أزمة العمالة المنزلية.. هكذا عادت الكويت والفلبين إلى نقطة الصفر

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت إلى الواجهة من جديد، أزمة العمالة المنزلية بين الفلبين والكويت، وذلك بعد مقتل عاملة فلبينية على يد رب عملها، في البلد الخليجي الذي يضم الآلاف من أولئك العاملين، وضاعفت نتائج تشريح جثة الضحية التي أجريت في "مانيلا" من حدة تلك الأزمة.

واتفق مسؤولون في كل من الكويت والفلبين على الاجتماع الشهر المقبل لحل الأزمة التي اندلعت بين البلدين وتصاعدت خلال الشهر الجاري، في وقت تصر فيه الفلبين على التنفيذ الصارم لشروط الاتفاقية المبرمة حول وضع العمالة الفلبيينة في الكويت.

واتهمت السلطات الفلبينية الجانب الكويتي بمحاولة التغطية والتستر على السبب الحقيقي لمقتل مواطنتها "جينالين فيلافيندي" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث أظهرت نتائج التشريح الأولي التي أجريت في الكويت أن سبب الوفاة إصابة الضحية "بسكتة قلبية" ناتجة عن إصابات جسدية.

غير أن نتائج عملية التشريح الثانية التي أجريت في الفلبين أفادت أن الضحية تعرضت لاعتداء جنسي قبل مقتلها، ما فاقم من حدة الأزمة وضاعف من حجم ذلك التوتر.

وكان كفيل العاملة الفلبينية "جينيلين فيلافيندي" (26 عاما)، الذي يعمل في وزارة الداخلية الكويتية، قد أسعفها إلى مستشفى الصباح، وأنكر معرفته سبب الوفاة أو آثار الضرب الموجود على جسدها، الأمر الذي أدى لاحتجازه.

وقد أفضت تلك الحادثة إلى صدور قرار بحظر العمالة الفلبينية من السفر إلى الكويت، بعد مصادقة الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي على ذلك القرار. وأعربت الكويت عن استيائها من صدور ذلك القرار، قائلة: إن الجهات المختصة اتخذت الإجراءات القانونية في أعقاب مقتل العاملة.

أزمة متجددة

وكانت أزمة دبلوماسية سابقة قد اندلعت بين البلدين مطلع عام 2018، على إثر تقارير كشفت تعرض فلبينيين في الكويت للاستغلال والعمل الإضافي والاغتصاب.

كان آخر تلك الانتهاكات، العثور على جثة عاملة فلبينية في ثلاجة بشقة في منطقة “الشعب” في محافظة حولي بعد مقتلها، في حادثة هزت الرأي العام الفلبيني والكويتي على السواء.

وكانت مصادر صحفية كويتية كشفت أن السورية "منى حسون" زوجة المواطن اللبناني "نادر عساف" عذبت خادمتها الفلبينية "جوانا ديمافيليس"، ثم اشتركت مع زوجها في وضع العاملة الشابة البالغة من العمر 29 في ثلاجة بشقتها.

وفر الزوجان بعد تراكم الديون عليهما وتوقيع شيكات بلا رصيد، ليجري اكتشاف الأمر بعد مرور 16 شهرا على مقتلها، ويجري القبض على الجانيين في دمشق بعد ملاحقات دولية استمرت أسابيع.

وقد تسببت تلك الحادثة بتوتر العلاقات بين البلدين، ما دفع السلطات الفلبينية لإصدار قرار بحظر سفر رعاياها الراغبين بالعمل في الكويت.

وازدادت الأزمة تعقيدا وقتها بعد أن أمرت السلطات الكويتية السفير الفلبيني بالمغادرة على خلفية تسجيلات مصورة أظهرت موظفي السفارة الفلبينية وهم يساعدون العمال على الهرب من أرباب عمل يعتقد أنهم يسيؤون معاملتهم.

غير أن تلك الأزمة انتهت بتوقيع اتفاقية بين الدولتين منحت العمالة الفلبينية حقوقا إضافية، من بينها حق الاحتفاظ بالهواتف، ومنح يوم راحة أسبوعيا، وحق التواصل مع السفارة عند الاحتياج.

كما تضمنت الاتفاقية وجوب عدم بقاء جواز السفر في أيدي الكفيل، وضرورة أن يوافق مكتب العمل الفلبيني على تجديد عقد العمل، ليتم رفع الحظر بعد ذلك في مايو/أيار 2018، قبل أن تعود الأزمة من جديد، وتبرز إلى الواجهة. 

رافد اقتصادي

يعمل في الكويت نحو 262 ألف فلبيني، 60% منهم يشتغلون في العمالة المنزلية. وهذا الرقم جزء من أكثر من مليونين وستمائة ألف فلبيني يعملون في دول الخليج.

وبحسب هيئة الإحصاءات الفلبينية، تستحوذ الكويت على 6.4 % من حجم العمالة الفلبينية العاملة في الخارج وتأتي ثالثا، في حين تأتي السعودية أولا بنسبة 24 بالمائة من العمالة الفلبينية، والإمارات ثانيا بواقع 16 بالمائة من العمالة.

أما قطر فتستحوذ على المرتبة الرابعة بنسبة 6.2 % من العمالة الفلبينية، ويوجد أقل الأعداد منهم في عمان والبحرين، منهم 97.5% لديهم عقود عمل قائمة أي يعملون بطريقة شرعية.

ويبلغ عدد المغتربين الفلبينيين نحو 11 مليون، من إجمالي أكثر من 107 ملايين نسمة، هم عدد سكان البلد، بحسب إحصائيات 2018. غير أن نصف هذا العدد يغتربون لأسباب اقتصادية، والنصف الآخر مقيم بشكل دائم في عدة دول منها الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي.

ويحصل المغتربون، خصوصا العاملين في دول الخليج، على مرتبات لا يمكنهم تحصيلها في بلدهم، وتمثل الأموال التي  يرسلها العمال المغتربون 10 بالمئة من اقتصاد البلاد.

بحسب بيانات بنك الفلبين المركزي، فإن تحويلات العاملين الفلبينيين من الخليج بالفترة من مطلع يناير/كانون الثاني 2019 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بلغت نحو 5.22 مليار دولار، مقارنة بـ5.82 مليار دولار بالفترة المماثلة من 2018.

وقد مثلت تحويلات العمالة الفلبينية من دول مجلس التعاون الخليجي خلال النصف الأول من عام 2019 نحو 20 % من إجمالي تحويلات تلك العمالة من مختلف بلدان العالم والبالغ 17.22 مليار دولار.

وجاءت أكبر التحويلات من المملكة العربية السعودية بقيمة 1.27 مليار دولار، فيما جاءت أقل التحويلات من سلطنة عمان بواقع 121.58 مليون دولار.

بدورها، تكتسب اقتصاديات دول مجلس التعاون فرصا لتعزيز ظروفها الاقتصادية والتجارية. على سبيل المثال، تسيطر شركات الطيران الخليجية على وجهة "مانيلا"، حيث يسافر نحو مليون مغترب فلبيني من دول الخليج إلى الفلبين سنويا، فضلا عن بقية القطاعات التجارية.

الاغتراب والحقوق

تعاني الفلبين من عدم استقرار الوضع الاقتصادي، وانخفاض معدل دخل الفرد، الأمر الذي دفع ريتشارد بادوك للقول في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز": "يمكن لطهي الطعام على سفينة شحن أن يدر راتبا أفضل من ذلك الذي يتقاضاه الرئيس الفلبيني عند 1000 دولار شهريا".

بالإضافة إلى ذلك، فإن السياسات المتبعة من قبل الحكومة الفلبينية تشجع على العمل في الخارج، لتحسين اقتصاد البلاد، من خلال الحوالات المالية التي يبعثها المغتربون لأسرهم.

فعلى سبيل المثال، يتراوح معدل الراتب السنوي للمعلمين والممرضات في الولايات المتحدة الأميركية بين 25 ألفا إلى 45 ألف دولار كحد أقصى، في حين يُدفع حوالي 3.6 ألف دولار سنويا في الفلبين في نفس القطاعات.

وبحسب نيويورك تايمز، فإن الوضع الاقتصادي غير المستقر وانخفاض الرواتب وارتفاع معدلات البطالة في الفلبين لا تعد الأسباب الوحيدة التي تدفع بحركة العمالة، بل يعود ذلك أيضا إلى الطلب المتزايد على العمال الفلبينيين، كونهم يتقنون اللغة الإنجليزية، ولديهم مستوى عال نسبيا من التعليم، وسمعة جيدة في الحفاظ على علاقات عمل جيدة مع أصحاب عملهم.

في المقابل، تنتقد منظمات حقوقية دول الخليج، بسبب تعرض العمالة الأجنبية، لظروف عمل سيئة وتعرض بعضهم للضرب المبرح والإهانات وغيرها من الانتهاكات على أيادي أرباب العمل، خصوصا العاملين في قطاع العمالة المنزلية.

وبحسب وزير العمل الفلبيني سلفيستر بيلو فإن نحو 10 آلاف عاملة فلبينية، من إجمالي 117 ألف عاملة في الكويت تعرضن لسوء المعاملة.

ووفق تقارير هيومن رايتس ووتش المبنية على شهادات العاملات الأجانب في الخليج، فإنهن يتعرضن للاعتداءات الجنسية والتحرش والضرب المبرح، وقد يصل الأمر إلى التعذيب وحلق الشعر والإهانة ومنع الطعام، ولا يستطعن الحديث عن الأمر علانية خوفا من طردهن، لاسيما أن أغلبهن المعيلات الرئيسيات لعائلاتهن.


بحسب المنظمة الدولية، فإن القوانين والسياسيت المتعلقة بالعمالة الأجنبية في الخليج، تجعل العاملات المنزليات أكثر عرضة للانتهاك، إذ تسمح الأطر القانونية القائمة لأصحاب العمل بالانتقام من العاملات اللواتي يهربن من الأوضاع المسيئة.

كما لا توفر تلك القوانين ضمانا لحقوقهن أو سلامتهن الجسدية والنفسية، حيث تمنع معظمهن مغادرة العمل أو الذهاب لصاحب عمل جديد دون موافقة صاحب العمل الأصلي، ويعاقبهن بتهمة "الهروب" إذا فعلن ذلك.


المصادر