عودة التوترات لـ"حنيش".. كيف أحيت الإمارات أطماع إريتريا في اليمن؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فيما بدا أنه إحياء لأطماع قديمة ومحاولة لمد النفوذ من جديد، احتجزت القوات البحرية الإريترية صيادين يمنيين قبالة جزيرة "حنيش" التي تمثل منطقة نفوذ إستراتيجي لليمن على خط الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وردا على ذلك احتجزت قوات خفر السواحل اليمنية زورقين إريتريين، على متنهما 7 مسلحين من القوات الإريترية، من محيط الجزيرة، فيما لاذ زورق ثالث بالفرار على متنه رشاش 12/7، حسب تصريح صحفي لرئيس مصلحة  خفر السواحل اليمنية اللواء الركن خالد القملي.

تبادل تلك الاحتجازات ترشح الوضع بين البلدين الجارين للانفجار من جديد، بعد صراع قديم استمر لمدة عامين، قبل طي صفحته منتصف تسعينيات القرن المنصرم.

وفق مراقبين، تأتي تلك التوترات في وقت يعيش اليمن أسوأ حالاته، حيث تعاني الشرعية اليمنية المقيمة في السعودية من مصادرة قرارها السيادي، وتعيش فصول انقلاب في الشمال على يد الحوثيين، بدعم من إيران، وانقلاب في الجنوب على يد المجلس الانتقالي بدعم من الإمارات، وخذلان من قيادة التحالف متمثلة بالمملكة العربية السعودية.

وتتزامن تلك المواجهات مع وجود البحرية السعودية في أرخبيل حنيش، فيما توجد قوات إماراتية في الساحل الإريتري المقابل والمحاذي للجزيرة، في مهام لها علاقة بالنشاط العسكري للتحالف في اليمن.

صراع قديم

في ديسمبر/كانون الثاني 1995، دخلت اليمن نزاعا سياسيا وعسكريا مع إريتريا (عقب استقلال إريتريا عن إثيوبيا بنحو عامين)، وذلك جراء سيطرة القوات الإرتيرية على جزيرة حنيش الإستراتيجية على البحر الأحمر.

وبعد نحو 3 أعوام، أي في أكتوبر/تشرين الأول 1998، قضت محكمة العدل الدولية بلاهاي، بتبعية أرخبيل حنيش لليمن، وأمهلت إريتريا 90 يوما للانسحاب من الجزيرة، وهو ما تم بعد نحو 23 يوما من قرار المحكمة.

وقضت المحكمة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين في البحر الأحمر، وأصدرت قرارها في 17 ديسمبر/كانون الأول 1999، وعينت الحدود البحرية بين البلدين بخط حدودي واحد، مستندا على نقاط الأساس على الشاطئين الشرقي لليمن، والغربي لإريتريا.

سيطرة نارية

يتكون أرخبيل حنيش الواقعة في البحر الأحمر، من جزر (حنيش الكبرى) و (حنيش الصغرى) وجزيرة (زُقر)، وتبلغ مساحة الأرخبيل نحو 90 كيلو مترا مربعا.

تكمن أهمية الأرخبيل الذي يبعد عن الساحل اليمني نحو 25 ميلا بحريا، و45 ميلا بحريا عن الساحل الإريتري، في كونه يشرف على طريق الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ويعد أقرب الجزر إلى مضيق باب المندب، ويوفر سيطرة نارية على خط الملاحة للسفن العسكرية أو التجارية.

وتحوي الجزر مرتفعات جبلية صخرية، منحتها أهمية عسكرية على خطوط الملاحة الدولية ومضيق باب المندب، حيث يمكن الإشراف على خطوط الملاحة وعلى الحركة في مضيق باب المندب من أعلى قمة جبل جزيرة زقر في الأرخبيل، بالإضافة إلى وضوح الرؤية الطبيعية لسواحل إريتريا، فضلا عن السواحل اليمنية، من أعالي قمة الجزيرة.

في سبعينيات القرن الماضي، ونظرا لأهميتها الإستراتيجية، سمحت اليمن (الشطر الشمالي قبل الوحدة) للإريتريين، باستخدام الجزيرة في إيواء المقاتلين، وتخزين أسلحتهم، خلال قتال عناصر إريترية ضد نظام منجستو هيلا ماريام الإثيوبي، من أجل نيل الاستقلال، وهو الأمر الذي تم لاحقا في 25 مايو/أيار 1993.

كما سمحت اليمن، للقوات المصرية بالوجود وترتيب بعض صفوفها في الجزيرة، خلال تحضيرات حرب أكتوبر 1973، بموجب اتفاق سري وقعته اليمن ومصر في 12 مايو/أيار 1973، ولم يكن بمقدور إثيوبيا أو أي دولة مجاورة الاعتراض على ذلك القرار اليمني.

تنسيق أمني

ذلك النشاط العدائي ضد السيادة اليمنية على الجزيرة أثار عددا من الأسئلة، التي تتأثر بشكل كبير للغاية بالوجود العسكري للتحالف في هذه المرحلة.

كانت الإمارات قد تدخلت للإفراج عن معتقلين إريتريين جرى احتجازهم عقب قيام القوات الإريترية باحتجاز صيادين يمنيين. وفي خطوة بدت كما لو كانت محايدة من قبل الإمارات، توسطت للإفراج عن معتقلين يمنيين لدى القوات الإريترية.

حسب مراقبين، فإن ذلك النشاط العدائي من قبل إريتريا ضد الشرعية اليمنية، في هذا التوقيت، له علاقة بسياسة تفجير الصراع في اليمن في أكثر من جبهة، وإغراق الشرعية اليمنية في سلسلة من الصراعات، خصوصا في ظل تقدم الشرعية بمعارك أبين الحالية ضد المجلس الانتقالي الجنوبي.

ما دفع متابعين لتبني مثل هذا الرأي أن الإمارات تحظى بعلاقة طيبة مع إريتريا، ويجمع البلدين مستوى عال من التفاهم العسكري والأمني في هذه المنطقة الجغرافية الحساسة.

وتعزيزا لتلك العلاقة الطيبة بين البلدين، فإن الإمارات تمتلك قاعدة عسكرية في إريتريا، بموجب عقد إيجار مدته 30 سنة، حصلت عليه الإمارات في ميناء ومطار عصب الإريتري على البحر الأحمر.

حسب تقرير لموقع الدفاع والأمن العربي، عززت الإمارات وجودها في هذه المنطقة من خلال هذه القاعدة العسكرية الضخمة، والمطار الذي يتسع لهبوط الطائرات الكبيرة، بما في ذلك طائرات سي 17 جلوب ماستر الضخمة.

وتهدف الإمارات من خلال هذه القاعدة الإستراتيجية الهامة، إلى تعزيز طموحها في النفوذ، خصوصا بعد توتر علاقتها بكل من جيبوتي والصومال. وفي مقابل ذلك تستفيد إريتريا من الأموال الإماراتية، والمساعدات العسكرية التي تقدمها أبوظبي لأسمرة.

وكالة بلومبرغ كشفت في تحقيق صحفي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أن إريتريا تتلقى مساعدات عسكرية من الإمارات، وأن ضباطا من القوات الجوية الإريترية يتلقون تدريبات في أبوظبي.

وأضافت الصحيفة أن الإمارات بتلك المساعدات المقدمة لإريتريا انتهكت القرار الأممي 1907، الصادر عام 2009، والذي يفرض على إريتريا عقوبات اقتصادية وعسكرية، ويحظر توريد الأسلحة إليها، وذلك لدورها السلبي في الصومال، حيث تقوم بدعم بعض الحركات المسلحة في الصومال، وكذلك للمشاكل التي تقوم بها في كل من إثيوبيا وجيبوتي.


  سلوك عدائي

حسب الكاتب والصحفي محمد الأحمدي، في تصريح للاستقلال، "فإن إريتريا تتعمد استفزاز اليمنيين، في استغلال واضح لضعف الحكومة الشرعية، في هذا التوقيت تحديدا، وذلك لإحياء أطماعها القديمة في أرخبيل حنيش الإستراتيجي".

يضيف الأحمدي: "الأمر الذي لا يمكن إغفاله هو أن أريتريا لا يمكن أن تتصرف على هذا النحو إلا بإيعاز من الإمارات التي تعمل جاهدة على محاولة تفكيك الشرعية وإغراقها بمعارك عدة، وذلك للضغط عليها وإرضاخها لمطالبها، وهي مطالب تتعلق بشرعنة وجودها في الموانئ والجزر اليمنية".

يتابع الكاتب اليمني: "العلاقات الإماراتية الإريترية تمر بمستويات عليا من التفاهم والتنسيق في الملفات الأمنية، خصوصا في ملف جزر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وساعد على هذا التفاهم أن أريتريا تنتهج نفس سلوك الإمارات في خلق مشاكل مع الجوار، وتبني سلوكا معاديا لمحيطها الإقليمي في جيبوتي وإثيوبيا والصومال وكذلك اليمن.

ويختم الأحمدي: "يمر اليمن بمرحلة ضعف، وانتهاك للسيادة، وفشل التحالف في تحمل مسؤولياته في تمكين الشرعية، لاستعادة كامل سيادتها، بل على العكس من ذلك، عمل التحالف على تقويض الشرعية ومصادرة قرارها الوطني، وهو الأمر الذي أغرى أطرافا دولية وقوى إقليمية لانتهاك السيادة اليمنية ومحاولة السيطرة على أراضيها".