"غسالة أموال قذرة".. اسم جديد للإمارات بعد تحولها إلى وكر لأوليغارش روسيا

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عندما بدأ الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، فرضت أميركا والدول الأوروبية على الأوليغارش عقوبات، لـ"دورهم في دعم نظام الرئيس فلاديمير بوتين وتمويلهم حملته العسكرية".

والأوليغارش الروس هو تسمية تطلقها الدوائر السياسية والإعلامية الغربية على نخبة المجتمع، من رجال الأعمال، وأصحاب الثروات الضخمة، المقربين من بوتين.

وبدت هذه النخبة المحملة بالأموال، والمثقلة بالعقوبات في حاجة إلى ملاذ آمن تذهب إليه بأموالها، كنوع من المناورة، لضمان الحماية المالية، في عملية أشبه بغسيل الأموال.

وفي ظل ما تعرضوا إليه من ضغوط وبعد بحث عن طرق للهروب، لم يجدوا أفضل من الإمارات، وتحديدا مدينة دبي، وبدؤوا في التوافد إليها جماعات وفرادى على متن قواربهم الخاصة، حتى غدت معقلا حقيقيا لهم. 

وهو ما أحدث غضبا في المعسكر الأوروبي، ليصل الأمر إلى المطالبة بفرض عقوبات على الإمارات. 

دولة خطرة 

وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية، عن رسالة أرسلها المفوض الأوروبي للاستقرار المالي "مايريد ماكجينيس"، إلى مدير منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية في الاتحاد الأوروبي.

وقالت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إن بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) ستقترح قريبا على البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي إضافة الإمارات إلى قائمة الدول الثالثة بدرجة عالية من المخاطر".

وأضافت أن هذا الإجراء بسبب اتهامات موجهة للإمارات حول مساعدتها لروسيا في الالتفاف على العقوبات الدولية الاقتصادية، الأمر الذي يدعمها في استمرار عدوانها على أوكرانيا. 

ولفتت الصحيفة الإسبانية إلى أن "التحرك الأوروبي المرتقب يندرج ضمن التحفظ على الإمارات، كونها من أكبر دول العالم استقبالا للأثرياء الروس (الأوليغارش) وأموالهم بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا".

وفي مطلع عام 2022 صنفت الإمارات ضمن "القائمة الرمادية" لغسيل الأموال، من قبل مجموعة العمل المالي (فاتف)، وهي منظمة حكومية دولية لمكافحة غسيل الأموال والتمويل غير المشروع مقرها العاصمة الفرنسية باريس. 

كما تصنف"شبكة العدالة الضريبية"، وهي مجموعة من أكبر المجموعات التي تراقب التهرب المالي والضريبي عالميا، الإمارات ضمن أكبر 10 بلدان تمكن من إساءة استخدام ضرائب الشركات والسرية المالية.

وليست هذه أول مرة تتم فيها مناقشة فرض عقوبات على الإمارات بسبب الأوليغارش الروس. 

ففي 11 يونيو/ حزيران 2022، ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أنه "يجب فرض عقوبات على الإمارات، ما لم تقدم المساعدة للدول التي تسعى وراء أصول الأوليغارشية".

وتحدثت الصحيفة عن إقدام أعضاء في البرلمان الأوروبي على تقديم كتاب إلى مفوض الخدمات المالية "ميريد ماكجينيس"، يطالبون فيه بضرورة إدراج الإمارات في قائمة الدول الثالثة التي تشكل تهديدا بالغا للنظام المالي.

ونقلت تصريحات عن العضوة الدنماركية في البرلمان الأوروبي "كيرا ماري بيتر هانسن"، أن "الإمارات كانت ملاذا آمنا للعائدات الإجرامية والمسؤولين الفاسدين والأوليغارش الروس".

وأضافت: "نريد وضع الإمارات على قائمة سوداء، خاصة في ظل العدد الكبير من الأوليغارش الروس الذين يستخدمون البلاد لتجنب العقوبات".

الأوليغارش في الإمارات 

وكانت قد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 17 مارس/ آذار 2022، احتضان الإمارات أكثر من 4 آلاف شركة روسية تعمل في قطاعات البنية التحتية والعقارات والصناعة والغذاء والموانئ والطيران والبتروكيماويات.

وكثير من هذه الشركات تتبع الأوليغارش الروس الذين ذهبوا إلى الدولة الخليجية، حتى من قبل أن تندلع الحرب الأوكرانية. 

وذكرت أن الإمارات تستحوذ على 55 بالمئة من تجارة روسيا الخارجية، وتعد الوجهة الأولى عربيا للاستثمارات الروسية، حتى أنها تضم نحو 90 بالمئة من استثمارات روسيا بالدول العربية.

وذكرت الصحيفة الأميركية أنه في المقابل تعد الإمارات أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بـ80 بالمئة من الاستثمارات العربية فيها، كما تعد دبي وجهة مميزة للسياح الروس.

حتى أن الحكومة الروسية أكدت للأوليغارش أن أموالهم ستكون آمنة في الإمارات. 

ومن أشهر الأوليغارش الذين لجؤوا إلى دبي، "رسلان بيساروف"، وهو رجل أعمال روسي ذو صلة وثيقة مع "رمضان قديروف"، رئيس الشيشان الحليف المقرب من "بوتين".

وكذلك "ألكسندر بوروداي"، الذي أصبح "رئيس وزراء" لمنطقة دونيتسك الأوكرانية التي أعلنت الانفصال من جانب واحد عام 2014 حين غزت روسيا أوكرانيا لأول مرة.

وذكر موقع "الحرة" الأميركي في 27 مارس، أن هناك أنباء تواردت على نطاق واسع بين سماسرة العقارات في دبي، بأن الملياردير المالك السابق لنادي "تشيلسي" الإنجليزي لكرة القدم، رومان أبراموفيتش، يبحث في السوق عن عقار فاخر مطل على الخليج.

وفي حديثه عن الأوليغارش الروس، قال روبرت بارينغتون الأستاذ في مركز دراسات الفساد، في جامعة ساسكس البريطانية: "هم صف خلفي يضم ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص".

وأضاف لوكالة "فرانس برس" في 14 مارس: "هم أيضا أثرياء جدا، وجميعهم مرتبطون ومدعومون من نظام بوتين". 

 

لماذا الإمارات؟

وتعددت أسباب اختيار الأوليغارش الروس وغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال المشبوهة، للإمارات كملاذ آمن لأنشتطهم. 

ومن أهم الأسباب أن الدولة الخليجية تعد واحدة من أكثر المراكز المالية غموضا على وجه الأرض، وهي قبلة سرية للأموال غير المشروعة والمشبوهة.

وهو ما أكده رئيس منظمة العدالة الضريبية "جون كريستنسن"، في أبريل/ نيسان 2022، عندما قال إن "معدل السرية في الإمارات يبلغ 86 بالمئة، وهي تعد من أكثر الوجهات العالمية سرية لتبييض الأموال". 

وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في 17 مارس، أن "الإمارات وجهة مفضلة للأوليغارش، لأن لديها جهازا حكوميا قويا، ومستوى البيروقراطية فيها منخفض نسبيا، وبنوكها خالية من القيود الشرعية، على رأسها حظر أخذ الفائدة".

وأضافت: "أولاد زايد وحكام الدولة يعرفون كل هذا ومستعدون لاستيعاب أموال النخبة الروسية الطائلة".

فيما أكدت الباحثة "كيت كايز" بمعهد "كوينسي ريسبونس بول ستيت كرافت" الأميركي، أن "الإمارات واحدة من الملاذات الآمنة القليلة للأوليغارش الروس وثرواتهم، بسبب تجنب أبوظبي انتقاد غزو (بوتين) غير الشرعي لأوكرانيا". 

وأضافت: "لأنها كذلك غير مستعدة ولا تستطيع محاكاة العقوبات الغربية على روسيا". 

ليس هذا فحسب، بل العلاقات الاقتصادية والسياسية بين روسيا والإمارات تفرض نفسها، فهناك جسر عميق من التواصل، عبر عليه الأوليغارش، ودخلوا منه إلى دبي، المعروفة عالميا بـ"جنة غسيل الأموال". 

يذكر أنه في 20 سبتمبر/ أيلول 2018، نشرت مجلة "لونوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية، مقابلة مع وليام بوردون، رئيس مؤسسة شيربا الفرنسية لمكافحة الجرائم الاقتصادية، وصف فيها دبي بأنها: أصبحت "غسالة العالم للأموال القذرة".

وقال بوردون: إن "دور دبي كمركز لغسيل الأموال القذرة ظل لفترة طويلة سرا مكشوفا".

وتابع أن "هذه المدينة التي غدت رمزا للعولمة استطاعت بمهارة فائقة أن تستخدم لجذب مثل هذه الأموال صورتها كمدينة جذابة، ورمز للحداثة المفرطة يتقاطر إليه السياح من جميع أنحاء العالم ويقصدها رجال الأعمال أفواجا للتفرج على معارضها الدولية الكبرى".

كما أكد أن "تبييض الأموال هذا اتسع بشكل كبير، إذ استفادت دبي كثيرا من تشديد قوانين ملاذات الضرائب في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لتصبح قبلة الجشعين الفارين من دفع الضرائب في بلادهم، مستقطبة بذلك ثروات من الصين وروسيا وإفريقيا وأوروبا"

وهو ما عده بوردون انفصاما في شخصية العولمة تجلت مظاهره في هذه المدينة. فمن ناحية، أصبحت لدى العالم ترسانة من القوانين المقنعة بشكل متزايد لمكافحة الفساد، ومن ناحية أخرى يبدو أن الممارسات القديمة لم تتغير على الأقل في دبي، على حد تعبيره.