلى النيجر في موجات اعتقال أشخاص، معظمهم أفارقة من جنوب الصحراء.

المنظمة الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان أشارت إلى أن الأمر تكرر في 9 مدن على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة، وأن عناصر الأمن فرقت الأطفال عن عائلاتهم خلال اعتقالات جماعية.

ليست المرة الأولى التي تتهم فيها الدولة الجزائرية بترحيل مهاجرين أفارقة في ظروف لا إنسانية، لكن هذه المرة تأتي مع تضاعف المساعي الأوروبية وخاصة الإيطالية لوقف تدفق اللاجئين نحوها، وهو ما يبرر قيام وزيرة داخلية إيطاليا بزيارات إلى المنطقة المغاربية مؤخرا.

ويخشى متابعون أن تتحول الدول المغاربية إلى حرس حدود لأوروبا، ما سيفاقم من تراكم المهاجرين الأفارقة الراغبين في اللجوء لأوروبا، وهو ما قد يؤثر على الوضع الإنساني للاجئين كما سيؤثر على سوق الشغل والاستقرار الاجتماعي في هذه الدول التي تعيش صعوبات اقتصادية.

إدانة حقوقية

منذ أوائل سبتمبر/أيلول 2020، طردت الجزائر أكثر من 3 آلاف و400 مهاجر من 20 جنسية على الأقل إلى النيجر، بينهم 430 طفلا و240 امرأة، بحسب منظمات إنسانية في النيجر.

وبذلك، يتخطى عدد الأشخاص المطرودين إلى النيجر هذا العام 16 ألفا، أكثر من نصفهم بقليل من مواطني النيجر، حيث زجت السلطات الجزائرية أغلبهم في شاحنات وباصات وسلمتهم إلى جيش النيجر، فيما يُعرف بقوافل "رسمية" للإعادة إلى الوطن، بينما تُرك غيرهم في قوافل من جنسيات مختلطة في الصحراء قرب الحدود.

وقالت لورين سايبرت الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين لدى هيومن رايتس ووتش: "يحق للجزائر حماية حدودها، لكن لا يجوز لها احتجاز المهاجرين، بمن فيهم الأطفال وطالبو اللجوء تعسفا، وطردهم جماعيا من دون أي أثر لإجراءات قانونية واجبة. قبل التحرك لترحيل أي شخص، ينبغي أن تتحقق السلطات من وضع الهجرة أو اللجوء الخاص بهم بشكل فردي وتؤمن مراجعات من المحاكم لكل فرد".

وتشكل الاعتقالات وموجات الطرد الأخيرة في الجزائر الارتفاع الأشد في هذه العمليات منذ تفشي فيروس كورونا في مارس/آذار 2020، لكن الجزائر لم تتوقف كليا عن طرد المهاجرين إلى النيجر، حتى بعد إقفال حدودها رسميا مع كورونا، على حد قول مهاجرين وعمال إغاثة.

حملة رسمية

في المقابل أعلنت السلطات الجزائرية ترحيل مئات المهاجرين من جنسيات إفريقية، وإعادتهم إلى بلدانهم، وتفكيك مخيمات وأماكن إقامات عشوائية كان يقيم فيها القادمون من دول الساحل في عدة مدن جزائرية.

وقال وزير الداخلية الجزائري كمال بلجود، خلال جلسة مساءلة في البرلمان مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2020: إن السلطات المختصة رحلت 1500 مهاجر سري، في إطار الاتفاق الثنائي بين الجزائر والنيجر، كذلك رحلت العديد من أبناء الجنسيات الإفريقية نحو بلدانهم الأصلية، الذين ينحدرون من 44 جنسية.

وأكد بلجود أن "عمليات الترحيل جرت وفقا للمعايير الدولية، وفي ظل احترام كامل لحقوق المهاجرين"، مشيرا إلى أن "السلطات تسعى إلى تقليص عدد المهاجرين السريين في الآونة الأخيرة بفضل مجهودات الدولة".

وتابع أن الحكومة تبنت إستراتيجية وطنية للحد من ظاهرة الهجرة السرية، في إطار المعاهدات الدولية لاحترام حقوق الإنسان، قائلا: "الدولة الجزائرية تتكفل بالنقل والإطعام والإيواء في مراكز خاصة قبل الترحيل، وكذا إخضاع أطفالهم للتلقيح ومنحهم الألبسة، ويشرف الهلال الأحمر الجزائري على عمليات الترحيل".

لكن بحسب منظمات حقوقية، خلال التوقيفات احتُجز مهاجرون وطالبو لجوء في مراكز الشرطة ومراكز الاحتجاز والمخيمات، ونُقل كثيرون منهم في الباصات جنوبا. غالبا إلى تمنراست التي تبعد 1.900 كيلومتر عن الجزائر العاصمة.

المهاجرون احتُجزوا لأيام أو أسابيع، وطُردوا من بعدها، وفي حين تُنظم القوافل التي تقل فقط مواطني النيجر وفق اتفاق ثنائي شفهي عُقد في 2014، يختلف الأمر بالنسبة إلى الطرد الجماعي لمجموعات مختلطة الجنسيات إلى الحدود.

وفي عام 2018، قال وزير داخلية النيجر محمد بازوم: إن حكومته طلبت من السلطات الجزائرية وقف طرد المواطنين غير النيجريين إلى حدود بلاده.

شرطة حدود

وفق متابعين قد تكون الحملة الحالية على اللاجئين في الجزائر بقرار سيادي من السلطات، إلا أنها تأتي في وقت كثفت فيه روما من تحركاتها جنوبا في محاولة للحد من الهجرة السرية إلى سواحل أوروبا، خاصة الجزر الإيطالية في قلب البحر الأبيض المتوسط . 

وفي 15 سبتمبر /أيلول 2020، أجرت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشانا لامورجيزي زيارة إلى الجزائر التقت فيها وزير الداخلية وعددا من المسؤولين في البلد المغاربي.

وأوضح بيان صادر عن الوزارة الإيطالية في نفس اليوم أن "من بين القضايا المدرجة على جدول الأعمال التي سيتم تناولها من قبل الوزيرة، هناك مقترح لإعادة تفعيل الشراكة في الشؤون الداخلية والأمن، وتشمل مكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالبشر"، بالإضافة إلى "تعاون أكثر كثافة بين قوات الشرطة ورجال الإطفاء في البلدين".

وأشار البيان إلى "الحاجة إلى إقامة حوار، على أسس إستراتيجية متجددة مع الجزائر أيضا، حول تدفقات الهجرة غير النظامية، والتي تؤثر بشكل خاص على مقاطعة سردينيا".

مسؤولية جماعية

قبلها، وفي خلال أقل من شهر أجرت وزيرة الداخلية الإيطالية زيارتين متتاليتين لتونس خلال شهري يوليو/ تموز، وأغسطس /آب 2020.

وتمحورت اللقاءات التي جرت بين الوفد الإيطالي والجانب التونسي المتمثل في رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ووزيرة الخارجية بالنيابة سلمى النيفر حول تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية والتي ارتفعت خلال الأشهر الماضية رغم الحجر الصحي وانتشار فيروس كورونا.

وفاقت نسبة المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى السواحل الإيطالية بنسبة 150% خلال الأشهر الـ12 الأخيرة أغلبهم تونسيون، حسب تصريحات المسؤولة الإيطالية.

وخلال اللقاء قال قيس سعيد: "قضية الهجرة غير النظامية هي مسألة إنسانية بالأساس لذلك لا بد من معالجة أسبابها" وأكد خلال حديثه مع وزيرة الداخلية الإيطالية أن الهجرة ليست الحل بل إن الحل يكمن في تعاون مختلف الدول من أجل إيجاد حلول تضمن بقاء هؤلاء المهاجرين في بلدانهم وهي مسؤولية جماعية.

وخلال هذا العام، ضاعفت  الحكومة الإيطالية من ضغوطها على تونس بشكل كبير، ودعت مرارا السلطات هناك إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد القوارب المبحرة من الساحل التونسي والقبول بنسبة أعلى من المُرَحلين.

وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو هدد تونس بشكل علني بتجميد مساعدات تنموية - كان تم التعهد بمنحها وتبلغ 6 ملايين و500 ألف يورو- إن لم ترضخ تونس أخيرا وتتعاون بشكل أوثق في مسألة السيطرة على الهجرة.

زيادة حادة

زيادة حادة في أعداد قوارب اللاجئين، التي وصلت من تونس إلى لامبيدوزا (أقرب جزيرة إيطالية لتونس) خلال سبتمبر / أيلول 2020 وعلى متنها أعداد كبيرة من المهاجرين التونسيين والأفارقة.

الخبير في العلاقات الدولية بشير الجويني أكد أن إيطاليا اتفقت مع تونس خلال سبتمبر/أيلول الماضي على مضاعفة عدد المُرَحلين إلى تونس، حيث ستستعيد قرابة  600 مهاجر تونسي شهريا.

وحسب وزارة الداخلية الإيطالية، فقد وصل إلى إيطاليا منذ بداية عام 2020 قرابة 21 ألف لاجئ على متن قوارب، من بينهم 9 آلاف تونسي وهو رقم كبير جدا . 

وأضاف الجويني في حديثه لـ"الاستقلال": "كما أن إيطاليا صعدت من ضغوطاتها تجاه ليبيا حول المهاجرين، فقبل فترة أبلغت روما الحكومة الليبية عن رغبتها في تغيير الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، كما أن إيطاليا لا تزال تمول مراكز احتجاز اللاجئين في ليبيا رغم التقارير الحقوقية التي تؤكد وجود تجاوزات واتهامات بالاتجار بالبشر".

وفق متابعين، فإن نفس الضغوطات تمارس على الجزائر، وهو ما كان سببا مباشرا في الحملة التي شنتها مؤخرا السلطات الجزائرية على المهاجرين.