آلاف الأسر بلا مأوى.. لماذا لم تتم إعادة إعمار قطاع غزة حتى الآن؟

أحمد علي حسن | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

ثلاثة حروب إسرائيلية شهدها قطاع غزة منذ 2008 وحتى 2014، تخللتها تصعيدات أمنية أدت جميعها إلى تدمير أعداد هائلة من البيوت والمقار الأمنية والمساجد والمؤسسات التعليمية والصحفية.

الحرب الأخيرة التي استمرت 51 يوما كانت الأقسى على القطاع من جميع النواحي، خاصة على صعيد البيوت المدمرة سواء بشكل كلي أو جزئي.

وخلال تلك السنوات مدت غزة يدها إلى المتبرعين في جميع أنحاء العالم، من أجل إعادة إعمار البيوت المهدمة، لكن العمليات شهدت حركة خجولة مقارنة بالأموال الممنوحة، لأسباب لوجستية وسياسية.

فبعض الخلافات السياسية السابقة بين دول عربية وحركة المقاومة الإسلامية حماس، واستمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، كلها عوامل حالت دون إحراز تقدم ملموس على صعيد إعادة إعمار القطاع.

وبعد مرور أكثر من خمسة أعوام على انتهاء الحرب الثالثة، لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية في قطاع غزة، ويرجع ذلك إلى استمرار الحصار الإسرائيلي.

وأدى التأخر في عملية إعادة الإعمار إلى تداعيات وُصفت بالخطيرة على الأوضاع الاقتصادية في غزة، حيث حذرت العديد من المؤسسات الدولية والإغاثية من تداعيات إبقاء الحصار وتأخر الإعمار على كافة الأصعدة.

دمار هائل

وفي مسح أجرته "الاستقلال" تبين أن الحروب الثلاثة أدت إلى تدمير 16300 وحدة سكنية بشكل كامل، إضافة إلى تضرر 178 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي، وأصبح أكثر من ثلثها غير صالح للسكن.

وبحسب مؤسسة "توثيق" الحكومية، فقد دمر الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الأولى أكثر من 4100 مسكن بشكل كلي، و17000 بشكل جزئي.

وفي الحرب الثانية، هدمت 200 منزل بشكل كامل، ودمرت 1500 منزل بشكل جزئي، إضافة إلى تضرر عشرات المساجد وعدد من المقابر والمدارس والجامعات.

وحسب إحصائية، أعدتها وزارة الأشغال ووكالة الغوث (أونروا)، فإن عدد الوحدات السكنية المهدمة كليا في الحرب الأخيرة، بلغت 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئيا 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن.

وأدى تدمير هذا العدد الهائل من المنازل المأهولة إلى تشريد نحو 60 ألف فلسطيني، بحسب بيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، عام 2015.

ووفق بيانات للأمم المتحدة، فإن مراكز الإيواء التابعة لـ "أونروا" استطاعت استيعاب ثلاثمائة ألف نازح، في أكثر من 61 مدرسة، ومنشأة تابعة للمنظمة الأممية، بفعل الحرب.

مليارات كاذبة

لا يوجد أرقام دقيقة وإحصاءات معلن عنها حول المبالغ التي تبرعت بها أطراف دولية وإقليمية لغرض الإعمار، وذلك بسبب عدم وصولها إلى قطاع غزة، إذ إن الأموال لا تصل كاملة من المتعهدين.

الرقم الأضخم من التبرعات خرج عن مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي انعقد في القاهرة عام 2014، إذ تعهدت الدول المشاركة بتقديم 5.4 مليار دولار للفلسطينيين، نصفها لإعادة إعمار القطاع.

وفي أعقاب حرب غزة الأخيرة عام 2014، تعهدت الدول المانحة بتقديم أكثر من 3.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية والإنمائية. وفي 2009 تبرعت السعودية بمليار دولار بهدف الإعمار، فضلا عن ملايين من دول عدة.

وكانت قطر أكبر المتبرعين، إذ قدمت مليار دولار في مؤتمر الإعمار، والسعودية تبرعت بـ 500 مليون دولار، فيما تبرعت تركيا والإمارات بمبلغ مئتي مليون دولار.

وبالنسبة للولايات المتحدة فتبرعت بـ 212 مليون دولار، والاتحاد الأوروبي بـ 568 مليون دولار، كما أن بريطانيا تبرعت بـ32 مليون دولار.

لكن وفق تقرير للبنك الدولي، صدر في آب/أغسطس 2015، لم يتم تقديم سوى 35% من الأموال الموعودة، لأسباب تتعلق بمناكفات سياسية بين المانحين، فضلا عن الانقسام الداخلي والحصار الإسرائيلي.

وعود شبه فارغة

الدول المانحة، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، قدمت معظم المساعدات والتزمت بتعهداتها بالكامل تقريبا، بحسب الباحث في معهد واشنطن "ميتشل هوخبرغ".

ويقول هوخبرغ: "أوفت قطر وتركيا (...) بـ 10% و29% من تعهداتهما تباعا (..) أما السعودية والإمارات والكويت، أوفوا مجتمعين بأقل من 13% من تعهداتهم، أما مصر من جهتها فلم تتعهد بتقديم المعونة لغزة".

ويضيف: "بل إنها سعت (أي مصر) لتقويض اقتصاد غزة من خلال إغلاق معبر رفح وتدمير أنفاق التهريب على طول الحدود (عقب انقلاب رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي)".

وبحسب مركز "بروكنجز" للدراسات (مقره الدوحة)، فإن المانحين (في مؤتمر القاهرة) لم يبادروا سوى بتسليم 4% من الأموال الموعودة، مشيرا إلى أنه "من غير المتوقع الوفاء بالتعهدات وفقا للمعدل الراهن للتسليم".

ونتيجة لعملية إعادة البناء البطيئة، لم يتم ترميم إلا 9% من المنازل التي تضررت بالكامل، و45% من المنازل التي تضررت جزئيا في غزة، وفق ما ذكر المركز في ندوة عُقدت في أبريل/نيسان 2016.

ويحتاج قطاع غزة يوميا إلى 10 آلاف طن من مادة الإسمنت التي تقوم عليها عملية البناء بالدرجة الأولى، لكن المتحصل منها يوميا لا يتجاوز نصف الكمية، بسبب تحكم إسرائيل بحركة المعابر التجارية.

الملف الضحية

بعد خمس سنوات على انقضاء الحرب الأخيرة لم تتم عملية الإعمار، وذلك لأسباب طغى عليها الطابع السياسي، وفق رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية"، والخبير بالشأن الاقتصادي المحلي، محمد أبو جياب.

ويقول "أبو جياب" لـ "الاستقلال": إن ملف إعادة الإعمار وقع ضحية للانقسام الفلسطيني (بين حركتي فتح وحماس).

ويوضح أن المبالغ التي كان من المفترض أن تصل إلى غزة تتراوح بين 4 و5 مليارات دولار، لكن ما تم دفعه بشكل فعلي لا يتجاوز ملياري دولار في كل القطاعات التي تحتاج إلى إعمار.

ويعتبر أن ذلك التعنت من الطرفين "أوجد صراعا على هذا الملف، وبالتالي امتنع العالم (الدول المانحة) عن دفع الأموال في ظل غياب الضمانات لعدم تكرار مثل هذه الحروب".

دول كثيرة تبرعت بمليارات الدولارات لمشاريع الإعمار، لكن العمل على الأرض متذبذب ويسير بحركة خجولة، غير أن مجموعة المشاريع المتعلقة بالإسكان والبيوت المدمرة أنجزت بنحو يفوق 70%، بحسب "أبو جياب".

لكن الخطير، من وجهة نظره، هو عدم الالتفات إلى القطاعات الصناعية والإنتاجية، إذ إن 90٪ منها لم يتلق أي تعويض وهو ما زاد الطين بلة، وكله يرجع إلى "غياب التنسيق" بين المانح والمتلقي.

ويقول الخبير بالشأن الاقتصادي الفلسطيني: إن العالم لا يستطيع أن يدفع الأموال لطرفين (السلطة في الضفة، وحماس في غزة)، مما تسبب في توقف كثير من تمويلات المشاريع.