بعد أزمة "كاريش".. هذه رؤية إسرائيل لمفاوضات ترسيم الحدود مع لبنان

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كشف مركز عبري المقاربة التي يتبناها الكيان الإسرائيلي قبيل انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، لافتا إلى إمكانية حدوث تغيرات كبيرة قد تصل إلى "تطبيع العلاقات حال إتمام العملية".

وقال "المركز المقدسي الأورشليمي" إنه رغم كل الخلافات اتفق البلدان المجاوران على إطلاق عملية المفاوضات من جديد، ما يُنبئ بحدوث مزيد من التعاون في المستقبل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان.

وتوقفت المفاوضات التي انطلقت بين الطرفين عام 2020 بوساطة أميركية جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها.

وبين لبنان وإسرائيل منطقة متنازع عليها تبلغ 860 كلم مربع، بحسب الخرائط المودعة من جانب البلدين لدى الأمم المتحدة، وتعد هذه المنطقة غنية بالنفط والغاز.

 لكن لبنان رأى لاحقا أن الخريطة استندت الى تقديرات خاطئة، وطالب بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومترا مربعة وتشمل أجزاء من حقل "كاريش"، الذي أرسلت إليه إسرائيل قبل أيام منصة عائمة لاستخراج الغاز، مسببة غضبا شعبيا كبيرا في لبنان.

ويشكل ترسيم الحدود البحرية أولوية للبنان الغارق في أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، وتعول السلطات على وجود احتياطات نفطية من شأنها أن تساعد البلاد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي.

عودة المفاوضات

وأشار المركز إلى أنه بعد خلاف دام أكثر من ثلاثين عاما منذ إجراء مفاوضات مهمة بين لبنان وإسرائيل، اتفق البلدان الآن على العودة لإجراء مفاوضات مباشرة بشأن الحدود البحرية المشتركة بينهما.

ففي 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو عن اتفاق البلدين على التفاوض لحل الخلاف على الحدود البحرية المشتركة المتنازع عليها في مياه البحر المتوسط.

كما تم الاتفاق على أن تشارك الولايات المتحدة كوسيط وميسّر بينهما، وأجريت المحادثات في مدينة الناقورة بلبنان، تحت راية الأمم المتحدة التي يستضيفها موظفو مكتب الأمم المتحدة للمنسق الخاص لشؤون لبنان "نجاة رشدي ".

وادعى المركز أن المفاوضات تهدف إلى تغطية منطقة متنازع عليها تبلغ حوالي 330 كيلومترا مربعا، تمتد على منطقة الحدود البحرية بينهما في شرق المتوسط، وتلك المنطقة البحرية غنية بحقول الغاز الطبيعي.

ويدعي البلدان أن المنطقة المعنية تقع ضمن منطقتهما الاقتصادية الخالصة والجرف القاري الخاص بهما.

ووفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تتمتع الدول الساحلية بحقوق حصرية لاستغلالها، والتمتع بالموارد الطبيعية مثل الأسماك والغاز والنفط وغيرها من الرواسب المعدنية على شاطئ البحر، أسفل وداخل المسطح المائي.

ولبنان من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، بينما إسرائيل، على الرغم من مشاركتها النشطة في المفاوضات وصياغة الاتفاقية، لم تصادق عليها أو تنضم إليها.

ومع ذلك، اعترفت إسرائيل بأن أحكام الاتفاقية تعكس القانون الدولي المقبول والعرفي، وبالتالي فهي ملزمة لإسرائيل.

ويشير الخبير في القانون الدولي، السفير الإسرائيلي السابق في كندا، آلان بيكر، إلى أنه  في ظاهر الأمر، يبدو أن المفاوضات المتوقعة بشأن الحدود البحرية هي مفاوضات معيارية وروتينية.

وذلك لحل أي نزاع حدودي بحري بين دولتين متجاورتين على غرار العديد من النزاعات المماثلة التي لا تزال قائمة، خاصة بين الدول المجاورة ببحر الصين الجنوبي. 

حيث يتم حل هذه النزاعات بشكل عام بالرجوع إلى قواعد القانون الدولي المقبولة والتقليدية وذات الصلة لترسيم الحدود البحرية، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.

وأيضا في سلسلة طويلة من السوابق التي تم تحديدها على مر السنين المذكورة في محاكم الحدود الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي.

عداء وشك

ويضيف: ومع ذلك، على عكس المفاوضات المعتادة والروتينية على الحدود بين دول الجوار العادية التي تكون في حالة سلام مع بعضها البعض.

وكما هو الحال مع معظم القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، يسود جو من العداء والشك وانعدام الثقة وتاريخ طويل من الصراعات والإرهاب، ما يجعل هذا الجدل خاصا، مهما كان بسيطا وفريدا.

ويصدق هذا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بعملية تطوير خيارات لحل النزاعات سلميا ذات تداعيات إقليمية قد يكون لها تداعيات بعيدة المدى، في ضوء توقيع "الاتفاقيات الإبراهيمية" الموقعة عام 2020، مع 4 دول عربية.

وتساءل الخبير "بيكر" هل التحليل القانوني لتلك الاتفاقيات يضعها بعنبر اتفاقيات السلام أم اتفاقيات تطبيع العلاقات؟

وزعم أن إبرام مثل هذه الاتفاقيات مع لبنان يعكس إمكانية الفوائد الاقتصادية والتعاون المحتمل حدوثها بين البلدين.

فأولا وقبل كل شيء، وبالنظر إلى التاريخ بين الدول والواقع الحالي في المنطقة، فإن العامل الأهم الذي يمكن أن يقود البلدين إلى حالة مفاوضات ربما يكون الفوائد الاقتصادية المحتملة.

ومن الواضح أن مثل هذه الفوائد الإقليمية الكبيرة الناتجة عن التعاون والتنسيق لن تتحقق في جو يحتوي على تردد وعداء وانعدام ثقة متأصل في أي علاقة سلبية تفتقر إلى العلاقات المدنية وحسن الجوار.

كل هذا يتضح أكثر عندما يكون هناك تردد من جانب الشركات الدولية المشاركة في استثمار الأموال في إنتاج وتسويق الغاز، من استثمار الموارد المالية في منطقة الصراع وعدم الاستقرار السياسي والعسكري.

وبالمثل، فإن الفوائد الأوسع للتعاون بين المناطق الإقليمية المعنية- إسرائيل ولبنان وقبرص ومصر وحتى سوريا وتركيا، يمكن أن تؤدي إلى تعزيز المشاريع الإقليمية مثل نقل الغاز إلى أوروبا وما وراءها.

فضلا عن استغلال وإدارة الموارد الحياتية والحفاظ عليها، مثل مصايد الأسماك والتلوث والحفاظ على البيئة البحرية وبالطبع السياحة التي تربط شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بأوروبا.

احتياطيات كبيرة

ولفت المركز العبري إلى أنه وفقا لتقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية الصادرة في 2010، يبلغ إجمالي الاحتياطيات المحتملة التي لم يتم إنشاؤها في حوض الشام 1.7 مليار برميل من النفط و122 تريليون قدم مكعب من الغاز (3450 مليار متر مكعب).

واكتشاف النفط والغاز في هذه المنطقة يوفر أملا كبيرا للبنان، حيث إن عائدات اكتشافات الغاز البحري والانتقال إلى الغاز الطبيعي كمصدر مستقل للطاقة ستعود بفوائد كثيرة على الشعب اللبناني.

وستساهم بشكل كبير في تمويل الدين العام المرتفع في لبنان، وسيكون أقل اعتمادا على المصادر الأجنبية لاحتياجاته من الطاقة، وسيكون له تأثير إيجابي على البيئة، من بين العديد من الاعتبارات الأخرى.

فمنذ عام 2004، دعا البنك الدولي الحكومة اللبنانية إلى التحول إلى الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة لخفض التكاليف المرتفعة لتوليد الكهرباء، بحجة أنه سيحقق مدخرات سنوية ضخمة ويمنع الإضرار بالبيئة والصحة العامة.

وخلص المركز إلى أنه إذا تمت إدارة المفاوضات بشكل مسؤول، يجب أن تخلق موارد النفط والغاز أيضا فرص عمل، وتزيد الإيرادات وترفع مستويات المعيشة. 

وباختصار، سيؤدي استغلال ثروتها النفطية والغازية إلى تغيير المشهد السياسي والاقتصادي للبلدين، وبالنظر إلى القرب الجغرافي بين لبنان وإسرائيل، فمن الواضح أن نفس التوقعات الاقتصادية ليست أقل أهمية بالنسبة لإسرائيل.

وفي ضوء المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية الحساسة التي تنطوي عليها المفاوضات المتوقعة، وعلى أمل وافتراض أن المفاوضات ستتم بالفعل بحسن نية.

 فمن المرجح أن يسعى الطرفان إلى تسوية ترتيب محدد وموضوعي يضع في الحسبان الاعتبارات الثنائية والإقليمية الأوسع نطاقا، وستمكّن من التنسيق والتعاون الثنائي والإقليمي المستمر.