تقرير الحالة العربية: يونيو/ حزيران 2019

12

طباعة

مشاركة

المحتويات
مقدمة
محور حراك الشعوب
أولا: الحراك الشعبي في السودان.
ثانيا: الحراك الشعبي في الجزائر.
محور الحالة السياسية
أولا: الثورة السورية.
استشراف مستقبل الحالة السورية.
ثانيا: الحالة في الخليج العربي.
1.  الحالة السعودية.
2.  مؤتمر البحرين وصفقة القرن.
ثالثا: الحالة المصرية.
رابعا: الحالة التونسية.
خامسا: الحالة الليبية.
المحور الاقتصادي
ورشة البحرين وادعاء اقتصاد السلام
دلالات طلب مصر توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد
مخاطر تهديد منابع النفط العربي
المحور الفكري
أولا: الاستشراق الجديد وكراهية العرب والمسلمين
ثانيا: السلفية المدخلية مطية النظم الدكتاتورية وسلاحها
خاتمة

مقدمة

جدلية باتت تشغل الجميع حول مستقبل ثورات الربيع العربي، وركوب النخب العسكرية موجة الثورة للالتفاف على الشعوب العربية وثورتها المطالبة بالتحرر من الظلم والتبعية والتخلف، لتكبت آمال التحرر والانطلاق نحو مستقبل أفضل.

بداية من مصر، ومحاولات استنساخ تجربتها في السودان والجزائر، مرورا بسوريا التي لم يجد نظام الأسد فيها غضاضة من قصف شعبه بالطائرات والأسلحة الكيماوية في سبيل البقاء!! وانتهاءً بليبيا التي يقاتل فيها لواء متقاعد (خليفة حفتر) بميليشياته حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، طمعا في السلطة.

فهل ستكون الشعوب قادرة على حسم الجولة لصالحها، وانتخاب حاكميها بكامل إرادتها، وتحقيق الديمقراطية المنشودة، وعودة الجيوش لثكناتها، أم أن محور الثورة المضادة المدعوم من السعودية والإمارات ستكون له الغلبة؟

يرصد تقرير الحالة العربية في محور حراك الشعوب تطورات الوضع في السودان، والجزائر خلال شهر يونيو/حزيران 2019، كما يتناول محور الحالة السياسية مجموعة من القضايا المهمة على الساحة العربية خلال الشهر، أبرزها مؤتمر البحرين والإعلان عن صفقة القرن، واستشهاد رئيس مصر المنتخب محمد مرسي في محبسه، وهجمات الحوثيين المتكررة على أهداف في عمق العربية السعودية، وكذلك رصد الحالة السياسية في سوريا، والسعودية ومصر وتونس وليبيا.

بينما ركز المحور الاقتصادي هذا الشهر على 3 موضوعات، هي نتائج ورشة البحرين الاقتصادية، وعزم مصر على الدخول في اتفاق جيد مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول القادم. وتداعيات الاعتداءات على ناقلات النفط في مياه الخليج، وأثر ذلك على اقتصاديات المنطقة وكذلك تأثيره على الصعيد العالمي.

وتضمن المحور الفكري قضيتين مهمتين تتعلقان بالفكر السياسي الإسلامي وهما الاستشراق الجديد وكراهية العرب والمسلمين، والثانية: السلفية المدخلية مطية النظم الدكتاتورية وسلاحها.


محور حراك الشعوب

شهد شهر يونيو/حزيران 2019 استمرار الحراك السلمي بالجزائر والسودان، فبينما خرج السودانيون في مليونية 30 يونيو/حزيران، انطلقت مسيرات حاشدة في شوارع العاصمة الجزائرية الجمعة وسط انتشار كثيف للشرطة في الجمعة التاسعة عشرة من المظاهرات المطالبة بإسقاط كافة رموز نظام بوتفليقة. وجاءت تلك المظاهرات غداة إعلان قيادة الجيش برئاسة الجنرال قايد صالح رئيس الأركان مجددا رفضها مطالب المحتجين.

وبينما يبدو المشهد في السودان وكأنه استعراض للقوة بين الجانبين، المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير، خصوصا عقب وصول الحلول التوفيقية والمبادرة الإثيوبية إلى طريق مسدود، قالت صحيفة غلوب آند ميل الكندية إن المجلس العسكري السوداني وقّع في مايو / آيار الماضي عقدا بقيمة 6 ملايين دولار مع شركة علاقات عامة كندية يرأسها ضابط استخبارات إسرائيلي سابق لتحسين صورة المجلس العسكري دوليا[1].

أولا: الحراك الشعبي في السودان:

بدا من الواضح في الأسابيع الأخيرة أن المجلس العسكري في السودان يسير في ركاب تحالف الثورة المضادة السعودي-الإماراتي-المصري، وما يستتبع ذلك من لزوم التوافق والخضوع لتوجهات التحالف، خاصة الأمنية منها، يشير إلى ذلك توقيع رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان، اتفاقية لضبط الحدود بين البلدين ومكافحة الإرهاب، في لقائه مع عبد الفتاح السيسي في 25 مايو/آيار الماضي[2].

السودان على خطى مصر

بدأ المجلس العسكري السوداني في أبريل/نيسان الماضي بتلقي الدعم الخليجي من كلٍ من السعودية والإمارات، حيث أعلنت السعودية والإمارات دعم السودان بمبلغ 3 مليار دولار، تلك الخطوة التي قوبلت من الشارع السوداني بالرفض الشديد، أعقب ذلك زيارة للفريق عبد الفتاح البرهان إلى كلٍ من القاهرة وأبو ظبي حيث التقى السيسي ومحمد بن زايد، وزيارة الفريق حميدتي إلى السعودية حيث التقى محمد بن سلمان، في أواخر مايو الماضي.

تطورت الأحداث بعد الزيارات الخارجية مباشرة، في اتجاه استخدام القوة المفرطة لفض الاعتصام في السودان، مما يوحي أن دول التحالف الإقليمي والمدعومة من الإدارة الأمريكية الحالية، أعطت الضوء الأخضر للمجلس العسكري السوداني بتكرار أحداث "ميدان رابعة العدوية"، والتي أثبتت نجاحها في قمع الثورة المصرية.

في السبت الأول من يونيو/حزيران الماضي قالت لجنة طبية معارضة في السودان إن 11 شخصا على الأقل أصيبوا بالرصاص الحي قرب الاعتصام وسط الخرطوم، وألقت باللوم على المجلس العسكري[3]، وفي صباح الإثنين 3 يونيو/حزيران اقتحمت قوات الأمن الاعتصام لتفريقه، وقدّر العدد الأولي للضحايا بأكثر من 30 قتيلا.

وأعلنت وكالة الأنباء السودانية في 3 يونيو/حزيران أن المدعي العام السوداني شكّل لجنة للتحقيق في الأحداث[4]، بينما تم العثور على 40 جثة يعتقد أنها لمتظاهرين قتلوا في الاشتباكات الأخيرة مع قوات الأمن[5]، وأعلنت وزارة الصحة السودانية رسميا مقتل أكثر من 46 شخصًا خلال تفريق اعتصام الخرطوم، بينما ذكرت اللجنة المركزية للأطباء السودانيين أن عدد القتلى يبلغ 108[6].

وعلى صعيد القوى المتصارعة المحلية، فقد حمّلت قوى الحرية والتغيير المجلس العسكري مسؤولية تخطيط وتنفيذ المذبحة، وأعلنت تعليق المحادثات إلى أجل غير مسمى، كما دعت المعارضة للعصيان المدني، بينما حمّل الفريق عبد الفتاح البرهان قوى الحرية والتغيير مسئولية الوصول إلى طريق مسدود، وقرر إلغاء كل التفاهمات السابقة مع المعارضة، ودعا لانتخابات في خلال تسعة أشهر، الأمر الذي رفضته المعارضة[7].

لكنه عاد وعرض استئناف المحادثات مع جماعات المعارضة في 5 يونيو/حزيران، لكن المعارضة رفضت الدعوة[8]. مما يشير إلى أن المجلس العسكري يدرك أنه لا يستطيع تهميش المعارضة المدنية تمامًا، لأن القيام بذلك من شأنه أن يدفع السودان للعزلة الدولية[9].

وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، دعا الاتحاد الأوروبي المجلس العسكري للتصرف بحكمة واحترام حق المواطنين في حرية التعبير[10]، وقال الاتحاد الإفريقي إنه علّق عضوية السودان لحين تشكيل حكومة مدنية مما كثّف الضغوط الدولية على الحكام العسكريين الجدد في البلاد للتنازل عن السلطة[11].

كما دعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر في 7 يونيو/حزيران المجلس العسكري الانتقالي في السودان إلى التنازل بسرعة عن السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة[12]، بينما أكدت السعودية الأربعاء 5 يونيو/حزيران أنها تراقب التطورات في السودان بقلق شديد، ودعت السعودية والإمارات إلى استمرار الحوار بين المجلس العسكري الحاكم والمعارضة[13].

ربما دفع هذا الضغط الدولي المجلس العسكري ليكون أكثر تصالحية مع المتظاهرين في الظاهر، إلا أنه يَظهر بشكل متكرر من سلوك الجيش في الفترة الماضية، أنه ليس مستعدا لتقديم تنازلات للمعارضين، وأنه وصل إلى نهاية إستراتيجية التهدئة مع الاحتجاجات، وأنه يناور لكسب الوقت وإنهاك المعارضة، خاصة مع اعتماده على الدعم الخارجي الخليجي.

الدول العربية، خاصة السعودية والإمارات، تسعى لحماية مصالحها في السودان من خلال ضمان الدعم السياسي والعسكري المستمر، حيث يساهم السودان عسكريًا في الجهود التي تقودها السعودية في اليمن، ما يجعل هذه الدول على استعداد لدعم الجيش، مما يساعد على عزل القوات المسلحة السودانية عن ضغوط الاحتجاج، وفي حال استمر هذا الدعم، يرجح أن يتمكن القادة العسكريون السودانيون من التغلب على الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية[14].

يؤيد هذا ما ذكرته صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر مصرية مطلعة، بعضها في ديوان وزارة الخارجية المصرية، أن "اللجنة المخابراتية التي تتولى التعامل مع الملف السوداني بإشراف مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، أبلغت المجلس العسكري الانتقالي في السودان، باستعداد مصر لتوفير الأيدي العاملة اللازمة لسد احتياجات الحكومة السودانية في الوظائف القيادية والفنية بالمرافق الحيوية الأكثر أهمية وخطورة، حتى لا يتعطل العمل بها جراء العصيان المدني الذي بدأته قوى المعارضة، بهدف إجبار المجلس العسكري على إنهاء المرحلة الانتقالية والتخلي عن خططه للاستئثار بالحكم في السودان".

ووفقاً للمصادر، فإن "المقترح المصري لا يتوقف عند حد إظهار الدعم أو إشعار المجلس العسكري بقوة موقفه ضد المعارضة، بل هو عرض جاد ومرجح دخوله حيز التنفيذ، خصوصاً على مستوى قطاعات الطيران المدني والكهرباء والبترول والصحة، للمساعدة في سد الاحتياجات وانتظام العمل من ناحية، ومن ناحية أخرى إظهار محدودية تأثير الدعوات للعصيان المدني وقدرة المجلس العسكري على تلافيها، وذلك بعدما سجل اليوم الأول استجابة واسعة من المواطنين، إذ عمّ الشلل العاصمة الخرطوم وأغلب المناطق السودانية"[15].

دور الفريق "حميدتي" رجل العصابات القوي

برز على الساحة السياسية في السودان الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، والتي تعتبر الأداة الأساسية للبشير في قمع التمرد بدارفور، ويعرف حميدتي ببنائه لشبكة علاقات قوية مع السعوديين والإماراتيين أثناء حرب اليمن، والتي شكّلت فيها قوات الدعم السريع القلب من القوات السودانية المشاركة في الحرب ضد الحوثيين.

يصفه الكاتب إيشان ثارور في مقال تحليلي بالجنرال "حميدتي" أمير الحرب الذي يدمر الثورة في السودان، والذي يقدم نفسه على أنه المنقذ بينما تقوم مليشياته باغتصاب النساء وقتل المحتجين وتعذيبهم[16].

ظهر الجنرال حميدتي، والذي يبدو أنه أساسي في الخطة الإماراتية للسودان، باعتباره رجلا طيبا رفض فض الاعتصام، ووضع قائده قيد الاعتقال، ومنذ ذلك الحين، وباعتباره نائب رئيس المجلس العسكري، فإنه يمارس نفوذه على المفاوضات مع تجمع المهنيين السودانيين، وقوى إعلان الحرية والتغيير[17]. 

سعى حميدتي إلى إجهاض اتفاق تقسيم السلطة الذي توصّل إليه المجلس العسكري الانتقالي مع ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير، منتصف مايو/آيار الماضي، ومن يتابعه طوال الأسابيع الماضية، سوف يعرف بسهولة أنه الطرف الذي يسعى إلى تخريب الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، والتحريض على الثورة والثوار.

وصولاً إلى جريمة فض اعتصام القيادة العامة بالقوة والذخيرة الحية التي تسببت في مقتل وإصابة العشرات، مستعينا بالدعم الإقليمي ومطبقا للسيناريو المصري بحذافيره. خاصة بعد زيارته للرياض[18]، وذلك بعلم أمريكا وموافقتها، بحسب الديلي بيست الأمريكية[19]، حتى صار حميدتي يتحرك وكأنه الحاكم الفعلي للسودان، خاصة بعد أن أصبحت قوات الدعم السريع، قوة ضاربة تتنامى كل يوم بفعل التدريب وانخراط عناصر قتالية فيها[20].

نجاح العصيان المدني

وكرد فعل على الأحداث بدأت المعارضة في تنفيذ خطوة العصيان المدني، تلك الخطوة التي تركت شوارع العاصمة السودانية الخرطوم مهجورة إلى حد كبير مع بدء أسبوع العمل يوم الأحد 9 يونيو/حزيران[21]، وحتى الثلاثاء، حيث أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان تعليق العصيان المدني والإضراب السياسي بشكل مؤقت، وفي هذه الأثناء أعلن المبعوث الإثيوبي أن الأطراف السودانية وافقت على مواصلة المباحثات بشأن تشكيل مجلس سيادي انتقالي[22].

صناعة الحزب وقبول تفويضه

لم يكن مستغربا لدى الكثيرين أن يتجه المجلس العسكري الانتقالي بالسودان إلى تشكيل كيان سياسي يعمل من خلاله على إدارة الدولة، وشؤون الحكم بعد تباطؤه في تسليم السلطة للمدنيين.

ويعتبر مراقبون مخاطبة نائب رئيس المجلس الفريق محمد حمدان "حميدتي" لزعماء الإدارة الأهلية الذين تصدوا لإعلان حزب جديد تحت مسمى "الحزب الأهلي السوداني" بأنها مباركة من قائد قوات الدعم السريع، لنشأة ذلك الكيان وبأنه ربما يمثل السند الشعبي للعسكر للبقاء في السلطة.

وكان الفريق حميدتي قد عبّر خلال لقائه تلك الرموز العشائرية مساء الأحد 14 يونيو/حزيران، عن ترحيبه بالكيان الجديد، وأنه يعوّل في المستقبل على رجالات الإدارة الأهلية والطرق الصوفية في تحقيق الأمن والاستقرار بالسودان[23].

وفي يوم الثلاثاء 18 يونيو/حزيران فوّضت ما تسمى "الإدارات الأهلية" في السودان المجلس العسكري لتشكيل حكومة كفاءات وطنية، في وقت اتهم تجمع المهنيين المجلس بالسعي لتنفيذ انقلاب "كامل الدسم" وأعلنت قوى الحرية والتغيير عن تنظيم احتجاجات ليلية لحمل الضباط على تسليم السلطة للمدنيين.

ونظمت تلك "الإدارات الأهلية" فعالية شعبية بمعرض الخرطوم الدولي، ودعت من خلالها المجلس العسكري للقيام بكل القرارات والتدابير الحاسمة لتشكيل حكومة، وشددت على ضرورة ملء الفراغ الدستوري في البلاد.

من جانبه، أعلن الفريق حميدتي عن قبول المجلس لتفويض الإدارات الأهلية لتشكيل حكومة مدنية، وأكد أن المجلس العسكري سيكون بعيداً عن السياسة، وأنه سيعمل على تهيئة المناخ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أقرب فترة ممكنة[24].

وفي 20 يونيو/حزيران أقال المجلس العسكري النائب العام الوليد سيد أحمد محمود دون توضيح أسباب وخلفيات الإقالة التي جاءت في ظل تداعيات فض اعتصام القيادة العامة، والتي رفض النائب العام مناقشتها مع المجلس العسكري، وهدد بتقديم استقالته حال التدخل في سلطاته وصلاحياته[25].

تواصل المظاهرات ضد المجلس العسكري

بينما تواصلت المظاهرات بشكل دائم، دعت قوى الحرية والتغيير إلى مظاهرات مليونية حاشدة يوم 30 يونيو/حزيران، سقط فيها حوالي 7 قتلى وإصابة 181 شخصا بينهم 27 إصابة بطلق ناري، جراء المسيرات الحاشدة التي خرجت في أنحاء عدة من السودان، في حين توعد المجلس العسكري بالتحرك لمواجهة "المندسين"، وقال إنه سلم رده على مقترحات الوساطة الإفريقية، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة السودانية[26].

ثانيا: الحراك الشعبي في الجزائر.

بينما تواصلت المظاهرات في الجزائر للشهر الخامس، وللجمعة التاسعة عشرة على التوالي، وأعلن الجزائريون فيها دعمهم لحملة مكافحة الفساد التي شملت اعتقال مسؤولين بارزين سابقين، ومؤكدين تمسكهم بمطلبهم القديم بإبعاد رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من إدارة المرحلة الانتقالية[27].

إلا أنه وباستثناء المعركة القضائية المفتوحة ضد رموز النظام السابق، فإنه لا شيء تقدم على صعيد الحلول الممكنة لاستئناف الشرعية الانتخابية، حيث تحصي الساحة الجزائرية اليوم أكثر من 25 مبادرة سياسية تحمل تصورات ومقترحات، قدمتها تكتلات حزبية ومدنية وشخصيات عامة.

كان من أبرز المبادرات ورقة "فعاليات قوى التغيير لأجل نصرة خيار الشعب" وهو أكبر تحالف لتشكيلات المعارضة، وكذلك "خارطة طريق" العلماء الجزائريين، فضلا عن نداء الوزير السابق أحمد طالب الإبراهيمي باعتباره المرشح الأول من الحراك للإشراف على فترة انتقالية[28].

وفي تقرير استشرافي لمؤسسة ستراتفور توقع التقرير أنه في الأشهر القادمة سوف تحرص الجزائر على فتح قنوات جديدة للحوار السياسي مع المعارضة العنيدة، والتي تصر على المطالبة بالإصلاح السياسي الشامل، ورغم أن الحكومة المدنية المدعومة من الجيش لن تسمح بإصلاحات سياسية تهدد اتفاق تقاسم السلطة، فستكون هناك مناقشات تشريعية حول التعديلات الدستورية، والشمولية السياسية والتي ستزيد من تدخل منظمات المجتمع المدني في السياسة الحكومية على المدى البعيد.

بعد استقالة بوتفليقة المفاجئة في أبريل/نيسان الماضي، استولى الجيش على بعض صلاحيات مؤسسة الرئاسة في الجزائر لنفسه، بما في ذلك السيطرة على قوات الشرطة والمخابرات. ومع ذلك فإن الاضطرابات المدنية المستمرة تهدد قدرة قوات الأمن على الضبط، مما يحد من قدرة الجيش على تولى المزيد من الصلاحيات السياسية.

وفي الوقت نفسه، فإن الاقتصاد الجزائري في حاجة ماسة إلى إدارة اقتصادية حكيمة، مما يعني أن أي إعلان عن الإصلاحات الاقتصادية لتلبية المطالب الفورية للمتظاهرين يمكن أن يقوض الجهود المستقبلية لتحقيق التوازن المالي والنمو الحقيقي.

أيضا فإن مسألة انتهاء ولاية الرئيس المؤقت في 9 يوليو/تموز 2019، مع تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، ستفشل الحكومة الجزائرية في معالجة الأزمات الاقتصادية بشكل صحيح، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات والاضطرابات دون حل سياسي.


محور الحالة السياسية

شهد شهر يونيو/حزيران 2019 العديد من الأحداث الهامة، ففي سوريا استمر هجوم نظام بشار الأسد، وداعمه الروسي على محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، والتي تعتبر آخر معقل لفصائل الثورة السورية، ومحاولات الفصائل شن هجمات مضادة، وأيضا رفض القبائل في شرق سوريا عرضا سعوديا-أمريكيا، لإقامة دولة انفصالية شرق الفرات.

وفي مصر شهد يونيو/حزيران 2019 استشهاد أول رئيس مصري منتخب، الرئيس محمد مرسي أسيراً في سجون الانقلاب العسكري، إثر تلقيه تهديدا من الأمن المصري، بضرورة حل جماعة الإخوان المسلمين، أو تحمل العواقب المترتبة على الرفض، وكذلك استمرار حملات الاعتقال والتي طالت هذا الشهر غير الإسلاميين أيضا، واستمرار العنف والعنف المضاد في شبه جزيرة سيناء.

وفي السعودية تصاعدت هجمات الحوثيين خلال الشهر، وأعلن الحوثيون دخول المواجهة مع المملكة مرحلة جديدة ما كشف عن ضعف القدرات السعودية في مواجهة تنامي قدرات الحوثيين، والجماعات الموالية لإيران، كذلك أقيم في هذا الشهر في البحرين "سوق النخاسة" للسمسرة على بيع القدس والقضية الفلسطينية، أو ما سُمى بورشة البحرين الاقتصادية للترويج لصفقة القرن الأمريكية، وسط شجب واسع في العالم العربي على المستويين الشعبي والرسمي.

وفي ليبيا واصل قائد الميليشيات الليبية اللواء حفتر هجومه على العاصمة الليبية طرابلس، في حين استطاعت حكومة الوفاق استعادة مدينة غريان ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لقوات حفتر، ومحاولات حفتر للسيطرة على النفط، وتهديده للمصالح التركية في ليبيا وتراجعه عن ذلك إثر بعد الرد شديد اللهجة من تركيا.  

أولا: الثورة السورية.

8 أعوام ونظام بشار الأسد يقصف الشعب السوري بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، ولم يكتف الأسد بهذا حتى استدعى حليفته روسيا لتحرق ما تبقى من بلاده بطائراتها، وتستمر أحداث الثورة السورية والتي فقد فيها أكثر من نصف مليون سوري أرواحهم، ونزح ما يقرب من نصف السكان والبالغ عددهم 23 مليون شخص في الداخل أو إلى خارج سوريا. وتتواصل في شهر يونيو/حزيران هجمات القوات الروسية، وقوات النظام السوري، على محافظة إدلب، آخر معاقل الثورة السورية.

الأحداث:

  • في مطلع شهر يونيو/حزيران 2019 دعا رئيس ائتلاف المعارضة السورية، عبد الرحمن مصطفى، المجتمع الدولي إلى "ممارسة كل الضغوط على روسيا" لوقف الهجمات على محافظة إدلب السورية والحد من دعمها للرئيس السوري بشار الأسد، قائلا إن أعداء الشعب السوري استغلوا شهر رمضان لتصعيد جرائمهم، وقاموا بارتكاب 30 مجزرة وقتلوا ما لا يقل عن 250 شهيدًا، وأشار إلى أن محطات المساعدة الطبية والمستشفيات كانت أهدافًا رئيسية للنظام منذ إعلان الحرب على الشعب السوري.

وأكد مصطفى على استخدام النظام السوري القنابل البرميلية، وقنابل الفسفور الأبيض، والأسلحة الكيميائية، والقصف المدفعي للمدن والبلدات، ضد الشعب السوري، كما أشار إلى أن روسيا أصبحت شريكًا مباشرًا في الجريمة، وقصفت المدن والبلدات عن عمد، وأعاقت أي حل سياسي، ودعمت الحلول التي تدعو إلى القتل والتهجير[29].

  • شهد الأحد الثاني من يونيو/حزيران عملية انفجار سيارة بمدينة الرقة السورية، المعقل السابق لتنظيم الدولة، في الشمال السوري، حيث تسبب الانفجار في مقتل 5 مدنيين و5 جنود تابعين لقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة، أشار الحادث إلى خطورة الخلايا النائمة للتنظيم في الشمال السوري[30].   
  • وفي الثاني من يونيو/حزيران قال الجيش الإسرائيلي إن طائرته أصابت أهدافاً للجيش السوري بعد إطلاق الصواريخ على مرتفعات الجولان، وقالت وسائل الإعلام السورية الرسمية إن 3 جنود قتلوا في ثاني هجوم من نوعه خلال أسبوع[31]وقُتل 4 مدنيين في غارات جوية شنتها قوات بشار الأسد ونظام روسيا على مناطق خفض التصعيد في شمال سوريا[32].
  • وفي 11 يونيو/حزيران قالت وكالة الأنباء السورية أن الدفاعات الجوية السورية أحبطت هجوما إسرائيليا في جنوب سوريا[33]
  • قام النظام السوري بمهاجمة المستشفيات ومنشآت الرعاية الصحية بطريقة ممنهجة، حتى بعد مشاركة الأمم المتحدة إحداثيات مواقع المستشفيات مع روسيا، على أمل منع مثل هذه الهجمات، إلا أن الغارات الجوية استمرت من قبل روسيا والنظام السوري[34]. 
  • في يوم 13 يونيو/حزيران شنت قوات النظام السوري هجوما على نقطة مراقبة تركية، في محافظة إدلب، بالمخالفة لشروط منطقة وقف التصعيد المتفق عليها، منتهكة لاتفاقية وقف إطلاق النار المتفق عليها بين تركيا وروسيا، حيث تم إطلاق 35 قذيفة هاون، أدت إلى إصابة 3 جنود أتراك، وكانت هذه هي المرة الخامسة التي يقع فيها مثل هذا الهجوم[35].
  •  وفي 16 يونيو/حزيران ردت القوات التركية بالهجوم على قوات النظام السوري بالأسلحة الثقيلة[36].
  • وفي يوم 14 يونيو،حزيران نادى الرئيس الروسي بضرورة القضاء على ما وصفه بالإرهاب في محافظة إدلب ووصف ذلك "بالمهمة الفورية"[37]
  • وفي 19 يونيو/حزيران وإثر زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، رفضت القبائل في شرق سوريا التعاون مع خطط العربية السعودية، والولايات المتحدة، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" الكردية، لإقامة دولة انفصالية شرق نهر الفرات، وذلك بعد احتجاجات العشائر على ممارسات "قسد"، مما حدا بالسبهان لمحاولة شراء ذمم زعمائها وإقناعهم بالبقاء تحت إمرة قسد المدعومة أمريكيا[38].
  • وبينما واصلت الغارات الجوية ضرباتها على إدلب[39]، قالت وزارة الدفاع التركية إن جنديا تركيا قتل وأصيب 3 آخرون عندما تعرض مركز المراقبة الخاص بهم في منطقة إدلب السورية لهجوم بالقصف وقذائف الهاون[40].

ووسط الأحداث، وفي أعقاب بيان صدر عن الكرملين أشار إلى أن موسكو ستواصل دعمها لهجوم من الحكومة السورية على إدلب[41]، حث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب روسيا وقوات الحكومة السورية على وقف قصف محافظة إدلب السورية.

وأعلن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيم جيفري، أن لدى الولايات المتحدة خطة لإنشاء منطقة آمنة مقترحة على الحدود التركية السورية، بدون أن تلعب الدول الأوروبية دورا فيها، حيث وافقت تركيا على المقترح، ووافقت القوات المدعومة من الولايات المتحدة على سحب قواتها، وإنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا[42]. وبدورها حذرت الأمم من أن استمرار هجوم النظام على إدلب مع تقلص المعونات سوف يؤدي إلى تدفق أكثر من 2 مليون لاجئ سوري نحو تركيا[43].

وفي نفس الوقت الذي حذرت فيه الأمم المتحدة من تدفق اللاجئين، ادعى بيان مشترك عن مراكز تنسيق روسية- سورية أن حوالي 1.8 مليون لاجئ سوري من دول مجاورة ودول أجنبية عادوا مجددا إلى سوريا[44].

استشراف مستقبل الحالة السورية:

وفي تقرير استشرافي لمؤسسة ستراتفور توقع أنه بالنظر إلى طبيعة الساحة السورية، فإن العدد الهائل من القوات العسكرية الأجنبية العاملة داخل البلاد وحولها، مع الافتقار إلى التنسيق بين القوى الخارجية، سيؤدي للاشتباكات بين هذه الدول، بما في ذلك النظام السوري والقوى الخارجية. ومع ذلك فإن خطوط الاتصالات الحالية، ومناطق خفض التصعيد ستمنع مثل هذه الاشتباكات من أن تتحول إلى مواجهة مباشرة بين الدول، أو مواجهة شاملة بين هذه الدول.

كذلك فإنه من المرجح أن تكون تركيا، والتي تعتبر الضامن الرئيسي للأمن في محافظة إدلب، ضالعة بشكل رئيس في الأحداث، فمن المحتمل أن تشتبك تركيا مع قوات موالية للنظام السوري، أو روسيا، أو قوات موالية لإيران، وبعيدا عن تركيا، فمن الممكن وقوع اشتباكات بين إسرائيل وإيران، أو الولايات المتحدة وإيران، أو بين أمريكا والنظام السوري.

وبسبب هذه المخاطر يتوقع التقرير أن يتراجع النظام السوري عن استعادة إدلب في الأشهر القليلة القادمة، لاسيما وأن روسيا وإيران لا ترغبان في نشاط عسكري يضع القوات التركية على خط النار[45].

ثانيا: الحالة في الخليج العربي.

  1. الحالة السعودية:

مؤتمرات القمة الثلاث

شهد مطلع يونيو/حزيران استضافة المملكة العربية السعودية 3 مؤتمرات قمة جنبًا إلى جنب، حيث استضاف الملك سلمان بن عبد العزيز، القمة الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي (OIC)، واستغلت المملكة العربية السعودية تاريخ ومكان اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي لتعزيز جدول أعمالها، من خلال الدعوة لعقد اجتماعات طارئة مع جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي[46].

هجمات الحوثيين المتعاقبة

  • أعلنت جماعة الحوثي الأربعاء 12 يونيو/حزيران استهداف مطار أبها جنوبي السعودية بصاروخ "كروز"، وقالت الجماعة إن الهجوم أصاب الهدف بدقة وأوقف الملاحة الجوية في المطار، ويعتبر الهجوم هو الثاني الذي يشنه الحوثيون خلال 24 ساعة، بعد استهدافهم قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط جنوب غربي السعودية[47].
  • أعلنت جماعة الحوثي أنها هاجمت الجمعة 14 يونيو/حزيران مجددا مطار أبها جنوبي السعودية، مما أدى لتعطيل الملاحة فيه، بيد أن الرياض أكدت صد الهجوم وإسقاط 5 طائرات مسيرة أُطلقت من اليمن[48].
  •  لم يكتف الحوثيون بذلك وأعلنوا يوم 20 يونيو/حزيران أنهم هاجموا بطائرات مسيرة مطار جازان،  وقصفت قبل ذلك محطة للكهرباء بنجران والقوات السعودية بالحد الجنوبي للسعودية، وهددت بتوسيع نطاق عملياتها، في حين توعدها التحالف السعودي الإماراتي برد صارم[49].

وبعد هذه الهجمات المتعددة، أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثيين العميد يحيى سريع عن مرحلة جديدة من المواجهة مع السعودية تتضمن استخدام صواريخ وطائرات مسيرة جديدة، وذلك بعد سلسلة هجمات شنتها الجماعة على مطارات جنوبي السعودية.

وتعهد المسؤول العسكري الحوثي باستمرار العمليات ضد ما وصفها بالمنشآت ذات الاستخدام العسكري، وأوضح أن إجمالي عمليات سلاح الجو المسير بلغ خلال الشهرين الماضيين 36 عملية، منها 15 عملية بالاشتراك مع المدفعية، فيما كان للقوة الصاروخية حضور خلال الشهرين الماضيين بخمس عمليات استخدمت فيها الصواريخ البالستية[50].

وفي تطور جديد يشير إلى فتح حلفاء إيران لجبهات جديدة في المواجهة، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الطائرات المسيرة التي استهدفت أنابيب النفط بالسعودية في مايو/أيار الماضي انطلقت من العراق وليس من اليمن، وقالت الصحيفة إن هذه المعلومات تؤجج الخوف من سعي حلفاء إيران في المنطقة لفتح جبهة جديدة في الصراع بين طهران وواشنطن.

وكان يُعتقد أن هجمات الطائرات المسيرة في 14 مايو/أيار الماضي انطلقت من اليمن، إذ أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها، وقالوا إنها أحدثت أضرارا في خط أنابيب نفطي رئيسي بالسعودية يمتد لمئات الكيلومترات، لكن مسؤولين أمريكيين مطلعين على معلومات المخابرات قالوا لـ "وول ستريت جورنال" إن الهجمات انطلقت من جنوب العراق، في إشارة على الأرجح إلى المليشيات العراقية المدعومة من إيران، وفقا للصحيفة[51].

وبفرض صحة هذه المعلومات، فإن انطلاق الهجمات من جنوب العراق، يشير إلى أن قدرة حلفاء إيران للوصول إلى الأهداف داخل المملكة بات عاليا جدا، إذ أن وجودهم في اليمن والعراق، وأيضا قدرتهم مؤخرا على شن عمليات داخل الخليج العربي، يشير إلى أن المملكة أصبحت محاطة من الجنوب والشرق والشمال الشرقي، في شكل نصف دائرة بقوات حليفة لإيران، مما يدلل على القدرة المتزايدة لهذه القوات على الضرب في كامل المملكة، خاصة مع امتلاكهم للطائرات المسيرة بعيدة المدى، كذلك أشارت الهجمات الناجحة المتكررة للحوثيين، مما حدا بالحوثيين لإعلان دخولهم مرحلة جديدة في المواجهة مع السعودية، على ضعف القدرة الدفاعية السعودية، إذ استطاعت "جماعة" الحوثيين، قصف مطار "أبها" عدة مرات بنجاح. 

  1. مؤتمر البحرين وصفقة القرن:

استضافت البحرين في الأسبوع الأخير من شهر يونيو/حزيران "مؤتمر السلام من أجل الازدهار"، الشق الاقتصادي لـما يُسمى "صفقة القرن"، بحضور جاريد كوشنر الذي يعد "عراب المؤتمر" ومسؤولين فضلًا عن رجال أعمال، ووصف كوشنر خلال المؤتمر هذه الخطوة بأنها "فرصة القرن"، وتضمن المؤتمر وعودًا بضخ 50 مليار دولار في الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات مصر والأردن ولبنان كدول تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، لحلحلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني[52].

التفاصيل:

  • قدم صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر خطة اقتصادية وصفها بأنها "فرصة القرن"، لكن الاقتراح قوبل بالرفض الكامل من قبل الفلسطينيين وغيرهم.
  • تدعو الخطة إلى تخصيص 50 مليار دولار على مدار 10 أعوام، بحيث تخصص 28 مليار دولار منها للأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة، أما الباقي فيقسم بين الأردن ومصر ولبنان.
  • تأمل الخطة أن تساعد هذه الأموال في تحسين وضع الاقتصاد الفلسطيني، وخلق مليون وظيفة، وبهذا ينخفض معدل البطالة بين الفلسطينيين إلى أقل من 10٪، كما تنخفض معدلات الفقر بنسبة 50٪[53].

وقال محللون إن عدة مشروعات في خطة الرئيس الأمريكي الاقتصادية البالغ حجمها 50 مليار دولار من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إنما تعكس مقترحات سابقة تعثرت جراء الصراع[54].

من يدفع تكاليف الصفقة؟

أعرب كوشنر عن أمله في أن تدرس دول الخليج والمستثمرون من القطاع الخاص فرصة الاستفادة من 179 مشروعا مقترحا للبنية التحتية، من بينها طريق تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار لربط الضفة الغربية وقطاع غزة[55].

مسيرات في غزة:

وكرد فعل على مؤتمر البحرين شارك آلاف الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة في مسيرات شعبية رافضة لمؤتمر البحرين وصفقة القرن.

التفاصيل:

  • شاركت حشود من المواطنين والفعاليات الأهلية والشعبية بفعاليات رافضة لورشة البحرين التي تعتبر أول خطوة في صفقة القرن الأمريكية، أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر غرب مدينة غزة.
  • لجنة الأسرى في القوى الوطنية والإسلامية دعت للفعالية، بمشاركة جماهيرية شعبية بينها ذوو الأسرى والمحررين وممثلون عن الفصائل والمؤسسات الأهلية والمجتمع المدني.
  • رفع المشاركون في الفعالية أعلام فلسطين ولافتات تندد بورشة البحرين وصفقة القرن، مرددين هتافات تؤكد التشبث بالحقوق الوطنية وعلى رأسها حق العودة للاجئين وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وأن قضيتهم سياسية وليست اقتصادية.
  • شهدت مدينة غزة إضرابا شاملا في 25 يونيو/حزيران، ومسيرة جماهيرية أمام مقر الأمم المتحدة، احتجاجا على انعقاد هذه الورشة.
  • بدورها دعت غرفة تجارة وصناعة محافظة غزة في بيان صحفي، مملكة البحرين وبعض الحكومات العربية التي أعلنت عن مشاركتها بالورشة الأمريكية في البحرين، إلى الإعلان عن إلغاء هذه الورشة التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومقاطعتها[56].

مسيرات في الضفة الغربية:

  • دعت فصائل العمل الوطني ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات للمشاركة في فعاليات احتجاجية رفضاً لصفقة القرن والورشة الاقتصادية في البحرين التي دعت لها الولايات المتحدة الأمريكية في البحرين. 
  • احتشد المشاركون على ميدان المنارة وسط مدينة رام الله، بمشاركة شخصيات وقيادات وطنية وإسلامية، رافعين العلم الفلسطيني ولافتات تؤكد على رفض ورشة المنامة وصفقة القرن، فيما ألقيت العديد من الكلمات الخطابية التي تؤكد على رفض ورشة المنامة ومخرجاتها.
  • جابت مسيرة حاشدة شوارع مدينة رام الله، على وقع الهتافات الرافضة لصفقة القرن ورشة المنامة.
  • عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، كان قد كشف عن تحركات شعبية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والخارج، رفضاً لمؤتمر البحرين الاقتصادي.
  • جلسة للمجلس الوطني لمواجهة ورشة البحرين[57].

كذلك لاقت الخطة الأمريكية احتجاجا واسعا في العالم العربي، فعلى المستوى الرسمي استنكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الصفقة، وكذلك وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة، ومن السودان إلى الكويت، استنكر معلقون بارزون ومواطنون عاديون مقترحات كوشنر بعبارات مماثلة بشكل لافت للانتباه مثل "مضيعة هائلة للوقت" و"فاشلة" و"مصيرها الفشل منذ البداية".

كما وجّهت أحزاب ليبرالية ويسارية مصرية انتقادات حادة لورشة البحرين، وقالت في بيان مشترك إن مؤتمر المنامة "يرمي إلى تكريس وشرعنة الاحتلال "الصهيوني" للأراضي العربية"، وأضاف البيان استنكاره وإدانته لأي مشاركة أو تمثيل عربي رسمي في هذا المؤتمر، واعتباره هذه المشاركة تجاوزا لحدود التطبيع" مع إسرائيل[58].

كما دعا 3 من المسؤولين الأمريكيين السابقين والباحثين في شؤون الشرق الأوسط، في مقال مشترك، الإدارة الأمريكية للتخلي عن خطتها للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين "صفقة القرن" والتركيز على حل لقطاع غزة. هم نائب مساعد المدير الإداري السابق للمعونة الأمريكية في الشرق الأوسط هادي آمر، وإيلان غولدنبيرغ مدير برنامج أمن الشرق الأوسط بـ "مركز الأمن الأمريكي الجديد" رئيس موظفي المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، الذي كان يساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري في مبادرته للسلام، وناتان ساكس الباحث بمركز سياسات الشرق الأوسط بواشنطن. وأكد الثلاثة أن خطة السلام التي يشرف عليها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فاشلة، وإن ورشة البحرين فشلت تماما في التقريب بين طرفي الصراع[59].

ثالثا: الحالة المصرية:

استشهاد الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي أسيرا في سجون الانقلاب العسكري

وفي 17 يونيو/ حزيران، أعلن التليفزيون المصري وفاة الرئيس المصري الأسير محمد مرسي، أثناء مثوله أمام المحكمة، والذي يعتبر أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وكذلك أول زعيم يموت شهيدا في الأسر في تاريخ مصر، والأمة العربية[60].

فرض الأمن المصري على أسرة الرئيس مرسى تنظيم جنازة لا يحضرها سوى أولاده وزوجته فقط، كذلك رفض دفنه في مسقط رأسه بقرية العدوة في محافظة الشرقية (شمال) تنفيذا لوصيته، وألزمهم بدفنه في مقابر مدينة نصر شرقي العاصمة القاهرة، في مقبرة مدفون بها 3 من المرشدين السابقين لجماعة الإخوان المسلمين وهم محمد حامد أبو النصر ومصطفى مشهور ومحمد مهدي عاكف[61].

وقال الموقع الرسمي لحزب الحرية والعدالة إن الرئيس مرسي قال في كلماته الأخيرة: إنه "يتعرض للموت المتعمد من قبل سلطات الانقلاب، وإن حالته الصحية تتدهور، وإنه تعرض للإغماء خلال الأسبوع الماضي أكثر من مرة دون علاج أو إسعاف"[62].

وتشير المصادر أن الرئيس مرسي قتل بعد رفضه عرضا من الأمن المصري لحل جماعة الإخوان المسلمين، إذ نشر موقع ميدل إيست آي عن مصادره أن الأمن المصري طالب الرئيس مرسي وقيادات الإخوان بحل جماعة الإخوان المسلمين في مدة أقصاها نهاية شهر رمضان، أو مواجهة العواقب المترتبة على الرفض، ومات الرئيس مرسي مباشرة بعد رفض العرض، كذلك رفضه كلا من الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ونائبه المهندس خيرت الشاطر[63].

حملات اعتقال جديدة لغير الإسلاميين

كما شهد الأسبوع الأخير من شهر يونيو/حزيران حملات اعتقال لمعارضين سياسيين ممن لا ينتمون للتيار الإسلامي، أو الإخوان المسلمين، من بينهم البرلماني السابق زياد العليمي والصحفي اليساري البارز هشام فؤاد، والحقوقي المعروف حسام مؤنس.

تزايد العنف بشبه جزيرة بسيناء

كما تزايدت وتيرة عمليات العنف في سيناء بالهجوم على كمائن الجيش بالعريش في شمال سيناء، عندما قامت مجموعات مسلحة باستهداف عدة كمائن، منها كمين حي الصفا وكمين حي الرفاعي وكمين سد وادي العريش في توقيت واحد، ما أسفر عن مصرع 9 جنود من الشرطة المصرية بينهم ضابط برتبة نقيب. وكذلك مقتل مدني وإصابة اثنين آخرين برصاص قوات الأمن بعد استهداف سيارة مدنية كانوا يستقلونها بالقرب من موقع الاشتباكات.

رابعا: الحالة التونسية:

وفي تونس أعلنت وزارة الداخلية الخميس 27 يونيو/ حزيران مقتل رجل أمن وإصابة 8 آخرين أغلبهم من الشرطة جراء تفجيرين وقعا في شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية، ووفق الشهود، تم التفجير في تقاطع شارع فرنسا، ونهج شارل ديغول التجاري وسط العاصمة تونس على بعد نحو 150 مترا من السفارة الفرنسية[64]

فيما أعلنت قالت وكالة أعماق للأنباء التابعة لتنظيم الدولة إن التنظيم أعلن مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين استهدفا الشرطة في العاصمة التونسية الخميس[65].

خامسا: الحالة الليبية:

الأحداث:

  • وعلى صعيد الحالة الليبية ففي يوم 6 يونيو/حزيران واصلت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضرب أهداف في العاصمة الليبية طرابلس، حيث قصفت مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة طرابلس، واستهدفت طائرة مسيرة تركية الصنع، دون تسجيل ضحايا أو تأثر لحركة الملاحة الجوية.

من ناحيتها، نشرت "عملية بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، ظهر الخميس 6 يونيو/حزيران، عبر صفحتها على فيسبوك، صورًا تظهر جانبًا من استهداف قوات حفتر المستشفى الميداني بمنطقة السواني، وكذلك قصف نادي الفروسية في منطقة جوادائم[66]. وعادت لليوم الثاني على التوالي قصف المطار، مستهدفة للجانب العسكري من المطار الوحيد العامل في العاصمة[67].

  • تجددت المواجهات المسلحة، صباح الخميس 13 يونيو/حزيران، بين قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية والقوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، في الأحياء الجنوبية من العاصمة الليبية طرابلس.
  • المواجهات الأعنف شهدها محور طريق المطار ومنطقة الخلة جنوبي طرابلس، حيث سمع أصوات انفجارات قوية في أحياء متفرقة من العاصمة.
  • طرابلس شهدت في ساعة متأخرة الأربعاء 12 يونيو/حزيران ضربات جوية استهدفت تمركزات لقوات الوفاق في منطقتي مشروع الموز وعين زارة جنوبي العاصمة.
  • القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية أعلنت أنها عززت مواقعها يوم الخميس 13 يونيو/حزيران، في محور المطار جنوبي طرابلس.
  • المكتب الإعلامي لعملية "بركان الغضب" التابعة للوفاق، قال إن قواتهم دمرت دبابة وتتقدم في محوري المطار واليرموك بعد قصف محكم ودقيق بالمدفعية الثقيلة مواقع قوات حفتر، دون مزيد من التفاصيل.
  •  قوات اللواء حفتر، أعلنت إسقاط طائرة حربية تابعة لقوات حكومة الوفاق الليبية، قرب مدينة مصراتة(200 كلم شرق العاصمة طرابلس)[68].

قوات حكومة الوفاق تستعيد السيطرة على غريان:

  • حيث أعلنت قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية الأربعاء 12 يونيو/حزيران أنها استعادت السيطرة على غريان، المدينة الإستراتيجية الواقعة على بعد 100 كلم جنوب غرب طرابلس والتي كانت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر تسيطر عليها وتتخذها مقرا لقيادة عملياتها العسكرية.

وقال مصطفى الكمجعي، المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق "غريان تحت السيطرة بالكامل" مؤكدا أن "السيطرة على المدينة انتصار هام وإستراتيجي" وأوضح أن المدينة كانت تتخذها قوات حفتر "غرفة العمليات الرئيسية العسكرية بالمنطقة الغربية التي تقدم الدعم اللوجستي لقواتها جنوب طرابلس". وأكد الكمجعي خسارة قوات حفتر عشرات القتلى إضافة إلى أكثر من 18 مقاتلا أسرتهم قوات حكومة الوفاق أثناء عملية السيطرة على المدينة.

  • من جانبه، أكد اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم قوات حفتر، أن قوات حكومة الوفاق سيطرت على أجزاء من مدينة غريان، من دون أن يقر بخسارة المدينة بأكملها، وتواصل قوات حفتر منذ 4 نيسان/أبريل هجومها للسيطرة على طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وتسببت المعارك منذ اندلاعها بسقوط 739 قتيلا على الأقل وإصابة أكثر من 4 آلاف بجروح، فيما وصل عدد النازحين إلى 94 ألف شخص، بحسب وكالات الأمم المتحدة[69].

مطالبة أعضاء الكونجرس بإدانة حفتر

طالب 13 عضواً من أصل 14 عضواً في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، مايك بومبيو بإعلان رفض واشنطن الواضح لهجوم خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس، حيث طالب النواب بومبيو للدعوة لوقف إطلاق النار في ليبيا، وتعزيز عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ورأى النواب أن البيان الصادر عن البيت الأبيض بشأن اتصال بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخليفة حفتر، منتصف أبريل/نيسان الماضي غير واضح، وأدى إلى شكوك والتباس بشأن موقف واشنطن، وأضاف النواب في رسالتهم، أن بعض الجهات المسلحة في ليبيا تستفيد من هذا الالتباس، وتعتبره مبرراً لمواصلة الصراع، وتقويض جهود التوصل إلى تسوية سياسة[70].

مساندة قائد الانقلاب في مصر لحفتر

وفي نفس الوقت جدد عبد الفتاح السيسي مساندته لقوات حفتر، جاء ذلك بحسب بيان للرئاسة المصرية، عقب لقاء عقده السيسي مع رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، اليوم بالقاهرة، على هامش زيارة يجريها الأخير لمصر غير محددة المدة، وواصل السيسي لهجته من أن موقف مصر لم ولن يتغير من دعم الجيش الوطني الليبي، في حملته للقضاء على "العناصر والتنظيمات الإرهابية في البلاد".

وشدد على أن إرادة الشعب الليبي هي الإرادة المقدرة، التي يجب أن تحترم، إذ عادة ما تعتبر القاهرة أن الجيش الوطني الليبي هو قوات حفتر، واستقبل السيسي حفتر أكثر من مرة، في الفترة الأخيرة، ووصف قواته بـ"الجيش الوطني الليبي[71].

نقل حفتر للمعركة إلى حقول النفط

وفي تقرير لصحيفة تايمز البريطانية أن اللواء حفتر نقل المعركة من العاصمة الليبية إلى حقول النفط، بعد فشل هجومه على طرابلس، ونقلت الصحيفة عن مدير الشركة الوطنية الليبية للنفط مصطفى صنع الله تحذيره من أنه في حال تقسيم القطاع النفطي فإن ليبيا ستدمر، ووفقا للصحيفة حذر المسؤول النفطي الليبي من تحول الصراع إلى معارك على النفط، قائلا إن الأطراف ستستخدم أموال النفط لتغذية الحرب.

وكشف صنع الله أن حفتر والحكومة الموازية في طبرق وقعا عقودا مع شركات وهمية لبيع النفط الليبي بـ 55 دولارا للبرميل وهو أقل من السعر المعترف به، وأضاف المسؤول الليبي أن هذه الشركات موجودة في دبي بالإمارات، ومصر، وهما الدولتان الداعمتان لحفتر بشكل رئيسي[72].

مبادرة السراج للخروج من الأزمة

طرح رئيس وزراء الحكومة الليبية المعترف بها دوليا فائز السراج، يوم الأحد 14 يونيو/حزيران مبادرة للخروج من الأزمة الحالية في بلاده، وتتمثل أهم نقاط مبادرة السراج فيما يلي:

  • عقد ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، يمثل فيه جميع القوى الوطنية ومكونات الشعب الليبي من جميع المناطق، ممن لهم التأثير السياسي والاجتماعي، الذين يدعون إلى حل سلمي وديمقراطي والمنادون بحق المواطنة وبناء دولة مدنية ودولة القانون والمؤسسات.
  • الاتفاق خلال الملتقى على خارطة طريق للمرحلة القادمة وإقرار القاعدة الدستورية المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019، ويتم تسمية لجنة قانونية مختصة من قبل الملتقى لصياغة القوانين الخاصة بالاستحقاقات التي يتم الاتفاق عليها.
  • يقوم الملتقى باعتماد القوانين الخاصة بالعملية الدستورية والانتخابية المقدمة من اللجنة القانونية، مع تحديد مواعيد الاستحقاقات ثم إحالتها إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
  • يدعو الملتقى مجلس الأمن والمجتمع الدولي لدعم هذا الاتفاق، وتكون مخرجاته ملزمة للجميع، وتقوم الأمم المتحدة بالإعداد والتنظيم لهذه الاستحقاقات، وأن يدعو الملتقى الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، لتقديم الدعم اللازم لإنجاحها.
  • يتم تشكيل لجان بإشراف الأمم المتحدة من المؤسسات التنفيذية والأمنية الحالية في كافة المناطق لضمان توفير الإمكانيات والموارد اللازمة للاستحقاقات الانتخابية، بما في ذلك الترتيبات الأمنية الضرورية لإنجاحها.
  • يتم الاتفاق من خلال الملتقى على آليات تفعيل الإدارة اللامركزية، والاستخدام الأمثل للموارد المالية، والعدالة التنموية الشاملة لكل مناطق ليبيا، مع ضمان معايير الشفافية والحوكمة الرشيدة.
  • ينبثق عن الملتقى هيئة عليا للمصالحة الوطنية، تقوم بالإشراف والمتابعة لملف المصالحة وتفعيل قانون العدالة الانتقالية وقانون العفو العام وجبر الضرر، باستثناء من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
  • السراج أكد أنه "مستمر في قيادة معركة مقاومة الاستبداد وتطلعات حكم الفرد والعائلة.. ولن يستطيع أحد أن يثنيه عن مواصلة النضال والكفاح لهزيمة المعتدي ودحره وإنهاء مشروعه الديكتاتوري"[73].

حفتر وضرب الأهداف التركية

وعقب السيطرة على غريان أمر حفتر قواته بضرب السفن التركية، وكافة الأهداف الإستراتيجية التركية، وقال المتحدث باسم قوات حفتر أحمد المسماري إن الأوامر صدرت" للقوات الجوية باستهداف السفن والقوارب وللقوات البرية باستهداف كافة الأهداف الإستراتيجية التركية".

ولم يوضح المسماري كيف ستتمكن قواته من فرض حظر طيران في منطقة غير خاضعة لسيطرتها، واتهم المتحدث تركيا بدعم قوات حكومة الوفاق الوطني في استعادة السيطرة على مدينة غريان الإستراتيجية التي تعتبر القاعدة الخلفية الرئيسية لحفتر في معاركه جنوب العاصمة[74].

لم تكن تهديدات حفتر مجرد تصريحات فقط، بل بدأ جهاز الحرس البلدي في مدينة بنغازي (شرق ليبيا) بالفعل بإزالة جميع الأسماء التركية من لافتات المطاعم والمقاهي ومحلات بيع الحلويات، وذلك بناء على تعليمات "حفتر" بشأن عدم التعامل مع دولة تركيا".

وفي مدينة إجدابيا (شرق البلاد) قامت قوات الأمن هناك باعتقال شخصين يحملان الجنسية التركية أحدهما مسن، كما أقدمت الأجهزة الأمنية الموالية لحفتر بشرقي ليبيا على اعتقال 6 أتراك يشتغلون في ورش للسيارات، وقاموا بإغلاق كافة المحلات التي تحمل أسماء تركية، وطالبوا "المواطنون الشرفاء" بالإبلاغ عن أي تركي موجود".

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رد بقوة على تهديدات حفتر، مؤكدا أن "بلاده ستتخذ التدابير اللازمة" حال صدرت أي خطوات عدائية في ليبيا ضدها من قوات حفتر. كما أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أكد أن "أنقرة ستردّ على أي هجوم تنفّذه قوات حفتر وأنه "سيكون هناك ثمن باهظ جدًا لأي موقف عدائي أو هجوم ضد المصالح التركية، وأن بلادنا سترد بالطريقة الأكثر فاعلية والأقوى"[75].

وبعد الرد التركي مباشرة أعلنت وزارة الخارجية التركية أن قوات حفتر أطلقت سراح مواطنين أتراك كانت قد اعتقلتهم في مدينة أجدابيا شرقي ليبيا، الخارجية التركية قالت في وقت سابق إن "احتجاز 6 من مواطنينا على يد المليشيات غير القانونية التابعة لحفتر في ليبيا هو عمل من أعمال قطاع الطرق والقراصنة"[76].

تراجع وانهيار

اعتبر الباحث التركي ومسؤول الملف الليبي في مركز سيتا للدراسات بأنقرة "امره ككيللي" أن تهديدات حفتر لا تعني شيئا بالنسبة لتركيا، فهو قائد مليشيات تسيطر على جزء من المنطقة الشرقية بليبيا، ودول المنطقة اقتنعت أنه عاجز عن السيطرة على ليبيا خصوصا بعد هزيمته في غريان، وقد بدأ يتراجع وهناك انهيار في صفوف قواته.

وأكد ككيللي أن أنقرة تحترم سيادة ليبيا وهي تتعامل مع المؤسسات الشرعية المعترف بها دوليا في طرابلس التي يوجد بينها وبين أنقرة تنسيق أمني، لذلك سيكون الرد على أي اعتداء من خلال حكومة طرابلس باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هذه المليشيات الخارجة على القانون، بحسب تعبيره.

وقال الباحث إن حفتر بوصفه قائد مليشيات لا يحترم القانون وهو رجل جبان، لذلك أفرج عن الأتراك الستة في أقل من 24 ساعة بعد اختطافهم خوفا على نفسه. وأضاف أن "تركيا ليست طرفا في الصراع في ليبيا، هي تعترف بحكومة معترف بها دوليا في إطار مؤتمر روما 2015، وفيما يتعلق بوجود أسلحة تركية في أيدي القوات الشرعية فوزارة الخارجية التركية جاهزة لتشارك كل المعلومات التي لديها مع أي جهة دولية تحقق في هذا الأمر"[77].


المحور الاقتصادي

البعد الإقليمي على الصعيد الاقتصادي بات يصنعه الآخرون، ولم تعد المنطقة العربية تملك زمام أمرها، فلا هي تملك مشروعًا لعودة تعاونها الاقتصادي، ولا يُسمع حس لمؤسسات العمل العربي المشترك، فأمريكا أتت لتضع خريطتها لتصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة الاقتصاد، فتم عقد ورشة البحرين كمقدمة لما يسمى صفقة القرن.

ويتناول المحور الاقتصادي هذا الشهر ما تم في ورشة البحرين الاقتصادية، وكذلك موضوعا مهما يتعلق بعزم مصر على الدخول في اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول القادم. والموضوع الثالث الذي يشار إليه في المحور الاقتصادي يتعلق بتداعيات الاعتداءات على ناقلات النفط في مياه الخليج، وأثر ذلك على اقتصاديات المنطقة وكذلك تأثيره على الصعيد العالمي.

ورشة البحرين وادعاء اقتصاد السلام

شهدت المنامة عاصمة البحرين انعقاد الورشة الاقتصادية التي دعت إليها أمريكا برعاية مستشارها بالبيت الأبيض جاريد كوشنر، وذلك خلال يومي 25 و26 يونيو/حزيران 2019، وتأتي هذه الورشة في إطار ما يسمى خطة أمريكا حل قضية القضية الفلسطينية.

بلا شك أن الورشة تأتي في إطار سياسي عرف إعلاميًا بـ (صفقة القرن)، ولكن الورشة مثلت الإطار العام للجانب الاقتصادي في هذه الصفقة، ووضع لها عنوان "السلام من أجل الازدهار".

وثمة ملمح مهم على المسار الأمريكي والإسرائيلي فيما يسمى بعملية السلام منذ إقدام مصر على إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل برعاية أمريكية، وهو الحرص التام على الفصل بين المسارين السياسي والاقتصادي، بحيث تستمر إسرائيل في تجاوزاتها المتعلقة باحتلال الأراضي الفلسطينية، أو الاعتداء على بعض الدول العربية.

وهو الأمر الذي رفض منذ مؤتمر السلام في مدريد في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، وكذلك رفضتها القيادات الفلسطينية بشأن انعقاد ورشة البحرين، حيث لم يحضر أي ممثل لفلسطين، سواء من السلطة الفلسطينية أو الفصائل الأخرى.

روّج المستشار الأمريكي مشروعه بتقديم إغراءات مادية متواضعة، بحدود استثمارات قدرت بنحو 50 مليار دولار، وتوفير فرص عمل للفلسطينيين تقدر بمليون فرصة عمل[78]، وأن الخطة تتضمن كذلك مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين خلال 10 سنوات.

وفي إطار اقتصادي بحت، فإن ما جنته إسرائيل من عملية السلام منذ نهاية السبعينيات وحتى الآن على الصعيد الاقتصادي، لم يتناسب أبدًا ما حصل عليه العرب من السلام المزعوم، بل إن العرب قد دفعوا ثمنًا غاليًا نظير أن تنعم إسرائيل بالسلام.

قبول كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية بالدخول في عملية السلام مع إسرائيل مبكرًا، ساعد على رفع كافة صور المقاطعة السياسية والاقتصادية لإسرائيل على مستوى العالم، ما أنعش بها قطاع السياحة وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

المكسب الأكبر والذي تسعى كل من أمريكا وإسرائيل لترسيخه هو الوصول للاندماج الطبيعي لإسرائيل في اقتصاديات المنطقة، وهو هدف يصاحب كافة الفعاليات السياسية والاقتصادية، وبخاصة تلك التي ترتبط ببعض المشروعات الاقتصادية الإقليمية مثل برامج الشراكة المصرية الأوروبية، وكذلك المؤتمرات وورش العمل التي تنظمها المنظمات الدولية، ولذلك كان صندوق النقد الدولي مشاركًا في ورشة البحرين[79].

مكنت مصر على وجه التحديد إسرائيل من التنقيب عن الغاز الطبيعي على شواطئ البحر المتوسط، ودخلت إسرائيل محيط الدول المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعي، بعد أن اكتفت ذاتيًا منه، بل وأبرمت إسرائيل صفقة مع مصر عبر القطاع الخاص لتصدير الغاز الطبيعي تقدر قيمتها بنحو 15 مليار دولار.

فإذا كانت إسرائيل تستفيد من صفقة واحدة كثمرة لتعاملها مع دولة واحدة بمبلغ 15 مليار دولار[80]، إيكون ثمن تسوية القضية الفلسطينية برمتها لا يتجاوز 50 مليار دولار، وبلا شك أن المستشار الأمريكي يخطط أن يكون هذا المبلغ المتواضع لصالح أكثر من دولة عربية.

ثمة دلالات مهمة لاختيار البحرين لانعقاد هذه الورشة، وهي دلالات تتعلق بالجانب الاقتصادي، وإن كانت البحرين جعلت من السياسة جسرًا لتحقيق مآربها، وأهم هذه الدلالات أن الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي تمر بها البحرين منذ 2014، جعلتها تفكر في دعم دولي من خلال إسرائيل لكي تخرج من أزمتها المالية، بعد أن تبين أن الدعم السعودي الإماراتي بمبلغ 10 مليارات دولار لا يجدي في اقتصاد البحرين الذي يفتقد إلى التنوع الاقتصادي[81]، وكذلك غياب الكثير من الموارد الاقتصادية.

الأمر الثاني أن البحرين على ما يبدو أرادت أن تكون عراب العلاقات العربية الإسرائيلية على الجانب الاقتصادي، لكي يكون ذلك بابًا لاقتصاد الخدمات الذي تروج له البحرين منذ فترة، ولم يفلح في تحقيق حالة من التوازن في اقتصاد البحرين الذي يعتمد على النفط بشكل كبير.

دلالات طلب مصر توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد

في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وقعت حكومة مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي، طبقت مصر بموجبه مجموعة من الإجراءات الاقتصادية ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية القاسية، حيث انخفضت قيمة العملة المحلية بنحو 100%، وارتفعت معدلات التضخم، وتم زيادة أسعار العديد من السلع والخدمات، سواء التي تقدمها الحكومة أو القطاع الخاص.

إلا أن وزير المالية المصري محمد معيط أعلن مؤخرًا بأن حكومته سوف تتقدم بطلب جديد لإبرام اتفاق لمدة عامين، على أن يكون اتفاقًا يخص الدعم الفني ولا يتضمن الحصول على قروض جديدة من الصندوق[82].

يعكس هذا التصريح عدة مشكلات تعاني منها مصر، أولها أن الفجوة التمويلية التي تعاني منها مصر حاليًا سوف تستمر خلال الفترة القادمة، على الأقل في الأجلين القصير والمتوسط، وتقدر هذه الفجوة بحوالي 445 مليار جنيه مصري[83] (ما يعادل 26.5 مليار دولار).

هذه الفجوة هي العجز الكلي بالموازنة العامة لعام 2019/2020. ويلاحظ من بيانات الموازنة أن أعباء الديون لازالت تثقل كاهل الموازنة وتستحوذ على ما يزيد عن 83% من إجمالي الإيرادات العامة، كما تشكل نحو 110% من إجمالي الإيرادات الضريبية.

كما أن مصر من خلال سعيها لتوقيع الاتفاق الجديد مع الصندوق بعد أكتوبر/تشرين الأول 2019، تحرص على أن يكون ذلك بمثابة شهادة لاستمرار اقتراضها من أسواق السندات الدولية أو المؤسسات الإقليمية.

ومع انتهاء الاتفاق الأول بين مصر والصندوق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، يجب أن يجني المواطن المصري ثمارًا إيجابية لفترة امتدت لأكثر من 3 سنوات من الإجراءات التقشفية، ولكن على ما يبدو أن وضع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية بمصر سوف يستمر لسنوات، وبخاصة أن وزارة الكهرباء سوف تطبق زيادات جديدة في أسعار الكهرباء مع دخول الموازنة الجديدة للدولة حيز التنفيذ في أول يوليو 2019، وكذلك هناك زيادة في أسعار الوقود في الطريق.

رغم أن الحكومة المصرية وكذلك صندوق النقد الدولي يعلنان عن تحسن في المؤشرات الاقتصاد الكلي، مثل ارتفاع قيمة الناتج المحلي ومعدلات نموه، وكذلك انخفاض معدل التضخم وكذلك تراجع نسبة البطالة، إلا أن الإصلاح الاقتصادي لم يمتد ليشمل القطاعات الإنتاجية.

فلا زالت تكلفة الإنتاج في مصر مرتفعة بسبب رفع الدعم عن قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الخارج فيما يتعلق بالسلع الإنتاجية، وهو ما انعكس على زيادة الواردات السلعية بنحو 3 مليارات دولار، لتصل قيمة الواردات السلعية إلى 63 مليار دولار[84]. ولذلك فرجل الشارع لم يشعر بعد بانعكاس تحسن المؤشرات الاقتصادية -التي تذكرها الحكومة أو صندوق النقد- على حياته الاقتصادية والاجتماعية.

مخاطر تهديد منابع النفط العربي

شهد شهر يونيو/حزيران 2019 تصعيدًا كبيرًا استهداف ناقلات للنفط في خليج عمان، وإن كانت الناقلتان المستهدفتان غير عربيتين، إلا أنهما أصيبتا بضرر في مياه عربية ويحملان النفط العربي، وهو ما دعا أمريكا والسعودية لتوجيه الاتهام لإيران، التي نفط بدورها هذا الاتهام.

ولكن وقوع مثل هذا الحدث يؤشر على أن منابع النفط وناقلاته في مرمى النيران والتفجيرات، وبخاصة أنه يعد الحادث الثاني من نوعه بعد شهدت المنطقة الحادث الأول في مايو/آيار الماضي، وهو ما يلقي بظلال قائمة على المستقبل الاقتصادي لدول المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على عوائد النفط.

لم يكن للحادث أن يمر دون أن يلقي بظلاله على أسواق النفط، حيث ارتفاع الأسعار في ذلك اليوم بنسبة 3.4%[85]، وكان مرشحًا لارتفاع أكبر، لولا تصريحات إيران التي نفت علاقاتها بالحادث، وكذلك تبادل التصريحات بين كل من ترامب والمسئولين الإيرانيين بأن كليهما لا يرغب في الحرب.

لم يمنع ذلك من أن تلقي حادثة إصابة الناقلتين بمياه عمان بظلالها السلبية على أسواق المال في منطقة الخليج، حيث تراجعت في نفس اليوم البورصات في كل من السعودية والإمارات وسلطنة عمان، فضلًا عن المؤشر السلبي لتقييم عامل الاستقرار بالمنطقة، والذي من شأنه أن يقوض كافة المشروعات الكبرى التي تعتزم كل من السعودية والإمارات وباقي الدول الخليجية القيام بها.

كما تهددت طموحات الدول الخليجية في إمكانية جذبها لاستثمارات أجنبية مباشرة، والتي أعلن تقرير الاستثمار العالمي لعام 2019 عن تراجعها بنسبة 0.34% في عام 2018 مقارنة بما كانت عليه في عام 2017.

ورغم هذه التهدئة بعد حادث إصابة الناقلتين في مياه عمان، إلا أن النزاع الخليجي مع الحوثيين باليمن، وكذلك توتر العلاقات السعودية والإيرانية يبقي وجود المخاطر بنسبة كبيرة، وبخاصة إذا حدث تحول غير متوقع في التهديدات الأمريكية بضرب إيران.

المعلوم أن منظمة أوبك التي يمثل النفط العربي بها الحصة الأكبر يمثل 30% من الإنتاج العالمي، وأي تعطيل لإمدادات النفط العربي من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على أداء الاقتصاد العالمي، سواء من حيث ارتفاع الأسعار، أو معدلات النمو الاقتصادي، التي تراها المؤسسات الدولية متراجعة خلال عام 2018 عما كانت عليه في 2017، وأن توقعاتها لن تكون أحسن حالًا في 2019.

ولم تكن المخاوف بشأن تأمين النفط العربي قاصرة على المنطقة، ولكنها انعكست كذلك على الصراع بين الدول الكبرى، وذلك بعد تصريح الرئيس الأمريكي بأنه لم تعد أمريكا مسئولة عن تأمين حركة السفن المحملة بالنفط في منطقة الخليج، وأن على الدول المستوردة للنفط (الصين واليابان) أن تحمي سفنها[86]، وأن قيام أمريكا بتأمين أي سفن لابد وأن يكون نظير مقابل، وليس عملًا مجانيًا كما كان من قبل.

لن يظل أمن النفط العربي رهن النزاع الخليجي مع الحوثيين في اليمن فقط، ولكنه متصل بشكل كبير بالنزاع الأمريكي الإيراني، فكلا الطرفين أصبح يوظف أوراق الضغط المتاحة لديه لتغيير طبيعة المعادلة، التي سعى من خلالها الرئيس الأمريكي لخنق الاقتصاد الإيراني عبر العقوبات الاقتصادية على تصدير النفط الإيراني، وبخاصة بعد أن استجابت له دول عدة في مطلع مايو 2019 بالتنازل عن الحصص الاستثنائية وتدبير احتياجاتها بعيدًا عن النفط الإيراني.


المحور الفكري

يتناول المحور الفكري لهذا الشهر موضوعين مهمين، أما الأول فهو: الاستشراق الجديد وكراهية العرب والمسلمين، وأما الثاني فهو: السلفية المدخلية مطية النظم الدكتاتورية وسلاحها.

تناول موضوع الاستشراق الجديد الروح العامة التي سيطرت على الاستشراق منذ نشأته، والآثار السلبية للفكر الاستشراقي في المجال الديني على وجه التخصيص. ثم عرض لتعريف الاستشراق وهدفه عند إدوارد سعيد، وألبرت حوراني الأستاذ بجامعة أكسفورد، وغيرهما.

وكيف تحوّل الاستشراق من أوروبا إلى أمريكا فكان أحط وأبشع من الاستشراق القديم، وأن الهدف لم يتغير، وهو الاستحواذ على الشرق. وأن المستشرقين تماهوا مع القادة، وابتكروا فزاعة الإرهاب، ثم شرعوا في شيطنة الإسلام، فالنسل الجديد من المستشرقين ينتمي إلى وزارة الخارجية الأمريكية، وللسي آي إيه، ومراكز صنع القرار في أمريكا والغرب.

أما السلفية المدخلية، فقد تم التعريف بها، وكيف وظفت السلطات الدكتاتورية هذا الاتجاه لمواجهة الحركات الإسلامية وضربها في الأقطار العربية، وعلى وجه التخصيص في المملكة العربية السعودية " بلد المنشأ"، وقمع ثورات الشعوب في وجه الظلم والاستبداد وبخاصة في ليبيا، واليمن، ومصر.

وكيف تحوّل الدور الأيديولوجي للسلفية المدخلية إلى المجال العسكري، والقمع باسم الدين، ثم خطورة هذا الاتجاه على حرية الشعوب التي تريد الانعتاق من ذل الاستبداد الذي تمارسه بعض الأنظمة، وأنه أصبح سلاحا في يد النظم الدكتاتورية.

أولا: الاستشراق الجديد وكراهية العرب والمسلمين

مما لاشك فيه أن الاستشراق والمستشرقين بذلوا أعظم الجهد وأخطره، فهناك جوانب مثمرة وإيجابية تتعلق بالجانب العلمي الذي قدمه المستشرقون، لكننا ينبغي أن نذكر -هنا- أن الروح العامة التي سيطرت على المنهج الاستشراقي في معظم الحالات، وعلى أكثر المستشرقين، إبَّان النشأة الحقيقية للاستشراق، المتمثلة في إنشاء أقسام علمية وكراسي أستاذية لدراسة اللغة العربية والإسلام في الجامعات الأوربية الكبرى في القرن الرابع عشر الميلادي – كانت روحا عدائية للإسلام[87].

ومن الممكن إحصاء الآثار السلبية للفكر الاستشراقي في المجال الديني على وجه الخصوص فيما يأتي[88]:

  • إثارة الشكوك في العقيدة وحول دور الإسلام في النهوض الحضاري.
  • تشويه صورة الإسلام في الغرب.
  • التعظيم من شأن الفرق الدينية ودورها في المجتمع الإسلامي، كالبهائية والقاديانية، وغيرهما.
  • العمل على تفتيت الوحدة الدينية والفكرية للمجتمع الإسلامي.
  • إظهار الطوائف والأقليات في صورة مجتمعات مضطهدة داخل المجتمع الإسلامي بهدف تشويه الإسلام خاصة في الغرب.
  • التمكين للصهيونية في العالم العربي .
  • التمكين للتنصير في بلاد المسلمين .

يقول إدوارد سعيد: لقد تأسس الاستشراق رسميا، وبدأت انطلاقته الحقيقية في القرن الرابع عشر الميلادي بقرار من الكنيسة، ليعمل لحسابها، على أساس أن الإسلام يمثل مشكلة للغرب المسيحي، وكان على هذا الغرب أن يتعامل مع هذه المشكلة (الإسلام) بوسائل فعالة[89].

ويقول الدكتور ألبرت حوراني – الأستاذ بجامعة أكسفورد – في دراسته الممتازة بعنوان :

"ISLAM IN  EUROPEAN  THOUGHT" لقد وضع آباء المستشرقين خطط الاستشراق ومناهجه، وحددوا اتجاهاته وتقاليده في ضوء أهداف الراهب الفرنسيسكاني ريموند لول ورعيله، وفي ضوء قرار مجمع قينا الكنسي في بداية القرن الرابع عشر الميلادي.

ثم تطور الحال في أوروبا وتغير وخرج الناس من سلطان الكنيسة، وتخلص معهم المستشرقون من العمل لحساب الكنيسة، لكن معظمهم لم يتخلصوا من التقاليد التي كانوا قد نشروها، والمناهج التي تتلمذوا عليها، والأفكار والآراء والتصورات والمشاعر والأحكام التي تشبعوا بها منذ نشأة الاستشراق.

بعض هؤلاء حاولوا أن يدرسوا الإسلام بموضوعية ولحساب الحقيقة العلمية الخالصة، لكن قليلا منهم هم الذين استطاعوا الانعتاق من أسر التقاليد الاستشراقية المستقرة والحاكمة منذ زمن بعيد جدا.

تطور الحال مرة أخرى في أوروبا، وجاءت مرحلة السيطرة أو الهيمنة الاستعمارية على الشرق، وانحاز كثير من المستشرقين إلى مواقف بلدانهم الاستعمارية من الشرق، وسخّروا علومهم ودراساتهم وأحكامهم لخدمة الأهداف الاستعمارية لبلادهم، وهنا نشأ تحالف ثالوثي جديد بين الاستشراق والاستعمار والتبشير[90].

هكذا أخذ الاستشراق المعاصر على عاتقه مهمة التحرش الثقافي مع القوى المناوئة للفكرة الأمريكية، وعلى رأس هذه القوى كما حددها(Graves): الشيوعية والإسلام. أما وإن الشيوعية اليوم قد انتحرت أو اندحرت، فإن الإسلام بقي وحده ليمارس معه الاستشراق المعاصر (Cultural Hostilit) هذا التحرش[91].

ركز المستشرقون المعاصرون على دراسة ما أسموه بالإسلام السياسي، والحركات السياسية الإسلامية، ومناقشة برامجها وطموحاتها. لم يعبأ الاستشراق المعاصر كثيرا بنشر التراث وتحقيقه وترجمته كما كان يفعل المستشرقون من قبل. وفي هذا يقول آصف بيات "فاليوم الاستشراق الجديد يبدو أنه أكثر ترسخًا، متعدد الأوجه، ومضر أكثر من سابقه، لقد تحول إلى ما يطلق عليه اليوم "الإسلاموفوبيا"[92].

أما عن ملامح الاستشراق الجديد، وما الذي يختلف فيه عن الاستشراق الذي فنده المفكِّر الراحل إدوارد سعيد؟ ما غايات هذا الاستشراق وأهدافه التي أطلتْ برأسها – خاصة - مع احتلال العراق في مطلع الألفية الثالثة؟

كل هذه التساؤلات وغيرها في ذات الموضوع طرحتها مجلة الفيصل[93]، وأدارت حولها نقاشا. نستعرض أهم ما ورد فيه على لسان بعض الكتاب والمفكرين. يقول الباحث العراقي فاضل الربيعي في كتابه "ما بعد الاستشراق": إن غزو العراق كشف عن الدور المتنامي لمراكز البحوث والجامعات ووسائل الإعلام الغربية والأمريكية في صياغة وعي الجمهور العام وآرائه ومواقفه.

كما كشف عن الدور المذهل الذي لعبه الاستشراق الجديد في تكريس صورة نمطية لا سابق لها، وهي جميعها، كما يذكر الربيعي، عناصر أساسية ساهمت في شيطنة مجتمعات بأكملها[94].

 ويقول محمد عمري[95]تحت عنوان "لماذا يكرهوننا؟": إذا أخذنا في الاعتبار الاستشراق الجديد بمعنى الخبرة الأكاديمية في خدمة القرار السياسي الغربي، فأغلب المجهود اتجه نحو كيفية المحافظة على المصالح في منطقة متقلبة.

كما تواصل التركيز على ما يسمى بالحرب على الإرهاب ومحاولة إيجاد مواقع للتأثير في واقع متقلب، كسوريا مثلًا. وتدعمت فكرة البحث في سؤال: "لماذا يكرهوننا؟"، وبخاصة في الولايات المتحدة، بالإجابة عنها بعودة الشعبوية وتقديم المصلحة القومية أولًا، كما ظهر في الخطاب الذي أوصل دونالد ترامب للرئاسة.

ويقول فخري صالح[96] تحت عنوان: "استشراق ذو أغراض وغايات أيديولوجية فاقعة": "الاستشراق الجديد، ذو أغراض وغايات أيديولوجية فاقعة ومفضوحة. فالنسل الجديد من المستشرقين الجدد لوزارة الخارجية الأمريكية، وللسي آي إيه، ومراكز صنع القرار في أمريكا والغرب، يعملون لتوفير معرفة نظرية يمكن من خلالها اتخاذ قرارات التدخل وشن الحروب على مناطق ذات أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة".

وتقول سهيلة زين العابدين عن الاستشراق الأمريكي الجديد[97]: وهكذا نجد أنَّهم قد تخلوا عن المصطلح، ولكنهم لم يتخلوا عن المنهج والأهداف والأغراض، لذا نجدهم استبدلوا بكلمة "استشراق" "مراكز المعلومات"، أو "دراسات الشرق الأوسط"، وهذا هو الثوب الجديد للاستشراق الجديد، ولا سيما الاستشراق الأمريكي.

ويقول عمران عبد الله[98]: "بدا التحول الهائل من الاستشراق الأوروبي إلى الاستشراق الأميركي واضحا منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، عندما ألقى ترامب خطابا في يونغستاون (أوهايو)، قال فيه إن تهديد الإسلام المتطرف كان مشابها للشرور العظيمة في القرن العشرين.

وتبدو هذه النظرة متأصلة في التقليد الاستشراقي الجديد المتسم بالحدة، والخلط بين العنف المتطرف وبين نقد الإسلام ذاته، تماما كما تخلط إدارة ترامب بين الجماعات الإسلامية العنيفة والمعتدلة.

مضيفا: "علينا ألاَّ ننخدع بالمصطلحات الجديدة، فالاستشراق حديثه مثل قديمه لا يخرج عن كونه مؤسسة غربية بالغة القوة، قائمة على دراسة الشرق بشتى جوانبه، مع التركيز على الجزء الإسلامي منه برؤية غربية قائمة على التفوق العرقي والثقافي بهدف سيطرة الغرب على الشرق، وتشويه الإسلام في الشرق والغرب[99]". 

ثانيا: السلفية المدخلية مطية النظم الدكتاتورية وسلاحها

النشأة:

نشأت المدخلية الجامية كفرقة دينية في المدينة المنورة على يد محمد بن أمان الجامي المدرس في الجامعة الإسلامية في قسم العقيدة، والمتوفى سنة 1996م، وشاركه بعد ذلك "الشيخ" ربيع المدخلي المولود بالسعودية عام 1932م والمدرس في كلية الحديث وإليه تنسب فرقة المداخلة.

ظهرت المدخلية بشكل علني إبَّان حرب الخليج عام 1990م بعد أن دخلت القوات الأمريكية السعودية لحمايتها من العراق، فبرز هذا التيار في وهج الانبهار العربي تجاه ما يحصل في المنطقة، وتجاه مَنْ يرفضون استقدام القوات الأمريكية، من أمثال الشيخ سلمان العودة وسفر الحوالي.

بين المؤيدين والمعارضين لفكرة الاستعانة بالولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت ووجود القوات الأمريكية على الأراضي السعودية، كان لا بد من وجود صوت ديني يتحدث بصوت الحاكم ويواليه بحدة ويبرر أفعاله، فكانت الجامية مضطلعة بمواجهة المعارضين من مكونات التيار الإسلامي، لتحظى سريعًا برعاية السلطات السعودية. ولهذا اكتسبت الجامية تسارعًا طرديًا تجاه الأسرة الحاكمة التي رأت فيها معادلا موضوعيًا للتيار الإسلامي المتنامي الذي يرفض اجتناب الخوض في السياسة، فقدمت العائلة الحاكمة دعمها لهذا التيار[100].

الأيديولوجية:

المدخلية تناهض الديمقراطية والعملية السياسية والنظام الحزبي والتداول السلمي للسلطة، وتحارب "الثورة" بوصفها تجسيداً "للفتنة" والفوضى، وتتعامل مع قوى التغيير السياسي في المجتمع كافة كجماعات من "المبتدعة"، وفرق من "الخوارج" المارقين، فشرعية الحكم التي تحكم سلوك المداخلة تنص على أن "من اشتدت وطأته وجبت طاعته"، وشرعية السلطة تقوم على أن "سلطاناً غشوماً خير من فتنة تدوم".

أَسست الحركة المدخلية دعوتها على أصلين أولهما: "الطاعة الكاملة لولي الأمر" والتوقف على ظواهر النصوص التي تحث على طاعة ولي الأمر، وذلك من خلال فهمهم الخاطئ للآية الكريمة في قوله تعالى "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ".

ويبين ربيع المدخلي في شرحه لأصول السنة على أن المتغلب يجب طاعته حقنا للدماء، فإذا تغلب آخر وجبت طاعة المتغلب الجديد، وهذا الأصل عندهم ينزلونه منزلة التقديس حسب تمويل الحاكم. أما الأصل الثاني فهو الطعن في المخالفين وتبديعهم، فالشيخ ربيع المدخلي يرى أن "الإخوان المسلمين" قد نقضوا أصول الإسلام كلها، كما يرى أن ممارستهم الدعوية والسياسية بدعة منكرة، ويُعتبر هذان الأصلان هما عمود الحركة وركائزها[101].

توظيف الجامية المدخلية لمواجهة الحركات الإسلامية في الأقطار العربية:

عُرفت الجامية المدخلية بقربها الشديد من السلطة والأنظمة الحاكمة، ومعاكستها للحركات الإصلاحية الإسلامية السياسية الأخرى، وانتشرت هذه الحركة في السعودية بدعم من الأسرة الحاكمة، واستطاعوا في بداية أمرهم جذب كثير من الشباب وإشغالهم بسب واتهام وأكل لحوم العلماء والدعاة، كما أن الوثائق التي قدمتها مراكز الدراسات الغربية بينت التعاون بين الأجهزة الاستخباراتية وحاملي الفكر المدخلي ودعمهم، إضافة إلى وقوفهم في وجه الحركات الإسلامية بأكملها وعرقلة طريقهم بشتى الوسائل[102].

"في منتصف تسعينيات القرن الماضي، أصدرت الجامية المدخلية تقريراً للأجهزة الأمنية بعنوان "التنظيم السري العالمي بين التخطيط والتطبيق في المملكة العربية السعودية"، أوصت فيه "السلطات السعودية بأن تتحرك بأسرع ما يمكن، لوضع حد لأنشطة المنظمة المذكورة"، ومن ثَمَّ شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات واسعة على الدعاة والعلماء المحسوبين على تيار الصحوة الإسلامية في المملكة، وحظرت أنشطتهم.

التحول من الدور الإيديولوجي إلى المجال العسكري والقمع باسم الدين:

لم تكتفِ السلفية المدخلية بإصدار فتاوى مناهضة للحركات والمظاهرات والاحتجاجات الثورية العربية، حيث أفتى الشيخ ربيع المدخلي وأتباعه بحرمة الثورات والاحتجاجات والمظاهرات، لكنه سرعان ما دعا للانخراط في الأعمال القتالية وتشكيل مليشيات مسلحة ضد حركات الإسلام السياسي والجهادي بوصفهم من الـ"خوارج" و"البغاة" المتمردين على سلطة "ولي الأمر"، وناشري "الفتن".

في سياق هذا التحول، شرعت السلفية المدخلية بتأسيس هياكل عسكرية ومليشيات مسلحة، في الدول التي تفتقر إلى وجود مؤسسة عسكرية فاعلة، إذ باتت تتمتع بحضور قوي وبارز في ليبيا واليمن بالتحالف مع دكتاتوريات محلية ناشئة، وبإسناد من السعودية والإمارات ومصر"[103].

ومع تطور الأحداث في اليمن وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وزحفهم نحو المحافظات الأخرى، تحولت الجامية المدخلية لحمل السلاح، وبرزت شخصيات مدخلية سيطرت على المشهد بدعم من السعودية والإمارات.

وفي ليبيا، لعبت الجامية المدخلية دورًا مهمًا في الأحداث الجارية، فمع بداية ثورة ليبيا وقفت الجامية المدخلية ضد المظاهرات، وطالبت الليبيين بعدم المشاركة فيها، بل واعتبروا الخروج على الحاكم فتنة.

ومع تطور الأحداث في ليبيا وبروز حفتر عام 2014، ظهرت دعوات من رموز المدخلية بدعمه ودعوة السلفية إلى الانضمام إليه، فقد أعلن أشرف الميار الرائد بجيش حفتر والمنخرط في التيار المدخلي والمؤسس الأول لأولى كتائب السلفية بقوات حفتر، تأييده للواء المتقاعد لما أسماه "في الحرب على الخوارج"، واشتهر الميار بلقب "مفتي حفتر"، وهو صاحب الفتوى بقتل الأسرى من خصوم حفتر لأنهم كما يدعي "أسلموا ثم كفروا".

ومن أهم القيادات العسكرية المدخلية الداعمة محمود الورفلي، وهو آمر محاور قوات الصاعقة التابعة لحفتر، ومطلوب دوليًا من قِبل محكمة الجنايات الدولية لتورطه في جرائم حرب، بالإضافة إلى قجة الفاخري، وهو أحد مسلحي التيار المدخلي الليبي، ومتهم بتنفيذ مذبحة الأبيار في بنغازي.

"فضائح هذا التيار قبل وبعد الربيع العربي لا تُحصى، فهو يرتب مقولاته وتنظيراته بحسب الحاجة، وما يقوله هنا قد ينقلب عليه هناك، والسياسة تتحكم بالدين وليس العكس، والقتل باسم الدين سهل ميسور"[104].

"كل المعارك التي خاضها التيار المدخلي مع خصومه: قطبيين أو إخوانيين أو جهاديين، بل حتى مع السلفيين التقليديين أو العلماء المستقلين رسميين وغير رسميين، تدل على خطورة هذا الاتجاه، وأنه مخترق من مخابرات محلية ودولية، ويتم توظيفه وحشره في معارك بواجهات متعددة، وهو يستعمل مفردات عقدية تدل على العنف الرمزي لإسقاط خصومه، كالتبديع والتفسيق والتضليل، وأنه وحده يمثل "السلفية الحقة" و"الطائفة المنصورة" و"الفرقة الناجية"، والويل لمن خالفه في جزئية من جزئيات الدين أو الحياة، فهو الضال المبتدع المنتمي لإحدى الفرق الثنتين والسبعين التي كلها في النار إلا ما عليه "المدخلية" الذين هم على آثار الصحابة الكرام!!

وفي حوار لـ "عربي 21"[105]: انتقد الداعية السلفي السوري، عبد الرزاق المهدي تحريض شيوخ المداخلة على القتال إلى جانب قوات حفتر، وتساءل: "إذا كان شيوخ المداخلة في ليبيا ومصر يحرضون على قتال جماعة الإخوان المبتدعة، ويعتبرون ذلك من أعظم الجهاد، فلماذا حينما دُعوا لقتال النصيرية والروافض في سوريا رفضوا؟". وأضاف، إن المدخلية ينفذون أوامر وتوجيهات ولي الأمر، فمواقفهم في حقيقتها سياسية، لكنهم يلبسونها ثوبا دينيا وشرعيا".

وأبدى المهدى استغرابه الشديد من "انتساب المدخلية إلى السلفية في مواقفها الغريبة تلك، وادّعاء متابعتها لابن تيمية"، مشددا أن تلك الدعوى "تدليس على ابن تيمية، لأنه رحمه الله قاتل في صفوف المسلمين على اختلاف أفكارهم، أشاعرة وماتريدية وصوفية، بينما أفتى باستئصال النصيرية"، في إشارة إلى الطائفة العلوية التي تحكم سوريا حاليا.  

ورأى الأكاديمي الشرعي السعودي، الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، أنه "من الخطأ التعامل مع ظاهرة المداخلة الجامية بوصفها ظاهرة علمية شرعية، معللا ذلك بقوله: "والسبب في ذلك أن هذه الجماعة بسائر أطيافها ليست في حقيقة الأمر إلا صنيعة النظم العربية القمعية، وأداة من أدواتها المناوئة لخيارات الشعوب وطموحاتها".

بناء على ذلك، فإن النقاش معهم في قضايا شرعية هو نوع من إضاعة الوقت والجهد مع قوم لا يملكون من أمرهم إلا ما يملكه المخبر والجاسوس". وأردف: "وانتقلت خبرات رجال المخابرات إلى بلدان عربية عديدة، وفُتحت لهم القنوات، وطبعت لهم الكتب، وتم توظيفهم في وظائف شرعية كالخطابة والإمامة والوعظ والفتوى والتدريس في الجامعات".


خاتمة

تظل المنطقة العربية رهن التبعية والصراعات، وتمثل ثورات الربيع العربي لحظة استرداد للوعي لدى الشعوب العربية، حاولت من خلالها استعادة سيادتها وتحقيق حاضر ومستقبل أفضل لها ولأجيالها القادمة، ولكن في لحظة غفلة من الشعوب، أو قل في لحظة سُكر ثوري، تسللت النخب العسكرية إلى قلب الثورات، طاعنة التغيير والإصلاح المنشود في سويداء قلبه، مدعومة بتحالف الثورة المضادة، السعودي الإماراتي، المدعوم بدوره من العدو الصهيوني الذي يهمه ألا تستنشق الشعوب العربية نسيم الحرية.   

فالجهود على قدم وساق لوأد هذا الحراك، ما بين نظام يقتل شعبه منذ تسعة أعوام بالأسلحة الكيماوية والطائرات، وعسكري سابق، قائد ميليشيات مرتزقة يقاتل من أجل السلطة، وخائن للأمانة والقسم العسكري، قتل رئيسه المنتخب صبرا في غياهب السجون، وعلى طريقته يلتف العسكريين في السودان والجزائر حول الحراك الشعبي لوأده.

مع التركيز من قبل المخططات الدولية على تفريغ المنطقة من توظيف مقوماتها الاقتصادية ومن ثَم الاستمرار في دائرة التبعية الاقتصادية، وآخرها عقد سوق النخاسة في البحرين لبيع ما تبقى من القدس والقضية الفلسطينية.

ولا يتم الاكتفاء بهذا الحد، بل تتم على قدم وساق محاولات العبث الفكري ببعث الاستشراق من جديد، وزرع فرق ذات بعد فكري أيديولوجي لخدمة أهداف الثورة المضادة؛ لتحقيق إذلال الشعوب وتبعيتها.