قناة السويس في قبضة الإمارات.. كيف مهد السيسي لتلك اللحظة؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت وزارة البترول المصرية أن شركة "دراغون أويل" الإماراتية أنجزت صفقة شراء حقوق امتياز شركة "بي بي البريطانية" في مناطق خليج السويس.

وحسب بيان وزارة البترول، "بموجب الشروط والبنود المنصوص عليها في صفقة الشراء، أصبحت شركة دراغون أويل المحدودة (المملوكة لشركة بترول الإمارات الوطنية إينوك)، شريك الهيئة المصرية العامة للبترول، بدلا من شركة بي بي (البريطانية)، في كافة امتيازات إنتاج واكتشاف النفط في خليج السويس، حيث تقوم شركة بترول خليج السويس (جابكو) بالعمليات نيابة عن الهيئة والمقاول".

ومن شأن إتمام صفقة الشراء تعزيز الإنتاج الإستراتيجي للشركة الإماراتية واستثماراتها في عدد من مناطق ودول العالم. وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإماراتية.

علي الجروان الرئيس التنفيذي لشركة "دراغون أويل"، أكد أن الشركة أتمت صفقة استحواذ وشراء حصة "بي بي" البريطانية التابعة لها في شركة "جابكو" المملوكة للحكومة المصرية بقيمة 850 مليون دولار تقوم بموجبها "دراغون أويل" بتملك كامل حصة "بي بي" في شركة "جابكو" المصرية والاستئثار، بحقوق الامتياز الاستكشاف والإنتاج في خليج السويس.

الصفقة الجديدة أعادت شبح تدخل الإمارات في منطقة قناة السويس، باستحواذ ميناء شركة "موانيء دبي" على المزيد من الأراضي والمشروعات بالمنطقة بالغة الأهمية اقتصاديا وأمنيا للدولة المصرية.

موانئ دبي

قدم الإمارات التي وطأت منطقة قناة السويس، والأراضي المحيطة بها، تعود إلى قبل ذلك الحدث بسنوات. ففي عام 2008، استحوذت مجموعة موانئ دبي (تأسست عام 1999، وتدير حاليا 78 ميناء حول العالم) على إدارة ميناء العين السخنة (شرق القاهرة).

وفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أعلن رئيس الهيئة العامة لقناة السويس الفريق مهاب مميش، توقيع اتفاق للشراكة مع الجانب الإماراتي لإنشاء شركة مساهمة جديدة باسم "شركة التحدي" المصرية الإماراتية للأعمال البحرية والتكريك.

الاتفاق الذي وقعه مميش خلال زيارته للإمارات ووصفه بالمهم، جاء ضمن العديد من الاتفاقات السابقة تفردت بها الإمارات كمستثمر أجنبي بمشروعات قناة السويس.

وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، تحدث رئيس الحكومة في نظام السيسي مصطفى مدبولي، عن شراكة مصرية مع الإمارات بمنطقة قناة السويس بنسبة 51% لهيئة قناة السويس، و49% منها لشركة "موانئ دبي".

وأكد مدبولى أن "الشراكة تأتي لتنفيذ مشروعات بمنطقة شمال غرب خليج السويس، وأن الاستثمارات التي ستضخها (موانئ دبى) ، ستُعزز تدفقات الاستثمار الأجنبي بمصر".

الأمر أثار مخاوف المصريين من خسارة إحدى أهم روافد الدخل القومي للبلاد، وخضوعها لسيطرة أبوظبي، التي لها تجارب مماثلة مدمرة، كما حدث في موانئ منطقة شرق إفريقيا.

يأتي هذا بعد إلغاء الصومال اتفاقية شراكة مع موانئ دبي لإدارة ميناء "بربرة" وإلغاء جيبوتي عقدا مع موانئ دبي أيضا لتشغيل محطة "دوراليه" للحاويات.

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن المدير التنفيذي لموانىء دبي بالشرق الأوسط، سهيل البنا، أن الشركة "تخطط لإنشاء ميناء على ساحل البحر المتوسط بمصر، ليصبح ثاني ميناء لها بعد العين السخنة".

 وقال: إن "موانئ دبي تدرس 3 فرص استثمارية بمصر، إحداها إنشاء ميناء بساحل البحر المتوسط، يتم دراسة عدة مواقع على ساحل الدلتا لإنشائه".

ويأتي إعلان موانئ دبي عن دراستها إنشاء ميناء جديد على الساحل الشمالي لمصر بعد أيام من الإعلان عن تأسيس منصة استثمارية بقيمة 20 مليار دولار أمريكي مناصفة بين الإمارات ومصر.

كما يأتي أيضا التوغل الإماراتي لموانئ دبي في مصر بالتزامن مع سعي الشركة للاستحواذ على موانئ بمنطقة خليج عدن، وجنوب البحر الأحمر، في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، التي تتبناها الصين كأكبر المشاريع العالمية بالقرن الحالي.

"مشروع مرسي"

في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2012، من داخل مجلس النواب (البرلمان) المصري، أعلن الرئيس الراحل محمد مرسي، عن تفاصيل مشروع تنمية إقليم قناة السويس. 

واستهدف المشروع الجديد، محورا تمر فيه 11% من تجارة العالم، ومضاعفة دخل قناة السويس إلى 100 مليار دولار، بدلا من 5 مليارات دولار هي كل ما تدره القناة مقابل تكلفة مرور السفن في السنة.

مرسي أعلن عن إقامة إقليم متكامل اقتصاديا وعمرانيا ومكانيا ولوجستيا، ما بين مينائي شرق التفريعة في الشمال، ومينائي العين السخنة والسويس في الجنوب، ليمثل مركزا عالميا في الخدمات اللوجستية والصناعية، وتركز خطة التطوير هذه على تنمية محافظات القناة الثلاث، وهي الإسماعيلية وبورسعيد والسويس.

المشروع تضمن 4 مراحل: أولها إنشاء محطات الترانزيت التي تختص بتفريغ الحاويات ثم يعاد تصديرها كما هي، وفي المرحلة الثانية يتم إعداد وإنشاء مراكز التوزيع، حيث يتم فيها تفريغ الحاويات البترولية والسيارات في الموانئ المحورية، ويتم توزيعها كما هي، ولكن لأماكن متفرقة.

وفي المرحلة الثالثة تقام على أطراف هذه الموانئ خدمات لوجيستية، وفي المرحلة الرابعة يتم إنشاء مناطق لوجستية وخدمية، والتي تستوعب الموانئ المحورية على طول خط القناة، لتنتقل إلى المناطق الصناعية التي تتمركز على أطراف القناة ليعاد تصنيعها وتوزيعها.

ولم يقف الأمر عند الإعلان فقط، بل اتخذ الرئيس مرسي خطوات جادة، واعتمدت الحكومة مخططا للتنمية السياحية في منطقة الطور ورأس محمد على مساحة قدرها 150 مليون متر مربع، وبدأت في إحياء دراسة قديمة لإنشاء الجسر الرابط بين مصر والسعودية، وإنشاء مطار مدينة رأس سدر، وإنشاء 3 مناطق حرة في سيناء، ومنطقة صناعية تضم مصانع للجبس، والرمل الزجاجي والتعدين لتعظيم القيمة المضافة عوضا عن تصدير الرمال الخام.

حسب المشروع، يقوم المحور الخدمي والتنموي للمشروع على مساحة 7 آلاف كيلومتر، ليضم 5 محافظات هي السويس وبورسعيد والإسماعيلية وشمال سيناء وجنوب سيناء.

وتصل قيمة العائدات التي كانت متوقعة بانتهاء المراحل الأربع إلى 100 مليار دولار، وهو نفس الرقم الذي روج مؤيدو السيسي إلى تحقيقه بعد إنشاء التفريعة، التي يدار جدل حول أهميتها، وجدواها الاقتصادية. 

مشروع الرئيس مرسي توقف بعد الانقلاب العسكري، والإطاحة به في 3 يوليو/ تموز 2013، وعلى وقع معارضة جهات داخلية وخارجية، لإقامة المشروع.

"سيسي الإمارات"

كانت أبوظبي من أشد المعارضين لمشروع تنمية محور قناة السويس، الذي أعلن عنه الرئيس مرسي، وسخرت كل الإمكانيات، لوقفه والقضاء عليه، فحسب مراقبين، لو تحقق يفلس ميناء جبل علي، أهم روافد اقتصاد دبي، وأكبر موانئ الشرق الأوسط، وتاسع أكبر ميناء في العالم، حيث يضم 5 آلاف شركة عالمية، وسبق أن استولت دبي على ميناء سفاجا من قبل وجمدت تطويره، لهذا الغرض أيضا.

إرادة الإمارات في إفشال المشروع، تلاقت مع رغبة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي وبعض قيادات الجيش، فعملوا على استهداف حكم مرسي والانقلاب على التجربة الديمقراطية الوليدة والخلاص من شخصه. 

مرسي كان قد أمر بتشكيل هيئة استثمارية جديدة تشرف على تنفيذ المشروع وتخضع للرئاسة مباشرة بعيدا عن الجيش، وهو ما رفضه المجلس العسكري جملة وتفصيلا بحجة الإضرار بالأمن القومي، رغم إشراك مرسي للجيش في تنفيذ المشروع والتربح من عوائده.

الطريف أن الجيش الذي رفض مشروع مرسي لتنمية محور قناة السويس بدعوى إضراره بالأمن القومي، هو من دعم المشروع نفسه في عهد السيسي، لكن بعد اكتمال التحالف الإماراتي، وتحديد الشكل والمهام المناسبة لمصلحة أبوظبي، التي شاركت في تمويل الانقلاب، ودعم السيسي دوليا لشرعنة حكمه.

المنفعة صفر

في 6 أغسطس/ آب 2019، نشر مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، تقريرا للمحلل السياسي ماجد مندور، قال خلاله: "السيسي يعطي الأولوية لمشاريع البنى التحتية الواسعة النطاق بهدف حشد الدعم، غير أن هذه المشاريع تُعزز قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد ولا تُقدم أي منافع اقتصادية واسعة وملموسة". 

وضرب الباحث المصري مثلا بتوسعة قناة السويس، وأكد أن "الأرقام تُظهر أن الحجم الإجمالي للاقتصاد المصري بلغ 249 مليار دولار في أواخر عام 2018، في حين أن مجموع العائدات التي أمّنتها قناة السويس في السنة نفسها لم يتجاوز 5.7 مليارات دولار".

وأضاف: "جرى تمويل توسعة قناة السويس بصورة أساسية من خلال إصدار سندات محلية في سبتمبر/ أيلول 2014، بمعدل فائدة بلغ 12 %. وترافق ذلك مع حملة ترويجية وصفت المشاركة في التمويل بأنها واجب وطني".

وأردف: "لم يُحقق المشروع المنافع المتوقعة، وشهدت إيرادات القناة تراجعا في السنوات الأولى. ففي عام 2014، أي قبل التوسعة، بلغت الإيرادات 5.5 مليارات دولار. 

وفي عام 2015، تراجعت إلى 5.1 مليارات دولار، ثم إلى 5 مليارات دولار عام 2016، لتشهد ارتفاعا من جديد عام 2018 مع بلوغها 5.5 مليارات دولار.

ولم يتمكن المشروع من توليد إيرادات كافية لتسديد الأقساط، ما أرغم وزارة المالية على تسديد مبلغ الـ 600 مليون دولار، لأن هيئة قناة السويس لم تكن تملك الاحتياطي الضروري. 

وهو ما برره السيسي في يونيو/ حزيران 2016، بقوله في مقابلة تلفزيونية: "الهدف من التوسعة التي بلغت كلفتها 8 مليارات دولار كان رفع معنويات الشعب المصري لا تحقيق منافع اقتصادية ملموسة".