بند في "اتفاق الرياض".. لماذا يهدد وحدة الجيش اليمني؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الفقرة الثالثة من الملحق العسكري في "اتفاقية الرياض" تنص على توحيد القوات العسكرية وضم التشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي لوزارة الدفاع اليمنية وترقيمها (منحها الرقم العسكري) وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال 60 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق.

علامات استفهام كثيرة تحوم على بنود الاتفاق الذي تم توقيعه مساء الثلاثاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني، بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، خاصة البند المتعلق بدمج الميليشيات والتشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في عدن والمحافظات الجنوبية ضمن قوام الجيش الوطني ودمجها في المؤسسة العسكرية النظامية.

حسب مراقبين: تكمن خطورة دمج ميلشيا مسلحة لا تمتلك عقيدة عسكرية وطنية، ولها تاريخ إجرامي ضمن قوام الجيش الوطني، في كونه يعد اختراقا للمؤسسة العسكرية من قبل عناصر تدين بالولاء لمن أنشأها وجندها، وهو الأمر الذي يسهل من القيام بأي تمرد في المستقبل لصالح أجندة من خارج المؤسسة العسكرية الوطنية.

اختراق الجيش

يبلغ عدد قوات الحزام الأمني الذي أنشأته الإمارات في عدن نحو 10 آلاف جندي، بينما يبلغ عدد التشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في عموم المحافظات الجنوبية والساحل الغربي نحو 90 ألف جندي.

دمج آلاف العناصر متعددة الولاءات لمؤسسة الجيش، سوف تسهم، حسب متابعين، بتدجين مؤسسة الجيش ولن تجعلها قادرة على الدولة بوطنية متجردة من الولاءات، بالإضافة إلى ذلك فإن دمج واستيعاب عناصر من تنظيم القاعدة في المؤسسة العسكرية، يضاعف من مخاطر الاختراق الاستخباراتي للمؤسسة العسكرية والأمنية لصالح التنظيمات المتطرفة.

الصحفي اليمني أمين بارفيد قال لـ "الاستقلال": "دمج ميلشيات مسلحة في الجيش الوطني يمثل تهديدا لعقيدة الجيش ووحدة قرارها، فالكيانات التي أسستها أبوظبي تم تغذيتها بحب الإمارات أكثر من حب اليمن، وأصبح الولاء للإمارات أكثر من الولاء لليمن".

وأضاف بارفيد: "في إدارة الجيوش، تكون الألوية والكتائب العسكرية والأفراد جاهزين ومنقادين لأي قرار بتحويلهم من منطقة إلى أخرى، وهذا الأمر سيصبح متعسرا فيما لو قامت هيئة الأركان بإصدار قرار يقضي بنقل كتيبة من منطقة عسكرية جنوبية إلى منطقة عسكرية أخرى في جغرافيا الشمال على سبيل المثال".

وتابع بارفيد: "من الناحية العملية الدمج مستحيل، ونقطة قوة الجيش هي واحدية العقيدة، وذوبان المناطقية بين أفرادها، وما حصل هو تعزيز للمناطقية".

تفخيخ مبكر

عملت الإمارات منذ تدخلها في اليمن في صيف 2015، إلى إنشاء تشكيلات موازية للمؤسسات الرسمية، فقامت بتشكيل ميلشيات تعمل لحسابها، قامت بتدريبهم في كل من أبوظبي وعدن، ثم قامت بتسليحهم، لتقوم بدفعهم، في آخر المطاف، للقيام بانقلاب عسكري على الحكومة الشرعية في أغسطس/آب الماضي.

كانت التشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات وسلحتها خليطا من مجرمين وأصحاب سوابق وعناصر سلفية وأعضاء من تنظيم القاعدة.

وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية كشفت في تقرير لها: "استيعاب الإمارات لـ 250 عنصرا من تنظيم القاعدة ضمن قوات الحزام الأمني التي أنشأتها أبوظبي في عدن، كنتيجة لصفقة سرية عقدت بين أبوظبي وتنظيم القاعدة، من أجل انسحاب التنظيم من مدينة المكلا بحضرموت دون مواجهة".

وبدلا من محاسبة تلك الميلشيا لارتكابها جرائم الاغتيال والتصفية والتعذيب والإخلال بالأمن، تم مكفاءتهم والدفع بهم لتبوؤ مناصب مهمة في الجيش وتم منحهم رتبا عسكرية.

على المستوى السياسي، عمدت أبوظبي إلى إقصاء الحراك الجنوبي، الممثل الأبرز للقضية الجنوبية، المنادي بالانفصال، وأنشأت بدلا عنه المجلس الانتقالي، وعينت في رئاسته عناصر موالية لها.

وعملت على إقصاء الحكومة الشرعية وتحييدها، مستغلة ضعفها وانشغالها بقتال جماعة الحوثي في المحافظات الشمالية، ودفعت بعناصر موالية لها للسعي لتمثيل الحكومة الرسمية.

اتفاق الرياض نص على أن يكون للمجلس الانتقالي نصف الحقائب الوزارية في الحكومة، مع ملاحظة أنه تم الدفع بالمجلس الانتقالي ممثلا وحيدا للجنوب، رغم وجود أحزاب وتنظيمات سياسية جنوبية أخرى، بعضها يعود تأسيسه لعام 2007، ومع ذلك تم العمل على تهميشها من أجل عدم إشراكها في حصة الجنوب من الحقائب الوزارية.

عادل الحسني القيادي الجنوبي قال لـ"الاستقلال": "فخخت الإمارات مؤسسة الجيش منذ وقت مبكر، فلم تكتف بتشكيل أذرع عسكرية موازية للجيش الوطني، مثلت قنبلة موقوتة، بل عملت على القضاء على القيادات الجنوبية الوطنية التي قاتلت في معركة دحر الحوثي من عدن، فاعتقلت كل المقاتلين وأودعتهم في سجونها السرية، وقامت بعد ذلك بتصفية عدد منهم، وتعذيب آخرين، متسببة بعاهات دائمة لهم، في حين مازال البعض مخفيا في سجونها حتى اللحظة".

يضيف الحسني: "لم تقتصر هذا السلوك الإماراتي الإجرامي على العناصر التي قاتلت ودافعت على عدن، بل طال حتى الأصوات الوطنية السياسية التي وقفت بصدق مع عدن وأبناء عدن، فتعاملت معهم بطريقتها وقامت باغتيالهم، وكشفت تقارير دولية عن وقوف الإمارات وراء تلك الاغتيالات لأبناء عدن، وكشفت أيضا تسريبات محاضر التحقيق عن تورط هاني بن بريك، رجل الإمارات في عدن، بالوقوف وراء تلك الاغتيالات".

تجارب سابقة

كان لليمنيين تجربة سابقة مع ميلشيا الحوثي، حيث يقضي اتفاق السلم والشراكة الذي تم توقيعه بين الحكومة والشرعية والحوثيين في 20 سبتمبر/أيلول 2015، في أحد بنوده باستيعاب ميلشيا الحوثي ودمجها ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، قبل أن ينقلب الحوثيون على الاتفاق وعلى مؤتمرات الحوار الوطني وينفذوا انقلابا مسلحا بعد التوقيع على الاتفاقية بيوم واحد.

دفع الحوثيون بعد ذلك بعناصر موالية لهم، ومنحت مناصب عسكرية رفيعة، وقاموا، بموازاة ذلك، بإزاحة قيادات عسكرية حتى سيطرت بشكل كلي على مؤسسة الجيش.

في الوقت الحالي تقاتل ألوية الجيش تحت رايات طائفية، وتعلن عند تأديتها للقسم، ولاءها لزعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي.

الحشد الشعبي

في يوليو/تموز الماضي أصدرت الحكومة العراقية قرارا يقضي بدمج قوات الحشد الشعبي، في الجيش الوطني. وتتكون قوات الحشد الشعبي من 70 فصيلا مسلحا، وتأسست بفتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني عام 2014.

يقول الباحث في العلاقات الدولية العراقي ياسين عبود، لـ"الاستقلال": "قوات الحشد الشعبي الشيعية تم إنشاؤها بأوامر من قائد فيلق القدس جناح الحرس الثوري الخارجي، قاسم سليماني، وتتلقى سلاحها من إيران، وتتمتع بنفوذ واسع في العراق، ولن يمكن السيطرة عليها بعد استيعابها واحتوائها ضمن ألوية الجيش النظامي في العراق، بل ستقاتل تحت رايات لا علاقة لها بالوطن".

يضيف عبود: "جاء تأسيس قوات الحشد الشعبي بناء على خطة إيرانية لاستنساخ الحرس الثوري في العراق وتشكيل جيش مواز للقوات المسلحة التي تعمل إيران على إنهاء دورها تدريجيا منذ عام 2003 عبر توسيع نفوذ الأحزاب التابعة لها داخل مؤسساتها، ويجب أن نتذكر أن الميليشيات الشيعية العراقية حاربت ضد جيش العراق الوطني في حرب الثمانينيات، جنبا إلى جنب مع قوات الخميني".

ورغم أن الهدف المعلن من إنشاء قوات الحشد الشعبي محاربة تنظيم الدولة، إلا أن فصائل مسلحة مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، انضمت لقوات الحشد الشعبي، وقاتلت تحت رايات مذهبية، حتى أنها أرسلت مئات من عناصرها للقتال إلى جانب قوات الأسد في سوريا.

ورحبت الميلشيات الرئيسية التابعة للحرس الثوري خارج الحدود العراقية بقرار عبد المهدي بدمج قوات الحشد الشعبي في الجيش النظامي، وأشاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بقرار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ضم كافة تشكيلات "الحشد الشعبي".

كما رحب قادة الميليشيات الكبرى، مثل عصائب أهل الحق، وبدر وكتائب السلام، بالقرار، ووصفوه: بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وهو ما يجلب كثيرا من الريبة حول تكوّن عقيدة وطنية لتلك الميلشيات الطائفية.