تعرف على خطة بوتين الدستورية للبقاء في السلطة لما بعد 2024

محمد سراج الدين | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد إعلانه المفاجئ عن إجراء تعديلات على الدستور، قدمت الحكومة الروسية برئاسة ديمتري مدفيدف استقالتها، ليحل مكانها حكومة جديدة، برئاسة رئيس مصلحة الضرائب، ميخائيل ميشوستين.

وأمام هذه المتغيرات المتسارعة في موسكو، وردت تساؤلات عن الخلطة التي يفكر فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لما بعد 2024، وهو العام الذي من المقرر أن يترك فيه بوتين، السلطة بحكم الدستور الحالي.

مهتمون ومختصون بالشأن الروسي قدموا العديد من التصورات، التي ربما لا يرتبط بعضها ببعض، ولكنها في النهاية تشير جميعها أن هناك خطة أعدها بوتين ليظل الحاكم الفعلي لروسيا، حتى لو لم يكن هو الرئيس.

كما كشفت التحليلات عن أزمة حقيقة تواجهها روسيا، تتمثل في غياب المعارضة الفاعلة من جانب، وعدم ثقة الناخبين في الحزب الحاكم برئاسة بوتين من جانب آخر.

رئيس للأبد

وفقا لتحليل قدمه الكاتب الروسي المعارض "ليونيد بيرشيدسكي" ونشره موقع بلومبرج الأمريكي، فإن الخطوات المتسارعة التي تشهدها موسكو خلال الأيام الماضية، تسير جميعها في طريق واحد، وهو أن يظل بوتين في الحكم إلى ما لا نهاية.

وحسب بيرشيدسكي، فإن الدستور الحقيقي الذي يحكم روسيا، موجود فقط في رأس بوتين، ولذلك فإن التعديلات التي أعلن عنها لتوسيع صلاحيات البرلمان والحكومة، لا أحد يعلم عنها شيئا، سوى بوتين نفسه، والذي يريد من خلالها وضع تصورات وخيارات للاحتفاظ بالسلطة بعد عام 2024، عندما تنتهي ولايته.

ويرى الكاتب الروسي أن استقالة ميدفيديف من رئاسة الحكومة، لها معنى واحد، وهو أن البديل المطيع، لن يخلف بوتين كرئيس، كما فعل في ولايته عام 2008.

كما أن التعديلات التي اقترحها بوتين، بالسماح فقط للأشخاص الذين أقاموا في روسيا بشكل مستمر لأكثر من 25 عاما، ولا يحملون جواز سفر أجنبي، أو تصريح إقامة دائم في دولة أخرى، بالترشح للرئاسة، من شأنها استبعاد عدد كبير من الروس الأثرياء والمتعلمين.

خاصة وأن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن 543000 روسيا يحملون جنسية ثانية، أو تصريح إقامة أجنبية، كما ستؤدي الإصلاحات إلى قطع مجتمع المهاجرين الهائل في البلاد، والذي تقدر شعبة السكان بالأمم المتحدة فيه بنحو  10.5 مليون ، أي ما يعادل حوالي 7 ٪ من سكان روسيا.  

ووفق بيرشيدسكي، فإن الصلاحيات التي تحدث عنها بوتين للبرلمان، لن تكون لمجلس النواب الذي يتم انتخابه بشكل مباشر من الروس، وإنما صلاحيات لمجلس الشيوخ الذي يتم تعيينه من الرئيس، لتكون له كلمة في التعيينات الرئيسية للأمن والدفاع والسياسة الخارجية، وهي الصلاحيات الممنوحة فقط للرئيس.

أما أبرز التعديلات التي تحدث عنها بوتين، فتتمثل بالفقرة الخاصة في مدد الرئاسة، والتي كنت تنص حاليا على "منع الرئيس من الخدمة لأكثر من فترتين متتاليتين". وجاء اقتراح بوتين بإلغاء كلمة متتاليتين، لقطع الطريق على ميدفيديف، الذي عمل رئيسا لأكثر من ولاية ولكنها لم تكن متتالية.

هزة بوتين

تحليلات أخرى تساءلت عن السر وراء الهزة التي أحدثها بوتين بقراراته الأخيرة، وحديثه عن نقل صلاحيات منه للبرلمان والحكومة، رغم أن الرجل لم يعرف عنه يوما أنه من أنصار الديمقراطية.

وحسب ما كتب "دانيال تريسمان" أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، فإنه بموجب الخطة التي طرحها بوتين، سينتقل حق اختيار رئيس الوزراء وحكومته من الرئيس إلى البرلمان.

وبموجب الاقتراح الجديد، لن يكون للرئيس دور في تعيين الوزراء، ما يجعل الحكومة تعتمد بشكل أساسي على البرلمان، إلا أن الرئيس سيظل لاعبا رئيسيا، لاحتفاظه بسلطة تعيين قادة القوات المسلحة وإنفاذ القانون، بعد التشاور مع مجلس الشيوخ في البرلمان. 

وحسب ما كتب الباحث الأمريكي في شبكة "سي إن إن"، فإن النظام الحالي الذي تهيمن عليه رئاسة قوية للغاية، سيتم استبداله بمزيد من الضوابط والتوازنات وتقسيم السلطات واللامركزية، وهو ما يشير إلى أن هذه التغييرات الجذرية تؤكد أن بوتين جاد في التنحي عن الرئاسة، ولكنها لا تعني أيضا أنه عازم على التقاعد من السياسة.

وقدم تريسمان، عدة سيناريوهات لاحتفاظ بوتين بالهيمنة على السلطة، منها تكرار التجربة الصينية بإلغاء حدود الولاية الرئاسية، كما أن هناك احتمالا أن يصبح رئيسا لاتحاد روسيا وبيلاروسيا، في حال حلحلة المفاوضات مع رئيس بيلاروسيا ألكساندر لوكاشينكو.

ويرى الباحث الأمريكي المختص بالشؤون الروسية، فإن بوتين يحب الصدمة، حيث كان يتردد سابقا في تعديل الدستور ، ولم يفعل ذلك سوى مرة واحدة بين عامي 2000 و2009.

عندما كان رئيسا وشعبيا، لم تكن التفاصيل المؤسسية مهمة له على الإطلاق، ولكن مع انخفاض معدلات تأييده مؤخرا ولعدم وجود ملامح للتقارب مع الغرب، فمن غير المرجح أن يتحسن الاقتصاد الروسي كثيرا في السنوات القليلة المقبلة، ومع اقتراب انتخابات مجلس الدوما في سبتمبر/ أيلول 2021، وانتهاء ولاية بوتين في عام 2024، فإن عام 2020 هو المناسب لبوتين لإدخال التعديلات التي يريدها.

ويبرر تريسمان، تعديلات بوتين التي تنسف نظامه شديد المركزية، لتخوفات الرجل من من استخدام نفس أسلوب هذا النظام ضده، خاصة وأن وجود رئيس جديد لا توجد عليه قيود، يمكن أن يشكل تهديدا له ولحلفائه، ولذلك فإن بوتين، الذي لم يكن صديقا للديمقراطية، يبدو الآن عازما على ترك الأمور أكثر ديمقراطية لخلفه.

4 مسارات

وبالعودة لتحليل "ليونيد بيرشيدسكي"، فإن اقتراحات بوتين، تدفع للحديث عن أربعة مسارات يمكن أن يسير فيها خلال الفترة المقبلة، وجميعها تشير لهدف واحد وهو استمرار هيمنته على السلطة.

أبرزها عودته رئيسا للوزراء ليتمتع بسلطات قوية ويبقى إلى ما لا نهاية، أو إدارة البلاد من كرسي رئيس البرلمان، وثالثا الحكم من وراء الكواليس كزعيم للحزب المهيمن في البرلمان، وهي الطريقة التي يدير بها "ياروسلاف كاتشينسكي"، زعيم حزب القانون والعدالة بولندا حاليا، وكذلك هو النظام المعمول به في الصين.

وفيما يتعلق بالمسار الرابع، فيتمثل حسب بيرشيدسكي في الاقتراح الخاص الذي قدمه بوتين بتوسيع صلاحيات مجلس الدولة أو مجلس الشيوخ.

وهذا المجلس أنشأه بوتين بعد توليه الحكم في 2000، وصلاحياته استشارية فقط، ويرأسه رئيس الجمهورية، وهو مكون من حكام الأقاليم، والمتحدثين في مجلسي البرلمان وقادة الأحزاب البرلمانية.

وبالتالي فإن بوتين يريد توسيع صلاحيات المجلس الذي من الممكن أن يترأسه بعد انتهاء ولايته، ويظل متحكما في مناصب الدفاع والخارجية والأمن والسياحة والاقتصاد.

وهو ما يشبه لحد كبير، حالة رئيس كازاخستان الأول، نور سلطان نزارباييف، الذي تخلى عن منصبه القديم في العام الماضي ليصبح رئيسا للبلاد المفوض حديثا مجلس الأمن.  

موقف المعارضة

المعارضة الروسية من جانبها اعتبرت أن التعديلات التي أدخلها بوتين، هي في النهاية لصالحه وليست لمصلحة الشعب الروسي، أو من أجل تداول حقيقي للسلطة.

وحسب تصريحات نقلتها صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن المعارضة الروسية لم تلتفت كثيرا للتعديلات لأنها في النهاية لن تقدم حلحلة للشأن السياسي الروسي.

ووفقا لما كتبه أليكسي نافالني، أحد الزعماء البارزين في المعارضة الروسية على حسابه بتويتر فإن "النتيجة الرئيسية لخطاب بوتين: أين الأغبياء (و/ أو المحتالون) جميع أولئك الذين قالوا إن بوتين سيغادر عام 2024".

وقال أليكسي ماكاركين من مركز التقنيات السياسية، وهو مركز أبحاث مقره موسكو: إن التعديلات الدستورية لبوتين كانت محاولة للتخطيط لانتقاله في عام 2024 والتقليل من التركيز على من سيختار كخليفة بجعل هذا الدور أقل أهمية.

ووفقا لمكاركين: "لن يكون الرئيس القادم مهيمنا على شخصية مثل بوتين، لذا فإن تسمية خليفته لن تكون قرارا حاسما".

وترى الصحيفة البريطانية أن هناك قلة في روسيا ما زالت تتوقع أن بوتين يريد التقاعد من الحياة العامة، أو أنه يمكن أن يفعل ذلك بأمان.

ورثة محتملون

وتشير تحليلات أخرى لصحف غربية، أن التعديلات التي يريد بوتين إدخالها على الدستور، وعلى سلطات الدولة، لم تجعل السؤال السابق، عن خليفته المنتظر، بنفس الأهمية التي كان عليها قبل إعلانه عن هذه التعديلات، التي تدفع في النهاية، لإضعاف أي رئيس قادم، وجعله بدون صلاحيات، أمام السلطات التي سيتم منحها، لرئيس للوزراء أو لرئيس مجلس الدولة.

وتوضح صحيفة واشنطن بوست أن شخصية الرئيس المقبل، لن تخرج عن مجموعة من المقربين المخلصين لبوتين، وهم عبارة عن الزملاء القدامى، والمساعدين والرؤساء الإقليميين، وكذلك الحراس الشخصيين السابقين ، حيث يعتبرون جميعا ورثة محتملين.

وحسب الصحيفة فإن المظاهرات التي اندلعت في روسيا خلال عامي 2011 و2012، وما زالت تظهر من وقت لآخر، وكذلك الخسائر التي حققها مرشحو الحزب الحاكم في انتخابات المحليات التي جرت أواخر 2019، كل ذلك دفع بوتين للتفكير في إدخال تعديلات دستورية تضمن عدم ذهاب الحكم للمعارضة.

ونقلت الصحيفة، عن المعارض الروسي "أليكسي نافالني" قوله: إن بوتين مهتم بكونه "زعيم مدى الحياة". وقال ميخائيل كاسيانوف، رئيس الوزراء السابق والمعارض لبوتين: إنه يريد الاحتفاظ بالسلطة "إلى الأبد".