تلكؤ ومناكفات.. هذا ما يعرقل إجراء الانتخابات العامة في فلسطين

خالد كريزم | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تضاءلت فرص إجراء الانتخابات العامة في فلسطين بصورة ملحوظة، وذلك بفعل عوامل بعضها معلن والآخر مستتر، وسط مشهد داخلي وخارجي معقد.

فلم يعد رئيس السلطة محمود عباس يتحدث عن الانتخابات بذات الحرارة التي أعلن فيها عن التوجه لإجرائها في 9 ديسمبر/كانون الأول 2019، حين قال: إننا "ذاهبون إلى الانتخابات بعد أن وافقت عليها جميع التنظيمات".

وانتهت ولاية عباس الرئاسية دستوريا في 9 يناير/كانون الثاني 2009، لكنه ظل في منصبه، متخذا من الانقسام الداخلي الذي بدأ في 2007 ذريعة للبقاء.

وتحكم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، قطاع غزة، فيما تدير حركة "فتح" التي يتزعمها عباس، الضفة الغربية، منذ بداية الانقسام. وعقدت آخر انتخابات رئاسية في 2005، بينما أجريت آخر انتخابات تشريعية 2006.

ملف القدس

السبب الرئيس في عدم إجراء الانتخابات حتى الآن هو الاحتلال الإسرائيلي، من وجهة نظر منير الجاغوب رئيس المكتب الإعلامي لحركة فتح.

وتعرقل إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس، بينما يشدد محمود عباس على التمسك بـ"إجرائها تصويتا وترشيحا داخل القدس الشرقية".

وأكد الرئيس الفلسطيني في 7 ديسمبر/كانون الأول 2019، أن إجراء الانتخابات "أمر أساسي وضروري، لكن ليس بأي ثمن، ويجب أن تكون بالطريقة الصحيحة التي تضمن التمثيل الكامل لأهلنا في كل مكان على الأرض الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس".

ونهاية ديسمبر/ كانون أول 2019، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أن إسرائيل قررت "تجاهل طلب السلطة الفلسطينية بشأن السماح للفلسطينيين في القدس الشرقية بالمشاركة في الانتخابات".

ويقول الجاغوب لـ"الاستقلال": إن "مشاركة القدس في الانتخابات معركة وجود. من يتخلى عن حقه في الانتخاب فيها، يتخلى عن حقه السياسي في القدس".

لذلك، جدد محمود عباس، في 11 يناير/كانون الثاني 2020، تمسكه بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مدينة القدس المحتلة، وسط خروج أصوات فلسطينية تتهم الرئيس بأنه يتخذ من العاصمة ذريعة للبقاء في السلطة.

وقال نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول في 18 يناير/كانون الثاني 2020: إن "القيادة تواصلت مع الأوروبيين من أجل الضغط على إسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس". وبين العالول أنه يجري التواصل أيضا مع دول عربية لتحقيق هذا الهدف.

وسبق أن سمحت إسرائيل تحت ضغط دولي، بإجراء انتخابات في القدس عام 1996، كما سمحت بإجراء آخر انتخابات رئاسية عام 2005، وآخر انتخابات تشريعية عام 2006.

لكن الوضع تغير الآن، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، عن "صفقة القرن" في 28 يناير/كانون الثاني 2020.

وتضمن الخطة استمرار سيطرة "تل أبيب" على معظم الضفة الغربية التي احتلتها عام 1967، وضم الكتل الاستيطانية الضخمة فيها إلى "إسرائيل" وبقاء مدينة القدس موحدة عاصمة لها وتحت سيادتها.

وبعد الكشف عن الخطة، أعلن رئيس السلطة محمود عباس أنه "لن يتم إجراء انتخابات فلسطينية عامة بدون القدس".

الانقسام الداخلي

القدس لم تكن المشكلة الوحيدة التي تمنع إجراء الانتخابات، حيث يعود ملف الانقسام الداخلي إلى الواجهة في كل مرة، ويعيد معه التراشقات الإعلامية التي ساهمت بإفشال محاولات كثيرة للمصالحة.

لكن الإعلان عن صفقة القرن أعاد الحديث عن ضرورة إنهاء الانقسام الداخلي، حيث تحدث عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عن أهمية تحقيق الوحدة لمواجهة الصفقة.

وقبل ذلك بأيام، عادت أجواء التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بين حركتي "فتح" و"حماس"، بعد الجولة الأخيرة وسلسلة الزيارات التي أجراها هنية، لعدد من الدول والبلدان العربية والإسلامية.

وهاجمت وسائل الإعلام الرسمية المحسوبة على حركة "فتح"، هنية وحركة "حماس" بصورة ضارية، عبر سلسلة من التقارير التلفزيونية والمكتوبة التي تحدثت عن سعي الحركة إلى تجاوز التمثيل الفلسطيني الرسمي، وضرب شرعية منظمة "التحرير" الفلسطينية.

لكن حماس ردت بالقول: إن "حديث بعض قيادات السلطة عن سعي الحركة لتصبح بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية، لا تستند على أي واقع، وهي تخيلات في عقول قيادة السلطة فقط".

وأكد حازم قاسم الناطق باسم حماس في تصريحات صحفية، أن "السلطة بعد انسداد مسار التسوية في وجهها، وعدم قدرتها على الإنجاز وإصرارها على التحرك بعيدا عن الإجماع الوطني، وتهربها من مسار الانتخابات، تسعى لإثارة مثل هذه المخاوف التي لا أصل لها".

ويقول نبيل عمرو الكاتب والسياسي الفلسطيني: "من المستحيل ربط الانتخابات - كما يطرح بعض النافذين - بإنهاء الانقسام أولا، وهذا نفي لمقولة إن الانتخابات المتوافَق عليها من الجميع ستكون الخطوة الأساسية لاستعادة الوحدة".

وتابع في مقال له في 18 يناير/كانون الثاني 2020: "ما يلاحَظ الآن أن مجرد الحديث عن إنهاء الانقسام لم يعد متداولا، وأن الجهود التي كانت تُبذل من الوسطاء لم تعد بذات الحرارة التي كانت عليها في السابق، ما يعني سياسيا وعمليا تحول الانقسام إلى انفصال".

ويبدو أن الحركتين بدأتا مؤخرا في تجاهل قضية المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام قبل التوجه نحو الانتخابات، بعد فشل هذا الطرح. ويقول منير الجاغوب لـ"الاستقلال": "نحن لا نريد الدخول في مناكفات مع حماس، الحديث واضح أنه لن يكون هناك انتخابات بدون القدس".

انتخابات إسرائيل

يرى نبيل عمرو أن ربط الانتخابات بسماح الحكومة الإسرائيلية بإجرائها في القدس، "وضع العملية الديمقراطية التي من المفترض أن تكون شأنا فلسطينيا خالصا تحت طائلة انتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية".

وقال في ذات مقاله: "من الآن وربما إلى ما بعد انتهاء الجولة الانتخابية الثالثة، فإن قرارا إسرائيليا واضحا بهذا الخصوص يبدو مستبعدا، فمن في إسرائيل سيقدم على مجازفة يرى المتنافسان الرئيسيان فيها مساسا بما يعدّانه إنجازا نوعيا نادرا حصلت عليه إسرائيل باعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لها؟".

ويستدل على ذلك بأن هذا الاعتراف لم يكن واردا حين وافقت الحكومة الإسرائيلية مرتين على مشاركة أهل القدس في الانتخابات الفلسطينية العامة.

ومما يزيد الأمر غموضا، برأيه، أن "احتمالات إعلان صفقة القرن مباشرة قبل الانتخابات الإسرائيلية أو بعدها، ستتضمن بنودا تجعل من الصعب على أي حكومة إسرائيلية الموافقة على السماح بمشاركة مقدسية في انتخابات فلسطينية".

وتجرى في الثاني من مارس/آذار 2020، انتخابات الكنيست (البرلمان) للمرة الثالثة في أقل من عام، حيث حالت ملفات فساد زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، وصعوبة توحيد الكتل والأحزاب، دون تشكيل حكومة وحدة بعد انتخابات أبريل/نيسان، وسبتمبر/أيلول 2019.

تلكؤ وخشية

المحلل السياسي إبراهيم المدهون يرى أن أبرز العراقيل التي تواجه إجراء الانتخابات هي "تلكؤ عباس وخشيته من إجراء انتخابات لا يتم الوصول فيها إلى نتائج مرضية".

ويقول لـ"الاستقلال": "عباس يخشى من منافسة حماس القوية وعودتها إلى الحكم عبر صندوق الاقتراع، فهو كان يفضل عدم قبول حماس بإجراء انتخابات، ولهذا اكتفى أولا بالحديث عن الانتخابات التشريعية ولم يطرح الرئاسية إلا بعد فترة".

ويتابع: "ثم أراد عباس أن تكون انتخابات كاملة النسبية، فهو يعتقد أن حماس لا تستطيع أن تحقق حسما كما حصل في 2006، بالإضافة إلى أن عباس يخشى من إطلالة منافسه من حركة فتح محمد دحلان، ولذلك ارتأى المماطلة في الانتخابات".

ويعتقد أن التحجج بالقدس أمر مبالغ فيه، مبينا أنه "كان على عباس أن يدبر تكتيكا سياسيا يحرج الاحتلال بإعلانه عن إجرائها وموعدها ومشاركة القدس، فالاحتلال بكل الأحوال يريد أن يبقى على حالة الانقسام، وهو يعيق إجراءها".

وبين أن الاحتلال سيرفض الانتخابات لأنها ستقوي الجانب الفلسطيني، وهذه فرصة لعباس أن يضرب الاحتلال ويفرغ إعلان ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل من مضمونه، لكنه لجأ إلى التحجج بموضوع القدس من أجل الهروب رغم أنه لم يبذل أي جهد لإجرائها بالقدس، فلم يرسل مندوبي لجنة الانتخابات وأعضائها، ولم يضع مراكز اقتراع". 

وزاد أن "الاحتلال بهذه التركيبة المتطرفة يؤمن أن الضفة تحت سيادة إسرائيل ولذلك سيعيق الانتخابات، لأنه يظن أنها مصدر قوة للفلسطينيين بعد الانقسام، لذلك المطلوب من عباس أن يواجهها، وحتى لو منعت ذلك سيشكل معركة سياسية قانونية، الانتصار فيها سيكون للشعب الفلسطيني".

أين الحل؟

يقول نبيل عمرو وهو وزير فلسطيني سابق: إن ما يلفت النظر هو ظهور طروحات بديلة ليس حول كيفية إجراء الانتخابات في القدس، وإنما بإلغاء الفكرة من أساسها.

ويوضح أن ذلك ممكن، عبر الاستعاضة عن المجلس التشريعي المنتخب بالمجلس المركزي المعين الذي ينتمي جملة وتفصيلا وخمولا لزمن الفصائل، ويستتبع ذلك الاستعاضة عن حكومة السلطة باللجنة التنفيذية.

فيما يرى المحلل السياسي باسل عثمان أن الحل يكمن في إنهاء الانقسام وتجسيد الرؤية الوطنية التوافقية ضمن إستراتيجية وطنية كاملة.

ويعتقد في مقال نشره في سبتمبر/أيلول 2019، أن المصالحة الوطنية هي المدخل الوحيد لإجراء الانتخابات، كمعركة وطنية وليس معركة "تقاسم وظيفي" لأركان السلطة (فتح وحماس) وتكريس الأمر الواقع وتمويله.

ويقول المحلل السياسي إبراهيم المدهون لـ"الاستقلال": "هناك إمكانية أن تحصل انتخابات إذا استمرت حماس والفصائل بالضغط على عباس لتجاوز موضوع القدس وعدم أخذه كمبرر".