ورقة مساومة.. لماذا يرفض لبنان التعاون مع أوروبا لإبقاء اللاجئين السوريين؟

عاد لبنان إلى رمي ورقة اللاجئين السوريين وسط المشهد السياسي الداخل المعقد، وذلك بعدما بلغت الاصطفافات وتقاطعات المصالح ذروتها؛ سعيا لتشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات البرلمانية.
والانتخابات التي جرت في 15 مايو/أيار 2022، قلبت موازين الأغلبية لدى "حزب الله" المدعوم من النظام السوري وإيران وحلفائه، داخل قبة البرلمان.
وباتت الأوساط الدائرة في ذلك الحلف المهيمن على السلطة في لبنان منذ عقود، مضطرة لوضع ملف اللاجئين السوريين في سوق المساومات السياسية.
رفض التعاون
وأعلن وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، في 3 يونيو/حزيران 2022، أن بلاده لن تتعاون مع الأوروبيين بشأن إبقاء اللاجئين السوريين في ظل عدم وجود أي خريطة طريق أوروبية لنهاية اللجوء السوري في لبنان.
وخلال لقاء بو حبيب مع الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري، دعا المنظمات الدولية التي تساند اللاجئين السوريين إلى التوقف عن الدفع لهم في لبنان، بل في بلدهم بعد عودتهم إليه.
وأضاف "كلنا على اتفاق تام في لبنان حول وجوب عدم استمرار النزوح".
ولم يتوقف بو حبيب، عند ذلك، بل دعا إلى وجوب ترحيل السوريين الذين لا يملكون بطاقات لجوء، وذلك بالتنسيق مع نظام بشار الأسد.
ورأى ضرورة أن تكلف الحكومة مدير عام الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، أو غيره بالذهاب إلى سوريا لمعالجة ملف اللاجئين.
وأضاف بوحبيب خلال تصريحات نقلتها الوكالة الأنباء الرسمية في 6 يونيو، أنه من حق النظام السوري أن يطلب تواصلا رسميا مع لبنان حول ملف اللاجئين.
وجاء تصعيد بو حبيب ضد اللاجئين السوريين الذين عبروا الحدود هربا من بطش أجهزة الأسد منذ عام 2011، بعد شهر من تأكيده على ضرورة التفاوض مع النظام لبحث مسألة عودتهم، مؤكدا أن "الأوضاع في لبنان ستتحول إلى أسوأ إذا لم يتم ذلك".
خطاب المنظومة السياسية الحالية في لبنان يكاد يكون موحدا، ويتركز على مناصبة العداء للاجئين السوريين والتذمر من وجودهم وتحميلهم الانهيار الاقتصادي، ولعب دور وظيفي للتسويق لرؤية الأسد حول عودة اللاجئين بدعم من روسيا.
وأعلنت لجنة حكومية لبنانية، أواخر أبريل/نيسان 2022، أن لبنان لم يعد يحتمل ملف اللاجئين السوريين، وأن الدولة باتت غير قادة على أن تكون شرطيا لضبط هذا الملف من أجل مصلحة دول أخرى (لم تذكرها).
سقوط الحلفاء
ويتألف البرلمان اللبناني من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده بواقع، 28 للسنة و28 للشيعة و8 للدروز و34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و5 للأرمن ومقعدان للعلويين ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.
وأظهرت نتائج الانتخابات الرسمية تراجع عدد مقاعد "حزب الله" والتيار "الوطني الحر" وحلفائهما على 60 مقعدا، فيما المقاعد الـ68 المتبقية موزعة على قوى مختلفة بعضها قريب من الرياض وواشنطن، وبعضها الآخر مستقل.
وأمام غياب الأغلبية الواضحة حول ولادة الحكومة الجديدة، يؤكد زعيم حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، رفضه لأي شخص متحالف مع حزب الله لمنصب رئيس الوزراء بعدما كان الأخير يحظى في الانتخابات السابقة بأغلبية.
وشكّل حصول حزب "القوات" على 19 مقعدا في الانتخابات ضربة لخصومه الداخليين، ولا سيما أنه يتبنى سياسة صريحة معادية لنظام الأسد وحزب الله وإيران، ما رفع أسهمه السياسية لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، وفق مراقبين.
وسقوط معظم رموز النظام السوري في الانتخابات البرلمانية وخسارة حزب الله للأكثرية فيه، سيجعل التحكم في الساحة اللبنانية ضعيفا، ولا سيما في ملف التطبيع الكامل معه؛ وهذا ما يدفعهم لسحب "ملفات ضاغطة" أمام المرحلة الجديدة.
ويؤكد مراقبون في الشأن اللبناني أن المقاعد الفائزة من خارج قوس حزب الله وحلفائه، مثل "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل"، والساعية لتقييد ما يسمى "محور الممانعة" داخل لبنان والبرلمان، هي أحد أبرز أسباب التصعيد ضد اللاجئين السوريين.
ولذلك أصبحت قدرة الكتل النيابية على تشكيل الحكومة في المدى المنظور "مستبعدة"، قبل حدوث اتفاق على الأقل يحفظ ماء وجه الطبقة الحاكمة الحالية.
ويُحمل لبنان -الرسمي- اللاجئين السوريين التدهور الاقتصادي والنقدي الذي ضرب البلاد منذ عام 2019، لكن يؤكد البنك الدولي أنه "رغم التحذيرات المبكرة، أضاعت بيروت العديد من الفرص لتبني مسار إصلاح نظامها الاقتصادي والمالي".
ورأى المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، خلال تصريحات صحفية مطلع يونيو 2022، أن المعوقات الرئيسة للتنمية في لبنان "لا تزال قائمة"، وهي "استيلاء النخبة على السلطة تحت ستار الطائفية، والتعرض للصراع والعنف".
ودعا البنك الدولي، لبنان للإسراع في وضع خطة للتعافي الاقتصادي الشامل وتنفيذها، وذلك عقب انتخاب مجلس النواب، نبيه بري، رئيسا له للمرة السابعة على التوالي، في أول جلسة -عقدت في 31 مايو/أيار 2022- للمجلس "الذي يحتوي كتلا نيابية غير متجانسة لا يحظى أي منها بأكثرية مطلقة".
ورقة مساومة
وفي هذا الإطار، يرى الباحث السوري، يونس الكريم، أن "الحكومة اللبنانية التي تتحدث عن اللاجئين هي حكومة تصريف أعمال لا يؤخذ بقراراتها، وبالتالي تصريحها إعلامي – سياسي، لكسب أوراق في المعركة الانتخابية خلال تشكيل الحكومة القادمة".
وشدد الكريم لـ"الاستقلال"، على أن "موضوع اللاجئين السوريين في لبنان وفي الدول التي فروا إليها من جحيم نظام الأسد، أصبح ورقة ضغط اقتصادية تلوح بها البلدان المنهارة والهشة اقتصاديا".
ومضى يقول: "لذلك هناك دول ومنها لبنان ينظر بعينيه إلى ما أقره مؤتمر المانحين للاجئين السوريين الذي انعقد أخيرا في بروكسل من منحة مالية لمساعدة هؤلاء اللاجئين".
وتمكن المانحون الدوليون من أجل سوريا خلال اجتماع بنسخته السادسة بين 9-10 مايو/أيار 2022، في العاصمة البلجيكية بروكسل، من تقديم مساعدات مالية تجاوزت أكثر من 6 مليارات دولار، لدعم اللاجئين والنازحين السوريين والمجتمعات المضيفة في دول الجوار السوري.
وبالتزامن مع مؤتمر بروكسل، قال الرئيس اللبناني، ميشال عون، لصحيفة "الجمهورية" المحلية في 10 مايو، إن بلاده "لم يعد بمقدورها بتاتا تحمل وطأة وجود اللاجئين السوريين على أرضه".
وأشار الكريم، وهو مدير موقع "اقتصادي" (خاص) إلى أن "لبنان يسعى للضغط على الأوربيين لدعم ملف الكهرباء من الأردن وملف القروض من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي للإنشاء والتعمير (أكبر بنك إنمائي على مستوى العالم) عبر هذه الملفات المهمة التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يساند بيروت بها بما فيها خط الغاز العربي".
ولفت إلى أن "ساسة لبنان يعتقدون أن الابتزاز عبر اللاجئين سيدفع الأوربيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات معهم، والقبول بشروطهم".
إلا أن لبنان يغفل أن القانون الدولي يمنع عودة اللاجئين، وقد يقود إلى تشديد العقوبات على هذا البلد غير المؤهل لتحمل أي عقوبات أو ضغط اقتصادي جديد، وفق قوله.
وذهب الكريم للقول: إن "تصريحات بو حبيب حول اللاجئين السوريين هي استكمال لتصريحات متكررة لا معنى لها اقتصاديا بل هي سياسية لكسب ود الشارع".
وسبق أن أعلن وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هكتور حجار، في 9 مايو 2022، أن لبنان "تكبد حتى الآن خسائر بنحو 30 مليار دولار من جراء النزوح"، داعيا المجتمع الدولي إلى تعويض بلاده.
واقع مأساوي
ويؤكد لبنان بشكل رسمي أنه يستضيف مليونا ونصف مليون لاجئ سوري في بلد يعيش فيه أربعة ملايين لبناني، ضمن ألف بلدة وفي خيم ومخيمات وفق ظروف غير إنسانية.
لكن رغم تقديم المجتمع الدولي الدعم إلى لبنان الذي يؤكد خبراء اقتصاديون تلقيه نحو مليار دولار لتحمل أعباء اللاجئين، فإن ذلك لا ينعكس بشكل إيجابي على حياتهم.
وكان تقرير نشره "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، في 12 مايو 2022، أكد أن معاملة اللاجئين السوريين في لبنان "تتجلى بالتمييز والمضايقة والعنف وخطاب الكراهية".
ولفت التقرير إلى أن هؤلاء اللاجئين ينظر إليهم عن طريق الخطأ، بأنهم مصدر للمنافسة على الوظائف والدعم والخدمات العامة في لبنان.
ووصف الواقع الذي يواجهه السوريون في لبنان بأنه "قاتم"، مبينا أن المساعدات الإنسانية هي الشريان الوحيد للكثيرين منهم.
ويعيش 88 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان تحت سلة الحد الأدنى للإنفاق للبقاء على قيد الحياة، وتعاني ما يقرب من نصف الأسر السورية من انعدام الأمن الغذائي.
وأشار التقرير الأممي إلى أن نحو 80 بالمئة من اللاجئين السوريين الذين تزيد أعمارهم على 15 عاما يفتقدون إلى إقامة قانونية في لبنان، ويرجع ذلك لعدم القدرة على دفع رسوم تصاريح الإقامة والحصول على كفيل.
وبالمحصلة، فإن تذرع ساسة لبنان المقربين من النظام السوري بوقف العمليات العسكرية كمبرر لإعادة اللاجئين، يصب في مصلحة الأسد الذي يركز على ملف عودتهم لكسب أوراق تفاوضية جديدة ضد المعارضة.
لكن تبقى العودة الآمنة والمستقرة والطوعية، هي الأساس في ذلك وفقا للقرارات الأممية، ولا سيما أن مسألة تعرض العائدين للاعتقال من قبل مخابرات الأسد والتعذيب والموت في المعتقلات هي النتيجة النهائية للعودة.
وكثيرا ما أطلقت مؤسسات حقوقية ودولية تحذيرات منها منظمة "العفو الدولية" التي نشرت تقريرا في 7 سبتمبر/أيلول 2021 بعنوان "أنت ذاهب إلى موتك"، أفادت فيه بتعرض العشرات من اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لعدة أشكال من الانتهاكات على أيدي قوات النظام، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب.
ويحاول لبنان وضع أصبعه في عين المجتمع الدولي، الذي ينظر إلى غياب أدنى مقومات العودة الطوعية أو الآمنة للاجئين إلى مناطق واقعة تحت سيطرة النظام السوري، مما يجعل من اللاجئين ورقة "سياسية ومالية" تلعب بها بيروت.