إثيوبيا على صفيح ساخن.. ماذا يجري ومن المستفيد؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حوّلت جهود قيادتهم في حل أزمة دولة مجاورة أنظار العالم إليها، لكن الإثيوبيين كانوا على موعد مع سبب آخر لتتصدر بلادهم عناوين نشرات الأخبار والتحليلات السياسية، بعد محاولة انقلاب فاشلة، قُتل خلالها قائد أركان الجيش وحاكم إحدى ولايات البلاد.

الانقلاب الذي لم يُكتب له النجاح، يأتي بينما ينعم الإثيوبيون بفترة غير مسبوقة من الاستقرار والحرية قادها رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد، حاملة معها خلفيات سياسية وعرقية متجذرة، ومشيرة إلى أطراف إقليمية وربما دولية لم يرُق لها أن تلعب أديس أبابا دورا رأوا أنه أكبر منها.

خلفيات عرقية

في السابعة من مساء السبت 22 يونيو/حزيران الجاري، قُتل حاكم ولاية أمهرة، أمباتشو ميكونين، على يد جندي خلال ترأسه اجتماعا في عاصمة الولاية بحر دار، كما لقي مستشار ومدع عام مصرعيهما خلال القتال الذي امتد لساعات.

وبعد ساعات قليلة، قُتل رئيس هيئة الأركان سيير ميكونين، في بيته على يد أحد حراسه الشخصيين في أديس أبابا، قبل أن تؤكد السلطات "سيطرتها على الوضع" وإيقاف المتآمرين، باستثناء مجموعة كانت في حالة فرار، بينهم مدير أمن ولاية أمهرة، أسامنيو تسيجي، الذي تعتقد السلطات أنه الرأس المدبر لهذه العملية.

تقارير إعلامية، كشفت أن مدير أمن أمهرة، سبق أن سُجن عام 2008 بعد اتهامه بمحاولة انقلاب، وحكم عليه بالمؤبد، قبل أن يطلق آبي أحمد، سراحه العام الماضي في عفو رسمي، لتعلن الحكومة الإثيوبية الاثنين، إلقاء القبض عليه وقتله.

وربما تفوق أهمية "أمهرة" محاولة الانقلاب الفاشلة، فهي من أهم ولايات إثيوبيا التسع، وتعد لغتها هي اللغة الرسمية للجمهورية الإثيوبية، وينتمي لها العديد من الرموز في التاريخ الإثيوبي، مثل الإمبراطور هيلا سيلاسي والزعيم الشيوعي منغستو هيلاماريام.

التحالف بين آبي وسيري كان مرحلة مفصلية في تاريخ إثيوبيا الحديث، فرئيس الوزراء ينتمي لقومية الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، والتي اعتادت الشكوى من الاضطهاد الحكومي ضدها لعقود سبقت تولي آبي السلطة، أما رئيس أركان الجيش فكان ينتمي لقومية التيغراي، التي سبق أن استأثرت بالسلطة في البلاد.

ويعد آبي أحمد، أول رئيس وزراء من قومية الأورومو، وأول رئيس وزراء مسلم يرأس حكومة في إثيوبيا، وهو مولود لأب مسلم من عرقية أورومو، وأم مسيحية من عرقية أمهرة، ومتزوج من مسيحية أمهرية، بحسب مواقع مختصة في الشأن الإفريقي.

هذا التحالف لم يُرض كثيرين، والمثير أنه قبل أسبوع واحد من محاولة الانقلاب سنجد "ستيجي" ينشر مقطعا مصورا يوجه الخطاب فيه إلى أبناء العرق الأمهري، حثهم فيه أن يتسلحوا بما يستطيعون حمله من السلاح، وأن يعلموا جيدا أنهم أبناء أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا.

وبين نحو 110 ملايين نسمة هم عدد سكان إثيوبيا، تنتشر في البلاد قوميات وعرقيات متعددة، أبرزها:

  • قومية الأورومو: وتعيش في أوروميا بوسط إثيوبيا، ويشكلون نحو 40 بالمئة من عدد السكان، ويعتنق أغلبهم الدين الإسلامي.
  • قومية الأمهرة: يعيش الأمهريون شمالي إثيوبيا، ويشكلون نحو 25 بالمئة من عدد السكان، ويعتنق أغلبهم الدين المسيحي.
  • قومية التيغراي: يعيش أغلب قبائل التيغراي شمالي البلاد، ويشكلون نحو 6.1 بالمئة من عدد السكان، ويعتنق أغلبهم الدين المسيحي.
  • الصوماليون: يعيشون في منطقة أوغادين شرق البلاد، ويشكلون نحو 6.1 بالمئة من عدد السكان، ويعتنق أغلبهم الدين الإسلامي.

تجربة آبي أحمد

منذ جاء إلى السلطة في أبريل/نيسان 2018، قام آبي أحمد، بإصلاحات لم يسبق لها مثيل، فأفرج عن سجناء سياسيين، ورفع الحظر عن أحزاب، وحاكم مسؤولين متهمين بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، لكن العنف العرقي لم يتوقف، بل اندلع في مناطق كثيرة منها أمهرة.

ويرى مراقبون، أن الخلافات الحاصلة الآن بين القوميات المتعددة في إثيوبيا تتعلق بطبيعة المشروع الإصلاحي الذي يحمله أحمد، حيث دشن عملية إحلال للنخب الحاكمة في مفاصل الدولة، اقتضت التحالف مع بعض القوميات، الأمر الذي تسبب في احتجاج القومية الصومالية، وبقايا النظام القديم في السلطة والجيش.

كما أجرى تغييرات في صفوف الجيش، وأجهزة المخابرات، أكسبته أعداء أقوياء، بينما تكافح حكومته للسيطرة على الشخصيات القوية في المجموعات العرقية الكثيرة في إثيوبيا التي تقاتل الحكومة الاتحادية.

الترجمة الحرفية تمثلت في تعرض آبي أحمد، لمحاولة اغتيال في يونيو/حزيران من العام الماضي، نتجت عن سياساته الإصلاحية في الداخل الإثيوبي، واتجهت أصابع الاتهام إلى يد داخلية تخشى على مصالحها من إصلاحات رئيس الحكومة.

كما تعرض لمحاولة اغتيال أخرى في العام نفسه عندما ألقى مهاجم يرتدي زي الشرطة قنبلة يدوية على تجمع حاشد حضره آبي أحمد، مما تسبب في انفجار قاتل، وذكرت وسائل الإعلام الرسمية، أن 9 من ضباط الشرطة اعتقلوا بعد الهجوم.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول تسبب الجنود الإثيوبيون المتمردون الذين يسعون إلى زيادة الرواتب في حادث أمني في العاصمة، قال آبي أحمد، في وقت لاحق: إن "بعض الجنود الذين دخلوا مكتبه لمواجهته بشأن القضية أرادوا قتله".

من المستفيد؟

بطبيعة الحال، فإن الخلفيات السياسية والعرقية لمحاولة الانقلاب الفاشلة تزيح الستار عن المتورطين فيها داخل البلاد، إما رفضا لاستئثار قوميات معينة بمفاصل الحكم، أو مناهضة لتجربة "آبي أحمد" الوليدة، ورغبة في العودة إلى الماضي.

لكن الأمر لا يقتصر على متورطين داخليا، بل يمتد ليشمل من تجمعهم صفة "المستفيد" مما حدث أو مما كان يراد له الحدوث، سواء من قوى إقليمية مجاورة لإثيوبيا أو أخرى دولية.

وبينما لم تلتقط إثيوبيا أنفاسها من محاولة الانقلاب وظهر رئيس وزرائها بالزي العسكري للمرة الأولى، أعلن المجلس العسكري في السودان رفضه المبادرة الإثيوبية بعد ساعات من موافقة قوى الحرية والتغيير عليها مطالبا بدمجها مع مبادرة الاتحاد الإفريقي.

وقال المجلس، إنه وافق على مبادرة الاتحاد الإفريقي بحجة أنها تجد التأييد من جهات عدة  إقليمية ودولية، وخاصة الاتحاد الأوروبي، وأمهل المبعوث الإثيوبي السفير محمود درير، ومبعوث الاتحاد الإفريقي البروفيسور محمد الحسن لبات، 24 ساعة لدمج المبادرتين في مبادرة مشتركة، وتسليمها له.

وشدد المجلس العسكري، المسيطر على البلاد في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير على ضرورة أن تأتي المبادرة "خالية من الإملاءات والحلول الجاهزة، وأن تعمل على خلق مناخ مواتٍ لعودة الفرقاء السودانيين إلى طاولة الحوار مجددا".

وربط كثيرون بين توقيت إعلان الموقف السوداني، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في إثيوبيا، ورأوا أن المجلس كان بإمكانه التمهل في هكذا إعلان إلى أن تهدأ الأمور في أديس أبابا، بل ألمح مراقبون إلى غياب أي تضامن من المجلس تجاه الوسيط الإثيوبي فيما تشهده البلاد.

هؤلاء ذهبوا بعيدا، إلى اعتبار المجلس العسكري السوداني مجرد أداة في يد الاتحاد الإفريقي، من أجل تحجيم طموح السياسي الشاب الذي اتسعت أحلامه من مجرد خلق منطقة سلام بلا مشاكل إقليمية مع دول الجوار، إلى الوساطة بين فرقاء سياسيين لم يستطع الاتحاد أن ينجح في التوفيق بينهم.

الثورة المضادة

ولعل نجاح الوساطة الإثيوبية كان يعني نفوذا عميقا وطويلا لإثيوبيا في السودان، وهو ما لم ترده ربما بعض القوى الخارجية، تلك القوى كذلك لا ترد بطبيعة الحال استقرار الأوضاع في السودان على نحو يمكّن الشعب وقوى ثورته من قيادة الدفة بالبلاد، بعيدا عن ثورة مضادة بات مؤكدا أن المجلس العسكري يمثلها.

هذا السيناريو يأخذنا إلى جهات أخرى مستفيدة من محاولة الانقلاب في إثيوبيا محاربة لديمقراطيتها الناشئة من جهة، ونظرا لارتداداتها السلبية على الوضع بالسودان من جهة أخرى، وهي القوى الإقليمية التي تدعم الثورة المضادة في السودان، وتسعى لتمكينها.

الحديث هنا يرتبط بالمحور الثلاثي، الذي تشكله كل من السعودية والإمارات ومصر، ولعل اللافت في هذا الصدد أن فض اعتصام القيادة العامة في السودان أوائل يونيو/حزيران الجاري، سبقته زيارات ثلاث لمسؤولي المجلس إلى تلك الدول ولقاء قياداتها، الأمر الذي اعتبر بمثابة الضوء الأخضر لفض الاعتصام، ومن ثم السيطرة على الحكم والتراجع عن اتفاقات المجلس مع قوى الحرية والتغيير.

وكان لافتا ما ذهب إليه ناشطون بوسائل التواصل الاجتماعي، أعربوا عن قناعتهم بأن دولا عربية معينة تقف وراء الانقلاب الفاشل الذي شهدته إثيوبيا، سعيا لإفشال الوساطة السياسية التي تقوم بها أديس أبابا لإنهاء الأزمة بالسودان.

الأكاديمية فاطمة الوحش قالت: إن "الاضطراب الغامض في إثيوبيا هو رسالة واضحة إلى آبي أحمد، فالمشاركون في الانقلاب الغبي من صُـنع الخارج، وهدفه توتير الأوضاع في إثيوبيا التي تتحرك بقوة نحو الصلح في السودان والإصلاح في البلاد. إن عملية الصلح ستكشف الكثير الكثير، ابحثوا عن المستفيد ومَـن يرغب في إفشال بناء إفريقيا".

كذلك، فإن حكومة إثيوبيا المنتخبة ديمقراطيا قوة اقتصادية صاعدة في منطقة القرن الإفريقي التي باتت ساحة للصراع والنفوذ الإقليمي العسكري والتجاري، وهو ما يزعج مساعي دولة مثل الإمارات لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة عبر احتكار إدارة موانئها، بل وحتى بناء قواعد عسكرية تمنحها القوة والنفوذ في هذه المنطقة.

تداعيات مزلزلة

تأتي محاولة الانقلاب في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات برلمانية العام المقبل، وعلى الرغم من أن مجلس الانتخابات حذر في وقت سابق من هذا الشهر من أن عدم الاستقرار قد يسبب مشكلة في الاقتراع، فإن عدة جماعات معارضة دعت إلى إجراء الانتخابات في موعدها.

يطرح ذلك تساؤلا عن دوافع ما حدث في هذا التوقيت، وفي أحد أهم ولايات إثيوبيا التسع، وأحد الأقاليم المكونة للائتلاف الحاكم وأكبرها وذي الثقل السياسي تاريخيا، وثاني أكبر منطقة سكانية تواجه نزاعات عرقية.

من جهة، أخرى تُظهر المحاولة الفاشلة وجود عناصر داخلية تناهض سياسات آبي أحمد، وتسعى للزج بإثيوبيا في حالة من الفوضى والتوتر الأمني والانقسام داخل صفوف الجيش.

ولعل مسألة النزاع بين القوميات المختلفة وما تشهده البلاد من أحداث عنف متواصلة تُوجت بمحاولة الانقلاب ربما تؤدي إلى تعطيل برنامج آبي الإصلاحي، وربما فشله في الانتخابات العامة.وعانت إثيوبيا كثيرا من أعمال العنف والحروب الأهلية، لكن تبقى الأوضاع مهددة بالاشتعال بعد محاولة الانقلاب، الدليل على ذلك أنه فور انتشار نبأ المحاولة بدأت أعمال عنف وإطلاق نار في أديس أبابا، وتحدث شهود عن سماع دوي أعيرة نارية قرب مطار بولي الدولي.

ولم تسلم عاصمة ولاية أمهرة "بحر دار" من العنف، إذ استمر إطلاق النار من أسلحة رشاشة تحولت إلى أسلحة ثقيلة بجانب إغلاق العديد من الطرق الرئيسية، وعليه فإن ما يمكن أن يتبع محاولة الانقلاب من عنف عرقي يمثل تحديا جديدا تواجهه إثيوبيا. هذا الوضع الداخلي المأزوم، ربما ينعكس على تفاعلات خارجية تؤثر سلبا على الدور الإقليمي الطموح الذي يسعى إليه آبي أحمد، وفي مقدمته حاليا لعب دور الوسيط لإنهاء الأزمة في السودان.