"الإستاد" الإيراني بدبي.. مطعم يقدم الكباب السياسي على مائدة الأمير فزاع

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يكاد كل شيء في إمارة دبي الإماراتية، المقر الإقليمي المفضل للشركات الدولية، يدور في فلك حكامها الطامحين لتوسيع نفوذهم، وإن كان عبر "وجبة غداء" في مطعم مشهور بين جنباتها.

وتلاحق الأخبار والمعلومات ولي عهد دبي ورئيس مجلسها التنفيذي، حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، الشهير بـ"الأمير فزاع"، الذي يقترب من أن يصبح حاكما فعليا للإمارة الخليجية الثرية.

ورغم أن "فزاع" الذي جرى تعيينه وليا لعهد دبي في فبراير/شباط 2008 عن عمر 27 عاما، يشرف على عشرات الكيانات ضمن مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، فهو لا يتوانى عن التشبيك مع الدبلوماسيين ورجال الأعمال المحليين والأجانب.

مطعم "الإستاد"

وللمفارقة، فإن لقاء هؤلاء مع حاكم الإمارة المستقبلي، لا يجري في مكتبه أو في مؤتمرات أو ندوات داخل إمارة أبيه، بل في مطعم "الإستاد" للكباب الإيراني الواقع في المدينة القديمة بدبي.

يقع المطعم كذلك على بعد خطوات قليلة من "بنك ملي" و"بنك صادرات"، وهما البنكان الإيرانيان العامان اللذان لا يزالا يعملان في دبي رغم عقوبات الخزانة الأميركية.

افتتح المطعم عام 1978 من قبل المهاجر الإيراني الجنسية محمد علي أنصاري، بعد أن غادرت عائلته جرش في محافظة فارس الإيرانية عام 1941 لافتتاح مخبز ومتجر بقالة في دبي.

ثم توفي في شيراز في أبريل/نيسان 2021، والآن، يتولى أبناؤه عباس ومجيد وطليل الحفاظ على روابط الأسرة مع الجيل الجديد من آل مكتوم.

تؤكد مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن قائمة زوار مطعم "الإستاد" الخاص تضم أسماء من الدائرة المقربة من "فزاع" البالغ من العمر 39 عاما.

وهذا ما يجعل المطعم مكانا مفضلا للقاء الدبلوماسيين وكبار موظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال، فضلا عن القادة الإيرانيين اللاهثين وراء اتصال مباشر مع ولي عهد دبي التي تحتضن حوالي 140 مقرا لشركات كبرى منذ ثلاثة عقود.

وقالت المجلة في تقرير لها نشرته في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إن مطعم "الإستاد" للكباب يجتذب رجال الأعمال الإيرانيين الزائرين والمقيمين، بالإضافة إلى الدبلوماسيين الأميركيين البارزين.

ويعد المكان المتواضع وجهة مفضلة لأفراد الوفد المرافق لولي عهد دبي، الذي يزور المطعم بنفسه من وقت لآخر مع أصدقائه المقربين لتذوق الكباب المصنوع من اللحم المتبل على مدار 24 ساعة مع الليمون الإيراني الأسود المجفف المسمى بالفارسية "ليمو".

وتعد طريقة تقديم الطعام عاملا مهما يميز المطعم، إذ لا يكتفي مدراؤه بتدوين طلبات الزبائن فقط، بل يشاركونهم لإيجاد ما قد يناسب أذواقهم.

كباب سياسي

فالزبائن الأوروبيون يفضلون المشاوي الإيرانية التي تتميز بالتوابل الفريدة، بينما يفضل الزبائن الإيرانيون والعرب اللحوم المطبوخة سواء من الضأن أو الدجاج مع اللبن جميل المذاق.

وأثناء انتظار تحضير وجباتهم، يمكن للزبائن التمعن في العملات النقدية من مختلف دول العالم التي تزين الطاولات، إضافة إلى التحف والهواتف القديمة التي قدمها السياح هدية إلى المطعم.

يزور "فزاع" المطعم من وقت لآخر مع أصدقائه المقربين كمؤسس مركز القفز المظلي الشهير ناصر النيادي، كما يزور العديد من رعاياه المكان مع أصدقائهم وعائلاتهم.

ومن بين رواد المطعم الذي تكسو جدرانه صور الشخصيات البارزة، أيضا القائد العام لشرطة دبي اللواء عبد الله خليفة المري، الذي يشرف عليه ولي العهد في منصبه كرئيس للمجلس التنفيذي في دبي.

وكذلك من رواده وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي، التي كانت مسؤولة عن إكسبو دبي 2020.

اللافت أن جميع الشخصيات الإماراتية المقربة من ولي عهد دبي، لا يفوتون فرصة التقاط صور لهم مع أصحاب مطعم "الإستاد" الخاص.

وعلى مر الأعوام، تراكمت على جدران المطعم مئات الصور الفوتوغرافية التي تتضمن رواد المطعم وكبار الشخصيات الذين سبق أن تناولوا وجبات طعامهم فيه، وخاصة من الفنانين الإيرانيين والهنود.

وتماشيا مع استيلاء "فزاع" التدريجي على مقاليد الحكم في دبي، والذي اعترف به والده محمد بن راشد آل مكتوم رسميا خلفا له، نشر المطعم أخيرا صور ولي العهد الشاب على نوافذه الخارجية.

لكن الشخصيات المهمة هي التي صنعت شهرة المطعم، ومن بين هؤلاء بطل فنون القتال المختلطة الروسي- الداغستاني حبيب نورماغوميدوف، المقرب من "فزاع" ومن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، وبطل العالم الباكستاني للكريكيت عام 1992 "انضمام الحق"، وقد ثبتت صور جميع هؤلاء على الحائط.

وفي جميع أنحاء العالم، يتجمع الجواسيس في أوكار غير ظاهرة حيث يلتقون بجهات اتصال ويجرون محادثات سرية.

ولهذا يشكل المطعم وجبة "كباب سياسي" لشخصيات محلية وأجنبية تنشد تمتين علاقاتها الدبلوماسية وتوسيع حظوظها المالية من خلاله، وذلك كحبل سري يتصل مباشرة بـ "الأمير فزاع".

عملاء أكثر انتقائية

فبحسب إنتيليجنس أونلاين، يرتاد المطعم عملاء أكثر انتقائية، كبعض السياح الغربيين الذين يبحثون عن الأصالة لتذوق طبق "جوجة كباب" المشهور للغاية مع شرب لبن عيران محلي الصنع.

ومن أبرز الأسماء التي تقصد مطعم "الإستاد" لتذوق طعم الكباب الشهي، القنصل العام للولايات المتحدة المتقاعد حديثا فيليب فراين وسلفه الراحل بول مالك (2015 - 2018) الذي توفي عام 2019 في واشنطن بعد مرض عضال.

وفراين يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وقد عمل في العديد من البلدان في المنطقة بما في ذلك العراق والأردن ومصر واليمن، وكان شخصية بارزة في حفل افتتاح مهرجان طيران الإمارات للآداب 2021، وعمد إلى استقدام مؤلفين أميركيين لحضور المهرجان.

أما بول مالك فقد خدم لمدة 23 عاما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، وشغل مستشارا للشؤون الاقتصادية في سفارة الولايات المتحدة باليونان من 2009 إلى 2012، ويتكلم اللغة العربية بطلاقة، ويشتر بهواية جامع العملات المعدنية اليونانية والرومانية القديمة.

لكن الزائرة الأكثر سرية هي الإيرانية بهناز لاباف، اليد اليمنى للرئيس التنفيذي لشركة دبي القابضة، البريطاني أميت كوشال، والتي ترتاد المطعم في وقت فراغها.

لاباف مسؤولة عن إستراتيجية التنويع الاقتصادي للإمارة في الصندوق السيادي الذي يمتلك المنطقة الحرة لمدينة دبي للإنترنت وسلسلة فنادق "جميرا" الفاخرة وجزيرة "بلو واترز" الاصطناعية، لكنها على عكس زوجها نجم البوب الإيراني أراش لم تظهر في الصور الملصقة على حائط المطعم.

داخل المطعم، يمكن رؤية هدية تذكارية من شركة "دبي القابضة" موضوعة على أحد الرفوف إلى جانب مجسمات طائرة A380 وطائرة بوينغ 777 الإماراتيتين، وكذلك أوشحة نادي النصر المحلي لكرة القدم.

وأدار حمدان بن راشد آل مكتوم شركة "دبي القابضة" حتى وفاته في أبريل 2021، وتقلد منصب وزير المالية منذ العام 1971 وحتى 2021، وكان أحد رواد المطعم أيضا.

اقتصاد تنافسي

يتولى "فزاع" مزيدا من المسؤولية في الدوائر الاقتصادية في دبي، ويهدف لجعل اقتصادها أكثر تنافسية، خاصة أنها معروفة عالميا بأنها "جنة غسيل الأموال".

بالإضافة إلى ذلك، يسعى الأمير الشاب للحفاظ على دور الإمارة القوي في مواجهة السلطة السيادية لدولة الإمارات الاتحادية التي تهيمن عليها أبوظبي بشكل متزايد.

ويستغل "فزاع" المستثمر والشاعر حسابه على منصة إنستغرام التي تضم 14.6 مليون متابع، في مشاركة صور لنشاطاته المتنوعة بدبي، وحتى الخطيرة في بعض الأحيان، ومنها نشره صورة له من أعلى برج خليفة، أطول برج في العالم.

وعين "فزاع" عام 2020 رئيسا لمؤسسة "دبي للاستثمار"، وهي أحد الصناديق السيادية التي تشرف على العديد من الأصول الاستثمارية مثل شركات "الإمارات" و"إينوك" و"إعمار".

وبدأت شركتا الملابس الإماراتيتان اللتان أنشئتا أخيرا "Caliente" و"Foxerz" إنتاج العشرات من القبعات التي تحمل رمز فزاع، "F3"، والتي باتت تزين جدران مطعم "الإستاد" في الأسابيع الأخيرة لتشكيل صورة أساسية لعملاء المطعم المخلصين.

وبالمحصلة، فإن مطعم "الإستاد"، ما يزال يقف شاهدا على الروابط الثابتة بين سلالة آل مكتوم الحاكمة والموجات المتتالية من الإيرانيين الذين استقروا في دبي.

وتحولت دبي إلى ملاذ سري، وباب مفتوح لعمليات غسل الأموال، وتهريب الذهب، وأعمال مشبوهة أخرى، وفق ما يؤكد تحقيق نشره في نوفمبر 2021 "الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية" الخاص بشأن فساد شيوخ الإمارات.

يذكر أن جد "فزاع"، وهو الشيخ سعيد آل مكتوم، حكم دبي بين عامي 1912 و1958، ودعا شخصيا التجار الإيرانيين لتأسيس تجاراتهم في دبي في عشرينيات القرن العشرين للهروب من الضرائب الإيرانية.