أكد الدكتور جمعة القماطي مبعوث رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية لدول المغرب العربي قرب الإعلان عن هزيمة خليفة حفتر وقواته في الداخل الليبي بعد تلقيه هزائم ميدانية متتالية من قبل قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
وفي حواره مع الاستقلال، رأى القماطي أن تعاون حكومة الوفاق مع دولة تركيا هو أمر طبيعي لحكومة شرعية تدافع عن سيادة الدولة الليبية ضد ميليشيات حفتر المدعومة من مصر والإمارات وفرنسا.
بعد حوالي 4 أشهر من هجوم حفتر على العاصمة طرابلس واحتلاله مدينتي غريان وترهونة فإن التطورات الميدانية كلها لصالح حكومة الوفاق وضد حفتر الذي لم ينجح في دخول العاصمة وخسر مدينة غريان بموقعها الإستراتيجي وهي تقع 80 كم جنوب طرابلس وكانت المقر الرئيسي لغرفة عملياته العسكرية، وتتراجع قواته حاليا ويتم استنزافها في كل المحاور جنوب طرابلس، وحسم الحرب لصالح حكومة الوفاق هو مجرد وقت بإذن الله.
نعم قوات حفتر في تراجع ومعنوياتها منهارة خاصة بعد خسارة مدينة غريان في 26 يونيو/حزيران الماضي، وحاولت أكثر من مرة شن هجوم شامل ونهائي لدخول العاصمة وفشلت والآن تلقت ضربات جوية كبيرة من قبل قوات الوفاق في منطقة الجفرة وسط ليبيا حيث تتجمع الإمدادات التي يرسلها حفتر إلى الجبهات جنوب طرابلس.
هذه الأيام يتم أيضا استهداف غالبية إمدادات حفتر من جنود وذخيرة ووقود وتدميرها قبل وصولها إلى محاور وجبهات القتال وهذا جزء من إستراتيجية الاستنزاف التي تتبعها قوات حكومة الوفاق.
أهم دولة تدعم مشروع حفتر في ليبيا هي الإمارات في إطار دعمها لثورة مضادة في كل دول ثورات الربيع العربي، وتشجعت الإمارات في تنفيذ مشروعها بعد نجاحها في إجهاض الثورة المصرية ودعمها للنظام العسكري الحالي والذي بدوره يدعم حفتر لأنه يريد التعاون مع نظام حكم عسكري في ليبيا يتماهى مع النظام المصري ويحقق له مصالحه في ليبيا.
فرنسا وقعت تحت تأثير الإمارات في دعم حفتر وهي أيضا لها مصالح اقتصادية وجيوسياسية خاصة جنوب ليبيا وتتنافس مع إيطاليا ولكن تورطها في دعم عسكري لحفتر قد يسبب أزمة سياسية للرئيس ماكرون في الأيام القادمة خاصة بعد بدء البرلمان الفرنسي في إجراء تحقيق في الأمر.
أعتقد خسارة حفتر لمدينة غريان جعلت كل الدول التي تدعمه تراجع حساباتها لأنها أدركت أن مغامرة حفتر العسكرية بالهجوم على العاصمة طرابلس مصيرها الفشل وقد تسحب فرنسا دعمها العسكري.
أما فيما يخص الموقف الإماراتي والمصري فستعملان على إبراز ودعم شخصيات عسكرية بديلة لحفتر، فولاء هذه الدول لمصالحها وليس لأشخاص، حفتر مجرد رأس حربة وورقة سيتم التخلي عنها عندما تنتهي صلاحيتها.
في الحقيقة أستطيع القول أن دعم النظام المصري لمليشيات حفتر يرجع إلى 3 أسباب رئيسية، أولها أن النظام المصري يريد حكما عسكريا في ليبيا كما هو الحال في مصر حتى يكون التعاون بينهما أسهل.
السبب الثاني يتعلق بحرب النظام المصري مع جماعة الإخوان المسلمين وعدائه الشديد للجماعة فكما هو الحال في مصر، النظام المصري يريد أن يمنع الإخوان المسلمين في ليبيا من المشاركة في السلطة.
أما السبب الثالث لهذا الدعم المصري فيتعلق بضمان تحقيق المصالح والأطماع الاقتصادية للنظام المصري في ليبيا وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجهها مصر تحت نظام السيسي.
فكرة وجود خطر أمنى على مصر من ناحية ليبيا هو أمر مبالغ فيه ويستخدمه النظام المصري الحالي كشماعة لتمرير ما يريده من التدخل في ليبيا لأن تحديات الإرهاب في مصر تتركز في منطقة شمال سيناء وليس في محافظة مطروح أو واحة سيوة (غرب) بالقرب من الحدود الليبية المصرية كما تروج السلطات المصرية.
أتمنى أن تتحرر مصر من التأثير الإماراتي الذي يدفعها بقوة إلى الانحياز ودعم طرف حفتر على حساب كل من يرفضه من الليبيين بحكم الجغرافيا والتاريخ والروابط الاجتماعية الثقافية القوية بين الشعبين المصري والليبي، كما أتطلع إلى أن تنتهج مصر تجاه ليبيا سياسية مستقلة عن أبو ظبي التي تبتعد عن ليبيا بآلاف الكيلومترات ولن تتأثر بعدم الاستقرار فيها كما يتأثر أمن مصر القومي بشكل مباشر.
حكومة الوفاق هي من حاربت الإرهاب ولا زالت وتحرير مدينة سرت (شمال) هو أكبر إنجاز ضد تنظيم الدولة خارج سوريا والعراق. الكتائب المنضوية تحت حكومة الوفاق ليس لها توجهات أيديولوجية بل توجهها وطني ليبي فقط وعلى رأسها كتائب مصراتة وقوات البنيان المرصوص التي حررت سرت. وحكومة الوفاق وكل من يدعمها يحاربون تنظيمات القاعدة وأنصار الشريعة وتنظيم الدولة.
حفتر يستخدم مليشيات قبلية وسلفية ومرتزقة من السودان مع بعض الجنود والضباط الموالين لنظام القذافي بينما جميع من يقود قوات حكومة الوفاق هم ضباط في الجيش الليبي وبعضهم منذ عشرات السنين. قوات حكومة الوفاق هي الجيش الوطني الليبي الحقيقي.
كان الجيش الليبي مهمشا تحت نظام القذافي بسبب تكرار المحاولات الانقلابية حيث تحول القذافي إلى الاعتماد على كتائب أمنية كبديل عن الجيش وبالتالي يحتاج الجيش إلى إعادة بناء وتحديث على أساس جديد وعقيدة عسكرية جديدة لا يتدخل فيها الجيش في السياسة وإدارة الدولة.
أما حفتر فيقود خليط من المليشيات والجنود ويريد أن يصل بهم إلى السلطة والحكم على طريقة الانقلابات التي شهدها العالم العربي على مدى 70 عاما ويريد أن يقضي على إنجاز ثورة فبراير/شباط 2011 وفرصة بناء دولة دستورية مدنية ديمقراطية حديثة وهو ما يسعى له غالبية الليبيين.
حكومة الوفاق لا تتعامل مع أي مرتزقة أو مقاتلين أجانب ولا توجد قبائل مسلحة تتحالف مع حكومة الوفاق وإنما أبناء مدن يدافعون عن مدنهم وحكومتهم الشرعية كما حدث في مدينة غريان، وللعلم فإن الذين يقاتلون مع حكومة الوفاق هم من كل مدن ليبيا من الشرق والجنوب وليس فقط غرب ليبيا.
حكومة الوفاق هي الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا المعترف بها دوليا ومعترف بها حتى من الدول التي تدعم حفتر. وتعامل حكومة الوفاق مع تركيا أو غيرها هو أمر طبيعي لأي حكومة تريد المحافظة على الشرعية والمسار السلمي المدني للدولة وهذا التعاون مشروع.
كذلك فإن تركيا دولة مسلمة تربطها بليبيا علاقات تاريخية وثقافية عميقة وقوية منذ منتصف القرن السادس عشر عندما استنجد الليبيون بالدولة العثمانية لتحريرهم من احتلال فرسان القديس يوحنا لطرابلس والمناطق التابعة لها.
دعم إيطاليا لحكومة الوفاق هو دعم سياسي فقط، إيطاليا لها مصالح اقتصادية كبيرة في ليبيا تتركز أساسا في غرب وجنوب ليبيا ومنها أنبوب الغاز تحت البحر المتوسط الذي ينطلق من مليتة غرب طرابلس إلى إيطاليا وكذلك إيطاليا تتنافس مع فرنسا والأخيرة تدعم حفتر، وحفتر منحاز إلى فرنسا ويتعهد بضمان مصالحها على حساب إيطاليا.
أيضا أكبر هاجس لإيطاليا هو الهجرة الغير شرعية التي تنطلق من سواحل غرب ليبيا بحكم القرب الجغرافي وهي مناطق تحت حكومة الوفاق لذلك لابد أن يكون الدعم والتنسيق مع حكومة الوفاق.
قوات الأفريكوم لا تتواجد على الأرض في ليبيا، لكنها تتعاون مع حكومة الوفاق في توجيه ضربات جوية لمعاقل تنظيم الدولة في ليبيا وفق اتفاق وطلب رسمي من حكومة الوفاق إلى قوات الأفريكوم وستتوقف عملياتها الجوية عندما تنهي حكومة الوفاق هذا الطلب والتنسيق والاتفاق.
نقطة التحول السلبية هي بروز حفتر في 14 فبراير/شباط 2014 بعد 3 سنوات من انطلاق الثورة، وفي قناة العربية التي ثبت من الإمارات معلنا الانقلاب على مرحلة التحول الدستوري الديمقراطي في ليبيا. ثم انتقل حفتر إلى شرق ليبيا للبدء في مشروعه العسكري لأخذ السلطة والحكم بالقوة مدعوما بالتخطيط والدعم اللوجستي والاستخباراتي والإعلامي من الإمارات ومصر وفرنسا وبالتالي شهدنا هذه الحروب في ليبيا في الخمسة سنوات الماضية ونشهد حاليا فصلها الأخير الذي سينتهي بهزيمة حفتر وخروجه من المشهد وفشل مشروعه ومشروع الإمارات الشيطاني بإذن الله.
ليبيا بروح وشجاعة شعبها من أحفاد عمر المختار وبما سطره هذا الشعب من بطولات ضد القذافي في ثورة فبراير/شباط 2011 ستنتصر بإذن الله. ستكون نهاية حفتر ومشروع الثورة المضادة الشيطاني الذي تقوده الإمارات بالتحطم على أسوار طرابلس المنيعة. وسيقدم الأحرار من أبناء ليبيا بإذن الله خدمة كبيرة لكل الشعوب العربية التي تعاني من دسائس ومؤامرات دولة الإمارات ضد الاستقرار والتحول الديمقراطي فيها.