تقييد "الفيتو".. قصة محاولة أميركا العبث بالأمم المتحدة للضغط على روسيا

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الـ20، تتواصل المطالبات بتغيير النظام العالمي الذي تكون عقب نهاية الحرب العالمية الثانية وإنشاء الأمم المتحدة عام 1945، وتحتكر قراره الدول الخمس الكبرى بمجلس الأمن الدولي.

وتتبنى إمارة ليشتنشتاين الأوروبية و57 دولة أخرى أعضاء بالأمم المتحدة مشروعا يدعو لتقييد حق النقض "فيتو" بمجلس الأمن، الممنوح للدول الخمس دائمة العضوية بالمجلس وهي أميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، والممنوع عن الدول الــ10 غير دائمة العضوية.

وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماع أعضائها، في 26 أبريل/ نيسان 2022، لمناقشة مشروع القانون أو "مبادرة ليشتنشتاين"، الدولة الصغيرة (160 كيلومترا مربعا)، الواقعة بقلب أوروبا فوق جبال الألب ويقطنها 38.749 نسمة.

ويدعو مشروع القانون إلى اجتماع الدول الـ193 الأعضاء بالأمم المتحدة "خلال 10 أيام من استخدام دولة أو أكثر من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الفيتو، وذلك لمناقشة الوضع الذي جرى على أساسه استخدام حق النقض".

أجواء المبادرة

وفي 20 أبريل/ نيسان 2022، أعلنت بعثة ليشتنشتاين لدى الأمم المتحدة في نيويورك عن دعم 57 دولة عضوا بالجمعية العامة لمشروع قرارها، الذي برز للواجهة مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية (اندلعت في 24 فبراير/ شباط 2022).

وجاء المقترح إثر استخدام موسكو حق النقض في 26 فبراير 2022، بمجلس الأمن ضد مشروع قرار أممي يستنكر "عدوانها على أوكرانيا"، كما أنه يأتي في ظل عجز المجلس عن منع الحرب أو وقفها على مدار شهرين كاملين، وهي الحالة التي حذر منها ساسة وقادة وباحثون.

وفي 19 فبراير 2022، وخلال مؤتمر "ميونيخ للأمن"، حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن التطورات في أوكرانيا تشكل خطرا على النظام العالمي الحالي برمته.

ومن الأمم المتحدة في نيويورك، حذر وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، في 23 فبراير، العالم من أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستمثل نهاية للنظام العالمي كما نعرفه، مشيرا لإفلاس نظام الأمن الدولي والمؤسسات الدولية المكلفة بالحفاظ على النظام الأمني ​​العالمي.

لذا فإن "مبادرة لشتنشتاين" تمثل تحديا خاصا بين روسيا وأميركا، التي قالت سفيرتها بالأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد: "يقلقنا النمط المعيب لاستخدام روسيا حق النقض بالعقدين الماضيين"، مؤكدة أن المقترح "خطوة باتجاه المحاسبة والشفافية ومسؤولية الأعضاء الدائمين".

ومعلقا على الخطوة، غرد رئيس مجلس إدارة "مركز مستقبل الخليج" في لندن الدكتور عبدالله الطاير، قائلا: تؤدي "مبادرة ليشتنشتاين" حال إقرارها لإخراج روسيا من المنظمة الدولية، ومن مجلس الأمن، واصفا إياها بأنها "مشروع خطير؛ وفي حالة استهداف روسيا به فلن تكون العواقب سليمة".

وفي صحيفة الوطن العمانية، قال الكاتب إبراهيم بدوي، في 22 أبريل، إن المشروع خطوة مفهومة النيات تسعى إلى تحجيم الفيتو الروسي بمجلس الأمن، وتمرير قرارات سيكون الفيتو الروسي حائلا دون استصدارها.

ويعتقد أن تلك الخطوة لن تتعدى الضغط على موسكو، فواشنطن ليس لديها الجدية الكافية أو القدرة لمواصلة محاولة تغيير النظام الحالي لمجلس الأمن، لأنها من أكثر الدول التي استخدمت هذه الميزة لوقف قرارات تدين تحركها العسكري خارج مجلس الأمن، أو للدفاع عن حليفتها إسرائيل.

ومنح حق النقض الدول الخمس فرصة لحماية مصالحها والتدخل بشؤون العالم منذ عام 1946، إذ استخدم الاتحاد السوفيتي سابقا (روسيا حاليا) حق النقض 143 مرة بنسبة 49 بالمئة، تليه أميركا 86 مرة بنسبة 29 بالمئة، وبريطانيا 30 مرة بنسبة 10 بالمئة، ثم الصين وفرنسا 18 مرة بنسبة 6 بالمئة لكل منهما.

وهو ما يثير الشكوك حول رغبة أي من الدول الخمس في تغيير النظام العالمي، ومدى جديتهم وخاصة واشنطن في تغيير آلية العمل لمجلس الأمن، ويؤكد أن المبادرة وقبول البعض بها هو من قبيل الكيد السياسي لروسيا، أو من باب إظهار الحرص على تطوير النظام العالمي بما لا يضر بمصالحها.

ويتطلب أي تغيير أو إصلاح في أساليب عمل مجلس الأمن الدولي موافقة 9 دول أعضاء على الأقل شريطة ألا يكون هناك استخدام للفيتو من الدول الخمس، وهو ما يجعل عملية إصلاح المجلس صعبة، رغم مطالبة دول عديدة بذلك لسنوات، في مقدمتها تركيا.

وفشل مقترح مماثل في عام 2013، لفرنسا التي استخدمت حق النقض آخر مرة عام 1989، بأن يحد الأعضاء الدائمون بشكل جماعي وطوعي استخدامهم للفيتو حال وقوع فظائع.

سيف على العرب

وبرغم أن "مبادرة ليشتنشتاين" التي تدعمتها واشنطن وباريس وبرلين وطوكيو، ولم يتضح موقف لندن وموسكو وبكين منها، تلزم الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن بتبرير استخدامها للفيتو، ولا تخص زيادة الأعضاء الدائمين إلا أنها تفتح بابا للتغيير المغلق منذ 77 عاما في النظام العالمي منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945.

مراقبون رأوا في المشروع فرصة لإعادة طرح أفكار سابقة لتغيير النظام العالمي، ومناقشة سبل التخلص من سيطرة الخمسة الكبار عليه، ودخول دول صناعية وأخرى مؤثرة، بل وتمثيل الأفارقة والعرب والمسلمين أيضا.

وتحلم دول مثل ألمانيا واليابان والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا بالحصول على عضوية دائمة بمجلس الأمن، وبالتالي اكتساب حق النقض الذي يصنع ويوجه ويغير ويتحكم في السياسات والقرارات والقضايا والأزمات الدولية، وهو ما ترفضه الدول الخمسة صاحبة الفيتو.

وطالما أضر النقض الذي استخدمته واشنطن وباريس ولندن وموسكو وبكين بقضايا عربية وإسلامية وخاصة ملف فلسطين، إذ كانت وما زالت قرارات الفيتو تواصل دعم وحماية الكيان الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين منذ عام 1948، وفي ظل المنظومة العالمية الحالية للأمم المتحدة.

ومن أولى جلساته عام 1946، استخدمت أميركا الفيتو 43 مرة لصالح إسرائيل، فيما كان آخر تصويت لها في هذا الإطار ضد مشروع قرار بمجلس الأمن يرفض إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ديسمبر/ كانون الأول 2017، القدس "عاصمة لإسرائيل" ونقل سفارة بلاده للمدينة المحتلة.

ومنذ التدخل الروسي في سوريا 30 سبتمبر/ أيلول 2015، استخدمت موسكو حق النقض الفيتو 16 مرة لصالح نظام بشار الأسد، فيما استخدمت الصين ذلك الحق 10 مرات لدعم دمشق.

وقدمت موسكو وبكين حماية للأسد من أية عقوبات أو قرارات دولية، وعرقل تصويتهما بالفيتو التحقيقات بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وغيرها من الجرائم، ما أدى لقتل ربع مليون سوري واعتقال 150 ألفا، وفق تقرير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في 17 يوليو/ تموز 2020.

دون جدوى

وفي قراءته للمشهد، لم يعد الباحث السياسي المصري الدكتور ممدوح المنير، المشروع الذي يحظى بتأييد أميركي وفرنسي فرصة تفتح باب الأمل أمام حلم أن يكون للمسلمين والعرب والأفارقة صوت دائم بالمجلس الأقوى عالميا.

مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية بإسطنبول، أضاف لـ"الاستقلال": "لا أرى مبادرة دولة ليشتنشتاين ذات جدوى حقيقية في تغيير نظام حق النقض بمجلس الأمن الدولي".

ولفت إلى أن "نفس المبادرة قادتها المكسيك عام 2013 ووافق عليها 114 دولة وليس 57 فقط كهذه، ومع ذلك ظلت حبيسة الأدراج،  لأنه ليس من مصلحة الدول دائمة العضوية أي تغيير داخل المجلس وخاصة زيادة من يمتلك حق النقض".

ورأى المنير، أن "أي تغيير أو زيادة يعني سحب جزء من نفوذ هذه الدول لصالح دول جديدة فضلا عن زيادة تضارب المصالح بينهم"، متوقعا "ألا يقدموا على مثل تلك الخطوات أبدا".

ومضى يقول: "حتى مشروع القانون هذا أو المبادرة لا يوجد فيه زيادة عدد الدول التي تملك حق النقض، ولكن فقط (مناقشة) الفيتو الذي اتخذ، داخل الأمم المتحدة".

وأوضح الباحث السياسي، أن "الهدف من مشروع مبادرة لشتنشتاين في هذا التوقيت حشد الرأي العام العالمي ضد روسيا في حال استخدامها حق النقض (خلال الأزمة الروسية الأوكرانية) فقط لا غير".

وفي إجابته على التساؤل: هل يعطي المشروع فرصة للدول الداعمة للحق الفلسطيني في مراجعة قرارات الفيتو المؤيدة للكيان المحتل، وتلك المؤيدة لأنظمة عربية قمعية؟ أكد أن "الأمر لا يعدو جزءا من الصراع الدائر بين الغرب وروسيا على جميع الأصعدة".

وأضاف: "وبالتالي لا يمكننا كعرب ومسلمين التعويل على هذه المبادرة في خدمة قضايانا"، مؤكدا أن "الصراعات الدولية يحسمها من يملك القوة بكل أشكالها وليس داخل مجلس الأمن"، مشيرا إلى أن "أميركا احتلت أفغانستان والعراق وسوريا دون غطاء من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة".

وبشأن إمكانية استفادة العرب والمسلمين والأفارقة من أي تغيير محتمل بالنظام العالمي القائم، قال إن النظام العالمي اخترع "حق النقض لإضفاء الشرعية على صراعات القوة والنفوذ والسيطرة بعالمنا، ولن نستفيد منه يوما ما، إلا عندما نمتلك أدوات الردع الكافية".

فرصة للتغيير

ومنذ الهجوم العسكري الروسي ضد أوكرانيا لم ينقطع الحديث عن ضرورة تغيير النظام العالمي، وإصلاح مجلس الأمن والأمم المتحدة.

وفي مقال له 8 أبريل/ نيسان 2022، بصحيفة "ستار" التركية طالب الكاتب التركي صلاح الدين تشاكر جيل، بإصلاح النظام الداخلي لمجلس الأمن، مؤكدا أن هناك عصابة من خمسة بلدان تستخدم الفيتو كـ"حق القتل"، وهو ما يسمح به النظام الداخلي لمجلس الأمن.

وأوضح أن المجلس أسير في يد مراكز القوة، مشيرا لطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مرارا بإصلاح مجلس الأمن وحق الفيتو وتأكيده أن "العالم أكبر من خمس دول".

وعلى نفس المنوال، وفي مقال بموقع "الميادين" أكد المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإسرائيلي أليف صباغ، في 18 مارس/ آذار 2022، أننا أمام نظام عالمي جديد حتما بعد الحرب الروسية.  

ولفت إلى أن الأمم المتحدة عاجزة عن منع الحرب أو وقفها، أو حتى التوسط بين الأطراف المتحاربة، مشيرا إلى أن المنظمة الدولية تحولت لأداة مطيعة تخدم نظاما أحادي القطب، وأن مصلحة الشعوب المقهورة، المسلوبة الإرادة والسيادة، تكمن في استعادة التوازنات الدولية.

وعن مدى نجاح "مبادرة لشتنشتاين" توقع الحقوقي والباحث في الشأن العربي نبيل أبوالياسين، في تصريح صحفي في 23 أبريل 2022، أن تعيد المبادرة ثقة الشعوب لمجلس الأمن.

وأكد أن الأعضاء الخمسة الدائمين استخدموا حق النقض لحماية مصالحهم، ومصالح حلفائهم السياسيين، والعسكريين على حساب دماء الشعوب وتدمير الدول، والبنية التحتية.

ورأى أن "التفويض الدائم لمناقشة الجمعية العامة عندما يتم الإدلاء بحق النقض في مجلس الأمن"، وهو محاولة لتقويض حق النقض في خطوة قد تحظى بدعم 193 دولة والدعم الشعبي بالعالم.

من جانبه، وصف خبير السياسة الدولية الروسي تيمور دويدار، مبادرة ليشتنشتاين بـ"الأمر السيء"، قائلا: "ليشنشتاين بصغرها تريد أن تحدث ثورة في النظام العالمي وإدارته"، مضيفا: "ربما لديها مقترحات أخرى لإعادة هيكلة النظام العالمي والأمم المتحدة برمتها".

وفي حديث لموقع "عربي21" نشره في 23 أبريل، أكد أنه "لا يستطيع أحد سحب حق النقض من الأعضاء الخمسة الدائمين".

ومن الناحية القانونية، لا يحتوي ميثاق الأمم المتحدة على طريقة لعزل أو إخراج عضو دائم في مجلس الأمن. 

ومع أن ميثاق الأمم المتحدة ينص، في مادته السادسة، على أنه "إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة"، إلا أن ذلك لا يكون إلا "بناء على توصية مجلس الأمن".

وطبعا، روسيا، وهي عضو دائم فيه وتتمتع بحق النقض، لن تصوت أبدا على قرار يتيح طردها من الأمم المتحدة.

ولم يحدث قط، في تاريخ الأمم المتحدة، أن طردت دولة منها، مع أنه جرى تعليق عضوية بعض الدول فيها، بموجب المادة الخامسة من الميثاق، كما في حالة جنوب إفريقيا تحت حكم نظام الفصل العنصري، ما بين أعوام 1970-1974، ولم تشارك في أنشطة الجمعية العامة إلا عام 1994 بعد انهيار نظام الأبارتهايد فيها.

لكن، حتى تعليق العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يحتاج موافقة مجلس الأمن، إذ تنص المادة الخامسة على أنه "يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قبله عملا من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها.

ويكون ذلك بناء على توصية ‏مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا". وهذا يعني أن أي محاولة لتعليق عضوية روسيا ستكون شبه مستحيلة.