بعد تفشي كورونا.. تعرف على التوازنات الجديدة شرق المتوسط

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تعزز فيه تركيا موقعها من خلال مواصلة أنشطة التنقيب في منطقة شرق المتوسط، علقت شركات الطاقة العملاقة أعمالها في الشرق الأوسط، بسبب وباء كورونا وانهيار أسعار النفط في السوق العالمية.

وراجعت الجهات الدولية الفعالة في شرق البحر المتوسط، أنشطتها المتعلقة باستكشاف النفط والغاز الطبيعي بعد انخفاض أسعار الخام، واشتعال التوتر بين روسيا والسعودية.

وفي خضم هذا كله أصدرت مجموعة دول بيانا مشتركا في 11 مايو/أيار 2020، بخصوص شرق البحر المتوسط وليبيا وصفته أنقرة بأنه "نموذج للنفاق".

ركود نفطي

الكاتب إيردال تاناس كاراغول ذكر في مقالة بصحيفة يني شفق أن الكثير من مناحي الحياة تأثرت جراء أزمة فيروس كورونا ومنها أسعار النفط وحقول الغاز الطبيعي وغيرها.

ومن نافلة القول هنا إن الأنظار تتجه إلى حقول النفط الضخمة والثروة المكتنزة في شرق البحر المتوسط بعد ركود نسبي بسبب الجائحة.

وقال الكاتب: "إن الآثار المحتملة لانخفاض أسعار النفط والغاز بعد تفشي الفيروس غيّر بالكامل الموازين في شرق البحر الأبيض المتوسط، التي يمكن أن تصبح القبلة الجديدة للغاز".

وعليه فإن بعض دول شرق البحر الأبيض المتوسط التي شعرت بهذا التغيير لا تزال تصر على استمرار الوضع القديم، وعملت مع الدول غير الإقليمية والسبب في ذلك أنهم منزعجون من الموازين الجديدة التي تشكلت في المنطقة.

وقد اجتمعت مصر والإمارات واليونان وقبرص الرومية وفرنسا هذا الأسبوع عبر الشاشات حول آخر المستجدات في شرق المتوسط.

الأمر المثير للاهتمام هو أن فرنسا والإمارات ليس لهما حدود مع شرق البحر الأبيض المتوسط وتحاولان الحصول على نفوذ فيه من خلال ليبيا، لكن الأساس في ذلك هو الحراك التركي هناك، لاسيما فيما يتعلق بأعمال البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي وكذلك اتهام أنقرة بالتعدي على المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص الرومية.

والأهم من هذا كله هو الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الليبية على إعادة ترسيم الحدود البحرية واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين. 

النفط الذي ينخفض ​​سعره بسبب هبوط الطلب إثر فيروس كورونا، سيؤثر أيضا على أسعار الغاز الطبيعي.

ويقول الكاتب: "سنرى مرة أخرى أن East-Med (مشروع شرق البحر الأبيض المتوسط ​​للغاز الطبيعي)، الذي تتزايد شكوكه بشأن التمويل يوما بعد يوم وليس له أي ميزة اقتصادية، من المقرر عبره، نقل الغاز الطبيعي المكتشف ​إلى الأسواق الدولية".

كذلك فإن هذا المشروع الذي يبلغ طوله حوالي 1900 كيلومتر سيتعامل مع الغاز الطبيعي المكتشف قبالة مناطق فلسطين المحتلة البحرية وتركيا وليبيا ويهدف للنقل إلى أوروبا لكنه يمر عبر الطريق الذي يمر بالاتفاقية الموقعة بين أطراف عدة.

لكن الحقيقة هي أننا في فترة أعيد فيها ترسيم الحدود في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وتغيرت الأرصدة تماما مع اتفاقية الحدود البحرية الموقعة مع ليبيا ولا توجد ما يسمى بالمناطق الاقتصادية المنحصرة التي تم تحديدها من جانب واحد في شرق المتوسط، يقول الكاتب.

ويتابع: "البيان الموقع من تلك الدول ليس له قيمة للكثير من الأسباب، منها أن الاتفاقية محط للأنظار، وثمة دول أخرى هي ضمن دول الحوض، ولها حصة في الغاز الطبيعي لم يكن لها وجود في البيان، ومنها مثلا إيطاليا، العضو في منصة الغاز الطبيعي لشرق المتوسط إضافة الى كل من إسرائيل وفلسطين والأردن، كما لم يتم دعوة تركيا والجمهورية التركية لشمال قبرص لهذا المنتدى". 

ويوضح الكاتب أن "أهم ممثل لمشروع East-Med الذي يقع على منصة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​للغاز الطبيعي، هو بلا شك إسرائيل وغيابها عن هذا الاجتماع يعني أن أهم مصدر للغاز الطبيعي لهذا المشروع غير موجود وبالتالي البيان كله بلا قيمة أو معنى".

من ناحية أخرى، فإن غياب إيطاليا التي ستقع في الجزء الغربي من مشروع East-Med، يزيد من عدم اليقين بالفعل بشأن مستقبل المشروع. وبكل الأحوال ورغم سيل البيانات الذي لا ينضب، من الواضح أننا نشهد معادلة جديدة وكذلك توازن مختلف في هذه الحقبة الجديدة الناشئة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفق الكاتب.

نفاق دولي

بدوره تطرق الكاتب سلجوق ترك يلماز إلى تصريحات الخارجية التركية ردا على البيان المشترك للدول المذكورة ضد ما وصفه بـ "التدخل التركي في ليبيا وشرق المتوسط".

وقال في مقالة نشرتها "يني شفق": "من المفهوم أن اللغة التي استخدمها المتحدث باسم وزارة الخارجية ردا على سؤال حول "البيان المشترك الذي نشرته مصر واليونان وقبرص الرومية  وفرنسا والإمارات" بشأن شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وليبيا"، يشير إلى منظور جديد.

وتابع: "وردت في البيان مصطلحات لا شك فيها تدلل على نفاق مجموعة من الدول التي تسعى إلى الفوضى وعدم الاستقرار الإقليمي من خلال السياسات التي تتبعها، ولا ترى بأسا في ترك آمال الشعوب بالديمقراطية ضحية لعدوان الديكتاتوريين الانقلابيين الوحشي، ولكنها تبدأ بالهذيان عندما تقوم تركيا بإفشال مخططاتهم".

وأضاف المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي في رده، أن استنجاد اليونان وقبرص بجهات فاعلة غير إقليمية ليس لها صلة بالموضوع، عوضا عن التحاور مع تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية، لا يمكن أن ينتج إلا عن "منطق استعماري وانتدابي" وهي تقصد بذلك مصر.

وقال الكاتب: "أما الإمارات فهي لأنها لم تعرف استعمارا، يمكن أن يكون مفهوم الدولة المعتدية يليق بها وتم التأكيد على أن الدولة نفسها لا علاقة لها بشرق المتوسط، كما أن اليونان وقبرص يمكن لومها على أنهما تركتا جارتهما تركيا ولجأتا للاستقواء بالآخرين". كما اتهم البيان النظام المصري بعدم حماية مصالح شعبه.

ويرى أن تعريف فرنسا كدولة داعمة للإرهاب في الملف السوري، يعتبر خطوة ضرورية يجب النظر فيها بعناية.

وقد ورد في تصريحات حامي أقصوي المتحدث باسم الخارجية التركية "مع توجيه ضربة قوية لآمال فرنسا في إنشاء دويلة إرهابية في شمال سوريا من خلال عملية نبع السلام التي قادتها تركيا، يبدو أنها (فرنسا) سلّمت نفسها في تلك الحالة المزاجية لتحالف الشر الذي أنشئ ضد أنقرة".

ودعا أقصوي جميع هذه الدول للتصرف بعقلانية وبما يتوافق مع القوانين الدولية، موضحا أن السلام في المنطقة لا يتحقق عبر تحالفات الشر، وإنما عن طريق تعاون وحوار حقيقي وصادق.

وعد الكاتب أن الماضي التركي يفرض على البلاد إعادة تعريف بعض المصطلحات كالاستعمار وغيرها. فعلى مدى خمسين عاما على الأقل، لم تنعكس في الخطاب الرسمي مفاهيم مثل الاستعمار والانتداب والإمبريالية ومناهضتها، باعتبارها انعكاسية للعقلية التي سادت لبعض الوقت. 

وحتى بداية القرن العشرين، احتكر الفكر الماركسي هذه المفاهيم إلى حد ما. لذلك، كان تقليدا لمطابقة نص يحتوي على هذه المفاهيم الأيدولوجية مع السوفييت من أجل عكس وجهة نظر نقدية، وعليه يجب على تركيا اليوم أن تنتبه لاستخدام هذه المصطلحات وأن تكون أكثر دقة، بحسب الكاتب.

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان لفت الانتباه إلى الجرائم الاستعمارية الفرنسية في بداية العام 2020 بعد زياراته إلى الجزائر والسنغال وغامبيا. وعلى الرغم من أن الأخيرة كانت مستعمرة بريطانية، فإن الأنشطة الانتدابية لفرنسا تبرز في غرب وشمال إفريقيا.

وأضاف الكاتب: "يجب أن نعلم أيضا أن نظام الرق الحديث تم إطلاقه في غرب إفريقيا كذلك. لهذا، فإن التأكيد على هذه المصطلحات كالاحتلال والاستعمار والانتداب ليس تصادفا وهذه السياسة الانتدابية بالذات تؤلم تركيا لأنها ظهرت بعد انهيار الدولة العثمانية، حيث ترتبط المفاهيم المختارة بجغرافيتنا وتشير إلى تاريخ".

وتابع: "لقد تم تشكيل منظورنا السياسي حول أوروبا وأميركا في المائة سنة الماضية عبر سياسة معينة، فالكثير من الكتاب في الداخل التركي استقطبتهم فرنسا وحمّلتهم آراءها ووجهة نظرها، ولسنوات، تبنوا الأطروحات الأرمنية وراءهم نفسها فيما يتعلق بالحركات الكردية السورية والانفصالية".

لكن تصريحات أنقرة الأخيرة ووصف مجموعة من الدول بأنها "تحالف الشر" تشي بموقف متقدم من أنقرة. وشدد الكاتب على أنه "من أجل بناء منظور محلي ووطني، لا يمكننا معالجة القضايا وفقا لباريس ولندن ونيويورك. نحتاج أن نتعلم النظر إلى العالم من أنقرة وإسطنبول ومن الأناضول والبلقان والقوقاز".