عنصرية مودي.. ماذا يعني محو الحكومة الهندية التاريخ الإسلامي من المناهج؟ 

إسماعيل يوسف | a year ago

12

طباعة

مشاركة

يسعى قادة الهندوس المتطرفون للانتقام من المسلمين بدعوى الثأر التاريخي من حكام المسلمين السابقين، حيث حكمت دولة إسلامية أسسها ظهير الدين بابر، الهند، ما يقرب من 300 سنة، وبالتحديد بين 1526 حتى 1858م. 

يزعمون أن المغول المسلمين (سلاطين أتراك من آسيا الوسطى) استولوا على بلادهم وحولوا توجهها الهندوسي إلى الإسلام، لذلك سعوا عبر خطط لصبغ البلاد بالهندوسية ومحو أي أثر للإسلام، بدعوى أن المسلمين "مستعمرون" سابقون.

في سياق هذه الخطة لـ "هندسة" الهند دينيا، تضطهد حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الحاكم، المسلمين وتحاول محو الوجود الإسلامي في التاريخ والسينما الهندية (بوليوود) وتغيير التركيبة السكانية.

وضمن الخطة، غيرت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهندوسية المتطرفة المناهج الدراسية بحيث تُمجد فترة تاريخها الهندوسي القديم، وتشوه مرحلة حكم المسلمين المغول لها بين القرنين 16 إلى 19، وتصويرها كفترة "احتلال".

المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب (وزارة التعليم) محى ما يشير إلى المسلمين المغول من الإصدارات الجديدة من كتب التاريخ والعلوم السياسية المدرسية للمدارس الثانوية والجامعات التي تسلمها الطلاب في أبريل/نيسان 2023.

دفع هذا مجموعة من 250 مؤرخا هنديا للاحتجاج على إعادة كتابة كتب التاريخ المدرسية في الهند لتتوافق مع ما يصفونه بالتحيز الأيديولوجي للحزب الحاكم، بحسب صحيفة "التايمز" البريطانية 10 أبريل 2023.

لكن الصحيفة البريطانية أوضحت أن احتجاج المؤرخين ربما لا يكون له تأثير نظرا إلى أن هذه التغييرات "قد جرت بالفعل".

وتأتي عملية محو تاريخ المغول المسلمين من الكتب المدرسية الهندية وسط سلسلة من التحركات الأخرى التي تهدف إلى حجب النفوذ الإسلامي في الهند، بما في ذلك تغيير أسماء المدن لمحو الأصول الإسلامية أو المغولية.

وأيضا تحويل أفلام السينما (بوليوود) لنزعة قومية مفرطة ودمج الأساطير الهندوسية مع التاريخ، والدعوات العلنية للإبادة الجماعية للمسلمين من الزعماء الدينيين دون عقاب.

ماذا جرى؟

بحسب صحيفة "التايمز" البريطانية، نفذ قادة حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف ما سبق أن تحدثوا علنا عنه بشأن رغبتهم في إعادة كتابة التاريخ كما يرونه، بدلا مما كان يدرسه الطلاب، بدعوى أن من وضعوا المناهج السابقة "نخب ليبرالية وعلمانية".

جرى حذف أقسام من المناهج حول موضوعات تشمل "حكام الهند المسلمين"، كانت جزءا من الأجندة الحزبية لحكومة ناريندرا مودي، عبر إزالة الفصول التي لا تتناسب مع التوجه الأيديولوجي الهندوسي الأكبر للنظام الحاكم الحالي.

وصل الأمر لحد إلغاء الحكومة الهندوسية المتطرفة الحالية، مواد دراسية كانت تشير إلى كراهية الزعيم الروحي والسياسي الأبرز للهند سابقا المهاتما غاندي للقوميين الهندوس المتطرفين، ورغبته في الوحدة بينهم وبين المسلمين، في المناهج الدراسية.

فقد قُتل "غاندي"، وهو قائد هندوسي، على يد القومي المتطرف "ناتورام جودسي" عام 1948، وكان كتاب العلوم السياسية للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و18 عامًا يُحمل الهندوس المسؤولية لكراهيتهم له.

لكن في تعديلات المناهج جرى حذف كل ما يشير إلى انتقاد غاندي للقوميين الهندوس، أو تصويرهم كمتطرفين قتلوه.

ومعروف أنه لا يزال بعض القوميين الهندوس يشتمون غاندي بسبب آرائه حول الوحدة بين الهندوس والمسلمين، ومنذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة، تزايد تبجيل قاتله بين المتطرفين.

أيضا أزالت الكتب المدرسية المعدلة الإشارة إلى الحظر الذي واجهته المنظمة الهندوسية المتشددة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) بعد اغتيال غاندي.

كذلك حذفت السلطة الهندوسية الإشارة، في المناهج، إلى مذبحة المسلمين التي نفذها الهندوس في مدينة غوجارات عام 2002، عندما كان "مودي" رئيسا لوزراء الولاية وحرض عليها، والتي قتل فيها نحو ألف مسلم.

صحيفة "نيويورك تايمز" تحدثت في 6 أبريل/نيسان 2023 عن "تطهير" الكتب المدرسية الهندية الجديدة من التاريخ الإسلامي، وإغفالها التطرف الهندوسي في تاريخ الهند.

وأوضحت أن التغييرات في المناهج أدت إلى إزالة أو تقليص الإشارات إلى المواد التي يجدها الحزب الحاكم لرئيس الوزراء ناريندرا مودي غير ملائمة لرؤيته الهندوسية أولاً.

مجلة "تايم" الأميركية قالت في 6 أبريل 2023 إن "الكتب المدرسية في الهند هي أحدث ساحة معركة للقومية الهندوسية"، حيث حذف مسؤولو التعليم مقاطع رئيسة حول الحكم الإسلامي خلال إمبراطورية المغول المسلمين.

وأوضحت أن الكتب المدرسية، التي صدرت في أوائل أبريل 2023، جرى محو أقسام منها تغطي مئات السنين من إمبراطورية المغول المسلمة، بخلاف جريمة قتل مئات المسلمين في غوجارات عام 2002 واغتيال غاندي، الذي استهدفه متطرف هندوسي.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" 6 أبريل 2023 أن محو التاريخ الإسلامي في الكتب الدراسية الجديدة وصل لحد محو تاريخ وعلم من أعلام الهند السياحية هو "تاج محل" باعتبار أن أصله إسلامي، ضمن محاولة رئيس الوزراء مودي لتعزيز أجندة القومية الهندوسية.

قالت: جرى تقليص الفصول التي تتناول الحكام الإسلاميين التاريخيين للبلاد أو اختفت؛ مع حذف فصل كامل من كتاب التاريخ المدرسي للصف الثاني عشر، حول "الملوك وأخبار الأيام: المحاكم المغولية". 

وأكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية 6 أبريل 2023 أنه منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة عام 2014، أجريت العديد من التعديلات على المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، وصبغها بما يسمى "الزعفران"، في إشارة إلى اللون الذي يفضله القوميون الهندوس.

وبينت أنه جرت إزالة أو تعديل الإشارات إلى حكم المسلمين المغول للهند، الذين يعدهم القوميون الهندوس "مضطهدين استعماريين".

وضمن حملة محو الإسلام وتاريخه، وضعت السلطات الهندوسية أيضا خطة لتحويل مساجد الهند إلى معابد بادعاء أن كثير منها أقيم فوق أنقاض معابد.

وادعت وجود آثار لمعابد أو تماثيل آلهة هندوسية أسفل بعض المساجد التاريخية القديمة، ومن ثم الدعوة لصلاة الهندوس داخلها وتحويلها إلى معابد أو هدمها بالقوة. 

وبدأ هندوس، منذ مارس/آذار 2021، في حصر ثلاثة آلاف مسجد يزعمون أن بها أثارا هندوسية أو أنها كانت معابد حولها المسلمون لمساجد ويطالبون باستعادتها.

وجاء هذا التطور كجزء من خطة إعادة تشكيل الهوية وفق سياسة "الهند للهندوس" التي يقودها رئيس الوزراء المتطرف ناريندرا مودي، بتمجيد "نقاء العنصر الهندوسي" والعداء للمسلمين.

مخاطر محو التاريخ

يرى مؤرخون وخبراء أن المبادئ التوجيهية الخاصة بالكتب المدرسية الجديدة ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة من السياسات المصممة لمحو أو التقليل من إسهامات المسلمين في المجتمع الهندي مع تمجيد الهندوس في الوقت نفسه.

يؤكدون أن التغييرات في الكتب المدرسية تنسجم مع التوجه الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا في السياسة الهندية، والذي يزعم أن الهند كدولة، ذات دين واحد، هو الهندوسية فقط والمسلمون "أجانب" أو "مستعمرون".

بحسب مجلة "تايم" الأميركية، يشعر المؤرخون بالقلق من تأثير حذف التاريخ الإسلامي للهند من المنهج، على الطلاب الذين سيستخدمون هذه الكتب المدرسية المعدلة في المدرسة. 

نقلت عن "أودري تروشكي"، الأستاذة في تاريخ جنوب آسيا بجامعة روتجرز: "لا يمكنك فهم تاريخ الهند الحديثة بدون ذكر فترة حكم المغول، وما حدث يجعل الهنود جهلاء بأصلهم وتاريخهم".

وشددت على أن "محو المغول من الكتب المدرسية لا يمحوهم من تاريخ الهند."

وقال المؤرخون إن حكم المغول المسلمين كان فترة زمنية حاسمة في تطور الهند، قبل أن تحتلها بريطانيا، وقد استمر تأثيرهم في الثقافة الهندية بعدما أصبحت البلاد مستقلة. 

ففي عام 1947، ألقى رئيس الوزراء جواهر لال نهرو خطابه في القلعة الحمراء، التي بناها حاكم الإمبراطور المغولي شاه جاهان، ضمن ما بناه المغول من العديد من المعالم الأثرية الشهيرة في الهند، فكيف سيجري حذف هذا من التاريخ؟

هناك أيضا، كما يقول المؤرخون الهنود، المزار السياحي تاج محل الذي بناه المغول، واختراعهم الأطعمة الهندية الحالية مثل "البرياني"، واستخدامهم العديد من التوابل اليومية الشائعة. 

حتى اللباس التقليدي، مثل بيجامة الكورتا الرجالية وشلوار كاميز النسائي، الشائع حاليا ظهر خلال الدولة الإسلامية في ظل حكم المغول، ورقصة الكاتاك وكذلك الموسيقى الكلاسيكية الهندية، وفق مجلة "تايم".

ويقول المؤرخ الهندي "أديتيا موخيرجي"، لمجلة "تايم" أنه عندما يجري محوها من التاريخ، وإضفاء الشيطانية على مجتمع معين على مدى فترة طويلة من الزمن، فهذه علامات على حدوث إبادة جماعية وشيكة (ضد المسلمين).

وأوضح رئيس حزب المؤتمر المعارض "ماليكارجون خارج" لصحيفة "التايمز" البريطانية: "يمكنك تغيير الحقيقة في الكتب، لكن لا يمكنك تغيير تاريخ البلاد".

مسؤولون حكوميون هندوس قالوا لمجلة "تايم" تبريرا لمذبحة حذف فصول التاريخ الإسلامي للهند إنهم فعلوا ذلك بسبب تداعيات فيروس كورونا، وتخفيف الدراسة.

لكن "أديتيا موخيرجي"، وهو مؤرخ هندي درس في جامعة جواهر لال نهرو لأكثر من أربعة عقود أوضح أنهم يقولون إنه لا يوجد شيء سياسي في ذلك، لكن كل شيء له علاقة بسياساتهم".

"حزب بهاراتيا جاناتا الذي يقوده مودي، يستخدم منذ توليه السلطة عام 2014، إستراتيجية للفوز في الانتخابات العامة المقبلة عام 2024 تعتمد على جذب التصويت الهندوسي من خلال ترسيخ الرواية القائلة بأن الهندوس يتعرضون لتهديد من المسلمين"، كما قال "هاربانس موخيا"، المؤرخ الهندي المتخصص في العصور الوسطى لمجلة "تايم".

في المقابل كان بعض قادة حزب بهاراتيا جاناتا، أكثر وضوحا وعدوانية في بيان أهدافهم ودافعوا عن حذف الفصول الخاصة بالتاريخ الإسلامي في الهند من مناهج التعليم.

فقد كتب القيادي في الحزب الهندوسي "كابيل ميشرا" عبر تويتر بأن أباطرة المغول "لا يجب أن يكونوا في كتب التاريخ، وإنما في سلة المهملات". 

وزعم أنه جرى تصحيح "المزاعم الكاذبة" حول إمبراطورية المغول، وحذفهم من كتب التعليم في الهند.

وبرر المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا "جوبال كريشنا أغاروال" الحذف في المناهج بأنه "لم يكن هناك إعادة لكتابة التاريخ، بل إعادة التوازن إلى النهج المتحيز لبعض المؤرخين".

تاريخ الحكم الإسلامي 

تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أن بداية دخول الإسلام الهند كانت في القرن الأول من الهجرة، عبر التجار العرب، وبدأت تصل إليها الفتوحات في القرن الرابع من الهجرة، لكن بداية حكم المسلمين فعليا كانت على يد المغول.

وأول من دخل الهند من الفاتحين بطريق الجبال الشمالية الغربية هو "محمود الغزنوي" (388-431هـ) صاحب الحملات المتتابعة المشهورة، وكانت جيوشه المتطوعة ممن دانوا بالإسلام حديثا.

وبسبب هذه الفتوحات كلها التي فتحت للإسلام أبواب الهند، أطلق عليه الخليفة العباسي "القادر بالله" لقب "سلطان" ولقبه بعض مؤرخي الغرب بـ "إسكندر الإسلام"، على غرار "المقدوني" فقد فتح الهند كما فتحها "إسكندر".

لاحقا، ومنذ عام 1221 وحتى عام 1327، شنت إمبراطورية المغول المسلمين العديد من الغزوات في شبه القارة الهندية حتى وصلوا مشارف دلهي.

ويعد المسلم المغولي "ظهير الدين بابر"، أول من أسس إمبراطورية إسلامية في الهند عام 1526م، وبقيت قائمة لما يقرب من 300 سنة، حتى 1858م. 

أما المسلم "أورانغزيب" فهو سادس وآخر إمبراطور مغولي حكم الهند لما يقرب من 50 عاما من عام 1658 إلى 1707، ويحظى بكمية عداء غير عادية من حكومة الهند الحالية والمتطرفين الهندوس.

ورغم أن "أورانغزيب" كان يوصف بأنه "المسلم المتدين"، فقد جرى تشويه صورته في الكتابات الغربية والهندوسية ووصف بأنه كان "طاغية لا يرحم" و"توسعيا" لأنه فرض تطبيق الشريعة بصرامة وأعاد فرض الجزية على السكان الهندوس.

ومع أن كل ذلك حدث منذ مئات السنين، هناك حملة كراهية يتعرض لها هذا الإمبراطور منذ عام 2022 في الهند من قبل القادة الهندوس، لم يسبق لها مثيل.

فحين تصاعد الخلاف حول مسجد جيانفابي في مدينة فاراناسي، وزعم هندوس أنه جرى بناء المسجد على أنقاض معبد فيشواناث، وهو ضريح هندوسي كبير يعود إلى القرن السادس عشر وتعرض للتدمير في عام 1669، قالوا إن "أورانغزيب" هدمه.

وفي ديسمبر/كانون أول 2021، تحدث رئيس الوزراء الهندي عما أسماه "فظائع (الإمبراطور المسلم) أورانغزيب وإرهابه" في فعالية أقيمت بمنطقة المسجد "فاراناسي"، زاعما أنه "حاول تغيير الحضارة الهندية بحد السيف، وسحق الثقافة بالتعصب".

وذكر "مودي" اسم الحاكم المغولي مرة أخرى في أبريل 2022 عندما كان يتحدث بمناسبة الذكرى الأربعمئة لميلاد "غورو السيخ تيغ بهادور" الذي قُطع رأسه في عهد الإمبراطور لعدائه للإسلام، ويقول الهندوس إنه رفض اعتناق الإسلام.

وتقول المؤرخة أودري تروشكي في سلسلة تغريدات على تويتر إن القوميين الهندوس يعتقدون أن "المسلمين اضطهدوهم لمئات السنين، لذا فهم يستحقون أن يُضطهدوا اليوم عقابا على ما حدث في الماضي".

أضافت أن اسم أورانغزيب يستخدم "كضوء أخضر للإشارة إلى أنه من المقبول اضطهاد مسلمي الهند اليوم واستخدام العنف ضدهم"، بحسب موقع "بي بي سي" البريطاني 27 مايو/أيار 2022.

وفي الأيام التي تلت تلك الحوارات على تويتر، تزايدت الكراهية للإمبراطور المغولي المسلم أورانغزيب، ووصفه عمدة مدينة "أجرا" الهندية بأنه "جزار"، وقال إنه يجب إزالة كل آثاره من الأماكن العامة.

كما أطلق هندوس على الإمبراطور المغولي عبر تويتر لقب "الغازي" الذي أراد القضاء عليهم، واقترح أحدهم هدم جميع الآثار والمباني التي بناها المغول فوق أماكن العبادة الهندوسية بالجرافات.

وأُغلق ضريحه في ولاية ماهاراشترا الواقعة في غرب البلاد أمام الزوار بعد أن شكك سياسي إقليمي في "الحاجة إلى وجوده" ودعا إلى تدميره.