أكدها مؤيدوه.. ما الجديد في "تسريبات عكاشة" عن أسرار قيس سعيد؟

زياد المزغني | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

فجرت تسريبات منسوبة لمديرة ديوان رئيس الجمهورية التونسي المقالة نادية عكاشة صدمة في أوساط التونسيين لما كشفته من تفاصيل لكواليس قصر قرطاج وإدارة قيس سعيد للدولة قبل انقلابه في 25 يوليو/ تموز 2021، وما تبعه من قرارات.

ولم تعرف حتى اللحظة الجهة التي سربت المحادثات الخاصة المنسوبة لعكاشة، إلا أن النيابة العامة أذنت بفتح تحقيق وإجراء الاختبارات الفنية بخصوص محتوى التسجيلات الصوتية المنسوبة لها.

وعلى مدى أسبوعين نشرت صفحات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي سلسلة تسريبات كشفت فيها عن الجوانب المخفية من شخصية قيس سعيد، وتحكم عائلته، وخاصة “شقيقة زوجته” بالدولة، وهو ما أعاد الجدل حول “حكم العائلة” الذي كان سائدا في تونس، خاصة خلال حقبتي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

وكانت نادية عكاشة (42 عاما) قد أعلنت في 25 يناير/ كانون الثاني 2022 عن استقالتها من منصبها في تدوينة على فيسبوك، أشعلت بها نار الجدل حول الأسباب التي دعتها لذلك، وما يحدث في المحيط الضيق لقيس سعيد.

خاصة وأنها كانت توصف بـ"الصندوق الأسود" و"حاملة أسرار" الرئيس الذي شاركته أبرز محطات مشروعه السياسي منذ دخولها إلى قصر قرطاج في 2019. 

صحة نفسية مضطربة

وفي أهم التسريبات الـ12 المنسوبة لها، قالت نادية عكاشة، إن "نهاية سعيّد ستكون وخيمة جدا لأنه مريض ولا يريد أن يعترف بمرضه، ويصر على ذلك"، وأقسمت أنه "يعاني على المستوى الشخصي والنفسي بشكل كبير جدا".

وأضافت أن "هناك طبيبا يتابع حالته الصحية أكد أنه سيتعرض لأزمة كبيرة مع هذا النوع من الأمراض في حين أنه لا يتلقى علاجا يذكر، والمحيطون به من عائلته وخاصة عاتكة (شقيقة زوجة الرئيس إشراف شبيل) زادوا من معاناته"، مستنتجة أنه "من الطبيعي أن يصل إلى أزمة".

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم التطرق فيها إلى الصحة النفسية للرئيس التونسي، الذي يظهر في أغلب الأحيان متشنجا خلال خطاباته ولقاءاته بزوار قصره من وزراء أو شخصيات وطنية.

ففي المناظرة التلفزيونية التي جمعت بين المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي وسعيد خلال الحملة الانتخابية في الدور الثاني من الانتخابات، لمح القروي إلى مرض قيس سعيد، ليرد عليه قائلا: "أنا أتعهد إن أصبت بمرض خطير فإني سأخبر التونسيين بذلك " .

وفي حديث لإذاعة موزاييك المحلية في 8 سبتمبر/أيلول 2021، أكد الإعلامي محمد اليوسفي، أن الوفد الأميركي الذي استقبله سعيد قبل يومين من حديثه، تضمن طبيبا نفسيا تم تقديمه له على أنه دبلوماسي ضمن الوفد الرسمي.

وتعليقا على التسريبات، قال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي (معارض) غازي الشواش، من حق الشعب التونسي معرفة الحالة الصحية الجسدية والنفسية لرئيس الدولة خاصة بعد أن استحوذ على كل السلطات وأصبح الحاكم بأمره في كل شيء.

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك، أنه في حال حدوث شغور وقتي أو نهائي بالحكم لا نعرف من سيكون البديل في ظل تضارب النص الدستوري مع نص الأمر الرئاسي عدد 117.

حكم العائلة

في الحلقة الـ12 من التسريبات، تطرقت عكاشة إلى موضوع يراه التونسيون من أشد المواضيع حساسية في إدارة شؤون البلاد.

فاكتوى التونسيون لعقود من تدخل العائلة في قرار مؤسسة الرئاسة وتوظيفها لأجهزة الدولة خدمة لمصالحهم، حتى بات نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يوصف بزمن حكم " الطرابلسية" نسبة لعائلة زوجته ليلى الطرابلسي.

وقالت عكاشة في ذلك التسريب، إن علاقة الرئيس قيس سعيد بزوجته القاضية إشراف شبيل، متوترة، مضيفة أنه كان يريد أن يتزوج شقيقة زوجته المحامية عاتكة شبيل.

وأضافت المديرة السابقة للديوان الرئاسي، أن شقيقة الزوجة لها تأثير كبير على الرئيس سعيد، حيث إنه خصص لها غرفة في منزله، مشيرة إلى أن زوجته تحقق كل ما ترغب فيه عن طريق أختها عاتكة.

وأشارت إلى أن “عاتكة تمتلك تأثيرا كبيرا على سعيد، وقد كشف شقيقه نوفل هذا الأمر لصديقه في حركة النهضة النائب محمد القوماني”.

وفي فترة استقالة نادية عكاشة من منصبها بداية عام 2022 ظهر اسم عاتكة شبيل ضمن تقارير صحفية تحدثت عن خلافات عميقة بينها وبين عكاشة.

فبدخول عاتكة شبيل وهي محامية بارزة في مدينة سوسة الساحلية إلى قصر قرطاج، أصبحت كلمتها يحسب لها الحساب، وهي من اقترحت على زوج أختها قيس سعيد أن يعين توفيق شرف الدين في منصب وزير الداخلية وهو زميلها في مهنة المحاماة وتربطه بها علاقة صداقة متينة.

كما كشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية في تقرير لها يوم 27 يناير/ كانون الثاني 2022، بعنوان "خروج نادية عكاشة وتقدم العائلة"، عن الدور الكبير الذي تلعبه عاتكة شقيقة زوجة الرئيس وأنها محامية رجل الأعمال المثير للجدل كمال لطيف الذي تنسب له علاقاته الوطيدة بالدولة العميقة ورجالات نظام بن علي.

وهاجمت عكاشة في تدوينة يوم 24 أبريل/نيسان 2022 قيس سعيد والمحيطين به، وترى أن تاريخ 25 يوليو 2021 لحظة حاسمة في تاريخ تونس استولى عليها من وصفتهم بزمرة من الفشلة لا شرف لهم ولا دين ولا وطنية لهم الذين لا يفقهون شيئا غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل .

وأضافت أن "25 يوليو لحظة حاسمة وقرار تاريخي ومسار وطني كان من المفروض أن يقوم على منهجية واضحة وعلى مسار ديمقراطي جامع وعلى أسس ثابتة لبناء دولة القانون التي تحترم فيه الحريات والمؤسسات".

وتساءلت عكاشة: "أين تونس اليوم من أزمة سياسية خانقة أصبحت تمثل خطرا داهما وجاثما لم تشهد له مثيلا في تاريخها الحديث! أين تونس اليوم من الأزمة الاقتصادية والمالية ومن تعثر إيجاد برنامج إصلاح اقتصادي جدي وواضح ومبني على معطيات صحيحة يمكننا من مناقشة اتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ لماذا لا تكون للإصلاح منهجية علمية وناجعة؟ 

تسريبات صحيحة

وجاء تأكيد صحة هذه التسريبات على لسان أحد المؤيدين لانقلاب 25 يوليو 2021، إذ أكد أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي في تصريح إعلامي، أن صوت المتحدثة في التسريبات هو صوت المديرة السابقة للديوان الرئاسي نادية عكاشة التي يستطيع تمييز صوتها بحكم زمالته لها في مهنة التدريس بالجامعة التونسية، متسائلا: "كيف يتم تعيين هذه المرأة في قصر قرطاج؟".

من جانبه، قال القيادي في حراك "مواطنون ضد الانقلاب" الصغير الشامخ، إنّ "بعض التفاصيل الواردة على لسان عكاشة تؤكد صحة التسريبات. ومضمون التسريبات يفضح سعيد وعكاشة معا"، متسائلا عن الجهة “التي تريد استهداف كليهما؟".

وأضاف الشامخ لـ"الاستقلال": "الحديث عن كواليس الوفد الرئاسي وعن الملف الطبي لسعيد حديث على درجة عالية من الخطورة يمس الأمن القومي للبلد برمته، لماذا لم تتحرك النيابة العمومية؟"

ورأى أن "نادية عكاشة أظهرت بكل بجاحة حجم العبث واستغلال النفوذ الذي كانت تمارسه في القصر وخارجه، لذلك يتضح في المحصلة حجم عبثية نادية عكاشة وعدم كفاءتها لتشغل منصب مديرة الديوان الرئاسي".

وأكد الشامخ أن "هذا كفيل بكشف عبث داخل القصر أكثر فظاعة من الذي كان ينقل على الشاشات تحت قبة البرلمان، ويكشف كذلك حجم الخطر الذي يمثله سعيد ومحيطه على البلد برمته والذي لم يظهر منه قبل الانقلاب وبعده سوى القليل".

وأضاف الناشط السياسي التونسي أننا إزاء حفنة من المنحرفين النرجسيين قاموا بالسطو على السلطة والدولة، ثم تخاصموا فيما بينهم، وأنه من الغباء تصديق قيس سعيد أو الاعتقاد أن نادية عكاشة تقف ضد الانقلاب".

من جانبها، علقت عكاشة على هذه التسريبات في تدوينة عبر فيسبوك بالقول، إنني "ارتكبت أخطاء لأنني لم أكن أعلم مدى انحطاط البعض وقلة المعروف السائدة في الساحة السياسية".

وأضافت: "لا علاقة لي بتاتا بالصفحات التي تتحدث باسمي وتمتهن الثلب والشتم والقدح في أعراض الناس والتي عمدت أخيرا لتشويه رئيس الجمهورية من خلال فبركة وتركيب لصوتي".

وختمت عكاشة بالقول: "لم أقل ما قالوه على لساني ولست من ذلك المستوى المنحط هؤلاء الأشخاص معلومون لدي وسيتحملون مسؤولياتهم كاملة أين ما كانوا".