مليشيا "سوريا الديمقراطية".. تقلص المسافة بين أردوغان والأسد أم توسعها؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "المونيتور" الأميركي الضوء على العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" وفروعه في الشمال السوري، وأثر ذلك على التقارب بين أنقرة ودمشق.

ورأى الموقع أنه رغم انزعاج النظام السوري بقيادة بشار الأسد من تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة اختصارا باسم "قسد" مع أميركا وسيطرتها على موارد البلاد النفطية، إلا أنه غير مستعد لمحاربتها، خدمة لمصالح تركيا.

و"بي كا كا" يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال عن تركيا وسوريا والعراق، لتأسيس ما تعرف بـ"دولة كردستان الكبرى".

وتعد قوات "ي ب ج" العمود الفقري لمليشيا "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، الفرع السوري من "بي كا كا".

عملية مرتقبة

وقال الموقع الأميركي، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عازم على إطلاق عملية برية جديدة في الشمال السوري، بعد الضربات الجوية التي استهدفت التنظيمات الكردية الانفصالية في الأيام الأخيرة، ردا على هجوم تقسيم بإسطنبول.

وادعى أنه على الرغم من أن الضربات الجوية التركية تسببت في خسائر في صفوف جيش النظام السوري أيضا، إلا أن أردوغان ما زال يمد غصن الزيتون لرئيس النظام بشار الأسد.

من جانبها، حافظت دمشق على ردود فعل هادئة إلى حد بعيد، حيث امتنعت حتى عن تحديد عدد جنودها الذين قتلوا، بينما طالبت بانسحاب القوات التركية الموجودة شمالي البلاد كشرط أساسي للتطبيع مع أنقرة.

ورأى الموقع أن معادلة واحدة هي التي تستطيع تفسير موقف الطرفين، وهي أنهما يريدان تقويض جميع احتمالات حصول التنظيمات الكردية على وضع دستوري في المستقبل، بعد فرضهم حكما ذاتيا بحكم الأمر الواقع شمالي سوريا.

ووفقا للمبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، فإن الاتصالات بين رئيسي المخابرات التركية والسورية منتظمة إلى حد ما، وهو تصريح يثير تساؤلات حول المفاوضات التي تجرى خلف الكواليس.

وتساءل المونيتور: هل يمكن أن يرضخ الأسد للضربات التركية على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون الأكراد، حتى لو كان ذلك على مضض؟

وخطة الرئيس التركي في هذا الشأن- كما صرح مرارا وتكرارا- هي إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا والعراق.

وفي حديثه بعد إطلاق "عملية المخلب- السيف" التي تضرب أهدافا في كلا البلدين منذ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قال أردوغان: "مصممون على إغلاق كامل حدودنا الجنوبية من هطاي إلى هكاري بشريط أمني، حتى لا نترك لأحد إمكانية مهاجمة الأراضي التركية".

وأضاف أنه "من خلال العمليات التي نفذناها، أسسنا جزءا من هذا الشريط، وسنكمل ما تبقى بدءا من تل رفعت ومنبج وعين العرب"، وهي المناطق التي تُعد بؤرا للتنظيمات الانفصالية.

وقال الموقع إنه قد يُعتقد أن العملية التركية تقوض التقارب التركي السوري، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنظر لطريقة العمل التي ينتهجها أردوغان.

ورأى أن الأمر له علاقة كذلك بإستراتيجيات أردوغان لفترة ما قبل الانتخابات الرئاسية، المزمع عقدها في 18 يونيو/ حزيران 2023، وكذلك بالعلاقات التركية الروسية.

فمنذ اجتماعه في 5 أغسطس/ آب 2022 مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كانت ردود أفعال أردوغان على أي قضية متعلقة بسوريا، بما في ذلك الأمن واللاجئين، متماشية مع عرض المصالحة الذي قدمه للأسد.

التصالح مع الأسد

وصرح الرئيس التركي في 21 نوفمبر، أن العلاقات مع سوريا "يمكن أن تعود إلى نصابها في المرحلة القادمة، مثلما جرى مع مصر، فليست هناك خصومة دائمة في السياسة".

والمصالحة مع دمشق هي أحد تعهدات المعارضة التركية في ظل السباق الرئاسي، لذا لا يريد أردوغان أن يخسر هذه الورقة الرابحة أمام خصومه.

وكان قد صرح أردوغان في 17 نوفمبر، أنه يمكن لبلاده إعادة النظر في علاقاتها مع سوريا بعد الانتخابات المقبلة، غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى أنه قد يجتمع بالأسد قبل ذلك.

فبالرغم من تلك المستجدات، يبدو أن الأسد يثير غضب أردوغان بعدم التراجع عن شروطه للحوار، وهي: انسحاب القوات التركية من سوريا، وإنهاء دعم تركيا للثوار السوريين.

وبالتالي، ربما يرى أردوغان أن شن عملية عسكرية جديدة يمكن أن يساعده في فرض شروطه الخاصة في مسار التقارب مع الأسد.

ولفت الموقع إلى أن رد الفعل السوري الأول جاء بعد 8 أيام من بدء العملية الجوية التركية، في بيان برلماني اتهم تركيا بارتكاب "مجازر وحشية" ودعم "الجماعات الإرهابية" في سوريا.

لكن البيان لم يذكر مقتل جنود سوريين في الضربات.

ويمكن إرجاع موقف دمشق هذا إلى عدة أسباب، أولها هو أنها ترغب في استغلال الضغط التركي، بحيث يدفع هذا الضغط التنظيمات الكردية نحو الإذعان لمتطلبات حكومة الأسد.

ذلك أن الوضع الحالي لا يُمَكِّن دمشق من استعادة السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد إلى الشرق من نهر الفرات، ما دامت القوات الأميركية موجودة هناك.

واللافت أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان السوري، بيير بطرس مرجان، وصف الضربات الجوية التركية بأنها "رسالة إلى الميليشيات الكردية الانفصالية"، وذلك في تصريحات لموقع إخباري تركي.

وأضاف "مرجان" أن مخاوف تركيا بشأن حزب العمال الكردستاني المحظور متفهمة، لكنه شدد على أنه لا يمكن اتهام كل الأكراد السوريين بالخيانة، باستثناء هذا التنظيم الانفصالي الذي تسلحه الولايات المتحدة.

وذلك في إشارة إلى وحدات حماية الشعب، العمود الفقري لقسد المدعومة من واشنطن وذراعها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي، اللذين قادا حملة لتدشين منطقة حكم ذاتي في الشمال السوري.

مسار حساس

وأكد الموقع الأميركي أن السلطات التركية لا تفرق بين هذه التنظيمات وحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه على أنه جماعة "إرهابية"، وتكافحه منذ أربعة عقود في جنوب شرق تركيا.

ويعتقد مرجان أنه "يمكن استئناف الحوار الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق على أساس اتفاق أضنة لعام 1998، بشأن التعاون الأمني ​​الثنائي، في حال أبدت تركيا "استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية".

أما السبب الآخر لهدوء دمشق حتى الآن إزاء العملية التركية، هو أنها إذا صعدت خطابها، فسيكون من الصعب عليها المضي قدما في هذا المسار.

حيث إنه لم يعد يمكنها الاعتماد بنفس الدرجة على الحماية الروسية والإيرانية، بعد أن عززت الحرب في أوكرانيا علاقات موسكو مع أنقرة، وانشغل النظام الإيراني بالاضطرابات الداخلية التي يواجهها.

وفي هذا السياق، قال الصحفي السوري سركيس قصارجيان، إنه "لا يمكن لسوريا الصمود ضد تركيا بدون دعم روسي أو إيراني، وهذا هو سبب لهجتها الهادئة، فإذا اتهمت تركيا، لكان الناس سيسألون "لماذا لا ترد إذن؟"

يذكر أنه في عام 2020، واجهت القوات التركية قصفا روسيا أثناء محاولتها وقف تقدم الجيش السوري على طول الطريق السريع "إم 5".

"لكن المعادلة تغيرت الآن، فروسيا لم تعد تكبح جماح تركيا، بل إنها تدعو للمصالحة بين الأخيرة ونظام الأسد، الذي يضع شروطا لتحقيق مكاسب من التقارب"، وفق قصارجيان.

ففي محادثات بعد التصعيد الأخير، أفادت تقارير أن قائد القوات الروسية في سوريا ضغط على قسد للنظر في الانسحاب من المناطق الحدودية لصالح "انتشار الجيش السوري على طول الشريط الحدودي على عمق 30 كيلومترا" لتفادي العملية البرية التركية.

ويرى "تستكين" أن مثل هذه الرسائل الموجهة إلى الأكراد تدلل على أن روسيا تأخذ التهديد التركي على محمل الجد.

ويعتقد قصارجيان أنه من غير المرجح شن عملية برية تركية في مناطق شرق الفرات، أما بالنسبة لغرب الفرات، فما يقوله الروس هو المهم.

كما يرى أنه طالما استمر الدعم الأميركي للتنظيمات الكردية المسلحة، فإن العملية التركية الجزئية لن تدفعهم نحو نظام الأسد.

وأكد المونيتور أنه على الرغم من تنامي الغضب الشعبي ضد قسد بسبب شراكتها المستمرة مع الولايات المتحدة وسيطرتها على المناطق الغنية بالنفط، فإن دمشق غير مستعدة لمحاربة الأكراد من أجل تركيا.

إذ يرى المسؤولون السوريون أن "الأكراد لم يحملوا السلاح ضد الدولة السورية، كما أن حربهم وُجِّهت ضد إرهابيي تنظيم الدولة، حتى إنهم تلقوا أحيانا أسلحة من دمشق".

"وعلى هذا، فبالرغم من السخط الشعبي في سوريا ضد التنظيمات الكردية، لكن الأسد يرى أنه لا ينبغي اتخاذ خطوات ضدهم من شأنها أن تخدم أردوغان"، يختم المونيتور.