يني شفق: هؤلاء المستفيدون من إعادة أنقرة العلاقات مع الرياض وأبوظبي

نشرت صحيفة "يني شفق" مقالا للكاتب زكريا كورشون، أشار فيه إلى أن التطورات الأخيرة في اليمن، تعد لافتة بشكل واضح، ولاسيما أن الحوار بين الإمارات وإيران، اللذين من المفترض أنهما يتقاتلان بشكل أو بآخر في اليمن منذ أربع سنوات، أو أكثر بقليل.
وقال الكاتب في مقاله: إن "الاختلافات حول إدارة الملفات في المنطقة سواء الداخلية أو الخارجية غير صحية أبدا داعيا وراغبا في إنهائها بأسرع وقت".
وشهدت الأيام الماضية تقاربا لافتا بين الطرفين "الإمارات وإيران" إذ عقد البلدان اجتماعا في طهران، الأسبوع الماضي، جمع قائد قوات حرس الحدود الإيراني وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي، واختتم بتوقيع مذكرة تفاهم لتعزيز وترسيخ الأمن الحدودي بين البلدين.
وقالت الإمارات في وقت سابق، إن الزيارة تأتي استكمالا للقاءات دورية سابقة أجرتها لجنة مشتركة بين البلدين تم تشكيلها لبحث مسائل تجاوز الصيادين للحدود البحرية للبلدين.
إنهاء حرب اليمن
ورأى الكاتب، أن هذا الحوار المتصاعد تدريجيا قد يكون مقدمة بشكل أو بآخر لإنهاء الحرب في اليمن؛ ولعل ما زاد من فرصة التقارب هذه، هو موقف واشنطن الأخير من أزمتها مع إيران، إذ أنه وعلى ما يبدو، كانت أبو ظبي تراهن على عقوبات ساخنة تفرض على النظام الإيراني، لكن ما حدث عكس ذلك تماما؛ لقد استمرت العلاقات والمفاوضات والوسطاء على قدم وساق وآخرها كان الوسيط الياباني، بل وصل الأمر، لأن يعرض وزير الخارجية الأمريكي بنفسه أن يزور طهران، فيما رفضت الأخيرة هذه الزيارة.
وشدد زكريا كورشون على أن الإمارات ربما تكون قد فهمت أخيرا، أن الصراع الذي يقوم على أسس طائفية، لا نهاية له ولا يمكن أن يحسمه رصاص أو مدفع، لاسيما وهي الخاسر الأكبر في هذه الحرب، فقررت الإمارات تخفيض عدد قواتها في اليمن إلى بضع مئات وكانت قد أرسلت في وقت سابق حوالي 7 آلاف جندي.
وانتقل الكاتب إلى نقطة أخرى تتحدث عن التاريخ قد يكون منسيا لعمق الدول الحالية من ممالك وسلاطين وإمارات والتي نشأت في شبه الجزيرة العربية بقوله: إن "أفراد الأسر الحاكمة القديمة في شبه الجزيرة العربية كانوا من المحاربين ومعظم الوقت كانوا قادرين على الحصول على طعامهم وشرابهم، ومن خلال فنون الدسائس التي خبروها، باتوا ماهرين في التمرد على الإدارات التي كانوا ينتمون إليها واكتسبوا مع الوقت مهارات في شن الحروب بين القبائل".
وأردف: "غير أن ذلك كله، لم يشفع لهم الخوض في معركة حقيقية مع طرف قوي، ولم يسجل لهم التاريخ أن فازوا بحرب محورية إقليمية كالتي تدور رحاها الآن؛ وفي عمليات الحرب البرمائية التي ظهرت في العصر الحديث، لم يكن لديهم أي خبرة على الرغم من أنهم شبه جزيرة بالفعل".
وتابع الكاتب، قائلا: "لأول مرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية الحديث، عانى التحالف الخليجي، الذي يستخدم تكنولوجيا الحرب الأكثر تقدما في العالم، أو بالأحرى عانت كلٌ من السعودية والإمارات، من الهزيمة في اليمن. علاوة على ذلك، قتلوا عشرات الآلاف من المدنيين ووسموا بأنهم مجرمو حرب".
حرب اليمن، التي دخلت عامها الخامس الآن، يُنظر لها على أنها أسوأ أزمة إنسانية في عصرنا. تتراوح تقديرات القتلى بين 10 آلاف إلى أكثر من 70 ألف قتيل، غالبيتهم من اليمنيين. وبحسب تقارير فإن الغارات الجوية التي تقودها السعودية تسببت في مقتل ثلثي هذا العدد.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، إن هناك أكثر من 30 جبهة قتال، ونزح أكثر من 3.3 مليون شخص من مناطقهم، ويحتاج 80 في المئة من السكان إلى المساعدة والحماية، بما في ذلك 10 ملايين يعتمدون الآن على المساعدات الغذائية. وأدى هذا إلى غرق اليمن، أفقر بلد في العالم العربي، أكثر في مستنقع الفقر والكوارث الاقتصادية.
ومضى الكاتب في مقاله قائلا: "في واقع الأمر، سيكون القرار الأكثر صحة، هو عن الحرب وإصلاح الدمار الناجم عنها ودفع تعويض لليمن. لهذا السبب أجد أن حوار الإمارات مع إيران إيجابي وأؤيده".
السعودية والإمارات
وشدد زكريا كورشون في مقالته على أن الدور الإقليمي لتركيا ومن قبله، العهد العثماني، كان مع تحقيق السلام، مبينا أن "هذا التطور، هو فرصة يجب اقتناصها، والعمل على استعادة العلاقات مع السعودية والإمارات، والعمل على استئناف العلاقة بينهما، حتى في ظل الأزمة الأخيرة مع قطر، والتي تتصدر فيها الدولتان".
وأضاف الكاتب، أن تركيا، يمكنها في هذه الأثناء، العمل على رأب الصدع بين مختلف الأطراف المتناحرة في المنطقة، ولاسيما أن الجميع يعرف أن شعارات "اجتثاث العلاقات" التي تنادي كل من الأطراف للأخرى، لا محل له من الإعراب، ولاسيما أن تركيا لديها علاقات مع الجميع بشكل أو بآخر، ولا تخوض حربا مع أي جهة كانت بعكس الأطراف الأخرى التي تتصارع فيما بينهما بشكل أو بآخر.
واستدل على ذلك بشواهد تاريخية، قائلا: عندما استولى بن سعود على منطقة الحجاز وأنهى مملكة الشريف حسين قبل تأسيس المملكة العربية السعودية، باتت مسألة دولية، وبينما كان البريطانيون ينشطون في البحر الأحمر، مع تعزيز لوجودهم في عدن، كانوا وبحجة منح الاستقلال، يحضّرون حاكم اليمن، الإمام يحيى، ضد بن سعود.
وتابع: "في المقابل، انضم الإيطاليون للعبة، وقرروا دعم الإدريسي في منطقة عسير جنوب السعودية حاليا. وفوق هذا كله، سعى البريطانيون إلى إيقاف بن سعود وتحقيقًا لهذه الغاية، كلفوا السير جيلبرت كلايتون في ربيع عام 1927".
وأشار الكاتب إلى أن "هذه التطورات التي حدثت في جغرافية الدولة العثمانية القديمة، لا يمكن أن تمر مرور الكرام، بل تستدعي الانتباه وبشدة، ولاسيما أن تركيا، ليست دولة عادية، فهي من ناحية وريثة الدولة الكبيرة، وهي دولة إسلامية، لها علاقة بكل ما يدور في المنطقة، وهي تسعى بشكل دؤوب لإقامة علاقات متينة بين كل الدول في المنطقة وعلى وجه الخصوص، اليمن ونجد والحجاز".
سببان لأهمية تركيا
وشرح زكريا كورشون أبعاد هذا بسببين: الأول، كدولة إسلامية، لا يمكن أن تتأثر تركيا بكل تطور في الحجاز. والثاني، هو أن الإمام يحيى، الذي رفض اتفاقية سيفر والوعود البريطانية بالاستقلال، لم يُترك لوحده.
وواصل الكاتب حديثه قائلا: بعد الحرب العالمية الأولى ومن خلال من تبقى من ضباط الجيش العثماني السابق في اليمن، تواصلوا مع الإمام يحيى وشجعوه على فتح سفارة لهم في تركيا. وكذلك الأمر، مع والي اليمن السابق، محمود نديم باشا، ومن خلاله، تم التواصل مع بن سعود وافتتح مكتبا تمثيليا لتركيا في الحجاز.
وبيّن زكريا كورشون، إنه وإزاء ذلك، وبينما سعى بن سعود لفتح مكاتب تمثيلية له في تركيا، أراد الإمام اليمني إرسال أحمد عنسي إلى أنقرة للحصول على منصب قبل خصمه السياسي.
وشدد الكاتب، على أنه سواء كان بن سعود، في السعودية، أو الإمام يحيى في اليمن، أعطت تركيا بعدا جديدا للعلاقات بين اليمن والسعودية. وفي الحقيقة، إنه ومنذ العام 1926 كان لدى تركيا تمثيل مع بن سعود؛ حتى أنه رفع التمثيل إلى مستوى سفارة وعين سليمان شوكت بيك سفيراً؛ لكن منصب شوك بيك لم يدم طويلا.
وشرح زكريا كورشون في مقاله على أن لتركيا بعدا طويلا في إعادة الأوضاع إلى مسارها الصحيح بين كل من اليمن والسعودية، سيما بعد تعيين عبد الغني سني سفيرا في الحجاز، والذي كان مسؤولا سابقا في جدة، وهو أيضا دبلوماسي يعرف اليمن جيدا؛ ولم يتم تعيينه فقط كسفير للحجاز، بل كان الممثل التركي في نظر الإمام يحيى؛ وهكذا وبفضل سني، باتت تركيا تعد ممثلة عن الدولتين بعضها البعض .
وأردف: أنه وفقا للتعليمات المعطاة له، كان يذهب أولا إلى الحجاز ويوقع اتفاقية صداقة مع ابن سعود، تليها اتفاقية صداقة مماثلة مع الإمام يحيى. ولقد نجحت تركيا في ذلك، حين وقفت بمسافة متساوية من الطرفين في تلك الفترة.
وختم الكاتب مقاله، أن "حكاية سني هذه، طويلة، لكن الجزء الأكثر أهمية فيها هو التوسط في النزاع بين ابن سعود والإمام يحيى اليمني نيابة عن أنقرة، والخلاصة هنا، أن التاريخ، ينادي على تركيا مرة أخرى، والحوار سواء بين الإمارات وإيران، أو السعودية مع إيران أو ثلاثتهما هو في النهاية يصب في مصلحة الجميع ومن بينها تركيا".