يقصي منافسيه ويعتقل الجميع.. كيف جفّف السيسي منابع العمل السياسي؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كان تحالف القوى الوطنية، وتعاضد فرقاء المسرح السياسي في مصر، في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إيذانا بإسقاط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، بعد حكم دام نحو 30 عاما.

وفي 22 يونيو/ حزيران 2012، تم عقد مؤتمر "فيرمونت" بين الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وعدد من القوى الثورية والمدنية، وكبار الكتّاب والمثقفين، بالإضافة إلى نشطاء ثورة 25 يناير من الشباب.

قوى الثورة مع الرئيس أعلنوا مجموعة مبادئ، ترتكز على الشراكة الوطنية التي تعبّر عن أطياف المجتمع واختيار فريق رئاسي وحكومي من جميع التيارات الوطنية برئاسة شخصية وطنية مستقلة وتكوين فريق من رموز وطنية لاستكمال إجراءات تسليم السلطة ورفض الإعلان الدستوري المكمل، وقرار حل البرلمان، وقرار تشكيل مجلس الدفاع الوطني.

وعى الجنرالات الدرس، وأيقنوا أنه لا سبيل للسيطرة على السلطة، إلا بضرب الوحدة الوطنية، والعمل على بث روح الفرقة، وهو ما حدث بعد ذلك، حتى الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013.

مع صعود عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في يونيو/ آيار 2014، وضع إستراتيجية محكمة لتجفيف منابع العمل السياسي، فالنظام الجديد يكره السياسة والتنظيم وحرية الرأي والتعبير ولا يؤمن إلا بوجود رأي واحد فقط وهذا ما ظهر في الاستحقاقات المتعاقبة بدءا من انتخابات مجلس النواب والانتخابات الرئاسية الأولى والثانية.

وفي إطار التوجه الجديد، والحرب الضروس ضد جماعة الإخوان المسلمين، والتيار الإسلامي، وجّه السيسي ضربات أخرى للتيار المدني، وأقام له العديد من المحاكمات، والقضايا، كان آخرها القضية التي عرفت بـ "خطة الأمل"، التي شكك النظام في وجود علاقة بين النشطاء، وبين جماعة الإخوان.

وجّهت النيابة للمتهمين بضعة اتهامات اختلفت من متهم لآخر وفق التحقيقيات، أبرزها الانضمام لجماعة إرهابية، أو مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، وتمويل الإرهاب، ونشر أخبار كاذبة.

خطة الأمل

في 25 يونيو/ حزيران الماضي، ألقت قوات الشرطة المصرية القبض على 8 أشخاص، من بينهم، المحامي والبرلماني السابق زياد العليمي، والصحفي هشام فؤاد، وحسام مؤنس، المدير السابق لحملة المرشح الرئاسي حمدين صباحي، وعمر الشنيطي، المدير التنفيذي لشركة مالتيبلز للاستثمار، وخالد أبو شادي الداعية الإسلامي.

ونشرت وزارة الداخلية بيانا يتهم المقبوض عليهم بـالتعاون المالي مع جماعة الإخوان، بهدف تمويل تحركاتها لاستهداف وإسقاط الدولة بالتزامن مع ذكرى 30 يونيو، تحت مسمى "خطة الأمل"، والتي تقوم على "توحيد صفوف القوى السياسية المدنية اعتمادا على دعم مالي من عوائد وأرباح بعض الكيانات الاقتصادية التابعة للجماعة داخل مصر".

وبحسب بيان الداخلية، تم إلقاء القبض على أشخاص آخرين هم مصطفى عبد المعز عبد الستار، وأسامة عبد العال محمد العقباوي، وأحمد عبد الجليل حسين غنّام، وحسن محمد حسن بربري، فيما أشار بيان الداخلية إلى تحديد واستهداف 19 شركة وكيان اقتصادي تديره بعض القيادات الإخوانية والعناصر الإثارية بطرق سرية.

كما ربط البيان كذلك بين المقبوض عليهم وعدد من الشخصيات خارج البلاد، وهم القياديين بجماعة الإخوان المسلمين محمود حسين وعلي بطيخ، والإعلاميين معتز مطر ومحمد ناصر، والسياسي أيمن نور رئيس مجلس إدارة قناة الشرق الفضائية.

من جانبها، قالت منظمة العفو الدولية: "السلطات المصرية اعتقلت خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية بشكل تعسفي ما لا يقل عن 8 أفراد من بينهم: عضو سابق في البرلمان، وقادة أحزاب المعارضة، وصحفيون، ونشطاء في حملة قمع متصاعدة ضد المعارضة والمجتمع المدني في البلاد".

ومن بين الذين اعتقلتهم قوات الأمن في مداهمات الصباح الباكر، زياد العليمي، عضو سابق في البرلمان، وشخصية بارزة في "الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي".

وقالت ماجدالينا مغربي، مديرة البحوث لشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: "موجة الاعتقالات الأخيرة التي استهدفت المنتقدين وقادة المعارضة والنشطاء والصحفيين تحت ستار مكافحة الإرهاب جزء من اضطهاد السلطات الممنهج، والقمع الوحشي، لأي شخص يجرؤ على انتقادها. فحملة القمع لا تدع مجالا للشك في رؤية السلطات للحياة السياسية في مصر، وهي سجن كبير دون السماح بأي معارضة أو منتقدين أو صحافة مستقلة".

ولم تكن القضية الأخيرة، هي الأولى للنظام بحق ما يوصف بالتيار المدني في مصر، بل سبقتها مجموعة قضايا، وتكتيكات قوّضت من عمله. 

621 و441

في مايو/أيار 2018، حرّكت محكمة أمن الدولة العليا القضية 621 لسنة 2018، وعلى أثرها تم القبض على الناشط السياسي "شادي الغزالي حرب"، بالإضافة إلى اعتقال المدون والصحفي "محمد رضوان" صاحب مدونة "أكسجين" الشهيرة لدى قطاع من النشطاء والمدونين.

لم يقتصر الأمر على هؤلاء فانضم إليهم المتحدث الرسمي السابق باسم حركة شباب 6 أبريل "شريف الروبي"، بالإضافة إلى الناشطة السياسية أمل فتحي ، والمعد الساخر لبرنامج (أبلة فاهيتا) شادي أبو زيد.

وكذلك الحقوقيين سيد البنا وأحمد أبو علم، وطبيب الأسنان وليد شوقي، وتم إخفاؤهم قسريا، حتى ظهروا في نيابة أمن الدولة بمنطقة التجمع الخامس في القاهرة.

وجّهت النيابة العامة لهم حزمة من الاتهامات على رأسها "الانضمام إلى جماعة إرهابية، واستخدام موقع على شبكة المعلومات الدولية بغرض الترويج لأفكار ومعتقدات داعية لارتكاب أعمال إرهابية، وإذاعة أخبار وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة، ومحاولة قلب نظام الحكم".

والقضية 621 اعتبرها البعض محاكمة طائفة محددة من ثوار يناير من توجهات ليست إسلامية، ولكنها معارضة لنظام السيسي.

في مايو/أيار 2018، جاءت القضية رقم 441 حصر أمن دولة عليا، حيث وجد أكثر من 9 صحفيين وحقوقيين، أنفسهم مجتمعين في قضية واحدة بتهم تتباين بين (الانتماء إلى جماعة محظورة، وإشاعة أخبار كاذبة تستهدف تكدير السلم العام)، رغم أنهم ينتمون إلى توجهات فكرية وسياسية مختلفة.

من ضمن المتحفظ عليهم على ذمة هذه القضية، الصحفيان مصطفى الأعصر وحسن البنا، والناشط الحقوقي عزت غنيم، بالإضافة إلى المراسل الصحفي معتز ودنان، والصحفية بجريدة الوطن هاجر عبد الله، وكذلك الصحفية شروق أمجد، بالإضافة إلى عمر موسى وعبد الله مضر، والمدون المعروف وائل عباس، والمصور الصحفي عبد الرحمن الأنصاري.

تحريك تلك القضايا دعا منظمات حقوقية دولية إلى توجيه انتقادات إلى النظام المصري، بالإضافة إلى رصد لتزايد أعداد القضايا التي المتهمين أغلبهم من العاملين في مجال النشر الصحفي والتصوير، بالإضافة إلى نشاطهم السياسي المعارض، الأمر الذي يهدد الحقوق والحريات في مصر، بالإضافة إلى استهداف حرية الصحافة، وإقدام القيادة السياسية على تصفية حساباتها مع المعارضين من مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية.

وأتبع هذا تقويض كامل لخريطة الأحزاب السياسية، التي باتت كرتونية أكثر منها فاعلة، حتى أن الكثير منها لا يعرف اسمه ولا كنهه. 

إقصاء منافسيه

كشفت الانتخابات الرئاسية المصرية التي عقدت في مارس/آذار 2018، عن غياب واضح للأحزاب السياسية المصرية، والتي يصل تعدادها قرابة 100 حزب سياسي، ما بين مقاطع، وغير قادر على مجاراة العملية الانتخابية التي وصفت بالأحادية.

هيمنة السيسي على مجريات الأحداث، وإقصاء منافسيه، أعاد للأذهان حقبة الحكم الشمولي التي عاشتها مصر قبل ما يزيد عن نصف قرن خلال عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي جمّد الأحزاب في البلاد.

وشهدت مصر تجربة نشطة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولدت من رحمها حياة سياسية مختلفة، سمحت بتعددية سياسية، وأنُشئت على إثرها العديد من الأحزاب من مختلف التيارات والأيديولوجيات، وهو ما انعكس على الاستحقاقات الانتخابية التي شهدت منافسات قوية بين الأحزاب العاملة على الساحة، مثل (الحرية والعدالة – النور – المصريين الأحرار- الوسط – الدستور – البناء والتنمية).

ولكن الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013 قد أحدث تغييرا في معالم الساحة المصرية، بعدما أسقط أول رئيس مدني منتخب، وأمسكت قيادات الجيش بمجريات الأمور، ترتب على عملية التحول غياب واضح في آليات الديمقراطية، وأصبح قائد الجيش عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، ومع حملات القمع والاعتقالات المستمرة بحق المعارضين، انزوت غالبية الأحزاب المصرية على نفسها.

برزت حقيقة تلك الخريطة في انتخابات مجلس النواب المصري عام 2015، عندما خاض 44 حزبا من قرابة المئة العملية الانتخابية، ولم يحصد المقاعد البرلمانية سوى 20 حزبا، أبرزهم المصريين الأحرار وحصل على 65 مقعدا،  ومستقبل وطن الذي حصد 50 مقعدا، بالإضافة إلى حزب الوفد وحصول على 45 مقعدا، وحزب حماة الوطن على 17 مقعدا، وتساوى حزبا المؤتمر والنور في الحصول على 12 مقعدا، في حين وجود 24 حزبا سياسيا خاضوا الانتخابات ولم يحصلوا على أي مقعد مثل أحزاب (الغد – الكرامة – مصر العروبة – العربي للعدل والمساواة).

الأمر الذي دعا إلى دعوات أطلقت من قبل النظام والسياسيين في مصر إلى ضرورة غلق أو دمج بعض الأحزاب السياسية غير الفاعلة، في حين رأى البعض الآخر أن الضعف ليس من الأحزاب وإنما بفعل فاعل من نظام أراد أن يقوّض الحياة الحزبية، ويعمل بمنهجية الفرد الواحد، ويرسخ لنظام شمولي أقل ديمقراطية.

كما أرجع خبراء انسداد الأفق السياسي، إلى ارتفاع معدلات العنف والإرهاب، وتدهور شامل في الدولة على جميع المناحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

عزوف الشباب

مصطفى فؤاد المحامي والناشط الحقوقي قال لـ "الاستقلال": "النظام الحالي لا يتوانى عن الحديث حول عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، وعدم التنوع السياسي وغياب الأصوات المعارضة داخل البرلمان، وذلك بسبب عدم استعداد المعارضة للدخول في آتون المعركة الانتخابية، كما تتحدث دائما الأبواق الإعلامية للسيسي".

ووصف فؤاد الوضع قائلا: "ما يفعله النظام المصري حالياً بمثابة الجنون بلا شك، خاصة وأن تلك الأحاديث الإعلامية مقصدها إخفاء حقيقة الخوف الشديد للنظام المصري من الأصوات المدنية التي تعمل بما لا يخالف القانون وتجد حلولا لما أفسده السيسي".

وأكد الناشط الحقوقي المصري أن "مبعث خوف السيسي من المعارضة المدنية، وإقدامه على افتعال قضية "الأمل" لعلمه أن لا شائبة تشوب تلك المجموعات، ولا يستطيع تشويهها بالطرق التقليدية التي دأب عليها من خلال قبضته الأمنية".

مضيفا: "المقبوض عليهم ليسوا إخوانا، بل عُرفوا دوما بمعارضتهم للإخوان، وشاركوا في 30 يونيو، وعُرف عنهم احترامهم للقانون، والسير في مسلك الدستور الحالي، ولو عارضوه، ولكن في سياق المعارضة التي تقوم على أساس التغيير بعد التمكن من الوصول".

وقال مصطفى فؤاد: "لذلك سعى السيسي لوأد الحراك في مهده قبل أن يلتف عليه المزيد من الأنصار، لعلمه بخطورة ذلك، وأن نظامه في موقف لا يستطيع من خلاله جمع الأصوات بعد كفر الشعب بالسيسي".

واختتم المحامي المصري حديثه بالقول: "السياسة في مصر قُتلت، وتبعات غلق المنافذ والمنابر شديدة الخطورة، وسينتج عنها حدوث ما لا يحمد عقباه، من الانفجار الشعبي إزاء الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، الذي وصلت إليه مصر بعد 5 سنوات من وصول السيسي لسدة الحكم".