بعد سيطرة النظام السوري عليها.. هكذا تحاول إيران التغلغل دينيا بمحافظة درعا

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بدأت محافظة درعا مهد الثورة السورية تظهر عليها ملامح المحاولات الإيرانية لنشر التشيع فيها عقب سيطرة النظام السوري عليها بشكل شبه كامل أواخر أغسطس/آب 2021.

إذ تعمل إيران حاليا عبر تفعيل الأدوات الناعمة، لكسب ود الأهالي في مناطق محافظة درعا جنوبي البلاد، وذلك بأشكال متعددة بتسهيل من شخصيات محسوبة على طهران ومقربة من النظام السوري.

لم تكن درعا الملاصقة للحدود مع الأردن وإسرائيل، بمنأى عن رغبة إيران في التغلغل فيها دينيا، أسوة ببقية المناطق السورية الأخرى، التي نجحت طهران فيها في الترويج الفعلي للتشيع وجر الأهالي للدخول إلى هذا المذهب الدخيل على بلدهم.

تأهيل الخطباء

ووفقا لـ"تجمع أحرار حوران" المعارض، فإن مديرية الأوقاف التابعة لنظام الأسد في درعا، ترسل عددا من خطباء وأئمة المساجد لحضور دورات ثقافية دينية، تنظمها المستشارية الثقافية الإيرانية في العاصمة دمشق التي تأسست عام 2009.

ونقل التجمع في تقرير نشره بتاريخ 17 مارس/ آذار 2022، عن أحد خطباء المساجد في ريف درعا الشرقي، دون ذكر اسمه لأسباب أمنية، قوله، إنه حضر دورة لمدة 15 يوما في المستشارية الإيرانية.

وتضمنت الدورة وفق الخطيب محاضرات حول الفقه في المذهب الشيعي، كما جرى توزيع مكتبة من الكتب الفقهية للمذهب لكافة الحضور في نهاية الدورة.

وتلعب المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق دورا في رسم إستراتيجية التشيع في سوريا، ولهذا أسست مليشيا الحرس الثوري الإيراني عام 2018 المركز الثقافي الإيراني في دير الزور، وفتحت فروعا للأخير في المحافظات السورية.

ويشرف المركز منذ افتتاحه بشكل مباشر على نشر التشيع في سوريا، كما أنه من أجل القيام بتسهيل تنقلات أعضاء المركز القادمين من إيران، قامت المستشارية بشراء منازل وفنادق وعقارات في العاصمة دمشق وبعض المحافظات.

وتعد جمعية "الزهراء" التي أسستها طهران في محافظة حلب عام 2013 بدوافع خيرية مزعومة، أحد أوجه القوة الإيرانية الناعمة في درعا حاليا.

وافتتحت جمعية الزهراء في مدينة درعا، نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، من قبل ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في سوريا، "أبو الفضل الطباطبائي".

وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، أصدر مرسوما عام 2016 عين بموجبه أبو الفضل الطباطبائي الاشكذري، ممثلا عنه في سوريا، خلفا لآية الله سيد مجتبى حسيني الذي عين ممثلا للولي الفقيه في العراق.

وأوضح التجمع أن للجمعية علاقة في التنسيق لعمليات التشيع، مع مجموعات نشر التشيع الموجودة في بلدة قرفا في ريف درعا الأوسط، والتي تقوم بالتنسيق معها حاليا من أجل التحضير لتوزيع وجبات إفطار خلال شهر رمضان.

من جهة ثانية، تعمل الجمعية، من خلال بعض أعضائها على شراء العقارات لمصلحة مكتب خامنئي في سوريا، حيث تقوم الجمعية بتمويل عمليات الشراء، وخاصة في مدينة درعا، وعلى الأوتوستراد الدولي، وفي محيط مدينة درعا.

وتجري عمليات الشراء والتسجيل بأسماء أشخاص محليين مقربين من أجهزة الأمن السورية، وبتسهيل من دائرة السجل العقاري في مديرية العقارات في المحافظة التي باتت أحد أهم بؤر الفساد، وفق "أحرار حوران".

وتشير معلومات، إلى أن الجمعية تعمل على تجنيد عناصر من أبناء المحافظة في جناحها العسكري "أسود جمعية الزهراء"، حيث يجري إيكال مهام أمنية لهم تتعلق بإجراء دراسات لمصلحة مكتب أمن مليشيا "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، والإشراف على تنفيذ بعض عمليات الاغتيال.

مشروع مدروس

وتنبع أهمية درعا بالنسبة لإيران لقربها من الحدود مع إسرائيل، ولكونها البوابة الكبرى المطلة على الأردن والسعودية ودول الخليج العربي.

ومنذ عام 2012 عملت إيران على استمالة أبناء الطائفة الشيعة إليها في درعا من مدن بصرى الشام والسهوة وكحيل والمزيريب ومن داخل أحياء درعا المدينة.

وتمكنت طهران من دفع بعض الشباب إلى الانضمام إلى مليشيا حزب الله اللبناني ضد أبناء محافظتهم.

وتصب إيران تركيزها على الجنوب السوري منذ تدخلها في سوريا عام 2012 لإنقاذ رئيس النظام بشار الأسد من السقوط عقب قيام ثورة شعبية ضده تفجرت من مدينة درعا في 18 مارس 2011.

وكانت أولى خطوات إيران في التغلغل عبر الحضور العسكري، إذ نشرت هناك مجموعات من مليشيا حزب الله اللبناني، وعناصر وضباط من مليشيا الحرس الثوري الإيراني، إذ تتخذ الأخيرة من ملعب البانوراما في مدينة درعا مقرا لها.

كما توجد قوات من مليشيا الحرس الثوري داخل معظم القطع العسكرية الرسمية التابعة للنظام السوري، والتي تشتهر المحافظة بكثرة انتشار ألوية مدفعية ودفاع جوي للنظام السوري، وكذلك منصات إطلاق صواريخ وقواعد عسكرية حساسة داخل الحدود الإدارية لدرعا.

واستطاعت إيران تجنيد نحو ثلاثة آلاف عنصر من شباب درعا ضمن مليشياتها، وتمنحهم رواتب ومساعدات، ويشرف عليهم الحرس الثوري الإيراني، ومعظمهم من مقاتلي فصائل المعارضة السورية التي حلتها روسيا بموجب اتفاق التسوية الأمنية الأول مع المعارضة عام 2018.

وفي سبتمبر/أيلول 2021 شهدت درعا إبرام التسوية الثانية، التي شملت بعض عناصر الفصائل المحلية المعارضة، وجميع الشباب والمطلوبين لمخابرات الأسد في درعا، ومنحتهم بطاقات تمكنهم من التنقل وعدم التعرض لهم من قبل الحواجز الأمنية.

نقطة الثقل

وأنشطة إيران الجديدة في درعا في نشر التشيع والتمهيد له عبر حملات مدروسة، سبقها تشكيل نقطة للثقل الإيراني بصبغته الدينية الشيعية، في بلدة قرفا في ريف درعا الأوسط.

إذ أصبحت مساجد البلد أشبه بحسينيات شيعية يتسلم الخطابة والإمامة فيها شخصيات مقربة من إيران؛ الأمر الذي ولد حالة من النفور لدى الأهالي والتي تضطر بعضهم لحضور صلاة الجمعة في بلدة أخرى.

أو الامتناع عن ارتياد مساجد البلدة، في حين يشارك البعض في الصلوات التي تقام في مساجد البلدة الثلاثة خوفا من تعرضهم للأذى والاعتقال أو فصلهم من وظائفهم في الدوائر الحكومية.

ووفقا لتجمع "أحرار حوران"، فإن إيران حولت مسجدا في قرفا إلى حسينية رسمية تحت اسم "الوحدة الإسلامية". 

وتسهل إيران في كل مناسبة تخص المذهب الشيعي، مثل يوم عاشوراء وغيره، وصول العديد من الشخصيات الإيرانية والعراقية واللبنانية الشيعية إلى بلدة قرفا لأداء طقوسهم وإحياء بعض الشعائر.

وتقدم أذرع طهران في قرفا مساعدات إغاثية ومالية لمن يشاركهم في المناسبات الشيعية، وهي إحدى طرق استقطاب الأهالي، وخاصة الأطفال والشباب لنشر التشيع، كما يجري تقديم مبلغ مالي يقدر بـ50 ألف ليرة سورية (12 دولارا) لكل فرد يحضر الدروس الدينية التي تقام في المساجد.

ويؤكد التجمع أن إيران اعتمدت على خطيب أحد المساجد في قرفا ويدعى "زيدان الغزالي" في نشر التشيع، إذ عمل الغزالي على إدارة ملف التشيع في المنطقة الجنوبية لصالح إيران منذ عام 2000.

وخرج في العديد من البعثات إلى إيران وأصبح الرجل الأول لهم في المنطقة؛ بسبب قيامه بشراء الأراضي وبناء الحسينيات وإنشاء الحوزات في عدة مدن وبلدات بمحافظة درعا.

وتنبع خصوصية بلدة قرفا، من أن أحد أبرز الضباط الأمنيين لنظام الأسدين الأب والابن، وهو اللواء رستم غزالة ينحدر منها، وقتل الأخير بشكل غامض في 24 أبريل/ نيسان 2015 في سوريا.

حينما كان يشغل قبل شهر من مقتله منصب رئيس جهاز الأمن السياسي في البلاد، وهو من ركائز النظام، إذ ترأس جهاز الأمن والاستطلاع السوري في لبنان، وهو من المتهمين في قضية اغتيال رفيق الحريري عام 2005.

لكن حاليا يبرز اسم شقيق رستم وهو العقيد عمر، في تشكيل غرفة عمليات مركزها بلدة قرفا لإدارة مشاريع إيران في الجنوب السوري، ويديرها من مكان إقامته في العاصمة دمشق.

وأبرزها تجنيد الخلايا من معظم مناطق المحافظة براتب للعنصر الواحد يبلغ مئتي دولار، من أجل نقل وتأمين شحنات المخدرات لصالح حزب الله اللبناني، خاصة في المناطق الحدودية مع الأردن، بحسب "تجمع أحرار حوران".

وتكثف إيران شراء العقارات في حي درعا المحطة، وعلى الطريق الدولي أوتوستراد دمشق – عمان، وفي المناطق المحيطة بالجامعات الخاصة، قرب جباب وغباغب، حيث توجد هناك نقاط عسكرية للمليشيات الإيرانية.

ورقة رابحة

وفي هذا الإطار يؤكد المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف لـ "الاستقلال"، أنه "لا يمكن لإيران أن تتمدد إلا عبر وسائل ناعمة تغري بها السكان وتغسل دماغهم كما هو حاصل في بعض أحياء حلب ودمشق ودير الزور".

وأوضح أنها بذلك "تضرب عصفورين بحجر واحد، الأول كسب الحاضنة الشعبية، والثاني القضاء على فكر الانتفاض والعداء بالنسبة لنظام الأسد".

وأضاف الشريف أن "ما يغري إيران أكثر في الوجود في درعا هو القرب من حدود الجولان السوري المحتل من الكيان الصهيوني منذ عام 1967، ما يشكل ورقة رابحة في معادلة الصراع مع إسرائيل على النفوذ".

 ولفت إلى أن "مليشيات إيران هي من قادت عملية اقتحام أحياء درعا البلد وحصارها حتى أجبرتهم على توقيع تسوية مصالحة مع الأسد، وخرقت بذلك اتفاق التسوية الموقع عام 2018 بين المعارضة وروسيا، والتي كشفت مجريات الأحداث كيف سهلت موسكو تمدد طهران في الجنوب السوري".

ويسير "التشيع" الذي تقوده إيران في سوريا، برعاية نظام الأسد، منذ أن سمح عام 2014 بافتتاح مدارس "شرعية شيعية" لتعليم مذهب الشيعة الاثني عشرية، بعدما كان تدريس المذهب السني هو السائد.

كما أن حاجة رأس النظام السوري بشار الأسد، لإيران لإنقاذه من السقوط، جعل من طهران تتمدد أكثر في البلاد، ليس عسكريا بل ثقافيا ودينيا، بحيث حققت على مدى عشر السنوات الماضية ما لم تحققه زمن الأسد الأب.

فتدخلت إيران عسكريا بالبلاد في عام 2012، وكان وجود مقام "السيدة زينب" في دمشق، هو العنوان الأبرز الذي استغلته طهران، للزج بالمليشيات الأجنبية للقتال تحت شعارات طائفية تخفي وراءها حلم الوصول إلى البحر المتوسط.

"لن تسبى زينب مرتين"، كان هذا الشعار كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.

وحاليا حي "السيدة زينب" جنوبي دمشق، تحول بعد عقد من الزمن لأضخم معقل محصن لمليشيات إيران في قلب العاصمة، حيث تقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط بالحرس الثوري.

واتخذت إيران من مسألة الدفاع عن "المقامات" حجة لجذب المليشيات الشيعية من كل أصقاع العالم إلى سوريا، إلى أن بلغ تعداد أفراد تلك المليشيات ما بين أجنبية ومحلية نحو مئة ألف، ينتشرون في دمشق وريفها ودير الزور وحلب وحمص وحماة والجنوب السوري.