شركة المهندس.. حوت الحشد الشعبي لابتلاع اقتصاد العراق على خطى إيران

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لا يزال قرار الحكومة العراقية بتأسيس شركة "المهندس" العامة، يثير مخاوف داخل البلاد وخارجها من هيمنة هذه المؤسسة التابعة للحشد الشعبي على الاقتصاد العراقي على غرار شركة "خاتم الأنبياء" المملوكة للحرس الثوري، التي تفرض سيطرتها على الاستثمارات في إيران.

وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وافق مجلس الوزراء العراقي على تأسيس شركة عامة باسم "المهندس" للمقاولات والتجارة العامة، برأسمال مئة مليار دينار (68.5 مليون دولار) استنادا إلى أحكام المادة (8) من قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997، حسب بيان رسمي للحكومة.

وتعود تسمية الشركة إلى نائب رئيس الحشد الشعبي السابق أبي مهدي المهندس، الذي قتل مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في غارة جوية أميركية نفذتها طائرة مسيرة قرب مطار بغداد في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

صندوق فساد

في 19 ديسمبر، سلطت مجلة "إيكونوميست" الضوء على شركة "المهندس"، وقالت إنه جرى إطلاقها من قبل السوداني وبتمويل من الدولة لإدارة المشاريع الحكومية من طرف المليشيات الشيعية الموالية لإيران المعروفة بالحشد الشعبي، والتي تسيطر أجنحتها السياسية على تحالف السوداني.

وأكدت المجلة البريطانية أن "الحشد الشعبي بعد المساعدة في هزيمة تنظيم الدولة، الذين احتل مساحات شاسعة من العراق وسوريا في 2014، يصر على أن مهمته هي إعادة بناء العراق".

وأضافت أنه "بعد أن انتصروا في المعارك بين الفصائل في العراق على السياسة والأمن، يأمل قادة الحشد الشعبي في بسط نفوذهم على جزء كبير من الاقتصاد، بما في ذلك صناعة النفط والإنشاءات مثلما فعلت الحكومة الإيرانية في إيران".

ونقلت عن المحامي العراقي محمد كوبرلي، قوله: إن "المهندس" عازمة على الفوز بسلسلة من العقود الحكومية الضخمة، ما سيقتل ما تبقى من القطاع الخاص. ويخشى البعض من أن الشركة الجديدة ستربط اقتصاد العراق بشكل أوثق بالاقتصاد الإيراني".

وحسب المجلة، فإن البعض الآخر يشك في أنها ستكون فعالة، إذ يقول مسؤول عراقي سابق (لم تكشف هويته): "سيكون مجرد صندوق مجنون آخر للفساد".

من جهتها، نقلت وكالة "فرانس برس" في 11 ديسمبر عن الباحث فابريس بالانش من جامعة "لوميير ليون 2" الفرنسية أنه "مع وجود شخصية موالية لإيران على رأس الدولة، ستكون إيران قادرة على الاستفادة بشكل أفضل من الاقتصاد العراقي".

وذكر  بأن السوداني أمضى "الجزء الأكبر من مهنته السياسية في ظل نوري المالكي"، رئيس الوزراء الأسبق المقرب من طهران.

ويتجلى النفوذ الإيراني خصوصا في الروابط الوثيقة التي تجمع طهران مع الحشد الشعبي وتحالف فصائل شيعية مسلحة ضمّت إلى القوات الرسمية بعد الحرب ضدّ تنظيم الدولة وبات لها الآن دور سياسي أساسي، وفقا للباحث الفرنسي.

وفي بلد غني بالنفط مزقته عقود من الصراع، ستكون مهمة شركة المهندس "إعادة تأهيل المحافظات، من بنى تحتية وسكن ومستشفيات ومصانع ومزارع والكثير من الأمور التي يحتاج إليها البلد بإشراف مباشر من هيئة الحشد الشعبي"، كما أكّد لـ"فرانس برس" مسؤول إعلامي في الحشد الشعبي (لم تكشف هويته).

واجهة للمليشيات

ويتفق مراقبون عراقيون على أن تجربة الحرس الثوري في السيطرة على الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية في إيران مغرية للمليشيات الشيعية لنقلها للعراق الذي يمتلك خزينا ماليا غير مسبوق تجاوز الـ90 مليار دولار في الوقت الراهن مستفيدا من ارتفاع أسعار النفط عالميا.

وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري لـ"الاستقلال" إن "الحشد الشعبي يسعى إلى السيطرة على مقدرات العراقيين بأي طريقة، ففي وقت سابق كان يشترط على أصحاب المشاريع والمستثمرين إعطاءه نسبة 10 بالمئة فما فوق من قيمة المشروع مقابل السماح لهم بالعمل".

وأوضح أن "شركة المهندس ما هي إلا واجهة اقتصادية للمليشيات الموالية لإيران في العراق، وذلك بعد فرض عقوبات أميركية على عدد من الشخصيات والبنوك والشركات التابعة لهم، ومنها شركة منابع ثروات الجنوب، التي كانت تدر ملايين الدولارات على المليشيات".

وفي 12 يونيو/ حزيران 2019، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركة منابع ثروات الجنوب بتهمة تهريب أسلحة بمئات ملايين الدولارات إلى مليشيات عراقية يدعمها الحرس الثوري الإيراني.

وقالت وزارة الخزانة في بيان إن الشركة سهلت بشكل سري وصول الحرس الثوري الإيراني إلى النظام المالي العراقي من أجل التهرب من العقوبات.

​​وأسهمت أعمال الشركة في إثراء أبو مهدي المهندس الذي كان بمثابة مستشار عراقي لقائد فيلق القدس السابق التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وفقا لبيان وزارة الخزانة الأميركية.

وأضافت الوزارة أن "الشركة كانت تعمل كواجهة لتهريب أسلحة بمئات ملايين الدولارات إلى وكلاء الحرس الثوري داخل العراق، كما أنها نقلت ملايين الدولارات بشكل غير مشروع لصالح الحرس الثوري والمليشيات التابعة له في العراق".

"حشدنة الاقتصاد"

وعلى الصعيد ذاته، قال الكاتب العراقي عمر الحلبوسي خلال مقال نشره موقع "الميثاق الوطني العراقي" في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن "الاقتصاد الأسود الذي تقوده المليشيات وترعاه إيران في العراق، يتعاظم، مما تسبب في تراجع الاقتصاد الوطني".

وأوضح الكاتب أن "الاقتصاد الأسود اتسع وأصبح عبارة عن إمبراطورية مافيوية تحكم العراق بالمال المسروق والسلاح المنفلت الذي ترعاه حكومة اتخذت على عاتقها تمكين المليشيات في مفاصل البلد كافة بغية تحقيق استدامة الحكم وتعظيم قوة الدولة العميقة التي عاثت في العراق الفساد".

وأشار إلى أن "تأسيس شركة المهندس يأتي كتكريس جديد لفكرة الحرس الثوري الإيراني من خلال مليشيا الحشد الشعبي وجعله المتحكم الأول في كل ما يخص الوضع العراقي لتكريس فكرة المليشيات وجعلها ثقافة حاضرة لاستدامة الإرهاب في المجتمع العراقي".

ولفت الحلبوسي إلى أن "إيران تكرس جذور مليشياتها في العراق بعد أن فرضتها كقوة عسكرية وسياسية، واليوم جاءت مرحلة التمكين الاقتصادي من خلال شركة المهندس ومشاريع اقتصادية أخرى مرتبطة بالمليشيات لتسهم في تعزيز نفوذ الأخيرة واتساع حضورها في الساحة العراقية".

من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي، غالب الشابندر أن تأسيس شركة "المهندس"، "بداية لتحويل الحشد الشعبي إلى مؤسسة ربحية، ثم حشدنة الاقتصاد العراقي، حيث يبدو أن هناك تخطيطا لمثل هذا الأمر، بدلا من تشغيل آلاف العاطلين عن العمل برأس المال الكثير هذا".

وأوضح الشابندر خلال مقابلة تلفزيونية في 30 نوفمبر، أن "هناك مخططا لتوغل الحشد الشعبي في صناعات الدولة وبموارد الدولة من أجل حشدنة الدولة والاقتصاد، بدا من تحريك الشركات المعطلة، فثمة آلاف المعامل المعطلة يمكن تشغيلها بهذا المال، لامتصاص كمية كبيرة من العاطلين عن العمل؟"

وحذر الخبير العراقي من "صرف مبالغ كبيرة من المال إلى الحشد الشعبي مقابل الصناعات، ذلك أن الحشد يتسلم رواتب من الدولة حاله حال الجيش العراقي"، متسائلا: "لماذا نكرر تجربة إيران في تحويل اقتصاد البلد بيد الحرس الثوري؟".

ويبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227، ويبلغ عدد العامل منها 140 فقط، بعدما كان القطاع الصناعي يشكل نحو 23 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للعراق قبل عام 2003، بحسب بيانات وزارة الصناعة والمعادن العراقية.

وفي 26 نوفمبر 2022، كشف وزير الصناعة والمعادن العراقي خالد بتال، عن وجود نحو 40 ألف موظف فائض عن الخدمة، وأن الوزارة عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها، واصفا وزارته بأنها "أشبه بشبكة الرعاية الاجتماعية، وأن هناك توجها لإغلاق العديد من المصانع".

التجربة الإيرانية

وعلى ضوء التحذيرات التي أطلقها مراقبون عراقيون من هيمنة الحشد الشعبي على الاقتصاد العراقي، فإن تصدر شركة "المهندس" قد يعرّض اقتصاد البلد للعقوبات الأميركية كما حصل مع شركة "خاتم الأنبياء" التي تعد المؤسسة المالية الأقوى والأهم للحرس الثوري الإيراني، الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية أجنبية.

وفي 7 يونيو/ حزيران 2019، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرضَ عقوبات اقتصادية على شركة الخليج الفارسي، التي تعد أكبر الشركات الإيرانية في مجال صناعة البتروكيماويات، وواحدة من أكبر الشركات القابضة في العالم.

وزارة الخزانة قالت إن الغرض من فرض عقوبات على تلك الشركة هو تمويلها المالي القوي لشركة "خاتم الأنبياء"، وكذلك حددت "الخزانة" عددا كبيرا من الشركات الإيرانية التي تعمل في صناعة الغاز والصلب والحديد، لإدراجها في قائمة العقوبات، بسبب تعاملها المالي مع "خاتم الأنبياء".

وتأسست شركة "خاتم الأنبياء" بعد الحرب الإيرانية العراقية من 1980 إلى 1988، من أجل إعادة إعمار الدولة الإيرانية التي كانت بحاجة إلى الكثير من الموارد والمعدات والأموال لإعادة بناء ما دمّرته الحرب المريرة.

وأدركت المؤسسة السياسية بقيادة المرشد الإيراني علي خامنئي أن القطاع الخاص والحكومة لن يقدرا بمفردهما على عملية إعادة الإعمار، ومن هنا جاء التفكير في طريقة الاستفادة من الموارد المالية والبشرية للحرس الثوري.

وانتهى تفكير القيادة الإيرانية بإنشاء مؤسسة مالية تابعة للحرس الثوري، تستطيع الدولة إسناد المشاريع الكبرى كافة لها لإعادة بناء البنية التحتية الإيرانية، وفي عام 1989 جرى بناء "خاتم الأنبياء"، التي أصبحت بعد سنوات أهم كيان اقتصادي في إيران.

وجاء إنشاء الشركة، وفقا للمادة 147 من الدستور الإيراني التي تتيح للقوات المسلحة المشاركة في مشاريع البناء والإغاثة من الكوارث الطبيعية.

وعلى أساسها وبناء على المادة 10 من قانون الحرس الثوري الذي أقره البرلمان الإيراني في عام 1982، جرى السماح للحرس الثوري بممارسة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بتقديم خدمات البناء والخدمات التعليمية، وعمليات الإغاثة بطلب من الحكومة.

في تلك الفترة كان يتولى رئاسة البلاد الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، الذي أيّد بكل قوة دخول الحرس الثوري المجال الاقتصادي في البلاد، والذي رأى أن الحرس يمتلك جميع المقومات للعب دور فعال في إعادة بناء إيران.

ويعد العصر الذهبي لخاتم الأنبياء هو الثماني سنوات، فترة ولاية الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد والتي امتدت من 2005 إلى 2013، ففي تلك الفترة وقَّعت خاتم الأنبياء العديد من عقود الشراكة مع الحكومة، لتتولّي عددا كبيرا من المشروعات.

وعندما اشتدّت ضراوة العقوبات الأميركية على طهران بدءا من عام 2011، توسعت مشاريع خاتم الأنبياء، لتدخل سوق النفط الإيراني، إذ تولت مشاريع عديدة لتطوير حقول النفط والغاز في البلاد.

ووفقا للمحلل الاقتصادي الإيراني حامد قدوسي، خلال تصريحات نقلها موقع "عربي بوست" في 20 يونيو/ حزيران 2019، فإن "تلك الفترة وبالأخص دخول خاتم الأنبياء المجال النفطي هي نقطة التحول الكبيرة في تاريخ الشركة".

وأوضح قدوسي أن "طموحات وأحلام القائمين على مقر خاتم الأنبياء تغيّرت وتبدّلت بدرجة كبيرة، بعد دخول مجال الاستثمارات النفطية، ومن ذلك اليوم بدأت الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري في النمو بسرعة كبيرة".

وأشار الخبير الإيراني إلى أن "خاتم الأنبياء استطاعت بكل سهولة التحول إلى عملاق اقتصادي كبير في فترة ولاية أحمدي نجاد، وأصبحت من أهم الكيانات الاقتصادية الإيرانية التي تعقد صفقات دولية.

وفي عام 2014 بدأت الشركة في امتلاك العديد من الشركات الاستثمارية، إلى أن وصل عددها إلى 800 شركة، بعدما دخلت في الاستثمار في مرافق النفط والغاز الطبيعي، والطاقة وإمدادات المياه، والصناعات البحرية والموانئ، والنقل البري والبحري، وصناعات التعدين والمناجم، وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والصرف الصحي والبرامج الثقافية والتعليمية.

وتمتلك "خاتم الأنبياء" مركزا كبيرا للبحوث، أنشِئ عام 2013، وتتركز مهمته على تحسين المعايير العلمية والاقتصادية، والأبحاث التي تهتم بتحقيق الاكتفاء الذاتي ومواجهة العقوبات الأميركية.

ويعمل فيها عدد كبير من خريجي الجامعات، كجزء من مدة تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية.