بينها مصر والجزائر ومالي.. صحيفة روسية تنتقد علاقات بوتين مع الدول الإفريقية

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة "لنتا" الروسية تصاعد مجالات التعاون الرئيسة بين موسكو وإفريقيا، لاسيما في قطاعات التسليح والغذاء والطاقة، في عدة دول بالقارة، في مقدمتها الجزائر ومصر ومالي.

لكنها انتقدت في ذات الوقت أن التمثيل الروسي في هذه الدول يقتصر بشكل أساسي على العلاقات مع الحكومات، وليس قائما على وجود العديد من الشراكات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.

فرص كبيرة

وذكرت الصحيفة الروسية أن إمدادات الغذاء والأسمدة تمثل حاليا المجالات الرئيسة للتعاون بين روسيا والدول الإفريقية.

وقال نيكولاي شيرباكوف، الباحث الرائد في معهد الدول الآسيوية والإفريقية بجامعة موسكو الحكومية: "هناك العديد من الاتجاهات والمجالات في إفريقيا، وعلينا فقط تطويرها". 

وتابع: "في السنوات الأخيرة، خُفف وجود الاتحاد الروسي في إفريقيا بشكل كبير لأسباب مختلفة في فترات زمنية مختلفة".

وأكد أنه "سيكون من الصعب الآن على الروس استعادة الروابط والعلاقات لفترة طويلة وعلى نطاق واسع".

ووفقا للباحث السياسي، إذا كانت روسيا تعتزم إعادة توجيه نفسها بجدية نحو تطوير العلاقات مع إفريقيا، فسيتعين عليها تعزيز نفوذها في الجزء الجنوبي من البر الرئيس للقارة.

وفي هذا السياق، يقول شيرباكوف: "هناك أكثر من 50 دولة في القارة الإفريقية، لذا فالخيار أمامنا واسع جدا، ونحن لدينا شركاء تقليديون يحافظون على العلاقات لفترة طويلة". 

ويؤكد أن علاقات روسيا الرئيسة تتطور الآن مع دول شمال إفريقيا، وتحديدا الجزائر ومصر.

ويتابع: "لقد وُضع رهان على بلدان منطقة الساحل، لكننا لم نمثل أنفسنا كما يجب بعد".

حيث يرى أن التمثيل الروسي يقتصر بشكل أساسي مع الحكومات وليس قائما على وجود العديد من الشركات والمنظمات العاملة في هذه الدول بشكل مباشر. 

وخلال كلمة ألقاها في المؤتمر البرلماني في 20 مارس/ آذار 2023، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن "روسيا وإفريقيا تعيشان حاليا في عالم متعدد الأقطاب".

وأكد أن موسكو ستولي اهتماما كبيرا للتعاون مع دول المنطقة. كما أعلن عن إلغاء أكثر من 20 مليار دولار من الديون المستحقة على الدول الإفريقية.

وأشار الزعيم الروسي في خطابه إلى أن موسكو مستعدة لإرسال كميات الحبوب المقررة إلى إفريقيا مجانا، إذا قُرر عدم تجديد صفقة الحبوب.

وفي أوائل فبراير/ شباط 2023، انطلق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في ثالث جولة إفريقية له خلال الأشهر الستة الماضية. 

وتشير الصحيفة الروسية إلى أن كل رحلة من هذا النوع يتبعها اهتمام متزايد من الدبلوماسيين الغربيين. وتذكر أنهم يأتون إلى نفس الدول بعد الوفد الروسي، وأحيانا بالتزامن معه، كما حدث في السودان.

صراع نفوذ

وسلطت الصحيفة الضوء على زيارة وزير الخارجية الروسي إلى مالي، حيث كانت هذه الدولة لسنوات عديدة في مدار النفوذ الفرنسي، ولكن السلطات الجديدة اتجهت إلى تطوير العلاقات مع روسيا.

وبالعودة إلى عام 2016، أصبح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، وأورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية آنذاك، قائدين للوسام الوطني لمالي .

وقالت الصحيفة إن "صعود العلاقات الثنائية بين روسيا ومالي جاء في وقت كانت تشهد فيه تعاون القيادة الجديدة للبلاد مع فرنسا ودول غربية أخرى تراجعا ملحوظا". 

وتابعت: "ولعدم قدرتها إيجاد لغة مشتركة مع الحكومة الجديدة، قررت فرنسا سحب القوات التي كانت تساعد الماليين في محاربة الإرهاب منذ عام 2013". 

وبعدها، غادرت أيضا مجموعات من الشركاء الغربيين الآخرين لمالي البلاد.

وبحسب الصحيفة، عدت قيادة البلاد هذه الخطوة بمثابة طعنة في الظهر، حتى إن رئيس الوزراء المالي عبد الله مايغا اتهم المجلس العسكري الفرنسي "بمساعدة الإرهابيين".

في ظل هذه الخلفية، تلقى الوجود الفرنسي دعما أقل على أرض مالي. كما تفاقمت حالة الاستياء المتزايدة بسبب الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو.

مما أدى إلى عدم استعداد القوى السياسية التي وصلت إلى السلطة للتعاون مع فرنسا بالطريقة نفسها، وأظهرت اهتماما لإيجاد شركاء آخرين، حسب الصحيفة.

ومن ناحية أخرى، تشير الصحيفة إلى الخسائر البشرية والمالية التي تسببت في انخفاض دعم العملية العسكرية داخل فرنسا نفسها.

وأجبرت هذه العوامل مجتمعة السلطات الفرنسية على اتخاذ قرار انسحاب الجيش من مالي، وإن كان هذا من شأنه تقويض موقف البلاد في إفريقيا بشكل كبير.

وأكدت الصحيفة: "أخيرا، مُلئ الفراغ الذي تركته فرنسا من خلال التعاون مع روسيا".

وتذكر "لينتا" الروسية أن أحد مجالات التعاون الرئيسة بين روسيا ومالي هو المجال العسكري التقني.

حيث تزود روسيا السلطات المحلية بالطيران لمحاربة الجماعات الإرهابية العاملة في شمال الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.

ووفقا للصحيفة، سُلمت الدفعة الأخيرة قبل وقت قصير من زيارة الوفد الروسي في 19 يناير/ كانون الثاني 2023. 

بالإضافة إلى تسليم طائرات هجومية من طراز Su-25 وطائرة تدريب L-39 وطائرات هليكوبتر من طراز Mi-8 إلى الجيش المالي، بحسب وسائل الإعلام.

وتبعا لهذا، شكر وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب روسيا على "الرد الفعال" على طلب البلاد المساعدة العسكرية، وشدد على أن "التعاون يصب حقا في مصالح مالي".

ومن ناحية أخرى، قررت السلطات الجديدة الاعتماد أيضا على مساعدة الشركة العسكرية الروسية الخاصة "فاغنر".

وأعلن رئيس الحكومة الانتقالية في مالي، أسيمي غويتا، عن تحقيق إنجازات مهمة في مكافحة الإرهاب بدعم من روسيا.

استياء الغرب

لكن وسائل الإعلام الغربية شككت في صحة تصريحات غويتا، توضح الصحيفة الروسية. 

على وجه الخصوص، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في مقال نُشر بالتزامن مع زيارة لافروف إلى أن الخسائر المدنية في عام 2022، زادت بأكثر من الضعف مقارنة بعام 2021. 

علاوة على ذلك، قبل زيارة الوفد الروسي بفترة وجيزة، دعا خبراء الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في جرائم الحرب المحتملة، التي يُزعم أن الجيش المالي ومقاتلي فاغنر ارتكبوها، وفقا لـ "لينتا" الروسية.

وانضم الجانب الأميركي أيضًا إلى الاتهامات، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" منظمة إجرامية عابرة للحدود.

واتهمتها على وجه الخصوص بارتكاب "عمليات إعدامات جماعية واغتصاب واختطاف أطفال وعنف جسدي" في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.

وفي أواخر يناير/ كانون الثاني 2023، اتهمت الناشطة في مجال حقوق الإنسان أميناتا ديكو، الجيش المالي والخبراء العسكريين الروس بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

لكن بدوره، قال سيرجي لافروف بعد اجتماعه مع نظيره المالي إن "خبراء الأمم المتحدة ليسوا مخولين للتحقيق في أي جرائم حرب". 

وفي وقت لاحق، في المؤتمر الصحفي الختامي لجولته الإفريقية بالخرطوم، أشار الوزير بشكل منفصل إلى أن وجود شركات عسكرية روسية خاصة في إفريقيا "يُعد مساهمة في تطبيع الأوضاع في المنطقة ككل".

في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2021، بعد وقت قصير من ظهور أفراد فاغنر في مالي، تشير الصحيفة الروسية إلى إرسال فرنسا و 15 دولة أخرى  مذكرة احتجاج إلى الحكومة المالية ضد الوجود الروسي.

كما أكدت أن "الدول الغربية تشعر بالقلق إزاء الحملات التي تقوم بها الشركات العسكرية الخاصة في القارة".

وفي الختام، تنقل الصحيفة عن الخبير السياسي أليكسي تشيخاتشيف قوله: "يجب على أولئك الذين يقررون السياسة الروسية عدم تكرار الأخطاء الفرنسية، فلا يجب الاعتماد فقط على العلاقات العسكرية والسياسية مع النخب".

ووفقا له، ينبغي لروسيا أن تدخل إفريقيا على نطاق أوسع، من خلال تبادل التعاون في المجالات الاقتصادية والتعليمية.