عودة العلاقات الدبلوماسية بين العراق وسلطنة عمان.. لماذا الآن؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن هناك حلفا جديدا آخذٌ في التشكل، برزت ملامحه عقب الأزمة القطرية الخليجية، حيث تشكّل حلف قطري تركي، وإلى حد ما إيراني عماني. وبحجم التأثير الإيراني في العراق، فإنه من المنطقي أن تنضم العراق إلى هذا المعسكر.

ملامح إعادة العلاقات الدبلوماسية بين مسقط وبغداد التي تبدو ظاهرة في الأفق ربما تأتي في هذا الصدد، وبطبيعة الحال نشأ ذلك الحلف كرد فعل للتحالف الذي جمع السعودية والإمارات والبحرين، سواء في موقفها من الثورات العربية، أو موقفها من قطر.

بالنسبة لعمان ازدادت الحاجة لتشكيل خريطة تحالفات جديدة مع الأزمة المتصاعدة في المنطقة في ظل سعي السعودية إلى الهيمنة بالقرار الخليجي، فوفقا لمجلة الإيكونومست البريطانية، فإن مسقط  تعمل على تشكيل خريطة تحالفات جديدة، بعيدة عن القوى المهيمنة على مجلس التعاون الخليجي، في إشارة للسعودية.

تضيف الصحيفة أن سلطنة عمان تعمل منذ سنوات عديدة، على الحيلولة دون سيطرة السعودية على قرارات مجلس التعاون، ودللت المجلة على ذلك الأمر بتعطيل السلطان قابوس، خططا عديدة للرياض لفرض الهيمنة على دول الخليج، من بينها محاولاتها لتأسيس عملة موحدة.

كما أن مسقط تخشى من تعاظم الطموح السعودي ومحاولته التحكم والسيطرة بقرارها السيادي، كما هو الحال في تلك المحاولات التي نشبت على إثرها الأزمة القطرية.

فتح السفارة

بعد نحو 3 عقود من إغلاق سفارتها في بغداد، أعلنت سلطنة عُمان، الأسبوع الماضي إعادة فتح سفارتها، وأفادت وكالة الأنباء العمانية أن السلطنة "قررت إعادة فتح سفارتها في بغداد لاستئناف عملها الدبلوماسي".

وأشارت السلطنة إلى أن القرار يأتي انطلاقا من الروابط الأخوية والعلاقات التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين". حد بيان وزارة الخارجية العمانية.

إثر ذلك الإعلان، قام وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بزيارة رسمية، هي الثانية لمسؤول رفيع لبغداد منذ العام 1990 أثناء الغزو العراقي للكويت، وكانت الزيارة الأولى قد تمت  في العام 2003 عقب الغزو الأمريكي للعراق.

من جانبها رحبت الخارجية العراقية في بيان بقرار مسقط استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في بغداد، وقالت إن العراق يرى أن هذه الخطوة "تعبر عن حرص الأشقاء في عُمان على تعميق العلاقات الأخوية بين البلدين، والرغبة الجادة في تبادل التمثيل الدبلوماسي بما يحقق المصالح المشتركة، ويقوي أطر التواصل، والتعاون الثنائي، كما تشير إلى تطور إيجابي في الحضور العربي".

حراك دبلوماسي

شهد البلدان حراكا دبلوماسيا واسعا خلال الشهرين الماضيين، وبحسب مسؤول عراقي بوزارة الخارجية في بغداد، فإن الزيارة ذات محورين، الأول يتمركز حول إعادة العلاقة كاملة بين البلدين الشقيقين، والثاني يتناول مسألة التعاون في دفع المنطقة نحو الهدوء وعدم التصعيد، وضرورة تهدئة التصعيد بين واشنطن وطهران، ولعب دور فاعل بهذا الاتجاه".

إعادة العلاقات بين البلدين في هذا التوقيت تدلل على أن الدافع الأول والأبرز كان الأزمة المتصاعدة والتوتر الحاصل بين واشنطن وطهران، وإن كانت مسقط تبرر تأجيل استئناف علاقتها ببغداد، بغياب حالة الأمن والاستقرار في العراق، خلال السنوات الماضية.

مسقط تقول إن ذلك الأمر كان قد دفع عمان للقلق من تجاذب السلطة بين الأحزاب والقوى السياسية في العراق، إلا أن ذلك قد لا يبدو دقيقا، خصوصا أن الرياض أعادت سفيرها إلى بغداد في العام 2015، بعد قطيعة في العلاقات مع العراق دامت ما يقارب ربع قرن، أي منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990.

وشهد البلدان زيارات متبادلة منذ فبراير/شباط 2017، عقب تعيين عادل الجبير وزيرا للخارجية السعودية، كما أن قطر أعلنت في سبتمبر/أيلول 2015 تعيين أول سفير لها في بغداد، منذ إغلاق السفارة قبل نحو 25 عاما،  وبعد التوتر الذي ساد العلاقات بين البلدين، خلال تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء.

جهود الوساطة

قال المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف إن مسقط وبغداد يتفقان في وجهات النظر حول أهم المخاطر والتحديات على مستوى المنطقة، وأنهما سيعملان على بذل جهود التهدئة إزاء الأزمة الحاصلة بين البلدين.

كانت وكالة الأنباء العمانية (أونا) نقلت تصريحا لوزير الخارجية العماني قال فيه: إن "دور مسقط ينحصر في الوساطة، وأن السلطنة في الاتفاق النووي بين أمريكا وإيران احتضنت مفاوضات سرية صبت في مصلحة السلطنة والجميع"، لأن البديل، بحسب قوله، "سيكون كارثة على المنطقة والخليج".

كانت سلطنة عمان أكدت دورها الفعال في وساطة سابقة بين واشنطن وطهران، وذكرت أنها سهلت قنوات للتواصل الأمريكي- الإيراني في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، نتج عنها الإعلان عن الاتفاق النووي بداية 2015، قبل أن يتخذ ترامب موقفا مغايرا من الاتفاق ويعلن الانسحاب منه العام المنصرم.

غير أن السفيرة العمانية في الولايات المتحدة قالت لصحيفة المونيتور إن السلطنة لم تتلقَ بشكل رسمي طلبا بلعب دور للتخفيف من حدة التوتر الأمريكي ـ الإيراني، وأضافت: "لم يتم التوصل بهذا الخصوص مع السلطنة، إلا أنني متأكدة من أنه لو تم التواصل معنا، فسوف نكون سعداء بتقديم المساعدة ولعب دور الوساطة".

يشير استدراك السفيرة العمانية، بأنها لم تتلق طلبا رسميا، إلى أن مسقط تمارس نشاطا دبلوماسيا غير رسمي وأن اللقاءات الثنائية بين مسقط وبغداد بالإضافة إلى المفاوضات السرية التي تجري بين البلدين يمكن تفسيرها في هذا السياق.

مدى الفاعلية

تحدث البلدان عن جهود للوساطة والتهدئة يقومان بها تجاه الأزمة الحالية، غير أن السؤال هو هل البلدان قادران بالفعل على لعب دور الوساطة في الأزمة المتصاعدة التي تشهدها المنطقة، وهل لهما دور مؤثر يمكن أن يسهم بتهدئة الأزمة وإيجاد مخارج تضمن التوصل إلى حلول تنهي التوتر الذي تشهده المنطقة، كما هو إعلان الخارجية العراقية.

يقول الكاتب والصحفي محمد عبد الملك لـ "الاستقلال": "عمان قادرة على لعب دور إيجابي في الوساطة بين البلدين، وعلى أقل تقدير في تنسيق اللقاءات بين المسؤولين من الجانبين، بحكم احتفاظها بعلاقات مع واشنطن وطهران، وكانت مسقط قد قامت بدور إيجابي في التنسيق بين المسؤولين في الأزمة النووية في عهد الرئيس أوباما ما أسفر عن الاتفاق النووي الشهير".

يضيف عبد الملك: "أما بغداد فلا شك، بحكم تطابق رؤاها مع مسقط، سوف يكون لها دور إيجابي، حتى وإن لم يكن فاعلا بالدرجة التي تفضي إلى حل الأزمة، إلا أنه بتضافره مع الجهود العمانية سوف يكون له دور على الأٌقل غير سلبي".

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة صنعاء، الدكتور العراقي قيس النوري، قلل من أهمية الدور العراقي في هذا الصدد، قائلا لـ"الاستقلال": "فعليا العراق ليس لديه القدرة مطلقا على ممارسة أي تأثير على الصعيدين الإقليمي والدولي، للأسباب الآتية:

  1. العراق دولة محتلة بشراكة أمريكية إيرانية، وللطرفين قوات مسلحة في العراق (قوات أمريكية متمركزة في قواعد عسكرية)، ولإيران ميلشيات مسلحة تخضع لأوامرها.
  2. ما زال العراق تحت طائلة العقوبات، حيث لم يرفع مجلس الأمن البند السابع عن العراق.
  3. تشكيلة حكومة بغداد إيرانية بامتياز، ما يعني أن بغداد لا تستطيع أن تكون طرفا محايدا في الأزمة الحالية.

لهذه الأسباب مجتمعة تفتقر الحكومة لمصداقيتها على الصعيد الدولي، ما يؤكد فقدانها القدرة على التأثير أو ممارسة دور فاعل.

يضيف النوري: "أما بالنسبة لعمان فهي عرّاب العلاقات الإيرانية، وسعيها لإعادة فتح سفارتها يخدم حكومة بغداد الخاضعة للأوامر الإيرانية، فالموضوع في تقديري ليس أكثر من قدرة عمان، التي تتمتع بعلاقات طيبة مع طهران، على التنسيق مع أدوات إيران في بغداد".