السوريون في لبنان.. تحدي اللجوء وسط ألغام الطائفية والانهيار الاقتصادي

بيروت- الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يعمق اشتداد الانهيار الاقتصادي في لبنان معاناة اللاجئين السوريين، ويلقي بهم في حلقة جديدة من العوز المعيشي القائم على سد الرمق لا أكثر.

إذ اضطر اللاجئون السوريون إلى اتباع أساليب معيشية لجأ إليها المواطنون اللبنانيون كذلك، بعدما تراجع الاهتمام الدولي بملف اللاجئين عقب حرب أوكرانيا.

فعلى الرغم من أن أوضاع اللاجئين السوريين المعيشية سيئة منذ سنوات، فقد بدأت تأخذ منحى جديدا يوشك أن يصل حد إطلاق تحذيرات أممية من وضع كارثي يهدد حياتهم.

حياة خطرة

وحذر بيان مشترك أصدرته منظمات أممية في 16 ديسمبر/كانون الأول 2022، من أن 90 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية للتمكن من البقاء على قيد الحياة.

ودعا البيان الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إلى مواصلة تقديم الدعم والحماية إلى الأُسر الأكثر احتياجا في لبنان.

وقال إن "النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2022، تظهر تدهورا حادا ومستمرا في ظروف معيشتهم. حتى الاحتياجات الأساسية أصبحت بعيدة المنال بالنسبة إلى معظم هؤلاء".

وبحسب ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره في لبنان، عبدالله الواردات، فإن "مستويات الأمن الغذائي بين اللاجئين مقلقة للغاية".

وأكد ممثل مكتب المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين في لبنان، أياكي إيتو، ارتفاع أسعار المواد والخدمات الأساسية بنسبة تزيد على 700 بالمئة منذ يونيو/حزيران 2020 في البلاد.

وأظهر تقييم جديد لجوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2022، أنهم "يعمدون إلى تقليص وجباتهم الغذائية".

وذكر التقييم، الذي أورده البيان المشار إليه أعلاه، أن الديون تراكمت لدى غالبية عائلات اللاجئين نظرا إلى أن معظمهم يقترضون المال لشراء الطعام.

كما أن هناك حوالي 87 بالمئة من الأُسر اللاجئة السورية صنفت الطعام على أنه الأولوية الرئيسية لهم، يليه المسكن والرعاية الصحية، وفق البيان.

وهناك 60 بالمئة من الأطفال اللاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاما فقط كانوا يرتادون المدرسة بانتظام عام 2022، مع انخفاض معدل الحضور إلى أقل من 8 بالمئة للمراهقين الأكبر سنا في المرحلة الثانوية.

أما فيما يخص تغذية الأطفال فهي وفق المنظمات الأممية معرضة للخطر، خاصة أن أقل من نصف أعداد الرضع الذين تقل أعمارهم عن خمسة أشهر يعتمدون على الرضاعة الطبيعية فقط.

بينما 11 بالمئة فقط من هؤلاء الأطفال يتناولون الحد الأدنى من عدد الوجبات ومجموعات الطعام في اليوم، بينما يتعرض 6 من أصل كل 10 أطفال لاجئين سوريين لأساليب تأديبية عنيفة.

بلد منهار

ويوجد حاليا في لبنان طبقة دخلها الأساسي بالليرة اللبنانية، وقد لا يتجاوز في الشهر الكامل المئة دولار.

وتدهورت قدرات المواطنين الشرائية، خصوصا منذ رفع الدعم الحكومي عن سلع رئيسية بينها الوقود والقمح.

في وقت يفوق التضخم نسبة 1200 بالمئة، بحسب الإحصاءات الدولية، وبطالة بلغت 40 بالمئة، بينما هناك 82 بالمئة من اللبنانيين باتوا فقراء حسب الإسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا).

وأمام ذلك، دفعت الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة بعدد من اللبنانيين كذلك عام 2022 تحديدا إلى اقتحام المصارف من أجل الحصول على ودائعهم المحتجزة.

وباتت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان القائمة على المحاصصة الطائفية، عاجزة عن تقديم حلول اقتصادية، وسط اقتصاد منكمش كانت قيمته ما يقارب 55 مليار دولار للناتج القومي المحلي واليوم تحت 18 مليار.

ولا سيما أن الخلافات السياسية في لبنان منذ يونيو 2022 حالت دون تشكيل حكومة جديدة.

ويقود نجيب ميقاتي حاليا حكومة تصريف أعمال تعمل بالحد الأدنى طبقا للآليات الدستورية المحددة، بعدما كلفه البرلمان مجددا بهذه المهمة.

كما أخفق نواب البرلمان منذ سبتمبر/أيلول 2022 في انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر من العام المذكور رغم عقد 10 جلسات برلمانية لهذا الغرض وفشلها في تسمية رئيس لقصر بعبدا.

كل ذلك، سقط على رأس السوريين ووسع من مأساة اللجوء التي يعيشونها بعيدا عن مدنهم المدمرة في سوريا.

إذ يستضيف لبنان بشكل رسمي، مليونا ونصف مليون لاجئ سوري في بلد يعيش فيه أربعة ملايين لبناني، ضمن ألف بلدة وفي خيم ومخيمات وفق ظروف غير إنسانية.

وعبر هؤلاء الحدود إلى لبنان المجاور هربا من بطش أجهزة نظام بشار الأسد منذ عام 2011، لكنهم باتوا يواجهون تضييقا أكبر على وجودهم، فضلا عن حملات عنصرية يطلقها بعض ساسة لبنان ضدهم.

خطاب مناهض

لدرجة أن خطاب المنظومة السياسية الحالية في لبنان يكاد يكون موحدا، ويتركز على مناصبة العداء للاجئين السوريين والتذمر من وجودهم وتحميلهم أزمة الانهيار الاقتصادي، ولعب دور وظيفي للتسويق لرؤية الأسد حول عودة اللاجئين بدعم من روسيا.

وأعلنت لجنة حكومية لبنانية، أواخر أبريل/نيسان 2022، أن لبنان لم يعد يحتمل ملف اللاجئين السوريين، وأن الدولة باتت غير قادرة على أن تكون شرطيا لضبط هذا الملف من أجل مصلحة دول أخرى (لم تذكرها).

وفي أغسطس/آب 2022، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، قبل انتهاء ولايته، إن بعض الدول دون أن يسمها تسعى لدمج اللاجئين السوريين بالمجتمع اللبناني، معتبرا ذلك "جريمة" لا يقبل بها لبنان.

وأردف: "إذا كان الهدف توطين النازحين السوريين في لبنان، فإننا نرفض ذلك رفضا قاطعا كما رفضنا سابقا توطين الفلسطينيين على أرضنا".

وقال عون وقتها إن "لبنان لم يعد قادرا على تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية المترتبة على وجود نحو مليون و500 ألف نازح (لاجئ) سوري على أراضيه".

كما بلغ التذمر من وجود السوريين إلى درجة أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، عبدالله بو حبيب قال إن "لبنان بلد نموذجي للتعايش بين المسلمين والمسيحيين ويجب الحفاظ عليه وحمايته من تداعيات النزوح السوري إضافة إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين على أرضه منذ 74 عاما وهم ينتظرون حلا سياسيا".

وزعم بو حبيب خلال لقائه سفراء الدول الإسكندنافية، في 8 ديسمبر 2022، أنه في حال توقفت المساعدات الدولية للاجئين السوريين سيعمل لبنان على إعادتهم إلى بلادهم.

ومضى يقول: "لبنان لا يستطيع تحمل وجود حوالي مليوني سوري على أرضه دون تحديد موعد لعودتهم".

وفي 15 ديسمبر 2022، كشف المدير العام للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، أن "مليونا و330 ألف نازح سوري في لبنان لا يرغبون بالعودة إلى بلادهم".

ويعد كلام إبراهيم، نسفا مباشرا لما تروج له الطبقة السياسية في لبنان خدمة لحكومة الأسد، من أن الواقع المعيشي في مناطق سيطرة النظام بات صالحا لعودة هؤلاء.

سياسة ممنهجة

ويشهد لبنان انهيارا اقتصاديا منذ عام 2019، صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850. وخسرت الليرة معه نحو 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار وأدى إلى تدهور مستوى معيشة سكانه.

وفي 21 ديسمبر 2022 أعلن برنامج الأغذية العالمي موافقته على تخصيص أكثر من خمسة مليارات دولار كمساعدات إلى لبنان للسنوات الثلاث المقبلة.

وقال مدير البرنامج لدى بيروت عبدالله الواردات: "نتكلم اليوم عن مليون لاجئ سوري ومليون لبناني سيستفيدون من هذا المشروع".

وفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان من معاناة اللاجئين السوريين الذين كانوا يعيشون أساسا في ظروف صعبة.

فبحسب دراسة نشرتها الأمم المتحدة في ديسمبر 2020، تعيش تسع من أصل عشر عائلات لاجئة سورية في فقر مدقع على وقع الانهيار الاقتصادي في لبنان.

وفي 3 ديسمبر 2022، ناشد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي المجتمع الدولي مواصلة دعمه الحيوي للبنانيين واللاجئين السوريين الأكثر ضعفا على أراضيه.

ورأى أن اللبنانيين واللاجئين "يعانون على حد سواء بشكل كبير بسبب الأزمات المتعدّدة، الأمر الذي يدفع المزيد منهم إلى هاوية الفقر كل يوم".

وأمام الواقع السياسي والاقتصادي المتواصل منذ سنوات بلبنان، تنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئا، وتكرر مطالبتها للمجتمع الدولي بإعادتهم إلى سوريا، وتقول إنها باتت عاجزة عن تحمل كلفة لجوئهم.

إذ استأنفت بيروت خلال نوفمبر 2022 تنظيم عمليات إعادة مئات اللاجئين السوريين لوطنهم، والتي تصفها بأنها "طوعية" فيما تعدها منظمات حقوقية بمثابة "قسرية".

ويرسل الجانب اللبناني قوائم بأسماء اللاجئين إلى المخابرات السورية، التي تمنح بدورها موافقتها الأمنية والقضائية على الأسماء المسموح بعودتها.

ورغم ذلك، دعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية، إلى وقف تنفيذ خطة لإعادة اللاجئين السوريين بشكل غير طوعي إلى بلادهم، بعد تصريحات لمسؤولين عن استئناف ترحيلهم على دفعات، كونهم "ليسوا في موقع يسمح لهم باتخاذ قرار حر حول عودتهم"، وفق المنظمة.

وفي تقريرين صدرا عام 2021، نددت كل من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بتعرّض عشرات اللاجئين لانتهاكات عدة بعد عودتهم على أيدي قوات النظام السوري، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب.

أسباب مركبة

وفي لبنان، تنوعت الضغوط على اللاجئين السوريين من حظر تجول وتوقيف وعنصرية وترحيل إلى مداهمات وفرض قيود على معاملات الإقامة، وهذا ما فاقم من العوز المعيشي.

وفي هذا الإطار، يؤكد الصحفي الاقتصادي محمد أبو الحسن، أنه "منذ عام 2019 بدأ التدهور في حال اللاجئين السوريين في لبنان بعد الانهيار الاقتصادي لهذا البلد الذي بلغ أقصى درجاته، خاصة مع انهيار الليرة اللبنانية ووصولها إلى 44 ألف مقابل الدولار الواحد، مما أثر على مستوى الدخل لدى هؤلاء اللاجئين".

وأضاف أبو الحسن لـ "الاستقلال"، أن "اللاجئ السوري العامل في مهن مختلفة كان يقبض سابقا شهريا ما بين 400 إلى 500 دولار، بينما وصلت حاليا إلى 30 دولارا مما أحدث فرقا على مستوى الرواتب وهذا ما انعكس بشكل مباشر على دخل العوائل اللاجئة".

وألمح إلى "أنه في لبنان هناك 80 بالمئة من السوريين لا يمتلكون إقامات عمل، مما يعني أنه لا يسمح لهم إلا بالعمل ضمن مهن محددة، وهذا يؤثر على الواقع المعيشي لأسرهم".

واستدرك قائلا: "خاصة أن هناك 90 بالمئة من أسر اللاجئين السوريين في لبنان كانوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وهو ارتفاع من 55 بالمئة في منتصف عام 2019".

وبالتالي فقد وجد العديد من اللاجئين أنفسهم مضطرين لاتباع آليات سلبية من أجل التكيف مثل تخفيض عدد الوجبات، وإخراج أطفالهم من المدارس، واللجوء لعمالة الأطفال، والمديونية المالية العائلات، إضافة لحرمان 3000 طفل من التعليم، وفق قوله.

وكذلك التحرك بدافع من اليائس للقيام برحلات عن طريق البحر إلى قبرص طمعا بالوصول لأوروبا رغم مخاطر الموت غرقا، كما تعرض العديد من اللاجئين للطرد من منازلهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجار.

وذهب أبو الحسن للقول: "إن الخطاب السياسي المحتقن هو الذي يثخن معاناة اللاجئين ويجعلهم كأنهم منبوذون من المجتمع المحلي عبر التسخين المستمر لإرضاء الأحزاب الموالية للأسد".

وزاد بالقول: "فضلا عن تأثير العنصرية التي تغذيها بعض وسائل الإعلام وتتسبب بحالة احتقان دائمة داخل المجتمع المضيف".

وختم أبو الحسن قائلا: "لبنان لا يستثمر باللاجئين كقوة عاملة كما تفعل أوروبا، وذلك بسبب التجاذبات السياسية والخصومات وحالة الاستقطاب الشديدة بين الموالين للنظام السوري والمعارضين له من القوى اللبنانية التي ترفض عودة السوريين دون حل سياسي خشية تعرضهم للقتل والتعذيب".