رغم انتهاء الحرب رسميا.. لماذا يثير ممر لاتشين ضجة بين أذربيجان وأرمينيا؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في 26 أغسطس/ آب 2022، أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، عودة ممر لاتشين في إقليم قره باغ، لسيطرة بلاده، بموجب الاتفاق الثلاثي المبرم بين باكو، وموسكو، ويريفان، عقب حرب "قره باغ" عام 2020.

ورغم ذلك، شهد الممر الذي يشمل مدينة لاتشين وقريتي زابوخ وسوس، احتجاجات شعبية بداية من 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022 ، لمنع تشغيل الانفصاليين الأرمن الذين لايزالون مقيمين بمدينة خانكندي في قره باغ بعض المناجم بالمنطقة.

ويربط ممر لاتشين بين مدينة "هانكندي" الأذربيجانية التي يسكنها أغلبية أرمينية، وبين أرمينيا، وتم تخصيصه لمدة 3 أعوام، كمجال لتحرك المدنيين الأرمينيين بين الجانبين، تحت إشراف القوات الروسية المؤقتة.

وكانت قد احتلت أرمينيا منطقة لاتشين الواقعة قرب حدودها، في مايو/ أيار 1992، وخلال الأعوام الـ30 التالية، شهدت المنطقة توطين أرمينيين بطرق غير شرعية عبر استقدامهم، خاصة من سوريا ولبنان.

وأطلق الجيش الأذربيجاني في 27 سبتمبر/ أيلول 2020، عملية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم "قره باغ"، عقب هجوم شنه الجيش الأرميني على مناطق مأهولة مدنية.

وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة وفق جدول محدد.

تطورات مهمة

وفي رؤيتها للتطورات الأخيرة، قالت وكالة الأناضول التركية إن انتصار أذربيجان بإقليم "قره باغ" تسبب في تغيير الديناميكيات الإقليمية والعالمية في جنوب القوقاز، وعلى الرغم من مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين الأذربيجاني والأرميني، إلا أن بنودها لم تنفذ بالكامل.

واشتهرت منطقة جنوب القوقاز وقره باغ عبر التاريخ بأهميتها من حيث الموقع الإستراتيجي والموارد الباطنية، وهو ما يدفع القوى الإقليمية والعالمية لاتخاذ إجراءات فورية حيال التطورات في المنطقة.

وبالنظر إلى آخر التطورات، تشير الإدارة الأرمينية إلى أن هذه المنطقة كانت تحت سيطرة قوة حفظ السلام الروسية خلال الأزمة.

وأن الأمن هناك يجب أن توفره روسيا وفقًا للاتفاقية الثلاثية الموقعة في نوفمبر 2020، لكنها تؤكّد في الوقت نفسه أن روسيا لم تفِ بالتزاماتها حيال ضمان أمن المنطقة، عقب إعلان الرئيس الأذربيجاني استعادة لاتشين لسيطرة بلاده.

من ناحية أخرى، يرى الجانب الأذري أنه وفي مواجهة كل هذه التطورات، لم يظهر الجانب الأرميني الاحترام لوحدة أراضي أذربيجان في قضية قره باغ، وأن يريفان دأبت على استخدام هذه القضية كوسيلة لجذب انتباه العالم الغربي إلى المنطقة.

وبالنظر إلى الظروف الدولية، من الممكن تقييم الأحداث في المنطقة فيما يتعلق بممر لاتشين باعتبارها انعكاسات للتطورات العالمية في جنوب القوقاز.

كما يمكننا القول إن روسيا تسعى من خلال قوة حفظ السلام التابعة لها في المنطقة، لإيصال رسالة إلى الغرب تؤكد من خلالها على وجودها في المنطقة.

وخاصة في ظل العقوبات الأخيرة التي فرضها الغرب على روسيا على خلفية الحرب التي شنتها الأخيرة على أوكرانيا.

لهذا السبب، يمكن تقييم موقف روسيا ووجودها في المنطقة على أنه إظهار لقوتها ونفوذها خاصة في جنوب القوقاز.

بالإضافة إلى ما سبق، كان لعلاقات أذربيجان الجيدة مع بعض الدول، وخاصة إسرائيل، دور مهم على المستوى الدولي، خاصة بعد حرب "قره باغ" وأثناء الحرب الروسية على أوكرانيا.

وهو ما أثار حفيظة موسكو التي أعربت عن انزعاجها من تقديم باكو أخيرا مساعدات إنسانية إلى كييف.

توتر قائم

وأكدت الوكالة التركية أن عدم الامتثال للاتفاقية الثلاثية، والارتفاع المتكرر في التوترات، لا سيما في المنطقة التي تنتشر فيها قوات حفظ السلام الروسية في قره باغ، يكشف أن روسيا لم تقم بواجبها على النحو المناسب لضمان الأمن في المنطقة.

ومع ذلك، لابد من التأكيد على أن موسكو مازالت تملك دورا مهما في إدارة دفة التطورات بالمنطقة، تضيف الأناضول.

ويبدو في الواقع أن روسيا تحرص على التفاوض بشكل متكرر مع زعماء أذربيجان وأرمينيا من أجل إحداث توافق بين الجارين المتنازعين.

لذلك حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عقد اجتماع مع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وكذلك مع قادة أرمينيا وأذربيجان، عقب قمة بلدان رابطة الدول المستقلة في أستانا خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وأكد الجانب الروسي خلال الاجتماع على أن المشكلة الرئيسية بالنسبة لموسكو هي "السياسات التي تنتهجها بريطانيا والولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تجاه الحرب في أوكرانيا".

وبينما تستهدف روسيا الغرب عبر منطقة القوقاز، تحاول تأكيد وجودها ونفوذها التاريخي في المنطقة.

إلا أن الجهود الدبلوماسية والقفزات التي حققتها أذربيجان في العقدين الأخيرين، خاصة في البحث عن طرق بديلة لنقل الطاقة والانفتاح على العالم وتطوير علاقاتها مع العالم الغربي، جعلت مهمة موسكو أكثر صعوبة ودفعها إلى التعاطي بحذر مع الملفات المشتركة مع باكو.

ولابد من الإشارة إلى أن السياسات التي تتبعها روسيا فيما يتعلق بممر لاتشين تنعكس في جوهرها أيضًا على العلاقات التركية الأرمينية.

هذا الوضع دفع وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، للتصريح سابقا، بأن "التطورات الأخيرة في ممر لاتشين ستكون اختبارًا لإخلاص أرمينيا تجاه تعهداتها".

ولفت تشاوش أوغلو إلى أن استمرار هذه المشكلة بدون حل، سينعكس بشكل سلبي على العلاقات التركية الأرمينية.

دور معقد

وأكدت الوكالة التركية أن دور الغرب ونظرته إزاء إقليم قره باغ يلعب دورا كبيرا في تعقيد الأزمة، خاصة خلال فترة الاحتلال الأرميني للأراضي الأذربيجانية والتي استمرت 30 عاما.

ولم تتخذ مجموعة مينسك (تأسست عام 1992) التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا زمام المبادرة من أجل إيجاد حل لقضية قره باغ.

لكن سعت القوى الغربية إلى تغيير سياساتها بشأن المنطقة، بعد تحرير القوات الأذربيجانية أراضيها المحتلة وبدء مرحلة النزاع في ممر لاتشين، وإرسال الاتحاد الأوروبي بعثة إلى الحدود الأذربيجانية الأرمينية للوقوف على آخر التطورات.

بدورها إيران، اعتبرت قضية "ممر لاتشين" إحدى القضايا الحاسمة التي تؤثر على مستقبلها في جنوب القوقاز، ولا سيما أن طهران قدمت جميع أنواع الدعم الممكن إلى أرمينيا في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

في هذا السياق، يمكن القول إن دور الوساطة التركية ونفوذ أنقرة الجيوسياسي ازداد في المنطقة مع حرب قره باغ وكذلك الحرب في أوكرانيا.

بالإضافة إلى أن التحيز التاريخي ضد الأتراك في كل من الاتحاد الأوروبي وإيران، زاد من التقارب بين تركيا وأذربيجان وعزز أواصر التعاون بين البلدين الشقيقين فيما يتعلق بقضايا وسياسات المنطقة.