درعا منذ مطلع 2022.. لهذه الأسباب ضاعف الأسد عمليات اغتيال المعارضين

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يمضي النظام السوري في تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف القادة العسكريين المعارضين بمحافظة درعا جنوبي البلاد، في مؤشر جديد على تخلخل اتفاقية التسوية الأمنية هناك بوساطة روسية.

إذ تتهم التشكيلات العسكرية المحلية في درعا، ذات الأهمية الإستراتيجية على الحدود الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، مخابرات رئيس النظام السوري بشار الأسد في تنفيذ الاغتيالات التي زادت منذ مطلع عام 2022 وركزت على شخصيات ذات ثقل محلي.

وشكلت هذه الاغتيالات أولى بوادر إخلال النظام بضبط المشهد الأمني في المحافظة، لا سيما أن اللجنة الأمنية التابعة له جمعت منذ مطلع سبتمبر/أيلول 2021 السلاح من الفصائل المحلية المعارضة.

كما أبرمت معهم تسويات أمنية شملت جميع الشباب والمطلوبين لمخابرات الأسد، ومنحتهم بطاقات تمكنهم من التنقل وعدم التعرض لهم من قبل الحواجز الأمنية.

اغتيالات حساسة

وتصاعدت عمليات الاغتيال منذ مطلع عام 2022، إذ وثقت 24 عملية ومحاولة أسفرت عن مقتل 19 شخصا، وإصابة خمسة، ونجاة خمسة آخرين.

وكان لمدينة طفس في ريف درعا الغربي، النصيب الأكبر من عمليات الاغتيال، إذ قتل ستة أشخاص، وأصيب اثنان آخران معظمهم عناصر سابقين في فصائل الجيش الحر المعارض.

واللافت أن شهر فبراير/شباط 2022 شهد عمليات اغتيال غير مسبوقة، طالت شخصيات لها ثقلها العسكري المحلي في عموم محافظة درعا.

إذ اغتال مسلحون مجهولون القيادي السابق في الجيش الحر "إسماعيل شكري الدرعان" في 21 فبراير 2022 عن طريق استهدافه بطلق ناري مباشر في بلدة المليحة الشرقية في ريف درعا الشرقي، ما أدى إلى مقتله على الفور.

ووفقا لـ "تجمع أحرار حوران" المعارض، فإن "الدرعان" يعد أحد أهم الشخصيات المعارضة المطلوبة للأفرع الأمنية في محافظة درعا، خاصة بعد رفضه إجراء "تسوية أمنية" مع اللجنة الأمنية التابعة للنظام التي شكلت لهذا الغرض.

إذ قاد مدير مخابرات الأسد اللواء حسام لوقا منذ مطلع سبتمبر 2021 عبر اللجنة الأمنية التابعة للنظام التي يرأسها أيضا، حملة جمع فيها سلاح المقاتلين السابقين في صفوف المعارضة، وأدخل الجميع ضمن "قوائم التسوية"، باستثناء بعض العناصر.

كما جرى اغتيال "جمال شرف" القيادي السابق للواء "أهل العزم" التابع للجيش الحر، على يد مجهولين أطلقوا عليه الرصاص المباشر في مدينة نوى بريف درعا الغربي، في 19 فبراير/شباط 2022 ما أدى إلى مقتله على الفور.

واللافت أن "شرف" أجرى التسوية مع النظام بعد سيطرته على الجنوب السوري في يوليو/تموز 2018، وبقي في نوى، ليشارك بعشرات الاجتماعات مع الضباط بهدف تحصيل حقوق أهالي المدينة، كان من أبرزها تشكيل لجان محلية لحماية الممتلكات الخاصة من السرقات.

واتهم أهالي مدينة نوى وفق ما نقل "تجمع أحرار حوران" ضباط المفارز الأمنية فيها بالوقوف خلف اغتيال "جمال شرف".

وجاء ذلك نتيجة إلقاء الأخير القبض على عصابة اعترفت على ضباط من قوات النظام بالعمل في السرقات والابتزاز المالي وعمليات اغتيال أخرى بحق أشخاص من المدينة المذكورة.

كما قتل عضو اللجنة المركزية لريف درعا الغربي "مصعب البردان"، متأثرا بجراح أصيب بها إثر استهدافه بإطلاق نار مباشر من قبل مجهولين في بلدة عتمان شمالي درعا، في 10 فبراير 2022.

ويؤكد ناشطون محليون، أن اللجنة المركزية تقف حجرة عثرة أمام توغل إيران في المحافظة بشكل أساسي، وقد اغتيل عدد من أعضائها وأبرزهم إياد بكر والشيخ أحمد البقيرات والشيخ محمود البنات، فيما نجا كثيرون من الاغتيال.

ويتركز عمل اللجنة المركزية في التفاوض مع النظام وروسيا، وهي تتشكل من وجهاء بارزين في محافظة درعا بينهم شيوخ دين وأيضا قيادات سابقة في فصائل الجيش الحر، ولها قبول كبير لدى الأهالي وتتولى عنهم مهمة التواصل مع الروس وضباط الأسد لحل أي إشكاليات تقع في المحافظة.

كسر الرمزية

وفي هذا السياق، نقل "تجمع أحرار حوران" عن قيادي سابق في فصائل المعارضة لم تذكر اسمه لدواع أمنية، أن وتيرة الاغتيالات ارتفعت أخيرا بهندسة من أفرع النظام الأمنية.

وبين أن تلك الأفرع تسعى إلى إثارة الفوضى والفتن في المحافظة عموما وفي مدينة طفس خصوصا كونها عمود المنطقة وإحدى المدن التي مازالت تقف في وجه مخططات النظام ومليشياته الإيرانية.

ولفت القيادي السابق إلى أن "معظم عمليات الاغتيال التي حصلت أخيرا نفذت بواسطة عناصر محلية عملت سابقا في فصائل الجيش الحر وأجرت تسوية مع النظام في يوليو 2018، وحصلت بعدها على بطاقات أمنية تابعة لفرع الأمن العسكري، بقيادة مباشرة من رئيسه العميد لؤي العلي".

وأخضعت أحياء "درعا البلد" لنفوذ النظام أواخر أغسطس/آب 2021 بعد اتفاق مع الأهالي برعاية روسية كاملة، تجنبا لتهجيرهم نحو الشمال السوري.

وعقب ذلك بدأت المرحلة الثانية من الإمساك الأمني بالمحافظة التي تعد مهد الثورة السورية التي اندلعت في مارس/آذار 2011.

وأشرف آنذاك على العملية مدير مخابرات النظام السوري اللواء حسام لوقا، الذي شهد بنفسه على سحب السلاح من أهالي درعا (تبعد عن العاصمة دمشق 120 كم).

ويقدر ناشطون محليون أن روسيا تمكنت من إجراء عمليات تسوية أمنية لما يزيد عن 14 ألف مطلوب للنظام السوري بينهم 10 آلاف مدني منذ أغسطس/آب 2021.

وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني، لـ "الاستقلال" أن "تكثيف النظام عمليات اغتيال قادة الفصائل جاء لأسباب عدة أبرزها كسر الرمزية المعنوية للقوة العسكرية الثورية والذي كان هؤلاء القادة جزءا أو عناصر مهمة ضمنها".

 وثانيا، "لإرهاب من هم أدنى من هؤلاء القادة ثورية ومناهضة للنظام وفق المبدأ القائل -اضرب القوي يهاب الضعيف-، بالإضافة إلى امتلاك هؤلاء القادة الخبرة العسكرية المزدوجة، فهم أقدر على تقدير الموقف العسكري لقوات الأسد بعد خوضهم المعارك ضده"، وفق حوراني.

وأوضح الباحث أن "هؤلاء القادة يعرفون في الوقت نفسه من أين تأكل كتف الأسد، عبر التخطيط والتنفيذ لقيادة العمليات مستقبلا ضده، وهو ما يتخوف منه النظام السوري، ويحسب حسابه؛ لذلك نراه يصر على تهجير المسلحين من المنطقة عند بداية كل محطة".

وأد المؤثرين

باتت الشخصيات العسكرية المؤثرة التابعة للمعارضة السورية التي بقيت في محافظة درعا، أمام خيار واحد هو اللعب سياسيا مع جهاز مخابرات الأمن العسكري بقيادة العميد لؤي العلي، أو الانضمام بشكل كامل إلى "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة، والتابع لمليشيا الفيلق الخامس الروسي، وفق مراقبين.

و"الفيلق"، هو تجمع لمقاتلين وفصائل معارضة، عقب توقيع اتفاق التسوية مع روسيا بمحافظة درعا في يوليو 2018.

ومع ذلك فإن هذا الخيار لهؤلاء القادة وضعهم في موضع التهمة أمام أبناء درعا، وأيضا لكونهم لم يستطيعوا كسب ود النظام السوري عقب التسوية الجديدة.

فهناك طائفة من العسكريين السابقين في المعارضة السورية الموجودين في درعا، ما يزالون يحملون فكر المواجهة مع النظام.

وهذا ما يدفع مخابرات الأسد لتكثيف حركة الاغتيالات للضغط على أي محاولات عسكرية ضده في محافظة كان كل آماله أن يغيب صوت الرصاص فيها نهائيا، وتتحول إلى بوابة اقتصادية له تصله بالأردن ومنها إلى دول الخليج.

إلا أن الواقع الميداني ما يزال يشي بوجود نواة تصعيد ضد النظام السوري ومحاولات لم يشتد عودها بعد، لقلب المعادلة العسكرية من جديد في هذه المحافظة.

ويحكم ذلك وجود تيارين في درعا، الأول ينادي بمقارعة النظام السوري من جديد، والثاني يميل إلى المضي في التسوية، والخضوع لرغبات الأسد.

وهذا بحكم أن روسيا حددت شكل المحافظة أمنيا وعسكريا وتركت "اللواء الثامن" كتشكيل عسكري لا يتفق مع الأسد، ولا يصطدم معه بل يحاول الحفاظ على هيكليته، التي بناها تحت إشراف ومراقبة الروس الذين يشكلون المرجعية العسكرية له، وليس وزارة دفاع النظام السوري.

في المقابل، يواجه عناصر وقادة الفصائل المعارضة معاداة شديدة من "لؤي العلي" الذي يلعب على وتر تغذية النعرات بين هؤلاء داخل مدنهم، لا سيما أنه يفشي أسرار بعض الاجتماعات التي تجرى مع القادة العسكريين، لدرجة أنه نجح في إشعال اقتتال بين أبناء البلدة الواحدة.

عملية استدراج

وهذا ما ركز عليه المحلل السوري العسكري، العميد عبد الله الأسعد بقوله لـ "الاستقلال": "ما جرى في درعا أخيرا ليس مصالحة أمنية بل عملية استدراج بعد عدم تمكن النظام من السيطرة على فصائل المعارضة، ولذا لجأ إلى هذه الالتفافة عبر تلك التسويات".

ولفت العميد إلى "أن مصالحات عام 2021 هي استكمال لما فعله خالد المحاميد (معارض سوري مقيم بالإمارات) والمعروف في الجنوب السوري بكونه عراب المصالحات وهو رجل روسيا بالمنطقة من أجل إنجاز التسويات عام 2018".

وأضاف قائلا: "عقب ذلك جرى اللجوء رويدا رويدا إلى عمليات الاغتيال عبر فرع الأمن العسكري وخلايا أخرى مجندة مخابراتيا من قبل النظام السوري".

وذهب الخبير العسكري للقول إن النظام كثف عمليات الاغتيال عقب تسويات 2021 لكي لا تعاد الكرة مرة أخرى التي حدثت عام 2018 حينما لجأ من رفض التسويات إلى خيار المقاومة، وبذلك يعمل أولا على تصفية القادة العسكريين من الجيش السوري الحر سابقا".

ورأى العميد أمام الحالة الجارية في درعا أنه: "لا يوجد شيء اسمه مصالحة مع النظام، هذه خدعة حرب لأنه ليس لديه اعتراف بالثورة السورية، وما يريده هو فقط بقاء بشار الأسد وأخيه ماهر على رأس هرم السلطة".

ويتفق المحلل العسكري السوري العقيد إسماعيل أيوب، مع الأسعد، من أن "كل عمليات الاغتيال منذ سقوط درعا حتى الآن نفذتها مخابرات الأسد، لكونه لا يؤمن بالمصالحة أو التعايش السلمي، بل يؤمن فقط بسيطرة البوط العسكري والحديد والنار، وبالتالي هذا ينطبق على هؤلاء الذين حملوا السلاح ضده عقب الثورة".

وقال أيوب لـ "الاستقلال" إنه لدى مخابرات الأسد في درعا قائمة اغتيالات مدرج فيها أسماء كل من حمل السلاح ضده وكل من قال له "لا".

وبالتالي ما نراه من عمليات اغتيال تحصل بمعدل من 30 إلى 35 شهريا، وفق تقديره.

وأردف: "هو هنا يتبع تكتيكا بعدم قتلهم في يوم واحد حتى لا يثير حفيظة المجتمع الدولي وخاصة أن روسيا أعطت وعودا للولايات المتحدة والدول المحيطة بأن يكون ضبطا لإيقاع الحالة الأمنية في درعا".