"منظمة إجرامية دولية".. كيف تتأثر مليشيا فاغنر الروسية بالعقوبات الأميركية؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لردع قوتها المتصاعدة في أوكرانيا، أعلنت الولايات المتحدة، في 20 يناير/ كانون الثاني 2023، تصنيف مجموعة فاغنر الروسية "منظمة إجرامية دولية"، مؤكدة أنه "سيجرى الإعلان عن عقوبات إضافية في قادم الأيام.

ويرى مراقبون أن مليشيا فاغنر الروسية التي توصف بـ"جيش (الرئيس فلاديمير) بوتين" باتت عنوانا لوحشية المعارك المتواصلة في أوكرانيا، وسط هزائم الجيش النظام المستمرة على عدة جبهات هناك.

منظمة إجرامية

ومن هنا، جاء قرار البيت الأبيض الأميركي، إذ أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، أن فاغنر "منظمة إجرامية تواصل ارتكاب فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع".

وأضاف كيربي بمؤتمر صحفي بالبيت الأبيض: "لا نزال نعتبر أن لدى مجموعة فاغنر حاليا نحو خمسين ألف شخص منتشرين في أوكرانيا، عشرة آلاف من المرتزقة وأربعون ألف سجين صدرت بحقهم أحكام في روسيا".

وأشار كيربي إلى أنه حتى وزارة الدفاع الروسية لديها "تحفظات على طرق التجنيد التي تعتمدها مجموعة فاغنر".

وشدد المسؤول الأميركي، على أن واشنطن لن تكتفي بإعلان المجموعة منظمة إجرامية بل ستفرض عليها عقوبات أخرى.

اللافت، أن كيربي عرض خلال المؤتمر الصحفي صورا ملتقطة بالأقمار الاصطناعية قال إنها تظهر قطارات روسية تتجه إلى كوريا الشمالية، وتنقل من هناك عتادا عسكريا يشمل صواريخ لمجموعة فاغنر في أوكرانيا.

والتقطت الصور في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ونقلتها أميركا إلى مجلس الأمن الدولي في إطار العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، وفق كيربي.

وتفيد واشنطن بأن نفوذ المجموعة يتنامى وباتت تنافس القوات الروسية النظامية، ولذلك قال كيربي "سنعمل دونما هوادة لتحديد الأطراف التي تساعد فاغنر وفضحها واستهدافها".

وفي خضم معارك هي الأشرس بين أوكرانيا وروسيا، أعلن قائد فاغنر يفغيني بريغوجين المعروف أيضا بـ"طباخ بوتين" سيطرة مقاتليه في 11 يناير 2023، على بلدة سوليدار الإستراتيجية شرق أوكرانيا.

وحينها استعرض بريغوزين البالغ من العمر 61 عاما قوة مقاتليه بقوله: "لم تشارك أي وحدات غير مقاتلي فاغنر في تحرير مدينة سوليدار"، في إشارة إلى غياب القوات البرية الروسية عن المعركة.

لذلك شدد كيربي على ضرورة ملاحقة فاغنر، الذي قال إن بوتين يتحول نحوها "بشكل متزايد"، ما خلق توترات بينها وبين ووزارة الدفاع الروسية، حيث يواصل فاغنر التطور إلى "مركز قوة منافس للجيش الروسي".

وكشف كيربي في الوقت نفسه عن أن "بريغوزين "يعزز مصالحه الخاصة في أوكرانيا".

وسبق للبيت الأبيض، أن أفاد بأنه في حالات معينة كان المسؤولون العسكريون الروس "تابعين لقيادة فاغنر" في معارك أوكرانيا.

وتقدر الولايات المتحدة أن فاغنر، تنفق حوالي 100 مليون دولار شهريا في الحرب.

وبقيت "فاغنر" منذ تأسيسها عام 2014 كيانا غامضا للغاية، تحرك عبرها روسيا قطعانها من المرتزقة لخدمة مصالحها في ساحات المعارك.

وذلك سواء في دول إفريقيا جنوب الصحراء أو في ليبيا وسوريا، وراهنا في محاور القتال الساخنة بأوكرانيا.

وبعد سنوات من النفي الشديد، أقر يفغيني بريغوزين، في 26 سبتمبر/ أيلول 2022، في منشور على حسابات شركته "كونكورد" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه أسس مجموعة فاغنر في مايو/أيار 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في إفريقيا وسوريا وأميركا اللاتينية.

ويصف بريغوزين فاغنر بأنها قوة مستقلة تماما لديها طائراتها ودباباتها وصواريخها ومدفعيتها.

تقليم المخالب

وسبق خطوة واشنطن الجديدة تجاه مجموعة فاغنر، لجوء وزارة التجارة الأميركية لتحديد المجموعة كمستخدم نهائي عسكري.

وبالتالي فإنه بهذا التصنيف "ستضمن الولايات المتحدة عدم تمكن فاغنر من الوصول إلى المعدات في أي مكان في العالم استنادا إلى التكنولوجيا الأميركية أو معدات الإنتاج"، وفق كيربي.

وسيسمح هذا الإجراء ضد فاغنر بمتابعة المخابرات الأميركية من يساعدون فاغنر في شتى المجالات، ولا سيما أن هذا التصنيف يضعها في نفس فئة جماعات المافيا الإيطالية والجريمة المنظمة اليابانية والروسية.

وسيتيح هذا التصنيف تطبيقا أوسع للعقوبات على الشبكة العالمية المترامية الأطراف لفاغنر، والتي تشمل عمليات المرتزقة وكذلك الشركات التي تديرها في إفريقيا وأماكن أخرى من العالم.

وسيمكن التصنيف بتجميد أي أصول لمجموعة فاغنر في الولايات المتحدة ويمنع الأميركيين من تقديم أي أموال أو بضائع أو خدمات لها.

وهناك من ينظر إلى التصنيف على أنه غير مؤثر، خاصة أنه سبق أن طرح في الكونغرس الأميركي اعتبار روسيا بأكملها "كدولة إرهابية"، وبالتالي لن تغير في مسار الأداء العسكري على الأرض الأوكرانية.

لكن من المؤكد وفق خبراء، أن يمكن التصنيف الجديد الحكومة الأميركية من تطبيق عقوبات أوسع على هذه المجموعة شبه العسكرية، في عملية أشبه بـ "تقليم المخالب بالخارج".

وتعتمد فاغنر على قوتها المالية في جلب المزيد من المرتزقة وزجهم في معارك أوكرانيا، ولذلك فإن تضييق الخناق عليهم عبر قطع مصادر تمويلهم الخارجية ربما سيضعف عمليات التجنيد تلك ويقلل أعدادها.

ويرى المحرر الدبلوماسي الدولي نيك روبرتسون أن "تصنيف فاغنر منظمة إجرامية سيجعل من الصعب عليها القيام بأعمال تجارية في جميع أنحاء العالم، وقد أصبحت امتدادا للدولة الروسية عبر توسيع النفوذ وجني الأموال من إفريقيا إلى الشرق الأوسط".

وأضاف في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأميركية في 21 يناير 2023، أن "إضعاف فاغنر وقطع الأموال عنها إضعاف لبوتين في ظل حرب أوكرانيا".

وأوضح أن الغرب يعزو تقدم القوات الروسية في إقليم دونباس الأوكراني، إلى قوة مرتزقة فاغنر ميدانيا بشكل أكبر من الجيش النظامي، كما اعترف البيت الأبيض.

ولفت إلى أن تلقي فاغنر أسلحة من كوريا الشمالية، كان الدافع الأكبر لتصنيف فاغنر منظمة إجرامية دولية عابرة للقارات.

قوة متنامية

ومن هنا فإن الرسالة الأميركية لحث الدول لعدم التعامل مع فاغنر التي تنتشر في إفريقيا وليبيا وسوريا باتت واضحة.

فعلى سبيل المثال في سوريا تنشط فاغنر في تجنيد مرتزقة سوريين للقتال في الخارج، وكذلك تهريب الآثار السورية.

فمنذ عام 2017 تسيطر فاغنر على حقول الغاز في مناطق توينان وآراك والشاعر ومنجم الفوسفات في خنيفيس بحمص السورية.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قد نقلت عن مسؤولي أمن غربيين في أغسطس/آب 2022، أن فاغنر أرسلت جيولوجيين لاستكشاف المعادن في مالي، مشيرة إلى أنها هجرت السكان من المناطق الغنية بالمعادن.

كما أن "فاغنر" كان لها دور في إفريقيا الوسطى لدعم الرئيس فوستين أرشانج تواديرا ضد المتمردين، مقابل الوصول لمناطق الألماس والذهب واليورانيوم، وتكرر الأمر في السودان، وفق تقارير غربية.

وسبق أن أكد جون برندرغاست المساهم في تأسيس منظمة "ذي سنتري" المتخصصة في ملاحقة غسيل الأموال الذي يمول الحروب أن "آلات للنهب والقتل تخدم مصالح بوتين وحلفائه الخارجيين وخصوصا فاغنر".

وأوضح في 17 يونيو/حزيران 2021، أنه من داخل الكرملين بنى بريغوزين علاقات جيدة مع النخبة الروسية، وأصبح مقبولا لديهم ويقصدونه في مناسباتهم الفارهة.

ويملك بريغوزين، شركة إيفرو بوليس التي تعمل في مجال خدمات الإطعام ومن بين زبائنها الجيش الروسي.

كما أسس شركة تموين واسعة النطاق تسمى "كونكورد" وتعمل الآن بشكل فعال كشركة أم لمجموعة "فاغنر".

وراهنا، أقوى علاقات بريغوزين مع بوتين هي من خلال شركة كونكورد، إذ تلقت الشركة والكيانات التابعة لها عقودا حكومية تزيد على 3 مليارات دولار، تضمنت توريد المواد الغذائية لمدارس موسكو.

ورغم ذلك، فإن العديد من شركات بريغوزين تخضع حاليا لعقوبات أميركية بسبب ما تصفه واشنطن بـ "نفوذه السياسي والاقتصادي الخبيث في جميع أنحاء العالم".