صحف عبرية تكشف رؤية إسرائيل لانتشال الأكراد من مأزقهم

12

طباعة

مشاركة

من وجهة نظر إسرائيلية، يشكل الأكراد قوة معتدلة لم تشمل أبدا في تصوراتها وخطاباتها معاداة "إسرائيل"، بل إنها تعتبرها مصدر إلهام لما قد يكون مستقبل كردستان، بينما ترى تركيا وإيران في "دولة الأكراد" تهديدا لهما.

فاليهود - وهم أقلية في الشرق الأوسط - ليس لديهم العديد من الحلفاء الطبيعيين في المنطقة، ولذلك يرون أن التحالف مع الأكراد بداية لعملية بناء تحالفات مع الأقليات الأخرى، والتي ستكون حقيقية وموثوقة ومستدامة، من وجهة نظرهم.

وكما هو الحال دائما في منطقة الشرق الأوسط، فإن إسرائيل استثنائية، كبار المسؤولين الحكوميين، في الماضي والحاضر، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يؤيدون علنا وصراحة فكرة الدولة الكردية المستقلة التي قد تتشكل في قلب الدولة العربية التي يعتبرونها معادية. 

ووفقا لتقارير مختلفة، فإن العلاقات المهمة بين إسرائيل وكردستان تشكلت سرا في عام 1965، وحتى يومنا هذا، فهذه العلاقات محور مهم في منطقة الشرق الأوسط، وهي مستمرة طوال الوقت. 

توزيع الأكراد

يشكل الأكراد في سوريا، إقليم "كردستان الغربي"، فقد حاربوا ضد تنظيم الدولة في الأعوام الماضية واستطاعوا السيطرة على مناطق واسعة. وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن قوة الأكراد مؤخرا، هي التي دفعت تركيا لتنفيذ عمليتها العسكرية الأخيرة، خوفا من تشكل نواة حقيقة لدولة كردية على حدود تركيا مع سوريا، من شأنها أن تهدد وحدة الأراضي التركية مستقبلا. 

ونفذت تركيا مؤخرا، عملية أطلق عليها "نبع السلام" بهدف طرد التنظيمات الإرهابية وأبرزها حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، من شرق نهر الفرات شمالي سوريا، وعلقت العملية بعد أيام، ضمن اتفاق مع أمريكا يقضي بأن تكون المنطقة الحدودية الآمنة تحت سيطرة الجيش التركي.

في تركيا يبلغ عدد الأكراد حوالي 20٪ من إجمالي السكان، ويشكلون أغلبية ساحقة من السكان في الشرق التركي. وتقول صحف عبرية: "كان تعاظم قوة الأكراد في المنطقة أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، اتفاق روما عام 2016".

وترى أنه بالنظر إلى تقوية اللوبي الكردي في واشنطن والتعاطف التقليدي للدولة اليهودية مع النضال الكردي، كان لأردوغان مصلحة واضحة في "تبريد" العلاقة الإسرائيلية الكردية الأكثر أهمية، لكن وجود علاقة أوثق مع الأكراد هو بالضبط ما ينبغي على إسرائيل أن تروج له في هذا الوقت. 

عن الخطوات الإستراتيجية، يشير تقرير سابق لصحيفة معاريف: "يمكن لإسرائيل أن تتخذ خطوات متنوعة ومختلفة في التواصل مع الأكراد، في لحظة مهمة بالنسبة لهم، يجب أن تضع نفسها في طليعة دعم تقرير المصير للأكراد وتعزيز تطلعاتهم الوطنية".

كما يمكن لإسرائيل أيضا مساعدة الأكراد في العديد من المجالات غير العسكرية، مثل التعليم والصحة والزراعة وغير ذلك، "يجب على إسرائيل تقوية علاقاتها مع المنطقة الكردية في العراق على وجه الخصوص، بما في ذلك العلاقات التجارية، ويشار إلى أن هناك عدد من المنتجات التي تستوردها إسرائيل اليوم من مصادر أخرى يمكن أن تشتريها من كردستان".

في إسرائيل، هناك أيضا مجموعة من رجال الأعمال المقيمين في كردستان والذين يمكن أن يكونوا جسرا مهما للعلاقات الاقتصادية والثقافية بين الشعبين - بما في ذلك إنشاء غرفة التجارة بين إسرائيل وكردستان، وفق الصحيفة. 

الإسرائيليون هم الوحيدون الذين يثق بهم الأكراد، بهذه الكلمات عنون موقع ميدا الإسرائيلي تقريره عن الأكراد، وهو تقرير يعود لعام 2014 عندما كان تنظيم الدولة في أوج قوته، في مواجهته مع التنظيمات الكردية في الشمال السوري.

رؤية ساغي

الرجل الذي شارك بشكل فعال في بناء الجيش الكردي وقاده في حربين ضد الجيش العراقي هو العميد تسوري ساغي، قليلون في إسرائيل سمعوا عنه، حيث همشه الجيش الإسرائيلي، لكن في كردستان هو بطل وطني.

العميد المتقاعد ساغي قاد إلى انتصارات كبيرة على الجيش العراقي في 1966 و1974. يرى ساغي أن عامي 1965-1966 مهمة جدا للأكراد في شمال العراق، كما كانت السنة التي تليها مهمة لإسرائيل. 

يقول ساغي: "كانت المشكلة في تكييف أساليب القتال مع ما هو شائع عند الأكراد". ويصف الأكراد قائلا: "لكن قدرتهم على إطلاق النار كانت استثنائية. كانوا يسقطون هدفا من 800 ياردة. وهم شجعان وصبورون".

تنقل صحيفة معاريف تصريحات للعميد الإسرائيلي تسوري ساغي، على خلفية عملية نبع السلام التركية ضد التنظيمات الكردية، قوله: "كنت سأبذل قصارى جهدي لمساعدة الأكراد في سوريا، لكن يجب قول الحقيقة: في مواجهة الجيش التركي القوي، الذي يهاجم بالدبابات والمدفعية والطائرات، ستقل قوتهم، وفي نهاية المطاف ليست لديهم فرصة للنجاح. بعد كل شيء، كشخص أصبح وطنيا كرديا، كنت سأكسر رأسي لإيجاد طريقة لفعل شيء من أجلهم".

العميد الإسرائيلي تسوري ساغي مع مصطفى البرزاني

بعد عودة الموضوع الكردي على الساحة، أصبح مكان إقامة العميد في مسكن المظليين في رمات غان (في تل أبيب) بمثابة غرفة إدارة عمليات حرب مصغرة. 

تمركز فريق قناة بي بي سي مع المظلي الجريء لسماع ما كان عليه الوضع قبل سنوات، وفي ذات الوقت يعمل هاتفه الخلوي لساعات إضافية.  من بين المتصلين: مهاجرو كردستان في إسرائيل، الذين من وجهة نظرهم هم أحباء المجتمع ومحسوبون على جهاز المخابرات الإسرائيلي. أجابهم ساغي عن طيب خاطر.

يكمل ساغي قائلا: "ما حدث للأكراد في شمال العراق ليس مثل ما يحدث معهم في سوريا اليوم". يوضح: "بينما عملنا مع إيران قبل عهد الخميني، بما في ذلك مساعدة ثلاثة أفواج مدفعية إيرانية، لا يتمتع الأكراد في سوريا بهذه الميزة اليوم. يتم الضغط عليهم بين أردوغان، الذي يستحق أن يأخذ رصاصة في رأسه، ومن جهة أخرى بشار الأسد، بلا منطقة جبلية، حيث يمكنك الذهاب للدفاع دون التعامل مع قوات دروع كبيرة." 

عن استعانة التنظيمات الكردية بنظام الأسد يقول: "ما كنت لأنصحهم بالبناء عليه أكثر من اللازم. بادئ ذي بدء، يبحث الأسد عن مصالحه، خوفا من أن يؤدي غزو تركي إلى احتلال جزء كبير من بلاده. يبدو أنه يتصرف بالطريقة التي يعتزم بها السيطرة على الأراضي الكردية في المستقبل".

يتابع: "لدى السوريين القدرة على التعامل مع الأتراك، لكن في وضعهم العسكري بعد الحرب الأهلية، فإن فرصة الأكراد ضئيلة. حتى في عام 66، كان الأكراد العراقيون يائسين. على الرغم من أنني تلقيت أمرا بالانسحاب، إلا أننا نحن المظليين، لا نحب سماع تلك الأوامر، وقلبت الطاولة من أجلهم. اليوم لا أرى من سيأتي من الخارج ويفعل ذلك".

ويقول العميد: "الأوروبيون أبناء زانيات مذ ولادتهم، أما دونالد ترامب فلا يمكن أن تعرف ما يجري في رأسه، يدعي أن الأكراد لم يساعدوا الأميركيين في نورماندي، خلال الحرب العالمية الثانية. عندما تسمع شيئا كهذا منه، فأنت تستحق التحقق من سلامة عقله".

وعن توقعاته بشأن مصير الأكراد، يقول ساغي: "إما يفرون شرقا إلى العراق أو جنوبا إلى الداخل السوري. لا يبدو لي أنهم سيقاتلون حتى آخر جندي. حقق الأكراد العراقيون نجاحات غير عادية بفضل من أدارهم. وبدون ذلك، ربما كانوا قد انهاروا. لدواعي الحياء، لن أخوض في التفاصيل".

عن الفرق بين القوات الكردية العراقية ونظيرتها السورية، يقول ساغي: يكمن الاختلاف الواضح الذي يبرز في خدمة المرأة، حتى في وظائف ضباط القتال، بين الأكراد السوريين. إنه لمن دواعي سروري أن أراه ولم يكن لدينا شيء نتحدث عنه على الإطلاق. في حين أن البرزانيين ليسوا متدينين - وأتذكر إعجاب زعيمهم، الملا مصطفى بارزاني، بالويسكي - فإنهم يعتمدون على بنية قبلية تقليدية تكون فيها الخدمة العسكرية لا تشمل النساء. 

نبع السلام 

وبالعودة للعملية التركية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حسابه الشخصي في موقع تويتر: "تدين إسرائيل بشدة الغزو العسكري التركي للمناطق الكردية في سوريا وتحذر من التطهير العرقي للأكراد من قبل تركيا وأنصارها. ستبذل إسرائيل كل جهد ممكن لتوفير المساعدة الإنسانية للشعب الكردي الشجاع".

أما الوزير الليكودي السابق جدعون ساعر فقال: "يجب على إسرائيل أن تصدر صوتا واضحا ضد عدوان أردوغان ضد الأكراد في شمال سوريا وتقديم المساعدة الإنسانية". وأرفق مقالة سابقة له عام 2016، في أعقاب الاستفتاء الكردي. 

كما نشر يائير نتنياهو (ابن رئيس الوزراء الإسرائيلي) على حسابه في تويتر صورة علم كردستان وكتب # free Kurdistan. 

وكما في كل عام، عشية عيد العُرش، اجتمعت الجماعة الكردية في إسرائيل في حدث كبير الأسبوع الماضي للاحتفال بعيد الصحراء، وهو عطلة قديمة كانت مألوفة بين اليهود الأكراد، من بين الأهداف الأخرى للاحتفال بحسن علاقات الجوار بين اليهود والمسلمين.

هذا العام، تجمع المحتفلون في القدس، لكن وبسبب الأحداث الحالية الصعبة في وطنهم القديم كردستان لم تمر الأجواء بهدوء، وقرر المشاركون الاحتفال وفي نفس الوقت التعرف على ما يحدث.

بدأت الفعاليات المشتركة في السبعينيات، في مستوطنة يردينا بالقرب من بيسان، حيث كان يسكنها معظم المهاجرين من كردستان. يعيش اليوم العديد من أبناء وبنات الجماعة الكردية في القدس، يوجد في المدينة نحو 20 ألف مهاجر من كردستان. مع الأسف، تمتزج هنا السياسة مع الفرح، نظرا لما يحدث للأكراد في سوريا. 

الواجب الإسرائيلي

دعا مسؤول كردي كبير إسرائيل - في مقابلة مع قناة كان الإخبارية الإسرائيلية - لممارسة ضغوط على الولايات المتحدة لإبقاء قوات في شمال شرق سوريا، حسبما نشر برنامج "هذا الصباح" هنا يوم الأحد الماضي. 

حسب قوله، هذه هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها إسرائيل الآن مساعدة الأكراد. كما يدعي أن تركيا تخرق اتفاق وقف إطلاق النار بصورة قاسية، ولا تسمح بإجلاء الأشخاص المصابين الذين تم إجلاؤهم من مدينة رأس العين الحدودية - حيث لا تزال المعارك جارية.

وفي حديثه إلى قناة كان الإخبارية، هاجم المسؤول، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قائلا: إنه ربما كانت الصفقة التي أبرمها مع تركيا "عظيمة" بالنسبة له، ولكن ليس للأكراد أو للولايات المتحدة. وقال: إن الهجوم التركي المستمر لا يسمح لهم بسحب قواتهم وفقا للاتفاقية، وهم مجبرون على الرد على الانتهاكات. 

فيما يتعلق بالاختلافات في الروايات بينهم وبين أردوغان فيما يتعلق بالاتفاق، أصر في حديث له على أنه من المفترض أن يسحب الأكراد قواتهم فقط من منطقة القتال في مدينتي رأس العين وتل أبيض. أما في بقية الحدود مع تركيا، يجب نشر قوات النظام السوري. 

وأشار إلى أنه: إذا استمرت العملية، فلن يواجه الأكراد الانقراض فحسب، بل هذا ما ستواجهه الأقليات الأخرى في شمال شرق سوريا. من ناحية أخرى، تدعي وزارة الدفاع التركية أن قوات المتمردين الأكراد ارتكبت 20 انتهاكا منذ توقيع الاتفاق.

 في يوم الجمعة الماضي، قُتل 13 مدنيا وجُرح 70 آخرون في هجوم تركي على قافلة كانت تتحرك باتجاه بلدة رأس العين الحدودية. من جانبه نفى الرئيس التركي أردوغان استمرار القتال على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار وقال: إن جميع التقارير عن الاشتباكات كانت معلومات مضللة. ومع ذلك، حذر أردوغان من أن بلاده ستستأنف الهجوم إذا لم تنسحب القوات الكردية من المنطقة الآمنة كما هو متفق عليه.