هيكلة تبون لمنظومة الإعلام في الجزائر.. تصفية حسابات أم رؤية جديدة؟

12

طباعة

مشاركة

للمرة الأولى منذ 13 عاما توقفت صحيفة "النهار" المقربة من السلطة في الجزائر عن الصدور، بضعة أسابيع بعد توقيف مالكها ومديرها أنيس رحماني، المتهم في قضايا فساد.

ورغم أن الصحيفة أرجعت سبب التوقف إلى "ضائقة مالية" تعيشها، وظروف كورونا، لكن بعدها بأيام أصدر الرئيس عبدالمجيد تبون مرسوما ينهي بموجبه مهام مدير وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

ووفق المرسوم فإنه تقرر "إنهاء مهام عبدالحميد كاشا بصفته مديرا عام للمؤسسة العمومية وكالة الأنباء الجزائرية"، وهي وسيلة إعلام رسمية بالبلاد.

فمنذ وصوله الحكم في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قام تبون بتغيير كل من مدير التلفزيون الرسمي، وكذا الوكالة الرسمية للإعلانات التي يصفها معارضون بأنها أهم مؤسسة حكومية للتحكم في توجهات الإعلام المحلي.

فهل يؤسس تبون لإعلام يقطع مع الفساد ويناسب "الجزائر الجديدة" حسب تعبيره، أم أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات مع النظام القديم وأذرعه الإعلامية؟.

تصفية حسابات

تأسست صحيفة "النهار" كبرى الصحف في الجزائر، ضمن مجموعة إعلامية سنة 2007، وتحولت إلى واحدة من أهم المؤسسات الإعلامية، إذ كانت مقربة من محيط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، خاصة شقيقه السعيد، ومن بعض كبار الضباط في المؤسسة العسكرية، الذين يحاكمون حاليا في قضايا فساد.

تلقى الرئيس تبون من "النهار" هجوما غير مبرر عندما كان رئيسا للوزراء، خاصة في قضية الصدام مع رجال الأعمال الذين تحكموا آنذاك في صناعة القرار، وفي مقدمتهم علي حداد (الموجود حاليا في السجن) إذ انخرطت الصحيفة والقناة في حملة تشويه ضد تبون قبل أيام من إقالته.

وعند ترشحه للانتخابات الرئاسية الأخيرة تعرض مجددا لهجوم من الصحيفة، وصل حد المساس بحياته الخاصة والعائلية، ما جعل البعض يربط بين ذلك وتوقفها .

بدا وكأن نظام ما بعد بوتفليقة يصفي تركة النظام السابق، فقبل سنة وتحديدا في 25 مايو/ أيار 2019، أقال الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح، المدير العام للتلفزيون الحكومي، لطفي شريط، وعيّن سليم رباحي بدلا منه.

وفي 28 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أنهى تبون مهام المدير العام للتلفزيون الجزائري سليم رباحي، دون الإعلان عن أي أسباب لذلك.

كان رباحي قبل توليه المنصب الجديد يشغل منصب مسؤول الإعلام بمجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، خلال تولي ابن صالح رئاسته، قبل تسلمه رئاسة البلاد إثر استقالة بوتفليقة.

وفي 29 أبريل/ نيسان 2020، عاد تبون ليقيل مدير وكالة الأنباء الرسمية عبدالحميد كاشا، من منصبه، ولم يذكر المرسوم الرئاسي أسباب القرار، كما لم يصدر مرسوما آخر بشأن من يخلف كاشا على رأس الوكالة.

ومنذ وصوله للرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2019، قام تبون بتغيير كل من مدير التلفزيون الرسمي، والوكالة الرسمية للإعلانات التي يصفها معارضون بأنها أهم مؤسسة حكومية للتحكم في توجهات الإعلام المحلي.

كان ابن صالح قبله قد أقال جازية جدو، مديرة الوكالة وعين منير مايدية في المنصب قبل أن يأتي تبون ويقيله أيضا.

وتعتبر الوكالة العصب المحرك للإعلام في الجزائر، إذ تدير سوق الإعلانات الحكومية الموجهة لوسائل الإعلام، وتتهم النقابات السلطة باستغلالها في الضغط على الصحف والقنوات، من خلال التلويح بحرمانها من الإعلانات، التي تعد أحد أهم مصدر دخل المؤسسات الإعلامية والضامن لاستمراريتها.

خلط الأوراق

الصحافة الجزائرية بشكل عام تعاني من عوارض بنيوية وهيكلية وأيضا صعوبات مادية بشكل كبير خاصة في العام الأخير مع التغييرات السياسية.

وتوقيف صحيفة "النهار" عن الصدور لم يكن قرارا حكوميا أو رئاسيا، بل كان قرارا خاصا بمالكي المجموعة، وعللوا ذلك بتراجع مداخيل الإعلانات العمومية وانعدامها.

لكن الصحفي الجزائري وأستاذ الإعلام، علي الخضاري، يفيد بأن "الجزائر الجديدة التي يبشر بها تبون، يسجن فيها الصحفيون بتهم غير تلك المنصوص عليها في قانون الصحافة".

مضيفا للاستقلال: "قانون الصحافة، لا يتضمن عقوبة سالبة للحرية، إنما يواجه الصحفيون السجن بتهم أخرى تكون أثقل، من قبيل المساس بالوحدة الوطنية، أو إحباط معنويات الجيش والتحريض على التظاهر".

وتابع: "مدير صحيفة النهار، الذي كان يمارس الدعاية لنظام بوتفليقة، لا يحاكم بتهم تتعلق بالممارسة الإعلامية، لكن بتهم الفساد وتهريب العملة والمساس بالوحدة الوطنية".

ورجح الخضاري في حديثه أنه "ربما يتعلق الأمر بتصفية حسابات على مستويات معينة، بعد حدوث تغيير على مستوى هرم السلطة، في إطار محاربة الفساد ومحاكمة عدد من رموزه".

"حبل المشنقة"

أستاذ الإعلام، يرى أن تغيير مدير عام التلفزيون كان طبيعيا ومقررا، لكنه كان من داخل المنظومة ولم يكن مؤشرا على تغيير توجه السلطة.

وأشار المتحدث إلى أن التلفزيون الرسمي عاش أثناء الحراك فترة وجيزة من حرية التعبير، ثم سرعان ما أغلق المجال أمام المعارضين وعادت القناة إلى ممارساتها القديمة المعتادة، بكونها لا تقدم خدمة عمومية بل هيئة علاقات عامة وبوق للنظام.

المؤسسة مرتبطة بشكل مباشر برئاسة الجمهورية، بحسب أستاذ الإعلام، "مهمتها إبلاغ الشعب بما تريده السلطة وتروج لمواقفها وتدافع عنها، وليس العكس عبر كفل حق المواطن في الإعلام والاتصال الذي يدافع عن مطالبه ويوصل صوته".

وعن وجود رغبة حقيقية في التغيير على مستوى السلطة في الجزائر، تحديدا في مجال الإعلام من خلال التحركات الأخيرة، قال الخضاري: "السلطة في الجزائر تعتبر الصحافة خصما لها وتنظر إليها دائما بتوجس، ولذلك هي تفرض رقابتها منذ البداية، حتى لا يشهد المجال أي انفلات". 

وأوضح المتحدث إلى الصحيفة، أن "مراحل الانفتاح في الجمهورية على مستوى السلطة الرابعة كان دائما مقيدا بقانون الصحافة نفسه، فالمشكلة ليست موجودة على مستوى النصوص بل الممارسات". 

وجزم الخضاري أنه "لا تغيير في هذه العلاقة بين السلطة والصحافة"، التي سماها بالجدلية، قد يكون التغيير بالتراجع على حد قوله، وهو ما يؤكده حلول الجزائر في مؤشر حرية الصحافة العالمي في المرتبة 146.

تتحكم السلطة في وسائل الإعلام بالجزائر عن طريق الإعلانات، وشبهها علي الخضاري بـ"حبل المشنقة" الذي تلفه السلطة حول عنق الصحافة، ويجعلها تمارس الرقابة الذاتية.

ولعل تصريح الرئيس المدير العام للمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإعلانات، العربي ونوغي، الذي قال فيه: "سأسهر على التوزيع العادل للإعلانات"، دليل على ذلك.

ليس هناك إطار واضح في علاقة السلطة بالصحافة في الجزائر، والنصوص موجودة وهناك حديث عن هامش حرية للصحفيين لكن الأمر يختلف على مستوى الممارسة، وحتى بعد الحراك المليوني، لم يتمكن الصحفيون من ضمان حقهم في التعبير الحر.