بعدما وعد بتعزيز المشاركة المجتمعية.. هكذا انقلب تبون على نقابات الجزائر

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "ميدل إيست آي" بنسخته الفرنسية الضوء على قانون جديد أقره البرلمان الجزائري، يزيد من القيود على النشاط النقابي في البلاد.

وفي 7 مارس/ آذار 2023، أقر "المجلس الشعبي الوطني" في الجزائر قانونا ينصّ على منع تولّي الناشطين النقابيين، لأي مناصب قيادية في الأحزاب السياسية. 

كما يستوجب القانون بلوغ نسبة معيّنة من التمثيل كحدّ أدنى لإنشاء تنظيم نقابي، فضلا عن منحه صلاحيات واسعة للسلطات الحكومية في مراقبة الشأن المالي لأي نقابة معترف بها وتنشط في الساحة العمالية.

كذلك، يتطلب القانون انضمام ما لا يقل عن 30 بالمئة من موظفي الخدمة المدنية في القطاع، إلى نقابة عمالية، بحيث يتم الاعتراف بها "كممثل شرعي" للعمال.

علاوة على ذلك، فإن الشق المتعلق بالحق في الإضراب، في القانون الجديد، يحد بشكل كبير من نطاق اللجوء إلى الإضرابات، ويوسع قائمة الأنشطة التي تعد "حساسة" ولا يُسمح فيها بإضرابات، لتشمل المستشفيات.

ووفق الموقع البريطاني، فإن الحكومة الجزائرية تريد من خلال هذا القانون التضييق على النقابات في ممارسة حقوقها العامة، وإغلاق فضاء النضال المجتمعي.

تقليص الحريات

ونقل الموقع عن رئيس الاتحاد الوطني لممارسي الصحة العمومية (SNPSP)، ليث مرابط، قوله إن "هذه الترسانة القانونية الجديدة تسير في اتجاه تقليص الحريات".

ولأول مرة منذ عدة سنوات، نظم ائتلاف نقابات الخدمة العامة في الجزائر حركة احتجاجية في 28 فبراير/ شباط 2023، جرت بشكل رئيسي في المؤسسات الصحية والمدارس الحكومية.

ورغم أن الإضراب لم يستمر على نطاق واسع، إلا أن النقابيين أرادوا قبل كل شيء تنظيم عمل رمزي للرد على الحكومة التي قدمت في اليوم نفسه مشروع القانون إلى النواب.

وأضاف مرابط، الذي يعمل كطبيب منذ 30 عاما، أن صياغة هذه القوانين "تتعارض كليا مع تأكيدات المسؤولين بتنظيم النشاط النقابي يحترم الدستور الذي يضمن الحق في هذا النشاط، بالإضافة إلى الحق في الإضراب".

ووصف مرابط القانون الجديد بأنه "ينذر بتدخل واسع من قبل الحكومة في شؤون النقابات، ويعكس رغبة هذه الحكومة نفسها في الحد من عدد فترات عمل النقابيين، هذا فضلا عن الرغبة في منع النقابيين من ممارسة دور سياسي، الأمر الذي يخالف الدستور".

من جانبه، استنكر الأمين العام لنقابة عمال التربية والتكوين، بوعلام عمورة، نصوص القانون الجديد، مؤكدا أنها "انتهاك كامل لاتفاقيات منظمة العمل الدولية، التي وقعت عليها الجزائر".

وأثارت تلك النقطة المرتبطة بالجمع بين النشاطين النقابي والسياسي، ردود فعل بما في ذلك تلك التي صدرت عن نواب البرلمان الجزائري، الذي لا يضم من المعارضين للسلطة سوى عدد نواب ضئيل.

إذ قال رئيس المجموعة البرلمانية لحركة البناء الوطني الجزائري، كمال بن خلوف، إن "الإبقاء على هذه الفقرة التي تحظر على النقابيين الانخراط في السياسة أمر خطير؛ لأنه يجفف منابع النشاط النقابي والنضال السياسي".

من جانبه، صرح محمد الأمين مبروكي، النائب عن حركة مجتمع السلم (إسلامية) بأن هذا القانون "انتهاك للدستور ولقواعد منظمة العمل الدولية".

وبالإضافة إلى هذه المشكلات الجوهرية، يشير معارضو هذا القانون– الذي لم يُعدّل منذ عام 1990 - إلى أن الحكومة "لم تتشاور مع النقابات قبل صياغة المشاريع"، حسبما أوضح بوعلام عمورة.

وأكد عمورة أن الحكومة لم تتشاور مع النقابات، بالرغم من أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد وعد في السابق بإشراك الجهات الاجتماعية المعنية.

تجاهل النواب

ووفق مرابط، فإنه قد تمت دعوة مؤسسته لإبداء رأيها في مشروع القانون بمجرد وصوله إلى مكتب البرلمان، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن  النواب أخبروا النقابات أن ملاحظاتهم "لن تؤخذ في الحسبان لأن المشروع اقترحته الحكومة".

وأورد "ميدل إيست آي" أن السلطات الجزائرية تواصل مسيرتها بالرغم من كل هذه الانتقادات.

وكان الرئيس تبون قد صرح، في فبراير 2023، بأن "العمل النقابي حق دستوري، ونحن في مرحلة إعادة ترتيب البيت، لذلك قررنا قانونا جديدا ينظم العمل النقابي للحد من فوضى النقابات، وحق الإضراب مضمون أيضا لكن يجب تنظيم ذلك".

وأضاف: "من حق النقابات أن تحتج، الدستور يسمح لها بذلك ولا أحد يمنعها، لكن هل من المعقول أن تكون هناك 34 نقابة في وزارة واحدة (التربية)، هذا أمر غير منطقي، لا يمكن أن تجتمع مجموعة من الأفراد وتنشئ نقابة دون ضوابط".

من جانبه، أكد وزير العمل يوسف شرفة، أنه "لا يمكن لأحد أن يمنع مواطنا جزائريا من ممارسة مهنة سياسية بشكل فردي حتى لو كان عضوا في نقابة".

وأردف أنه فيما يتعلق بنسبة التمثيلية النقابية (30 بالمئة)، فإن "مشروع القانون يهدف إلى منح المنظمات النقابية المزيد من الشرعية حتى يمكن أن تصبح قوية وذات مصداقية في الميدان".

وحول استشارة النقابات في إعداد مشروع النص، أشار وزير العمل إلى أنه تمت مراسلة أغلب المنظمات النقابية العمالية ومنظمات أرباب العمل خلال يناير/ كانون الثاني 2022، لطلب مقترحاتها بهدف تعزيز الإطار القانوني للعمل النقابي.

لكن تطمينات السلطة يبدو أنها لم تُقنع عددا كبيرا من الشعب، وفق "ميدل إيست آي".

خطوة للوراء

ووقّع عدد من الأكاديميين والصحفيين عريضة، أكدوا فيها أن تمرير المشروع "سيجعل من المستحيل قانونا ممارسة الحق في الإضراب وممارسة الحقوق النقابية بحُرية.

وهي أمور أُعيقت بالفعل إلى حد كبير بسبب ممارسات السلطات العامة وأرباب العمل لعدة سنوات .

وطالب الموقعون "بسحب هذه النصوص وفتح مفاوضات مع ممثليهم لصياغة نصوص قانونية تعزز الحوار الاجتماعي، وتحسن الوضع الاجتماعي للعمال، وتوسع دائرة حقوقهم الديمقراطية وحقوق الشعب الجزائري ككل".

ووفق مبروكي، فإن "هناك مبدأ عالميا ينص على أن القوانين يجب أن تعزز ما تم تحقيقه بالفعل، ومع ذلك، فإن هذا القانون هو خطوة إلى الوراء عما كان موجودا قبل ثلاثين عاما".

بدوره، شدد النائب، بو بكر بن علية، على أن "الجزائر لا يمكن أن تكون قوية بدون وجود نقابات قوية ومستقلة".

والجدير بالذكر أن بعض النواب الجزائريين قدموا 15 تعديلا على القانون الذي أُقر أخيرا، غير أن "ميدل إيست آي" نقل عن مصدر برلماني أنهم "ليس لديهم أي فرصة تقريبا للنجاح".

"ولذلك فإن النقابيين يحتفظون بحق "جدولة إجراءات أخرى" ضد هذا القانون في المستقبل، كما يحذر عمورة.

كذلك حذر أيضا من أن النقابات ستتواصل مع الهيئات الدولية، ولا سيما منظمة العمل الدولية، إذا لم تلبِّ الحكومة مطالبها.