مناورة سياسية.. لماذا منحت أميركا ابن سلمان حصانة في قضية خاشقجي؟
.png)
بعد سلسلة تهديدات أميركية بمعاقبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد قرار تحالف "أوبك بلس" خفض إنتاج النفط بما يخدم روسيا، حدث العكس، فكافأته الولايات المتحدة بمنحه حصانة قضائية في قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.
وكان أمام الحكومة الأميركية مهلة من جانب القضاء تنتهي في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 لتقديم رأي بخصوص امتلاك ابن سلمان حصانة على الأراضي الأميركية، لترد إدارة جو بايدن قبل انتهاء المهلة بأن لديه "حصانة".
وعد مراقبون الموقف الأميركي تراجعا هائلا من قبل بايدن الذي وعد بمعاقبة ابن سلمان خلال حملته الرئاسية، فيما قلل آخرون من أهمية الحصانة مؤكدين أن التوصية الحكومية غير ملزمة لها، ويمكن للمحكمة الأخذ بها أو لا.
العلاقات متوترة!
وحاول البيت الأبيض في 18 نوفمبر تخفيف حدة الأمر بإعلانه أن الحصانة القضائية لولي العهد السعودي الملاحق أمام محكمة أميركية في قضية مقتل خاشقجي، "لا علاقة لها" بالعلاقات "التي ما زالت متوترة" بين واشنطن والرياض.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحفيين: "هذا الأمر لا علاقة له البتة بالعلاقة الثنائية مع السعودية والتي تشهد، كما تعلمون، توترا في الوقت الراهن".
وأوضح أن الحصانة عبارة عن قرار أصدرته وزارة العدل، بناء على طلب وزارة الخارجية "بما ينسجم مع القانون الدولي بالنسبة إلى وضع ولي العهد بصفته رئيسا للوزراء"، أي أنها حصانة قانونية لا سياسية، ولا تعني بالتالي تبرئة إدارة بايدن له.
وذكر كيربي بأن بايدن سبق أن أعرب علنا وبوضوح كبير عن تنديده بالقتل "الوحشي والهمجي" للصحفي جمال خاشقجي، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس في 18 نوفمبر.
وكان قد قرر الملك سلمان بن عبد العزيز، في 27 سبتمبر /أيلول 2022، تعيين ولي العهد محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الوزراء، في خطوة عدها مراقبون حينها لحمايته من الملاحقات القضائية بالولايات المتحدة.
وزارة الخارجية الأميركية أيضا بررت منح الحصانة لابن سلمان، بالقول إنه تم تعيينه أخيرا رئيسا لوزراء السعودية، ما يحميه من الدعوى التي رفعتها خطيبة خاشقجي "خديجة جنكيز" (تركية)، ومنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي (أميركية غير حكومية).
ووصفت الوزارة في 17 نوفمبر، التوصية بحماية ابن سلمان من الوقوف أمام المحاكم بأنها "قرار قانوني بحت"، ولا يعني أنها لا تدين قتل جمال خاشقجي.
وجاء في الوثيقة المقدمة من الوزارة للمحكمة أن "الخارجية الأميركية لا تأخذ رأيا بخصوص جوهر الدعوى الحالية وتكرر إدانتها قتل جمال خاشقجي الشنيع".
وشددت الوزارة على أن "تمسك أميركا بمفهوم الحصانة السيادية يساعد على ضمان عدم اضطرار القادة الأميركيين بدورهم للقلق بشأن إحالتهم إلى محاكم أجنبية لمواجهة دعاوى قضائية في دول أخرى".
فيما كان محامو ابن سلمان قد طالبوا في التماس قدموه في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 إلى المحكمة برفض الدعوى لأن "الأمر الملكي بتعيينه رئيسا للوزراء لا يدع مجالا للشك في أن ولي العهد يستحق حصانة".
واستشهدوا بحالات أخرى أقرت فيها الولايات المتحدة بالحصانة لرؤساء دول أجنبية.
وسبق أن أعطت واشنطن رئيس الوزراء المصري السابق حازم الببلاوي "حصانة" في 6 أبريل/ نيسان 2021، منعت عبرها مثوله أمام القضاء الأميركي في قضية تعذيب الناشط محمد سلطان.
الآثار المترتبة
وفي قراءته للقرار، رأى خبير القانون الدولي الأميركي وليام لورانس، أن "بيان الحكومة الأميركية بإعطاء حصانة لولي العهد السعودي، يعني أنه بات من الصعوبة رفع دعوى ضده في الولايات المتحدة".
وأوضح لموقع "الحرة" الأميركي في 18 نوفمبر، أنه "أصبح من السهل على محمد بن سلمان زيارة الولايات المتحدة".
ومع ذلك شدد على أن القرار الحكومي الأميركي غير ملزم للقضاء، إلا أن "القضية المرفوعة ضد محمد بن سلمان فيما يتعلق بمقتل خاشقجي على الأرجح انتهت"، بحسب رأيه.
وأشار لورانس إلى أنه "بناء على تجارب سابقة مع القانون الأميركي تمنح الحصانة لرؤساء الحكومات، وأصلا كان متوقعا أن يحكم القاضي لصالح محمد بن سلمان، حتى ولو لم يحصل على الحصانة".
ولفت إلى أن "الخطوة الحكومية الأميركية تحمل دوافع دبلوماسية، لأنها في حال لم تصدر أي تعليق فإنها كانت ستخسر الفرصة لإرسال رسالة للأمير مفادها (صحيح أنهم لا يؤمنون بأنه يجب أن يحاكم كرئيس حكومة، لكنها في الوقت ذاته لم تغير رأيها بشأن حيثيات القضية)، أي إدانته.
من جانبه، شرح أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا ديفيس، ويليام دودج، أنه "بعد أن أصبح محمد بن سلمان رئيسا للوزراء، ترتب على الحكومة أن توصي بأنه يحق له التمتع بالحصانة".
وأوضح لوكالة أسوشيتدبرس الأميركية في 18 نوفمبر، أن "الأمر شبه تلقائي، والسعودية عينته لهذا السبب رئيسا للوزراء لتحميه من المحاكمة في أميركا".
وأكد أن "قرار إدارة بايدن إعطاء ابن سلمان حصانة غير ملزم، والقاضي هو الذي سيقرر في النهاية ما إذا كان سيمنح الحصانة أم لا، ومن ثم هل تسقط المحاكمة أم لا؟".
لكن صحيفة "واشنطن بوست" التي كان ينشر خاشقجي مقالاته بها، أكدت أنه "على ابن سلمان أن يدرك أن قرار منح الحصانة لا يعرقل ولا يسقط الدعوى المرفوعة ضده حول اغتيال خاشقجي، والحصانة تحميه فقط من الإجراءات القانونية بشأن القضايا المتعلقة بحظر السفر لأميركا".
وعدت في 17 نوفمبر، أن "منح الإدارة الأميركية الحصانة لابن سلمان كان تنازلا غير مستحق، لأن ذلك سيشجعه على مواصلة قمعه وانتهاكاته القاسية"، مؤكدة أن قرار الحصانة "صفعة" على وجه من طالبوا بالتحقيق في جرائمه.
فيما ألمحت وكالة بلومبرغ إلى عدم تضرر أميركا من وراء قرار السعودية تخفيض إنتاج النفط، حيث انخفضت الأسعار بصورة مفاجئة أخيرا، ما يعني أنه لم تعد هناك حاجة لعقاب ابن سلمان على قرار خفض الإنتاج.
وذكرت في 17 نوفمبر، أنه على الرغم من قرار السعودية خفض إنتاج النفط، تراجعت أسعار النفط الخام بنحو 4 بالمئة، لتقترب من 90 دولارا للبرميل، لضعف الطلب.
وسبق لموقع "فوكس نيوز" أن أكد في 17 نوفمبر، أن صناع السياسة الأميركية يناقشون كيفية إرسال رسالة قوية مفادها أنه ستكون هناك تداعيات لتحركات ابن سلمان التي ستؤثر على أميركا.
ونقل الموقع عن نائب مستشار الأمن القومي الأسبق بن رودس أن المصالح المشتركة بين أميركا والسعودية غير موجودة في هذه المرحلة، لأن ابن سلمان يعمل بنشاط ضد أميركا، من خلال الشراكة مع روسيا والصين.
كما نقل فوكس نيوز عن محللين أن السؤال الرئيس الذي يجب طرحه هو كيف يمكن لأميركا العمل مع ابن سلمان، بينما هو زعيم مارق على استعداد لكسر الأعراف للحصول على ما يريد، حتى لو كانت بوسائل عنيفة وخارجة عن القانون؟
وأوضح أنه يمكن لإدارة بايدن أن تضع حواجز لمنع العنف المتصاعد الذي يقوم به ابن سلمان، وميولاته الاستبدادية المتزايدة في الداخل، وسياسته الوقحة في الخارج، والتي تتعارض مع المصالح الأميركية.
لكن الموقع نقل عن خبراء أن الولايات المتحدة تعتمد على المملكة باعتبارها منتجا رئيسا للنفط وشريكا في مواجهة إيران والتنظيمات المسلحة، فضلا عن كونها شريكا تجاريا مهما وأكبر مشتر للأسلحة الأميركية.
استسلام بايدن
من جانبها، وصفت "سارة ليا ويتسن" مديرة منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" التي أسسها الراحل جمال خاشقجي وهي طرف بالدعوى، هذه الحصانة بأنها "تنازل أميركي هائل ومروع للسعودية".
وقالت لشبكة "سي إن إن" في 18 نوفمبر: "أتت الحصانة عكس ما وعد بايدن بمحاسبة قتلة جمال خاشقجي"، مؤكدة أن "تعيين ابن سلمان رئيسا للوزراء كان حيلة لتأمين ما يسمى بحصانة رئيس الدولة".
وأضافت أنه "من المستحيل قراءة حصانة إدارة بايدن لابن سلمان على أنها أي شيء أكثر من استسلام لأساليب الضغط السعودية".
كما انتقدت خطيبة خاشقجي خديجة جنكيز، منح إدارة بايدن حصانة لمحمد بن سلمان، وقالت عبر حسابها على "تويتر"، "جمال مات مرة أخرى اليوم".
Jamal died again today #injustice #JamalKhashoggi
— Hatice Cengiz خديجة (@mercan_resifi) November 18, 2022
فيما انتقد عبد الله العودة، نجل الشيخ المعتقل سلمان العودة، والمقيم في أميركا القرار، مؤكدا أن "هذا الموقف يفضح المتورطين في مقتل خاشقجي، وكيف أنهم استخدموا كل الوسائل لأجل تحاشي حكم العدالة.
وأكد عبر تويتر أن "النضال لاسترداد حق المرحوم الشهيد وحقنا جميعا لن يتوقف. وبرغمهم، اليوم سيكون بداية جديدة لمعارك من أجل العدالة بإذن الله، وأموال الدم لن تنفعهم".
النضال لاسترداد حق المرحوم الشهيد وحقنا جميعاً لن يتوقف. هذا الموقف القانوني في المحكمة هو فقط فضل صغير لفضح المتورطين في مقتل خاشقجي .. وكيف أنهم استخدموا كل الوسائل لأجل تحاشي حكم العدالة.
— د. عبدالله العودة (@aalodah) November 18, 2022
برغمهم، اليوم سيكون بداية جديدة لمعارك من أجل العدالة بإذن الله، وأموال الدم لن تنفعهم!✌�� https://t.co/DSFs3R2r39
فيما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" تعليقا على القرار، إن "العار كان يلاحق ابن سلمان، وتم نبذه دوليا بعد حادثة اغتيال خاشقجي، لذا فقد كان مستميتا للحصول على الحصانة من المحاكم الأميركية".
وتتجاوز القضايا ضد ابن سلمان في المحاكم الأميركية دعوى خاشقجي، فقد ورد اسمه أيضا في دعوى رفعها المسؤول الاستخباراتي السعودي السابق سعد الجابري، الذي اتهم ولي العهد فيها بـ"نشر فرقة اغتيال" لقتله على الأراضي الكندية.
لكن قاضيا طلب رفض القضية حينها، قائلا إن محكمته ليس لها اختصاص على جميع المتهمين الواردين في دعوى الجابري.
وبعد التوصية الأميركية، بحصانة ابن سلمان، قال خالد الجابري لشبكة "سي إن إن" في 17 نوفمبر: لم تحم إدارة بايدن ولي العهد من المساءلة في المحاكم الأميركية (..) بل أعلنت أنه لن يحاسب أبدا".
فيما اتفق نشطاء وحقوقيون عبر منصات التواصل الاجتماعي على أن قرار منح الحصانة لمحمد بن سلمان "استمرار لسياسة أميركا منح الحكام المستبدين حصانة لحماية مصالحها في بلادهم".
المصادر
- US moves to shield Saudi crown prince in journalist killing
- US determines Saudi Crown Prince is immune in case brought by Jamal Khashoggi’s fiancée
- Why America can’t seem to quit Saudi Arabia
- U.S. Backs Immunity for Saudi Leader in Lawsuit Over Khashoggi Murder
- ما الذي تعنيه توصية إدارة بايدن بشأن حصانة محمد بن سلمان؟