قوى دولية كبرى تستفيد من استمرار صراع المغرب والجزائر.. تعرف عليها

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تسبب النزاع حول الصحراء الغربية الذي يعد الأطول في إفريقيا، في خسائر كبيرة للجارين المغرب والجزائر لم تتوقف منذ 47 سنة.

بدأ النزاع سنة 1975، عقب خروج المستعمر الإسباني من جنوب المغرب، وبعدها مباشرة طالبت "جبهة البوليساريو" بالاستقلال عن المملكة وبحق تقرير المصير.

ومنذ دخول الأمم المتحدة كوسيط بين المغرب و"البوليساريو" لضمان وقف إطلاق النار، عبر بعثتها المسماة "مينورسو"، سنة 1991، تتوالى قرارات مجلس الأمن الدولي كل سنة لتمدد مهمة البعثة، وتحث الأطراف على ضرورة الوصول إلى حل توافقي للصراع حول الصحراء.

ويعد القرار رقم 2654 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022 من آخر هذه القرارات، والذي اعتُمد بأغلبية 13 صوتا وامتناع دولتين عن التصويت هما الاتحاد الروسي وكينيا.

خسائر سياسية

ووفق ما نشرت الأمم المتحدة على موقعها الإلكتروني، فقد شدد النص الجديد على "الحاجة إلى تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين لمسألة الصحراء الغربية، على أساس التوافق وأهمية مواءمة التركيز الإستراتيجي للبعثة، وتوجيه موارد الأمم المتحدة لتحقيق هذه الغاية".

كما أكد القرار من جديد على الحاجة إلى الاحترام الكامل للاتفاقات العسكرية التي جرى التوصل إليها مع البعثة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار.

ودعا الأطراف إلى "الامتثال الكامل لتلك الاتفاقات، والامتناع عن أي أعمال من شأنها أن تقوض المفاوضات التي تيسرها الأمم المتحدة أو زيادة زعزعة استقرار الوضع في الصحراء الغربية".

غير أن خلف هذا الصراع المستمر مصالح اقتصادية وسياسية معطلة بين المغرب باعتباره يدافع عن وحدته الترابية، وبين الجزائر أيضا بوصفها الدولة المحتضنة لجبهة البوليساريو وكذا لمخيمات اللاجئين فوق تندوف جنوبي البلاد، فضلا عن الدعم المادي والدبلوماسي الذي توفره للجبهة. فما أثر استمرار هذا الصراع على البلدين الجارين؟

يؤكد الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، أحمد نور الدين، أن هذا النزاع أدى لخسائر سياسية مباشرة وواضحة على المغرب والجزائر.

وأول هذه الخسائر، يقول نور الدين في تصريح لـ "الاستقلال"، "تعطيل الاتحاد المغاربي وعرقلته وتجميده، بل نصل الآن إلى قتله تماما وبوضوح، بمؤشر ما وقع في القمة العربية الأخيرة بالجزائر".

وتابع، "رأينا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يستضيف رئيس الاتحاد الإفريقي، والأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس منظمة عدم الانحياز، لكن لم يقدم دعوة للأمين العام للاتحاد المغاربي".

وأردف نور الدين أن "ثاني الخسائر السياسية تتمثل في إضعاف الموقف التفاوضي للدول المغاربية".

إذ استفرد الاتحاد الأوروبي بهذه الدول في شراكاته، لأنها تتفاوض معه كذوات مفردة وليس كتكتل موحدة، قادرة على فرض شروطها التفاوضية على الجانب الأوربي، لا سيما فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية أو الاستثمار أو الهجرة أو غيرها، بحسب تقديره.

وأوضح الخبير في الشأن المغاربي أن الخسارة الثالثة للمغرب والجزائر بسبب استمرار النزاع حول قضية الصحراء، تتجسد في رهن الموقف السيادي للبلدين على مستوى عدد من القضايا الدولية.

فالجزائر مثلا لا يمكنها اليوم الاعتراف بكوسوفو كدولة مستقلة، رغم أنها تحوز اعتراف 27 دولة أوربية، خشية إغضاب صربيا وروسيا، وبالتالي التأثير على موقفهما من قضية الصحراء.

كما أن الجزائر ليس لها أي موقف من قضية الإيغور في الصين، خوفا أيضا من أن تغير بكين موقفها من ملف الصحراء.

واسترسل: "المغرب أيضا يقع في نفس الإشكال، فهو يخشى إغضاب بعض الدول، فيلتزم الحياد أو الصمت تجاه عدد من القضايا، وأبرز الأمثلة الأخيرة موقفه خلال التصويت على قرار الجمعية العامة في قضية حرب روسيا على أوكرانيا".

تداعيات اقتصادية

التداعيات السلبية للنزاع حول الصحراء لم تقف عند الجانب السياسي فقط، إذ يؤكد رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية نبيل الأندلوسي، أن هذه التداعيات تمتد إلى دول الاتحاد المغاربي الخمس، باعتبار أن ملف الصحراء يشكل العقبة الرئيسة أمام بناء هذا الاتحاد.

وشدد الأندلوسي في تصريح لـ "الاستقلال"، أن التداعيات الاقتصادية لتوتر العلاقة بين البلدين الجارين المغرب والجزائر كبيرة جدا.

وتشكل عائقا حقيقيا أمام أي مشروع نهضوي لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول المغاربية بشكل عام، وبين المغرب والجزائر على وجه الخصوص.

وأوضح المتحدث ذاته أن استمرار إغلاق الحدود بين البلدين يحرمهما من عدة فرص استثمارية وتنموية.

وأشار إلى أن دول المغرب والجزائر وتونس، كان يربط بينها خط سككي لنقل المسافرين في السابق، قبل أن يتوقف لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى.

ونبه الأندلوسي إلى أنه لولا الأزمة المغربية الجزائرية لكان من الممكن تجديد هذا المشروع وبعث الروح فيه من جديد.

وأوضح أن البنك الإفريقي للتنمية سبق أن مول في السنوات الأخيرة دراسة بقيمة 1,7 مليون دولار لإحياء هذا المشروع.

هذه الدراسة، وفق رئيس المركز البحثي، أتت استجابة لتوصية من المجلس الوزاري للأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، المكون من وزراء النقل بالدول المغاربية.

 إلا أن الأزمة المغربية الجزائرية حالت، وما تزال، دون استكمال هذا المشروع الإستراتيجي وتحقيقه على أرض الواقع.

وشدد الأندلوسي، وهو عضو سابق بالبرلمان العربي، على أن تحسن العلاقات المغربية الجزائرية، وتجاوز المشاكل العالقة بين البلدين بإمكانها تحفيز الاقتصاد الوطني ورفع نسب النمو بالنسبة لهما، وهو ما سيكون له أثر إيجابي على شعوب المنطقة.

من جانبه، تطرق نور الدين في تصريحه لـ "الاستقلال" إلى أن الخسائر الاقتصادية للبلدين بسبب قضية الصحراء كبيرة.

 ومن ذلك ما ورد في التقارير الرسمية للبنك الدولي، والتي تقول إن البلدين يفقدان سنويا نقطتين من معدل نمو الناتج الداخلي الخام، بسبب عدم وجود مبادلات تجارية بينهما.

وأردف: "نقطتان في معدل النمو تعني خلق 70 ألف منصب شغل، وتعني تدفقات تجارية بمليارات الدولارات بين الجانبين، فضلا عن خسارة الخزينة العامة لمليارات من العملة المحلية من عائدات الضرائب والجمارك".

واسترسل: "كما أدى النزاع حول الصحراء إلى سباق كبير للتسلح"، موضحا أن الجزائر أنفقت في السنوات العشر الأخيرة ما معدله 10 مليارات دولار كمتوسط، أي ما يعادل 100 مليار دولار في المجموع على التسلح.

وأبرز نور الدين أن الجزائر خصصت ميزانية فلكية للتسلح في موازنة 2023 بلغت 22 مليار دولار.

فيما خصص المغرب في السنوات العشر الأخيرة ما بين 40 إلى 50 مليار دولار لإحداث التوازن العسكري مع الجزائر.

وهذا يعني، وفق الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، أن البلدين خسرا ما مجموعة 150 مليار دولار في سباقهما نحو التسلح، دون أن ننسى أن ما أنفق في 2012 أصبح الآن خردة.

وبالتالي لا بد من شراء أسلحة جديدة، والتي تعني خسائر اقتصادية كبيرة للدولتين.

وأشار نور الدين إلى أن القطار فائق السرعة الذي شيده المغرب بين طنجة والدار البيضاء، كلف 3 مليارات دولار، على طول 300 كلم، أي أن هذه الميزانيات المخصصة للتسلح كافية لأن تبني قطارات فائقة السرعة على طول المغرب والجزائر.

وأضاف: "هذا مجرد مثال، وإلا فإن هذه الميزانيات لو أنفقت على المصانع والمزارع لحلت مشاكل نقص الحليب والزيت وغيرها في الجزائر، ولحلت مشاكل أخرى في المغرب".

الخاسر والمستفيد

شدد نور الدين أن المستفيد الأول والأساسي من استمرار النزاع حول الصحراء هي الدول العظمى والقوى الغربية.

لذلك، يردف المتحدث ذاته أن قرارات مجلس الأمن رمادية، لا هي مع وحدة المغرب وحقوقه التاريخية في الصحراء، ولا هي تعترف بأن القوى الكبرى هي التي خلقت مشكل الصحراء، وفق تعبيره.

وقال نور الدين، إن ملف الصحراء لو جرى حله فلن تستطيع فرنسا الحصول على امتيازات وتنازلات كالتي حصلت عليها في حقول النفط والغاز في الجزائر، والأمر مثله للشركات البريطانية والأميركية، بل الإسبانية والإيطالية وغيرها.

واسترسل أن "هذه الدول وشركاتها الكبرى تنظر إلى النزاع في الصحراء بين المغرب والجزائر كالدجاجة التي تبيض ذهبا".

وبالنسبة للمغرب، يتابع نور الدين، حصلت فرنسا على صفقة القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء بشكل مباشر ودون مناقصة دولية، وهذا كله سعيا لموقف إيجابي لباريس من قضية الوحدة الترابية للرباط.

وشدد أن روسيا بدورها من مصلحتها أن يبقى النزاع حول الصحراء مستمرا، إذ تشتري منها الجزائر حوالي 10 مليارات دولار سنويا من الأسلحة.

والخلاصة، يقول نور الدين، أن القوى الكبرى هي الرابح الأكبر من استمرار الأزمة بين المغرب والجزائر، لأن هذه القوى تبتز الطرفين، فيما يدفع الشعبان المغربي والجزائري الثمن.

أكدت جريدة "هسبريس" الإلكترونية أن "المغرب رفع ميزانية الدفاع لاقتناء أحدث الأسلحة ومجابهة التهديدات الخارجية‬".

وذكر المصدر ذاته في 21 أكتوبر 2022، أن المغرب رفع ميزانية الدفاع، في مشروع قانون المالية الخاص بسنة 2023، إلى مستوى قياسي قارب 120 مليار درهم (حوالي 12 مليار دولار)، أي بزيادة بلغت 5 مليارات درهم مقارنة بقانون المالية الخاص بسنة 2022.

وأبرزت الجريدة أن ميزانية إدارة الدفاع الوطني في المغرب تمثل أكثر من 3.5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام.

وتفيد تفاصيل نقاشات لجنة الخارجية بمجلس النواب المغربي، بأن الميزانية المرصودة لها غير كافية، بالنظر إلى المهام المتعددة التي تضطلع بها القوات المسلحة الملكية، لا سيما أمام التهديدات الأمنية التي تعرفها المنطقة والتي تتطلب يقظة مستمرة لجميع مكونات القوات المسلحة الملكية.

من جانبه، نشر موقع "إفريقيا برس" في 21 أكتوبر 2022، أنه بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز رفعت الجزائر ميزانيتها الدفاعية بنسبة 130 بالمئة، مقارنة بعام 2022، لتصل إلى مبلغ قياسي قدره 23 مليار دولار.

وذكر المصدر ذاته أن هذا الرقم يمثل 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الجزائري، مقابل 5.5 بالمئة عام 2022.

وأوضح أن هذا المبلغ يشمل لأول مرة 5 مليارات دولار لتمويل العمليات العسكرية خارج التراب الجزائري.

علما أن الدستور الجديد، الذي جرى تبنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، سمح بنشر وحدات من الجيش الجزائري خارج الحدود، ما وضع حدا لـ "الاستثناء" المنصوص عليه في القوانين الأساسية السابقة للبلاد.

وأبرزت الجريدة أنه من المقرر أن يزور الرئيس عبد المجيد تبون موسكو، استجابة لدعوة من فلاديمير بوتين، وهو ما سيشكل فرصة مواتية للبلدين للتوقيع على اتفاقيات عسكرية جديدة.

وشدد الأكاديمي الأندلوسي في حديثه لـ "الاستقلال"، أن المغرب والجزائر قدرهما التاريخي أن يكونا جارين، وأن ما يجمعهما أكبر من خلافات السياسة وأخطاء التاريخ، مبرزا أنه لا مفر من صناعة مستقبل مشترك بين البلدين.

وأوضح الأندلوسي أن هذا المستقبل يؤطره المصير المشترك والمصالح الإستراتيجية المتبادلة، وأن هذا ما يجب أن تساهم النخب في التأسيس له لبناء فضاء مغاربي متكامل ومؤثر في الساحة الإقليمية والدولية.