حراك مالي.. خريطة القوى السياسية والتحالفات التي أطاحت بالرئيس

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صباح الثلاثاء 18 أغسطس/ آب 2020، استيقظ الماليون على دوي مرتفع لأصوات الرصاص قرب العاصمة "باماكو"، وعلموا أن الاشتباك يأتي من ثكنة "سوندياتا كيتا" العسكرية، وسرعان ما شاهدوا الأرتال العسكرية والجنود ينتشرون في الشوارع وحول المؤسسات الحكومية الرسمية. 

في المساء تبين كل شيء، مع إعلان مجموعة من ضباط الجيش، إسقاط نظام الرئيس بوبكر كيتا، بعد أشهر من الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية الواسعة المنددة بحكمه. 

في 26 يناير/كانون الثاني 2020، بدأت اجتماعات الحركات السياسية والأحزاب المناوئة للرئيس كيتا قبل أن تعلن عن تشكيل جبهتها الموحدة لإسقاطه.

وفي 5 يونيو/حزيران 2020، بدأت التظاهرة السياسية الكبرى، التي انتهت بمطالبة الرئيس بالتنحي عن الحكم مع توالي جمعات الغضب الشعبي، قبل أن تندلع شرارة العنف بسقوط قتلى برصاص شرطة الرئيس المعزول.

أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات في أزمة مالي الأخيرة، ما هي الأحزاب التي قادت الحراك؟ ومن هو الداعية محمود ديكو، الملقب بـ "إمام الشعب"؟ وهل كان له دور محوري في إسقاط الرئيس؟ ومن هم قادة الجيش الذين كانت لهم الكلمة العليا في إنهاء حكم بوبكر كيتا؟.

تحالف المعارضة

المسرح السياسي المالي يضم نحو 20 حزبا سياسيا، بتوجهات وائتلافات وأيديولوجيات مختلفة، ورغم ذلك، توحدت العديد من الأحزاب خلال الحراك الأخير الذي انتهى بالإطاحة بالرئيس بوبكر كيتا، تحت غطاء تحالف "تجمع القوى الوطنية" الذي يختصر اسمه بـ"M5" أي حركة "5 يونيو"، ويضم شبكة واسعة من النشطاء السياسيين، وممثلي المجتمع المدني، والحركات الشبابية. 

وتتمثل مكونات التحالف الرئيسية في مجموعة من التشكيلات الكبرى، على رأسها منسقية الجمعيات الداعمة للإمام محمود ديكو، المعروف بـ "إمام الشعب"، وهي الذراع السياسية للإمام ديكو، ويعتقد أن تتحول رغم تعدد عناصرها وأقطابها، إلى حلف سياسي يدفع بالإمام إلى واجهة المشهد السياسي رغم الإعلانات المتكررة بأنه لن يترشح للرئاسة، وسيعود لأداء دوره نحو الأمة في المسجد. 

يمتلك الشيخ محمود ديكو رصيدا سياسيا وشعبيا واسعا، إثر دوره التاريخي في إسقاط قانون الأسرة سنة 2009 ثم إسقاطه قانون "التربية الجنسية" سنة 2019المناهض للشريعة الإسلامية، ما رفع من رصيده وشعبيته لدى مختلف الأطراف النافذة في مالي بما فيها المؤسسة العسكرية.

كذلك تأتي حركة استعادة الأمل بقيادة وزير الثقافة السابق الفنان السينمائي، "الشيخ عمرو سيوسكو"، وتضم هذه الحركة أكثر من 20 جمعية وتنسيقية من المجتمع المدني، وسبق أن طالبت في وثيقة نشرتها برحيل النظام، ودعت الشعب المالي إلى ثورة يستعيد بها السلم والديمقراطية والتنمية.

كما توجد جبهة حماية الديمقراطية، برئاسة الوزير السابق، "تشوجويل كوكالا ميجا"، التي تأسست ردا على إعلان المحكمة الدستورية فوز الرئيس كيتا في انتخابات 2018 المزورة، وفق المعارضة، وتضم هذه الجبهة سياسيين متعددين، من بينهم مرشحون سابقون للرئاسة ووزراء سابقون ومسؤولون كبار.

إلى جانب هذه القوى المنتظمة، واجه النظام الحاكم في مالي رفض قوى أخرى، أبرزها، أنصار الزعيم المختطف، سوميلا سيسي، الذي كان يشغل منصب رئيس حزب التحالف من أجل الجمهورية.

وكذلك يوجد أنصار الشريف، "محمدو ولد الشيخ حماه الله"، المعروف بـ"شريف نيورو"، ويمثل هذا الشيخ الموريتاني الأصل أحد أهم أقطاب التأثير الروحي والسياسي في مالي، ويتجاوز أنصاره مئات الآلاف.

"إمام الشعب"

مع ذكر القوى الشعبية التي أطاحت بـ "بوبكر كيتا" رئيس مالي، لا بد وأن يذكر أحد أبرز أقطاب القيادة الميدانية والجماهيرية للشعب المالي، وهو الشيخ "محمود ديكو" الملقب بـ"إمام الشعب"، الذي برز اسمه على الساحة الدولية في خضم الانتفاضة الشعبية، بينما يطلق عليه خصومه والإعلام الغربي "خميني مالي".

محمود ديكو، هو داعية إسلامي مالي، ولد عام 1954 لأسرة مالية عريقة في تحصيل العلوم، فحفظ ديكو القرآن ولم يبلغ بعد 15 عاما، ودرس اللغة العربية والمتون الفقهية في المذهب المالكي، وفي عام 1970 التحق بمعهد العلوم الإسلامية في موريتانيا، ثم توجه إلى المدينة المنورة فتتلمذ على يد العلامة "عمر الفلاتة".

بعد عودته إلى مالي أصبح إماما لأحد المساجد بعاصمة البلاد "باماكو"، وعد من رموز التيار الإصلاحي بالبلاد، كما شغل منصب "رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بمالي" الذي يبت في سائر الشؤون الدينية. 

تعاظم نفوذه بعد حصوله على دعم الشيخ "محمد ولد حماه" الزعيم الصوفي، الذي يصل عدد أتباعه في مالي إلى مئات الآلاف، فضلا عن مريديه في "موريتانيا، وساحل العاج، وبوركينا فاسو".

شهد عام 2009، ولادة ديكو كزعيم ديني، بعد قيادته الحراك الاحتجاجي للأئمة والدعاة، الذين أسقطوا مدونة الأحوال الشخصية المالية، واعتبارها مخالفة للشريعة الإسلامية.

وفي عام 2013 ساهم بقوة في وصول الرئيس بوبكر كيتا (المعزول حاليا) إلى السلطة، وذلك بتعبئة الفعاليات الانتخابية، وأتباعه للتصويت له في الانتخابات. 

ورغم دعم الإمام محمود ديكو، للتدخل العسكري الفرنسي في مالي عام 2013، لإنقاذ البلاد من الجماعات المتشددة، لكنه اتهم باريس أيضا بسعيها إلى إعادة استعمار بلاده، وفشلها حتى الآن في تنفيذ مهمتها بالقضاء على المسلحين.

زعيم معارض

في عام 2017، تخلى ديكو عن الرئيس بوبكر كيتا، وكان هذا أول مسمار في نعش رئاسة كيتا، حيث قدم محمود ديكو استقالته من رئاسة "المجلس الإسلامي الأعلى"، وشكل حركته السياسية الإسلامية الخاصة به، وأطلق عليها "تنسيق الحركات والجمعيات والمتعاطفين" واختصارها "CMAS".

وجه ديكو لكيتا اتهامات بالفساد والمحسوبية وضعف الخدمات العامة، وسوء الممارسات الانتخابية، وعجز الحكومة والرئيس عن وضع حد للعنف والطائفية، والنهوض الاقتصادي بالبلاد. 

ومع أن ديكو لم يعلن مطلقا رغبته في تغيير الدستور العلماني لمالي، ولا تحكيم الشريعة الإسلامية، لكنه في عام 2018 اعتبر أن الرئيس بوبكر كيتا، يريد تحويل العلمانية القائمة، إلى نظام معاد للدين وللمؤسسة الدينية.

وفي عام 2019 نظم احتجاجات ضخمة قادها بنفسه ومع لفيف واسع من أنصاره، أدت في نهايتها إلى الإطاحة برئيس الوزراء سوميلو بوبيي مايغا، وهو ما جعل المعارضة السياسية بمختلف أركانها، تدرك مدى قوة الضغط الشعبية الهائلة التي يتمتع بها ديكو، فالتفوا حوله، وأصبحت حركته "تنسيق الحركات والروابط والمتعاطفين" هي التنظيم الأساسي للمعارضة.

وفي نهاية مارس/ آذار 2020، ظهرت فاعلية المعارضة الموحدة ضد الرئيس كيتا، بعدما دعا ديكو، وحلفاؤه إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية، هو ما أدى إلى ضعف الإقبال، ورفض النتائج من الطيف السياسي المالي، بالإضافة إلى المؤسسة القضائية. 

وفي 5 يونيو/ حزيران 2020، اندلعت الموجة الاحتجاجية الكبرى، التي قادها ديكو وفصائل المعارضة، وطالبوا في البداية بإلغاء الانتخابات التشريعية، وحل المحكمة الدستورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإدارة مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة. 

ومع اندلاع العنف من قبل الأجهزة الأمنية، وسقوط قتلى من المتظاهرين، وصلت المطالبات إلى تقديم الاستقالة الفورية من قبل الرئيس بوبكر كيتا.

كلمة النهاية

لا يمكن فصل الجيش عن جماعات الضغط السياسي داخل الدولة التي أطاحت بالرئيس كيتا، ففي نهاية المطاف، كان لكبار الضباط والقادة العسكريين، الكلمة العليا في إنهاء حكم كيتا المضطرب. 

وفي 18 أغسطس/آب 2020، سُمعت أصوات الرصاص بالقرب من العاصمة، باماكو، وشوهدت سيارات عسكرية وجنود مدججون بالسلاح، ينتشرون في شوارع العاصمة، وهنا بدأ الحديث يتصاعد عن تحركات عسكرية يقودها قادة من الجيش.

وفي مساء ذلك اليوم، تم اقتياد كيتا، إلى ثكنة عسكرية، ولم يشفع لرئيس الوزراء، بوبو سيسي، بيانه الذي أعرب فيه عن بعض التفهم لما يحدث ودعا إلى الحوار، فاعتُقل بدوره ومعه عدد من الوزراء.

من بين أسماء القادة العسكريين الذين أطاحوا بالرئيس، برز اسم "اللجنة الوطنية لخلاص الشعب" وتضم العقيد آسيمي غويتا، قائد القوات المالية الخاصة (BAFS)، والذي أصبح رئيسا للجنة.

وتضم أيضا اللجنة اسم العقيد مالك دياو، نائب قائد ثكنة كاتي، وأشيع أنه زعيم الحراك، وسبق له التدريب في روسيا، والعقيد ساديو كمرا، الذي دخل قادما من روسيا حيث كان في دورة تدريبية قبل 15 يوما فقط، وقيل عنه: إنه العقل المدبر، بجانب العقيد إسماعيل واغي، الناطق الرسمي باسم اللجنة.

وينتمي هؤلاء الضباط للمستويات العليا والمتوسطة في الجيش المالي، وشكلوا مسارهم العسكري من قتال الجماعات المتمردة في الشمال، وحصلوا على دورات تدريبية وتكوينية عديدة في دول خارجية منها روسيا والولايات المتحدة. 

مراقبون يرون نجاح هذه المجموعة في الإطاحة بالرئيس بوبكر كيتا بسرعة ودون خسائر كبيرة من القتلى، دليلا على تحكمهم القوي في سائر أفرع الجيش، وأنهم كانوا يجهزون للعملية منذ مدة.