معهد دراسات إسرائيلي: لهذا تفضل تل أبيب الحياد في أزمة سد النهضة

12

طباعة

مشاركة

وصلت التوترات بين مصر وإثيوبيا إلى نقطة الغليان في يوليو/تموز 2020، وكان آخرها بدء ملء خزان "سد النهضة'' بعد سنوات من المحادثات غير المثمرة في محاولة لصياغة تفاهمات.

وبعد أشهر من المناقشات الحثيثة بين الطرفين، بما في ذلك المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي، يصعب على الطرفين الوصول إلى حل وسط على اعتبار أن هذه القضية إستراتيجية "وجودية" ذات معان عملية ورمزية.

في خضم ذلك، فإن لإسرائيل مصلحة في تحقيق تسوية دبلوماسية من شأنها زيادة الاستقرار في المنطقة وفي البلدين، وإيجاد حلول بنّاءة لمشاكلهما في المياه والطاقة، ومنع سباق التسلح وخطر التصعيد، وفق دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.

ويقول المعهد: إن التورط في نزاع خلال هذه الفترة الحساسة قد يضر إسرائيل أكثر مما ينفع، وبالتالي من الأفضل لتل أبيب اتخاذ موقف محايد. 

من ناحية أخرى، وإذا ما تم التوصل إلى اتفاقات بين مصر وإثيوبيا والسودان، ستكون إسرائيل قادرة على المساهمة في تطوير النظام الإقليمي في حوض النيل.

وأعد الدراسة "أوفير وينتر" الباحث في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) والمحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة "تل أبيب" "وآشر لوفوتسكي" - طالب دكتوراه في التاريخ الإفريقي بجامعة إنديانا.

وتطرقا إلى إعلان إثيوبيا خلال الصيف الحالي وقبيل بداية (موسم الأمطار في المنطقة) عزمها البدء في ملء خزان "سد النهضة" حتى بدون اتفاق مع مصر والسودان.

وعلى الرغم من إطلاقها في يوليو/تموز، ومن خلال صور الأقمار الصناعية فقد شوهدت المياه في الخزان، بعد الإنكار الأولي من إثيوبيا التي اعترفت لاحقا ببدء الملء بالفعل.

في المقابل نفسه، تشهد مصر قلقا متزايدا بشأن الأضرار المحتملة لإمدادات مياه النيل الأزرق - المسؤولة عن حوالي 85 ٪ من جميع مياه النيل التي تتدفق إلى أراضيها، والتي تعتمد عليها كمصدر مياه شبه حصري - وبالتالي يتطلب من إثيوبيا الامتناع عن ملء السد من جانب واحد.

وانضمت السودان إلى الموقف المصري، وهي تحظى بدعم الولايات المتحدة من حيث المبدأ، التي قررت قطع بعض المساعدات الاقتصادية المقدمة لإثيوبيا.

ويرى معدو الدراسة أن سد النهضة هو مشروع ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية بدأت إثيوبيا في بنائه في عام 2011 باستثمار يصل لمليارات الدولارات، وفي قلب الخلاف بين الدول هناك عدد من القضايا. 

على مستوى المبادئ، تبرز مسألة الحق التاريخي على مياه النيل وعواقبه القانونية؛ وعلى الصعيد العملي تأتي قضية ملء الخزان، حيث تهدف مصر إلى إبطائه إلى 12 عاما، بينما تهتم إثيوبيا بتسريع وتيرة العمل به إلى ثلاث أو أربع سنوات.

تطلب مصر أيضا وضع قواعد لملء السد في السنوات المتوقفة، وهذه الالتزامات ستقلص حق إثيوبيا في بناء سدود إضافية على طول النيل الأزرق، بالإضافة إلى آلية ملزمة ومتفق عليها لحل النزاعات المستقبلية، والتي ستمنع أديس أبابا من السيطرة الحصرية على إدارة النيل.

وتجسد قضية السد المشحون المصالح المتضاربة حول استغلال الموارد المائية الحيوية للأمن القومي للبلدين. إثيوبيا مهتمة بسرعة بناء السد وملئه لأسباب اقتصادية وأخرى تتعلق بالبنية التحتية.

ومن المفترض أن تحل مخرجات السد مشاكل الكهرباء (لحوالي 65 % من سكان إثيوبيا المقطوعين من شبكة الكهرباء الحكومية) وتحسين إمدادات مياه الشرب والري.

ومن المتوقع أن يولّد السد حوالي 6500 ميغاواط من الكهرباء سنويا ويسمح بتنظيم مياه النيل الأزرق لصالح الزراعة الإثيوبية، مما سيمكنها من مواجهة موجات الجفاف المتكررة في البلاد.

لذلك، تلقي الحكومة الإثيوبية شغفها بإنتاج السد، وتأمل أن تتمكن من التغلب على عقبات كبيرة في تنمية الدولة التي يبلغ عدد سكانها 110 ملايين نسمة، ومن المتوقع أن تتجاوز 200 مليون نسمة في عام 2050. 

مصر، التي تضم أيضا أكثر من 100 مليون نسمة، تعاني من نقص شديد في المياه حتى قبل ملء السد وهي تميل إلى الإشارة إلى أن إثيوبيا مكتفية من المياه وتشكك في قدرة السد على تلبية رغباتها النشيطة وتحذر من الفشل المهني في بنائه. 

أدوات ضغط

ويشير معدّو الدراسة إلى أنه في العام 2019، مع اقتراب الموعد النهائي لبدء ملء الخزان، عملت مصر بنشاط في الساحة الدبلوماسية لحمل إثيوبيا على توقيع اتفاقية من شأنها جسر المصالح المتضاربة بين الجانبين.

وأعربت القاهرة عن أملها في أن تؤدي الوساطة الأميركية ومن ثم تدخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى اعتدال النهج الإثيوبي على الرغم من أن إثيوبيا شاركت مع مصر والسودان في محادثات تحت مظلة واشنطن بين نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وفبراير/شباط 2020 (بمشاركة البنك الدولي).

إلا أنها رفضت قبول الوسيط الأميركي والتي تدعي أنه يميل بوضوح إلى الجانب المصري. ورأت مصر في السلوك الإثيوبي دليلا على رفض أديس أبابا، واتهمتها بعرقلة الاتفاق بشكل مقصود.

وتعتزم إثيوبيا وبعض مؤيديها في إفريقيا (بقيادة جنوب إفريقيا والنيجر) معارضة المصريين في إقحام مجلس الأمن في هذه القضية، بدعوى أنه ليس لديها سلطة اتخاذ قرار بشأنها.

وفي يونيو/حزيران 2020، توسط الاتحاد الإفريقي في المحادثات الثلاثية وكان على رأسه رئيس جنوب إفريقيا "سيريل رامبوزا"، ولكن دون تقدم ملموس أو تحقيق اختراق حتى الآن.

وفي الوقت نفسه، سجلت مصر بعض النجاح في تقريب السودان  التي وقفت سابقا إلى جانب الإثيوبيين، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤثر على الإثيوبيين.

وعلى عكس التهديدات باستخدام القوة العسكرية لمنع إثيوبيا من بناء السد، الذي برز خلال الحكم القصير لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وضع رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي أنظاره على القناة الدبلوماسية لحل الأزمة.

وتقول الدراسة: "من الواضح أن مصر التزمت بهذا النهج حتى الآن وتمتنع عن التهديدات العسكرية الصريحة ضد إثيوبيا، على الرغم من أن المسؤولين الإثيوبيين تناولوا القضية وادّعوا بأنهم سيكونون على استعداد لصد التهديد العسكري المصري". 

وتركز الإستراتيجية المصرية على ممارسة ضغوط دولية على إثيوبيا بهدف تأخير ملء السد أو على الأقل الحد من نطاقه، مع التحذير من أن تشغيل السد يتعارض مع القانون الدولي ويهدد أمن ورفاهية القارة.

في الوقت نفسه، تعمل مصر على خلق أدوات ضغط عربية وإفريقية على إثيوبيا وأصدرت الجامعة العربية دعوة لإثيوبيا بالامتناع عن ملء السد من جانب واحد، وقالت: إن "الأمن المائي لمصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي".

كما أن مصر متحالفة مع دول الخليج - التي تستثمر في مشاريع اقتصادية في إثيوبيا - لممارسة نفوذها في أديس أبابا من أجلها، على الرغم من أنه ليس من الواضح مدى استعدادهم للعمل من أجل تعزيز المصلحة المصرية. 

بالإضافة إلى ذلك، تحاول مصر الاقتراب من جيران إثيوبيا، بما في ذلك جنوب السودان والصومال. ووفقا لتقارير مختلفة، تشارك حتى في أنشطة سرية تهدف إلى جعل إثيوبيا تنظر في المصالح المصرية، مثل دعم الانفصاليين في أديس أبابا أو العناصر المعادية في الدول المجاورة.

وتدعو مصر إلى تحويل أزمة السد إلى فرصة لإقامة شراكة إقليمية مع إثيوبيا والسودان وتعزيز التعاون بحوض النيل بما يلبي تطلعات أديس أبابا لتسريع التنمية في مجالات الاقتصاد والطاقة والزراعة دون المساس بإمدادات مياه النيل.

وتتماشى هذه الرؤية مع محاولة القاهرة أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، وتتضمن أفكارا مثل ربط شبكات الكهرباء بدول المنطقة بطريقة تسمح ببيع الكهرباء المصرية إلى إثيوبيا، وكذلك صادرات الكهرباء المولدة من السد الإثيوبي إلى مصر، عبر أوروبا وقبرص واليونان. 

وترى الدراسة أنه قد تصبح الموارد الإقليمية موضوع تعاون بدلا من قضية نزاع وينعكس هذا الرأي بوضوح في موقف مصر من سد النهضة الإثيوبي والغاز في شرق البحر المتوسط. 

ولا يزال السيسي يعتقد أن السد يمكن أن يكون بمثابة افتتاح للتعاون الإقليمي، بشرط أن يلتزم الطرفان بعدم الانتهاك المتبادل فيما يتعلق بالقضية الثانية، فقد نجح بالفعل في بناء شبكة من التعاون الإقليمي حول الغاز، وفق الدراسة.

وترجح أن تواصل مصر نشاطها الدبلوماسي المتسارع بالتعاون مع السودان، في محاولة لحث إثيوبيا على التوصل إلى اتفاق من شأنه تطبيق قيود على إدارة السد.

إذا فشلت هذه الجهود أيضا وتفاقم الضرر الذي لحق بالاقتصاد المائي المصري، فسوف تزداد احتمالية استخدام القوة.

ومع ذلك، فإن التطورات التي حدثت خلال العام 2019 تعزز التقدير بأن إثيوبيا لن تكون في عجلة من أمرها لمنح مصر تنازلات كبيرة. فالقاهرة لديها جيش قوي وقواتها الجوية تصنف في المركز العاشر في العالم (على الرغم من أن خبرتها في الهجمات المعقدة وطويلة المدى محدودة) حسب معدي الدراسة . 

ومع ذلك، فإن احتمالية العمل العسكري ضد مصر في هذه المرحلة منخفضة، بسبب التحدي العملياتي الذي ينطوي عليه مثل هذا الهجوم وبسبب الفائدة المحدودة للعملية على المدى الطويل.

أكثر من الماء

بصرف النظر عن الثغرات العملية فيما يتعلق باستخدام مياه النيل، فإن أزمة سد النهضة مصحوبة بروايات تاريخية متنافسة، مما يجعل من الصعب على مصر وإثيوبيا الوصول إلى اتفاق، حيث أصبح الصراع على السد مصلحة وطنية.

أولا، يختلف الجانبان فيما بينهما حول الحق الأساسي في استخدام مياه النيل.

التزمت مصر بحقها في استخدام معظم مياه النيل، وحق النقض (الفيتو) على المبادرات التي تعرض حصتها المائية للخطر، بالاعتماد على اتفاقيتين أساسيتين: اتفاقية وقعتها مصر وبريطانيا عام 1929، والتي كانت تمثل مستعمراتها في إفريقيا (بما في ذلك السودان)، واتفاقية تكميلية وقعتها مصر والسودان عام 1959. 

أعطت الاتفاقية الأخيرة مصر الحق في استخدام الجزء الأكبر من مياه النهر (حوالي 55.5 مليار كوب) والسودان حصة أصغر (حوالي 18.5 مليار كوب)، بينما لم يتم تخصيص أي شيء لباقي دول الحوض. 

علاوة على ذلك، ووفقا لمصر التي تعتبر نفسها "أرض النيل" فإن ملكيتها لمياه النهر لا جدال فيها. 

وهي تعتمد على ارتباطها التاريخي بالنهر وليس فقط على اتفاقيات توزيع المياه الحديثة، فلقد كان النيل القلب النابض لمصر منذ أيام الفراعنة وشريان الحياة وجزء لا يتجزأ من هويتها، وبالتالي، ترفض القاهرة الاعتراف بحق الدول الأخرى في حوض النيل في تغيير شكل استخدام المياه من جانب واحد ودون موافقتها.

من ناحية أخرى، ترى إثيوبيا أن الاتفاقيات التي تعتمد عليها مصر تستند إلى إرث استعماري لاستغلال الدول الإفريقية: اتفاقيات مفروضة على أديس أبابا (لم توقعها) من قبل بريطانيا ومصر.

 وتجدر الإشارة إلى أنه كان هناك عداء طويل الأمد بين أديس أبابا والقاهرة، حيث كانت أجزاء من إثيوبيا حتى تحت الاحتلال العسكري المصري في السبعينيات والثمانينيات، والتي تعتبر مصر نفسها بسببها قوة استعمارية، وفق الدراسة.

الدعاية الإثيوبية تعتبر السد "القشة الأخيرة لكسر ظهر الجمل الاستعماري"، مما يجعلها على قدم المساواة مع الإنجازات الأخرى المناهضة للاستعمار في التاريخ الإثيوبي.

 وبناء على ذلك، تعارض إثيوبيا من حيث المبدأ أي انتهاك لسيادة قرارها، وهي مصممة على تحرير نفسها من القيود المفروضة على استغلال الموارد الطبيعية داخل أراضيها.

 كما أن مصر من جهتها تزرع - خاصة منذ 1952 - روح التحرير الوطني التي تحققت في أعقاب النضال ضد الاستعمار، وفي مواجهة الاتهامات الإثيوبية تؤكد أن حقها في النيل يقوم على أسس تاريخية قبل الترتيبات الاستعمارية، بحسب تعبير الدراسة.

ثانيا، قضية النيل لها بعد داخلي سياسي مهم لكلا البلدين وبما يتعلق بنظام السيسي، فإن "الاستسلام" لإثيوبيا في مثل هذه القضية المركزية قد يؤدي لمفهوم الفشل في السياسة التصالحية التي أدت إلى الأزمة والإضرار بصورتها العامة.

ولذلك يرى معدو الدراسة أن ملء السد لن يمثل فشلا مصريا، بل على العكس من ذلك، سيدخل الصراع مرحلة دبلوماسية جديدة تصر فيها مصر على تدخل مجلس الأمن، بل وتتحول إذا لزم الأمر إلى التحكيم الدولي.

 وفي هذا السياق، يلفت البعض الانتباه إلى تشجيع إسرائيل بشأن السيطرة على طابا، والذي صدر عام 1988 لصالح مصر.

في حالة إثيوبيا أيضا، قضية السد لها أبعاد سياسية مهمة، عمل رئيس وزرائها "آبي أحمد" على بناء صورته كزعيم ومصلح ومحلل للصراع، ويقود بلاده إلى وضع القوة الاقتصادية الإفريقية. 

وبعد أن حسم - رسميا على الأقل - الصراع الطويل مع إريتريا، فهو مصمم على إعادة إحياء السد إلى النشاط ويصبح النظر للصورة أكثر صحة في ظل الوضع الداخلي الراهن في البلاد. 

فالحكومة الإثيوبية مطالبة باستمرار بتمجيد إنجازاتها في مواجهة الوجود البارز للجهات الانفصالية والمعارضين الطاعنين في شرعية الدولة الإثيوبية. 

هذه التحديات الداخلية حادة بشكل خاص في العام الحالي، الذي كان من المفترض أن يكون عام الانتخابات، والذي سيكون وفقا لآبي حرية لأول مرة في التاريخ الإثيوبي (وفي الوقت نفسه تم تأجيله بسبب أزمة كورونا).

كما أن عاملا آخر في الضغط الداخلي على الحكومة الإثيوبية ينبع من حقيقة أن التمويل لمعظم السد تم الحصول عليه من خلال بيع السندات لمواطني البلاد الذين يتوقعون - بصبر متزايد - عائدا اقتصاديا على استثماراتهم.

مصلحة إسرائيلية

ويلفت معدّو الدراسة إلى أن الصراع من أجل سد النهضة هو بين دولتين لهما أهمية إستراتيجية لإسرائيل، مصر هي الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان وأول من وقع اتفاقية سلام مع "تل أبيب" بصفتها الجار الجنوبي لها، وهي تشترك معها في مجموعة من المصالح المشتركة - الأمنية والسياسية والاقتصادية. 

إثيوبيا دولة رئيسية في الساحة الإفريقية، وخاصة في منطقة القرن الإفريقي بالقرب من البحر الأحمر فهي تشهد عمليات تنموية متسارعة، ومن هنا أهميتها بالنسبة لإسرائيل التي تسعى إلى توسيع روابطها السياسية والاقتصادية في القارة. علاوة على ذلك، تقيم إسرائيل علاقات وثيقة مع قيادتي البلدين.

ويرى الكاتبان أنه من الواضح أن إسرائيل اتخذت قرارا بتجنب التورط في أزمة سد النهضة، وتتخذ الموقف الحيادي وهي تركز على دعم "حل يعود بالفائدة على مصر وإثيوبيا" بل لها مصلحة واضحة في تحقيق تسوية دبلوماسية تزيد من استقرار البلدين والمنطقة، وتقود الحلول البنّاءة لأزمة المياه والطاقة التي تعيق البلدين، وتمنع سباق التسلح وخطر التصعيد.

وفي الوقت نفسه قد تنجر إسرائيل - عن طيب خاطر أو كرها - إلى التورط في هذا الصراع الحساس. 

وبحسب مصادر صحفية، طلبت مصر من إسرائيل في عام 2018 استخدام نفوذها في إثيوبيا في قضية السد لصالحها، ومن ناحية أخرى، ربطوا "تل أبيب" في عام 2019 بإنشاء نظام دفاع جوي حول السد الإثيوبي - وهو تقرير تسبب في عاصفة في القاهرة ودفع السفارة الإسرائيلية هناك لنشر خبر ينفي ذلك.

ويرى الكاتبان أنه طالما لم يتم حل النزاع بين مصر وإثيوبيا، فمن الأفضل لإسرائيل الالتزام بالحياد المطلق وتجنب أي تدخل في القضية المتفجرة، وذلك لعدة أسباب: 

الأول هو صراع حساس ومعقد تقدم فيه دولتان صديقتان تعرضا حججا قوية وليست لإسرائيل مصلحة لتفضيل طرف على آخر .

الثاني، فرص نجاح الوساطة الإسرائيلية بين الدول منخفضة، حيث لا تتمتع بميزة نسبية مقارنة بالدول أو الهيئات الدولية الأخرى التي حاولت التوسط بين الطرفين وفشلت. 

ثالثا، قدرة إسرائيل على تقديم حلول عملية لأزمة المياه الكامنة وراء الأزمة محدودة، نظرا لإحجام مصر عن التطبيع في هذا المجال، وخاصة في ظل شدة التحدي الذي تمثله ندرة الموارد المائية في المنطقة، والنمو الديموغرافي، وتفاقم تغير المناخ وصعوبة زيادة رأس المال اللازم لحلول التحلية بالقدر اللازم.

رابعا، يتماشى الموقف الإسرائيلي المحايد من قضية السد مع تفضيلها عدم اتخاذ قرار بالخلاف القانوني - الذي له بعد ديني وتاريخي - بين الكنيسة القبطية المصرية والكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية حول السيطرة على دير السلطان في البلدة القديمة في القدس.

علاوة على ذلك، فإن التورط في الصراع ينطوي أيضا على مخاطر الإضرار بصورة إسرائيل في مصر، حيث غالبا ما تُنسب إليها مؤامرات لا أساس لها.

 ومن الاتهامات الشائعة في الخطاب العام المصري منذ سنوات أن إسرائيل تشجع إثيوبيا لتخريب المصالح الوطنية لمصر في قطاع المياه ومن ناحية أخرى، تُسمع أصوات مصرية رصينة، لها علاقات مع "تل أبيب" وتعارض الخطاب التآمري. 

في الآونة الأخيرة، تم إخراج الاتهامات ضد إسرائيل بشأن السد من صميم الخطاب، وبالتالي من الأفضل الحفاظ على مسافة آمنة من الأزمة وعدم إعطاء سبب أو آخر لإثارة هذه الاتهامات مرة أخرى، وفق تقدير الدراسة.

من ناحية أخرى، عندما تتوصل مصر وإثيوبيا في نهاية المطاف إلى صيغة تسوية متفق عليها، ستكون إسرائيل قادرة على النظر بشكل إيجابي في الاندماج في التعاون الإقليمي الذي تسعى إليه مصر في حوض النيل.

وتمتلك إسرائيل المعرفة والأدوات التكنولوجية المتقدمة في مجال المياه والزراعة وقدرة على تقديم مساهمة إيجابية في تنمية دول المنطقة، إذا كانت مهتمة باستخدامها.

 وقد تكون علاقات إسرائيل الإستراتيجية مع مصر في مجال الطاقة في إطار "منتدى الغاز الإقليمي لشرق المتوسط" (EMGF) بمثابة منصة لتعزيز المزيد من التعاون في هذه القضية أيضا، وهذا قد يجري مع انفتاح السودان المتزايد على تل أبيب، وهو ما يؤكد  قدرة تل أبيب الحفاظ على علاقات مفتوحة مع الطرف الثالث في المعادلة أيضا، بحسب الدراسة.

ولفت معدّو الدراسة إلى أنه في هذا السيناريو المتفائل، سيوفر السد لكل من إثيوبيا والسودان فرصا هائلة لتطوير الزراعة في أراضيهم، وهو مجال آخر يمكن لإسرائيل المساهمة فيه (وبالتالي توسيع العلاقات تدريجيا مع الخرطوم).

وبالتالي، على الرغم من أن إسرائيل ليست جزءا من الصراع على المياه بين مصر وإثيوبيا، ومن الجيد أنها كذلك، فقد يتم دمجها في المبادرات الإقليمية في حقبة ما بعد السد في الوقت نفسه.

وأردفت الدراسة: "بما أن هذه قضية وجودية تقع في صميم الأمن القومي لجميع الأطراف المعنية، يجب على إسرائيل أن تستمر في التعامل معها بالحساسية المطلوبة".