تعطيش وتهجير.. كيف يعاني الفلسطينيون من سرقة إسرائيل مياههم باتفاقية أوسلو؟

قسم الترجمة | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

تسمح اتفاقيات أوسلو، الموقعة في عام 1993، لإسرائيل بممارسة سيطرة كبيرة على طبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية المحتلة، مما يؤدي إلى إغراق الفلسطينيين في نقص مياه مستمر.

وهو ما يفصله تقرير نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني بنسخته الفرنسية، حيث يوضح الجوانب السيئة لأوسلو على الفلسطينيين، مبينا الوضع المائي للسلطة الفلسطينية، وموضحا الجور الإسرائيلي في هذا الملف.

خلال فصل الصيف الحار، يمكن أن تصل درجات الحرارة، في الضفة الغربية المحتلة، إلى 45 درجة مئوية.

ويعلق الموقع: "ومن الطبيعي أن يزداد استهلاك المياه خلال موجات الحر هذه، ولذلك، بالنسبة لبعض الفلسطينيين، يشكل الصيف القاسي ونقص المياه مصدر قلق وجودي".

"يوسف بشارات" مثال لأحد الفلسطينيين الذين يعانون من هذا القلق، حيث يعيش مع عائلته في خربة مكحول، وهي بلدة بدوية صغيرة في شمال وادي الأردن.

وبشأن معاناتهم، يقول الموقع إن "الجميع يستحم مرة واحدة فقط في الأسبوع، كما تُوفر مياه المرحاض لتنظيف المنزل وغسل الملابس".

ولسد هذه الفجوة، يشتري "بشارات" قوارير مياه؛ ثمن كل منها 120 شيكلا (حوالي 30 يورو)، ويوفر ما يكفي من المياه لمدة يومين تقريبا. 

رحمة الاحتلال

يوضح "ميديل إيست آي" أن ضغوط العيش في مثل هذه البيئة الفقيرة بالمياه كانت كافية لإجبار العديد من الأسر الفلسطينية على الرحيل.

وبحسب الموقع، لا تعود الصعوبات التي يواجهونها إلى نقص الموارد أو ضعف البنية التحتية. 

فبينما يكافح بشارات لتلبية احتياجاتهم الأساسية، تتمتع عائلة مستوطنة إسرائيلية استولت على منطقة مجاورة بإمدادات مياه وفيرة أمام أعينهم.

وتأكيدا على ذلك، قال يوسف بشارات: "قبل بضع سنوات، كان هناك الكثير من المياه في المنطقة. لكن مع توسع المستوطنات، فإن المستوطنين هم الذين يستفيدون من هذه المياه على حساب الفلسطينيين".

وأردف: "لقد أصبح تعطيش الفلسطينيين أحد الأساليب الإسرائيلية للضغط عليهم للتخلي عن أراضيهم".

ويلفت الموقع إلى أن النضال الفلسطيني من أجل الأمن المائي لا يقتصر على وادي الأردن، الذي يشكل جزءا من المنطقة "ج" في الضفة الغربية، وإنما يمتد الصراع أيضا إلى المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة.

إذ يمتد إلى رام الله، المدينة الواقعة في وسط الضفة الغربية، والتي تعد أيضا مركزها التجاري والسياسي، والمناطق المحيطة بها.

وبهذا الشأن، يقول الموقع إنه "بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، سيطرت إسرائيل على طبقات المياه الجوفية الفلسطينية، واستولت في النهاية على 85 بالمئة من موارد المياه".

ثم سمحت اتفاقيات أوسلو، التي وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، لتل أبيب بمواصلة السيطرة على مصادر المياه في المنطقة إلى حين التوصل إلى حل للصراع.

ونص الاتفاق على تأجيل المفاوضات بشأن حقوق المياه ووضع القدس وحق عودة اللاجئين والمستوطنات غير القانونية والأمن ومسائل أخرى.

ولم تُعقد حتى الآن محادثات الوضع النهائي، التي كان من المقرر عقدها بعد خمس سنوات من تنفيذ اتفاقيات أوسلو، أي في عام 1999.

ومن الناحية العملية، يصف الموقع الوضع قائلا إن "الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة يقعون تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي عندما يتعلق الأمر بإمداداتهم من المياه".

تراث أوسلو

ويتناول بعض المواد التي تتضمنها اتفاقية أوسلو، والتي نصت على إنشاء هيئة لإدارة المياه، كما شدد إعلان المبادئ على الحاجة إلى ضمان "الاستخدام العادل للموارد المائية المشتركة، لتطبيقها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها".

ومع ذلك، فإن الاتفاقيات الأخرى المتفق عليها ضمن هذا الإطار تنص على أنه "في حين أن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن صيانة أنظمة إمدادات المياه والتخلص من مياه الصرف الصحي في المناطق التي تديرها، إلا أنها يجب أن تضمن عدم تأثير هذه الأنظمة على الإمدادات الإجمالية".

وفي الوقت نفسه، تسمح الاتفاقيات لشركة المياه الإسرائيلية "ميكوروث" بمواصلة إدارة الإمدادات إلى المستوطنات والمناطق العسكرية الإسرائيلية.

ويوفر هذا التفاوت لإسرائيل الوسائل اللازمة لممارسة سيطرتها الكاملة على موارد المياه الفلسطينية والحفاظ على هيمنتها عليها.

ولعقود من الزمن، عملت إسرائيل على إدامة مبدأ توزيع المياه الذي كان قائما قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو، والذي يسمح للإسرائيليين باستهلاك المياه حسب رغبتهم، في حين يقتصر على الفلسطينيين بنسبة محددة سلفا تبلغ 15 بالمئة فقط.

وينوه الموقع أن الاتفاقيات لم تأخذ في الاعتبار تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق "أ" و"ب" و"ج" عندما يتعلق الأمر بتنظيم توزيع المياه بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفي نهاية المطاف، يؤكد أن إسرائيل مُنحت الحق في السيطرة على مصادر المياه، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية "أ" و"ب".

وفي حين أن اتفاقيات أوسلو تسمح لإسرائيل بضخ المياه من المناطق التي تسيطر عليها لتزويد المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، فإنها تمنع أيضا السلطة الفلسطينية من نقل المياه من منطقة إلى أخرى في المناطق التي تسيطر عليها.

ويستنكر الموقع هذا المشهد قائلا إن "إسرائيل تخلت عن معظم بنود اتفاقيات أوسلو، لكنها ظلت ملتزمة بما يتعلق بالمياه". 

"أسوأ جزء"

في مقابلة له مع "ميديل إيست آي"، قال أحد أعضاء الوفد الفلسطيني الذي وقع على اتفاقيات أوسلو، إن "الافتقار للخبرة في ذلك الوقت أدى إلى توقيع اتفاق يضع مصير وصول الفلسطينيين إلى المياه في أيدي إسرائيل".

وأشار إلى أن "معظم خبراء المياه الفلسطينيين انسحبوا من المفاوضات في بداية عملية أوسلو، لأنهم كانوا غير راضين عن الطريقة التي جرت بها". 

ولفت هذا المسؤول الذي لم يذكر الموقع اسمه إلى أن السياسيين كان هدفهم الأساسي هو التوصل إلى اتفاق. 

من ناحية أخرى، قال عبد الرحمن التميمي، باحث فلسطيني في مجال المياه، وهو أحد هؤلاء الخبراء الذين انسحبوا قبل توقيع الاتفاقيات: "من ينظر إلى تاريخ الحركة الصهيونية يعرف جيدا أهمية قضية المياه، وأنه ليس من السهل على إسرائيل أن تسمح للفلسطينيين بالسيطرة على مواردها”.

وأردف أن الطموحات الإسرائيلية للسيطرة على الموارد المائية ظهرت في أوائل الثلاثينيات، أثناء استعمار فلسطين. 

وتسارعت هذه الطموحات بعد احتلال الضفة الغربية وشرق القدس وقطاع غزة عام 1967، وبلغت ذروتها في اتفاقيات أوسلو.

وبعد شهرين من الاستيلاء على الأراضي المحتلة، أصدرت إسرائيل المرسوم العسكري رقم 92، الذي نقل إلى الجيش الإسرائيلي سلطة جميع موارد المياه في الأراضي المحتلة.

إضافة إلى أنه منح "السلطة المطلقة للسيطرة على جميع المسائل المتعلقة بالمياه إلى رئيس الموارد المائية، والذي تعينه المحاكم الإسرائيلية".

وفي النهاية، يقول الموقع إن "الاتفاقيات نصت على نقل إسرائيل 15 بالمئة من المياه إلى السلطة الفلسطينية".

وأوضح أنها نسبة لم تتغير خلال العقود الثلاثة الماضية، على الرغم من النمو السكاني والتغير المناخي الذي أثر على المنطقة.

وينوه "ميديل إيست آي" أن البعض قد يعتقد أن الفلسطينيين يسيطرون على 15 بالمئة من موارد المياه، لكن في الواقع، تسيطر إسرائيل بشكل كامل عليها.

كما أنها تمتلك القدرة على تقليص الحصة الممنوحة للفلسطينيين، وهو ما يحدث اليوم.