لوفيجارو: في هذه الحالة روسيا قد تتخلى عن خليفة حفتر

12

طباعة

مشاركة

كشفت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية عن أسباب توتر العلاقات بين الرجل القوي في شرق ليبيا المشير خليفة حفتر وروسيا، مشيرة إلى أنها تعود إلى مرتزقة "فاجنر"، رغم نفي وجود هذه القوات شبه العسكرية النشطة للغاية.

وقال الكاتب آلان بارلوييه في مقال بالصحيفة: "طقوس جنائزية لا يعرفها إلا عدد قليل جدا، تقام عندما يقتل أحد هؤلاء المرتزقة في سوريا أو ليبيا أو أي مكان آخر بإفريقيا، حيث يتم إعادة جسده إلى روستوف أون دون، في جنوب روسيا".

وأوضح أن فاجنر تابعة لمجموعة غامضة من المؤسسات والشركات التي يسيطر عليها يفجيني بريجوجين الملقب بـ  "طباخ بوتين" (الرئيس الروسي)، والذي يعتني بكل شيء، حيث يتم استقبال عائلات المقاتلين في فندق بلا روح وسط المدينة.

وقبل أخذ الرفات، في نعش من الزنك، يستعيد أقارب المتوفى الأوسمة وميدالية "فاجنر" التي سيتم وضعها على قبره. وفوق كل هذا، يحصلون على خمسة ملايين روبل (حوالي 63000 يورو) يتم إعطاؤها لكل مسلح يقتل على الأرض.

غير شرعية

وأكد بارلوييه رسميا، أن هؤلاء المقاتلين ليس لهم شعار ولا أي وجود قانوني لجماعاتهم شبه العسكرية، ومع ذلك في غضون خمس سنوات، وصل عدد من انضم إلى هذا "المجتمع العسكري الخاص" نحو 8000 رجل، وفقا لإيليا بارابانوف، الصحفي في بي بي سي روسيا.

ونوه بأنه في سوريا، أسفر قصف أميركي عن مقتل نحو 250 شخصا منهم، بدير الزور (شرقا) في فبراير/ شباط 2018. أما في ليبيا، حيث تنخرط هذه المليشيات منذ أكتوبر/ تشرين أول من نفس العام، في القتال إلى جانب حفتر – المدعوم من مصر والإمارات – فقد قتل العديد منهم أيضا.

وبحسب ما ورد، قُتل خمسة وثلاثون روسيا إجمالا في ليبيا، لكن وفقا لعدة مصادر، ليس كلهم على ما يبدو ينتمون إلى مجموعة فاجنر.

إذ تقول مصادر، مثل موقع بروكيت ميديا (Proekt-Media): إن روسيا لديها أيضا قوات نظامية، بقيادة ضابط كبير، وهو الفريق أندريه كولزاكوف، نائب قائد القوات المحمولة جوا، لكن هذا الوجود لم يتم إثباته أو التحقق منه بنسبة 100٪.

وخلال عام 2019، تم نشر معلومات في وسائل الإعلام الأميركية حول هذا الأمر، لكن السلطات الروسية نفت بشكل مستمر أي دور لها حول وجود المرتزقة الروس بليبيا. 

وفي فبراير/ شباط 2020، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو ليس لها علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر، مع الروس في ليبيا. 

غير أن "لوفيجارو" بينت أن التطورات التي تشهدها الأزمة الليبية والانتكاسات العسكرية لحفتر والتوترات مع حليفه الروسي وضعت هؤلاء المرتزقة في دائرة الضوء.

وجود المرتزقة

ويقول الكاتب: "في 24 أبريل/ نيسان 2020، أكدت الأمم المتحدة لأول مرة، في تقرير لمجلس الأمن، وجود مرتزقة في ليبيا من مجموعة فاجنر، إذ تقدر هذه الوثيقة عدد هؤلاء المقاتلين بما لا يزيد عن 800 إلى 1200، لكنها تشير إلى "عدم القدرة على التحقق بشكل مستقل من مهام نشرهم".

ووفقا لخبراء الأمم المتحدة، فإن هؤلاء الرجال، يقدمون "الدعم الفني لإصلاح المركبات العسكرية، والمشاركة في العمليات القتالية المؤثرة".

ولفت تقرير الأمم المتحدة إلى أنهم يساعدون أيضا قوات حفتر في مجالات "المدفعية ومراقبة الحركة الجوية وتوفير الخبرة في الإجراءات المضادة الإلكترونية ونشر القناصين". 

ويؤكد اختصاصي أميركي أن لقطات نشرت لأسلحة "ثقيلة وحديثة" لمجموعة فاجنر في الميدان، تظهر أنها ليست مجرد شركة خاصة. 

وتفيد الأمم المتحدة أيضا بوجود مرتزقة ينتمون إلى مجموعات شبه عسكرية روسية أخرى في ليبيا، مثل شركة الاستشارات العسكرية (RSB)، المسؤولة عن صيانة وإصلاح الطائرات العسكرية، حيث يفاقم هؤلاء المرتزقة الوضع في البلد الإفريقي، كما تقول واشنطن.

وأفاد تحقيق الأمم المتحدة بوجود توترات بين حفتر وروسيا، حيث تدهورت العلاقات تدريجيا في الأشهر الأخيرة، وذلك على خلفية صراعات بين قيادة الجيش ومجموعة فاجنر، التي كان رجالها في المقدمة خلال الهجوم الكبير الذي انطلق في يناير/ كانون ثاني 2019 ضد طرابلس، مقر حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج المعترف به دوليا. 

وتابع الكاتب: "لا يزال الجيش الوطني الليبي (تابع لحفتر) غير قادر على اقتحام طرابلس، كما أنه فقد السيطرة مؤخرا على العديد من المدن الساحلية، مما أثار غضب حفتر من عدم فعالية" رجال فاجنر، لا سيما في حرب الطائرات بدون طيار التي تستفيد منها قوات حكومة الوفاق بدعم من تركيا".

وتقول عدة مصادر، بما في ذلك موقع ليبيا أوبزرفر: إن خليفة حفتر رفض دفع 150 مليون دولار من مستحقات مجموعة فاجنر عن عقود مختلفة، منها توريد الأسلحة، حيث يرى أمير الحرب الليبي أن فاجنر ترسل مقاتلين "عديمي الخبرة" من سوريا وبيلاروسيا وصربيا.

وبحسب إيليا بارابانوف من "بي بي سي روسيا"، فإن هؤلاء المرتزقة تم إزالتهم من الخط الأمامي للقتال في الفترة الأخيرة.

ويقول الكاتب: إنه "في السجلات الرسمية، لم يقتل أي من عناصر فاجنر في ليبيا، وبينما لا يوجد لدى موسكو سفارة أو قنصلية، يتم تسجيل جميع القتلى في سوريا، ويقوم مختبر طبي عسكري في روستوف تم إنشاؤه خلال الحرب في الشيشان، بإجراء تشريح للجثث". 

ويشير إلى أن معظم أولئك الذين تركوا القتال وعادوا إلى الحياة المدنية يرفضون الإدلاء بأي شهادة- خوفا من رفض أي عقد جديد مع المجموعة - أو يطالبون بمبالغ طائلة للتحدث عن مغامراتهم التي لا يمكن التحقق منها.

تلبية مطالب الشعب

لكن الكيل طفح بين موسكو وحفتر، عندما أعلن الأخير نفسه في 29 أبريل / نيسان 2020 على أنه الرئيس الوحيد لليبيا، من أجل "تلبية مطالب الشعب"، وفق ما يرى كاتب المقال.

وأدانت موسكو القرار. وأعلن وزير الخارجية سيرجي لافروف، على الفور أن "الأزمة الحالية في ليبيا لا يمكن أن تكون ذريعة لاتخاذ قرارات من جانب واحد".

ووفقا للكاتب: "لقد توصل الروس بوضوح إلى استنتاج مفاده أن المشير حفتر، ربما لم يكن الحصان الرابح، رغم الدعم المادي الذي حصل عليه من العديد من رعاته العرب".

وأشار إلى أن فشله العسكري يثير نفاد صبر الفاعلين الاقتصاديين الأقوياء، ولا سيما ناقلات النفط الروسية التي أصبحت غير قادرة على مواصلة أنشطتها لعدم الاستقرار.

فقبل إعلانه الأخير، كان حفتر منزعجا بشدة من المفاوضات الليبية التي نظمت في موسكو الشتاء الماضي، ومنذ ذلك الحين، سعت الدبلوماسية الروسية إلى تنويع قنواتها، لا سيما التحدث مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، ومقره في طبرق. 

ويرى إيجور ديلانو، نائب مدير مرصد فرنسا-روسيا والمتخصص في الشرق الأوسط، أن الروس يعملون على توزيع المخاطر في حال فشل حفتر، وجعله يشعر بتكلفة مغامرته العقيمة عن طريق تقليل دعمهم وأيضا جعله يفهم أنه ليس الخيار الوحيد لموسكو. 

وفي هذا السياق، تظل فاجنر أداة مفيدة في أيدي روسيا خاصة تجاه خليفة حفتر، بحسب كريس روبنسون المتخصص بالشأن الروسي في وزارة الخارجية الأميركية.

ونقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية القول: "إن فاجنر أداة للحكومة الروسية يستخدمها الكرملين لتحقيق أهدافه بتكلفة ومخاطر أقل" لكن لا ينبغي لأحد أن يأمل في أن تحزم روسيا حقائبها وتغادر الصراع الليبي.