قناة إسطنبول الجديدة.. لماذا تهاجمها المعارضة وتخشاها الإمارات؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إسطنبول اليوم أضحت رائعة وأسطورة، سنقوم بإنشاء قناة إسطنبول التي ستربط بحر مرمرة مع البحر الأسود بطول 45 كم، وسنفتتح المطار الثالث". بعد قرابة عام من وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تم افتتاح المطار الثالث، كواحد من أضخم مطارات العالم.

الشطر الثاني من الوعد بات على بعد خطوات، إثر إعلان الرئيس التركي عزمه البدء في مشروع "قناة إسطنبول الجديدة"، لتكون باكورة المشروعات القومية الكبرى بتركيا.

لكن الأمر لا يخلو من هجوم اعتادت عليه المعارضة التركية، وقاده هذه المرة رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو معلنا رفضه المشروع، وهو ما تزامن مع مخاوف إماراتية كبرى من أن يخطف المشروع الجديد، الأضواء من مدينة دبي.

إسطنبول الجديدة 

في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، صرح الرئيس أردوغان قائلا: "مشروع قناة إسطنبول، سيسهم في زيادة جمال المدينة ويزيل المخاطر البيئية في مضيق البوسفور".

وحول الانتقادات المتعلقة بمشروع "قناة إسطنبول"، قال الرئيس التركي: "أولا يجب أن نسأل من يوجهون هذه الانتقادات عما قدموه حتى الآن"، وذلك في إشارة واضحة لرئيس بلدية إسطنبول وكذلك كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي أعلن أيضا رفضه مشروع القناة.

أردوغان أضاف: "اتفاقية مونترو لا تعترف بأي حق لتركيا في المضائق، وأن السفن تعبر منها كما تريد. تخيلوا أنهم يستخدمون مضائقكم ولكن لا يمكنكم القيام بشيء، هذا هو الوضع حاليا، أما قناة إسطنبول فوضعها مختلف".

وتقضي اتفاقية "مونترو" التي دخلت حيز التنفيذ في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1936، "بتنظيم حركة المرور عبر مضائق البحر الأسود للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب".

الرئيس التركي أوضح أنه في حال تنفيذ تركيا لمشروع القناة، فإنها "ستمتلك حقوقا مماثلة للدول التي تملك قنوات مثل قناة السويس في مصر. حكومتي ستنشئ إسطنبول مختلفة كثيرا من خلال مشروع القناة، وستبني فوقها 5 جسور".

مضيفا: "بالنسبة لنا، فإن هذا المشروع سيزيد من جمال إسطنبول من الناحية البيئية، وسيزيل المخاطر المتعلقة بالبيئة في مضيق البوسفور".

دراسات علمية

في 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، نشرت وزارة النقل والبنى التحتية التركية رسما بيانا عبر حسابها على "تويتر"، يتضمن معلومات حول الدراسات التي جرت بين عامي 2011 و2019، والتي أجرتها  في تخصصات مختلفة فيما يتعلق بمشروع "قناة إسطنبول".

وأكدت أن "الدراسات أجريت في تخصصات مختلفة تشمل تحليل الزلازل والتخطيط الحضري والاقتصاد والتراث الثقافي والبيئة وإدارة المرور. وأجريت في 33 قسما بمشاركة نحو 200 أكاديمي من عدة جامعات، بينها بوغاز إيجي، والشرق الأوسط التقنية، و"إسطنبول التقنية".

وقالت: "57 مؤسسة ومنظمة أبدت رأيها بشأن تقييم الأثر البيئي وشاركت في الدراسات المذكورة المتعلقة بالمشروع. وبيّنت أن تجارب مختبرية ومحاكاة أجريت من أجل المشروع في تركيا وفرنسا". 

تشكيك المعارضة

في 2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، هاجم رئيس بلدية إسطنبول المعارض، أكرم إمام أوغلو، مشروع "قناة إسطنبول" ووصفه بـ"الكارثي"، قائلا: "سيترتب عليه نتائج قد تغير نظام التوازن البيئي في المدينة، هذا المشروع ليس خيانة لإسطنبول فقط، بل مشروع قتل".

وأردف: "هو مشروع كارثي لا لزوم له، وعند الانتهاء منه، فهذا يعني خسارة إسطنبول التاريخية. يؤثر بشكل سلبي على البحيرات والأحواض المائية والمناطق الزراعية، ونظام النقل في المدينة، وتشكيل جزيرة بين مضيق البوسفور والقناة الجديدة، وهذا يعني تعريض نحو 8 ملايين نسمة لخطر الزلازل، وحصرهم في تلك المنطقة".

واختتم إمام أوغلو انتقاداته، بالقول: "في حين أن الاقتصاد في البلاد يمر بمرحلة صعبة، يمكن استثمار الأموال التي تنفق على مشروع قناة إسطنبول في مشاريع أخرى".

وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وجه زعيم المعارضة التركية ورئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، تهديدات للحكومة التركية حول إنشاء المشروع.

وقال كليجدار أوغلو: "علينا حل جميع مشاكل هذه المدينة التاريخية، ويكفيهم الإساءة لها، يقولون إنهم سيقومون بإنشاء (قناة إسطنبول)، الجميع يقولون كلا للمشروع باستثناء شخص واحد يقصد (أردوغان)، الذي يقول (سأفعل)، وبأي عقل، ما المنطق، ومن أين لك المال؟ لا يمكنك يا أخي أن تفعل هذا".

وتابع زعيم المعارضة التركية: "أقول بمنتهى الوضوح، للجميع فلا يذهب أي منكم ويخصص ولو 5 قروش للمشروع، ونحن لن نسمح بإنفاق أي قرش في هذا المشروع".

أردوغان في مقابلة أكرم إمام أوغلو الذي شن هجوما عنيفا على المشروع

ورد أردوغان على موجة الهجوم الحادة من قبل المعارضة على المشروع الذي وصفه من قبل قائلا: "هذا حلمي"، حيث قال، مخاطبا "أكرم إمام أوغلو": "عليه أن يجلس ويهتم بعمله".

وفي كلمة بالمجمع الرئاسي بأنقرة، قال الرئيس التركي: "الآن يقفون ضد قناة إسطنبول، ورئيس البلدية يقول إنها لا تناسب المنطقة.. اجلس واهتم بعملك.. سترى كيف تناسب".

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: "مشروع قناة إسطنبول سيغير التاريخ، ويشكل نقطة تحول للبلاد في النقل البحري".

ومشروع القناة الجديدة، لا يعارضه أقطاب حزب الشعب الجمهوري المعارض فقط، بل هناك أطراف خارجية تناهض الدولة التركية، وتكيل لها العداء، تتحفظ عليه، وترى فيه كارثة على مصالحها الحيوية، على رأسها دولة الإمارات.

قلق دبي 

التنافس الشرس بين تركيا والإمارات لتوسيع نفوذهما وتعميقه عبر الموانئ في الشرق الأوسط وإفريقيا، تبلورت معالمه بعدما أخذت كل دولة مسارا واضحا لتحقيق ذلك سياسيا وعسكريا وإقتصاديا. 

لكن مشروع قناة إسطنبول الجديدة يضيف شكلا مختلفا للصراع، حيث أن المنافسة الحقيقية هنا ستكون عمليا بين قناة إسطنبول وموانئ الإمارات، لأن القناة الجديدة تستهدف نقل التجارة بين الصين وأوروبا من المحور الجنوبي، حيث النفوذ الإماراتي على موانئ عدن وبربرة وعصب في باب المندب، إلى محور الشمال والبحر الأسود حيث تركيا.

الأمر الذي سيزيد، من دون شك من قدرة تركيا على المنافسة الاقتصادية والاستقطاب التجاري، خصوصا مع الانتهاء من مشروع طريق الحرير الحديدي، وهو ما يعني فعليا تحويل مدينة إسطنبول إلى مركز عالمي للتجارة الدولية مقابل أفول نجم دبي كمركز مالي إقليمي.

هذا يعني أن الصراع بين الدولتين سيتعاظم إلى درجات بالغة، في ظل توترات قائمة بالفعل، خاصة وأن المشروع أصبح مشروعا قوميا للأمة التركية، له أبعاد قديمة.

ميناء دبي الذي سيشهد أفولا بإنشاء قناة إسطنبول الجديدة

حلم عثماني

 فكرة وجود  قناة تربط بين البحر الأسود مع بحر مرمرة، ليست جديدة، بل طرحت 7 مرات على الأقل تاريخيا.

كان الاقتراح الأول في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني (1520-1568)، وكان صاحبه المهندس التركي الفذ "معمار سنان" أعظم معماري أنجبته الحضارة العثمانية، والذي قيل إنه وضع خططا مبدعة لهذا المشروع.

المقترح الثاني، كان في 6 مارس/ آذار 1591، في عهد السلطان مراد الثالث، الذي أصدر قرارا لبدء العمل في المشروع، لكن تم إيقاف المشروع مرة أخرى لأسباب غير معروفة.

المقترح الثالث، كان في عام  1654 في عهد السلطان محمد الرابع، حيث تم الضغط من أجل البدء من جديد في القناة، لكن الفكرة بقيت فكرة، ولم تدخل إلى حيث التنفيذ.

كان المقترح الرابع، خلال فترة حكم السلطان مصطفى الثالث (حكم 1757-1774)، وحاول مرتين في عام 1760، لكن المشروع لم يمض قدما بسبب المشاكل الاقتصادية، التي كانت تمر بها الدولة. 

أما المقترح الخامس، كان في عهد السلطان محمود الثاني، الذي أمر بتكوين لجنة سلطانية عثمانية لدراسة المشروع مرة أخرى، وتم إعداد تقرير في عام 1813، وكالعادة لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة.

توقفت أحلام القناة مع أفول نجم الدولة العثمانية، وتجددت للمرة السادسة تاريخيا، في 17 يناير/ كانون الثاني 1994، قبل الانتخابات المحلية بفترة وجيزة، حيث اقترح بولنت أجاويد زعيم حزب اليسار الديمقراطي (DSP)، مشروع شق القناة الجديدة، ولم ينفذ. 

وجاءت الخطوة الكبرى، في الطرح السابع، في أبريل/ نيسان 2009، عندما قام حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP)، بإجراء دراسات سرية على المشروع، وأخذت الحكومة التركية، خطوات ملموسة لإحياء المشروع، وقام وزير النقل آنذاك ابن علي يلدريم، بذكر المشروع  لأول مرة بشكل علني في مايو/ آيار 2009 في البرلمان.

بعدها أعلن رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت، عن  مشروع قناة إسطنبول في 27 أبريل/ نيسان 2011، خلال الدعاية الإنتخابية في تلك السنة، مطلقا عليه اسم المشروع العاصف أو المجنون  (Çılgın PROJ).

وتم الانتهاء من الدراسات المتعلقة بالمشروع في غضون عامين. ويتم العمل حاليا العمل عليها لتكون جاهزة وموضوعة بالخدمة في عام 2023، في الذكرى المئوية للإصلاحات الأتاتوركية بتمويل محلي بشكل كامل. 

جزيرة جديدة

حسب الدراسات الصادرة من الحكومة التركية، فإن مشروع قناة إسطنبول، سوف يشطر الجانب الأوروبي الحالي في المدينة، وهو ما يؤدي لتشكيل جزيرة جديدة، (لديها شواطئ على البحر الأسود، بحر مرمرة، القناة الجديدة ومضيق البوسفور).

وسيكون الممر المائي الجديد موازيا لمضيق البوسفور الحالي. ويهدف لتقليل حركة الملاحة في مضيق البوسفور القديم، والحد من المخاطر البيئية، خاصة مرور ناقلات النفط، حيث تمر سنويا عبر مضيق إسطنبول 56 ألف سفينة، من بينهم 10 آلاف ناقلة تحمل 145 مليون طن من النفط الخام.

وسوف يكون الممر المائي الجديد بطول 45-50 كم (28-31 ميلا) وعلى عمق 25 مترا (82 قدما)، بعرض 150 مترا (490 قدما) على السطح و120 مترا (390 قدما) في قاع القناة. وهذه الأبعاد تسمح لأكبر السفن والغواصات بالمرور. ويعتبر قادة السياسة التركية، ذلك المشروع أكثر أهمية مستقبلا من قناة السويس وقناة بنما.