مع حرب أوكرانيا.. ما إمكانية اعتماد أوروبا على قطر والجزائر في استيراد الغاز؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تستعد شركة سوناطراك الجزائرية العملاقة للمحروقات لتزويد الاتحاد الأوروبي بالمزيد من الغاز، في حال تراجع الصادرات الروسية مع الأزمة الأوكرانية.

ويجرى ذلك من خلال توجيهها بشكل خاص عبر خط أنابيب الغاز الذي يربط الجزائر بإيطاليا، وفق ما تقول مجلة جون أفريك الفرنسية.

وكما قال الرئيس التنفيذي لها، توفيق حكار لصحيفة ليبرتي (جزائرية تصدر بالفرنسية)، فإن سوناطراك هي "مُورد غاز موثوق للسوق الأوروبية ومستعدة لدعم شركائها على المدى الطويل في المواقف الصعبة".

وأضاف خلال مقابلة نشرت في 27 فبراير/شباط 2022 أن الإمدادات الإضافية من الغاز الطبيعي أو المسال تظل مع ذلك معتمدة على "توافر الكميات الزائدة بعد تلبية طلب السوق المحلي" و"الالتزامات التعاقدية" للشركاء الأجانب.

وتتسبب أزمة الطاقة في أوروبا، والتي تفاقمت بسبب التوترات مع روسيا، في دفع القارة العجوز إلى البحث بأماكن أخرى عن المزيد من الغاز الطبيعي.

لكن المشكلة الحقيقية ليست في مجرد العثور على موردين جدد، ولكن أيضا في كيفية إيصال الغاز إلى الدول.

تعتمد أوروبا على الواردات لتزويدها بالغاز الطبيعي، وهذه السلعة لا يمكن أن تصل إلا من خلال طريقين.

إما من خلال خطوط الأنابيب التي تضمن أمن الإمدادات بتكلفة أقل أو عبر ناقلات الغاز المسال التي تسمح بالشراء في السوق العالمية ولكن بتكلفة أعلى.

وتقول المجلة الفرنسية: "تظل روسيا تاريخيا أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي".  

وبعد خلافات، كانت أوكرانيا طرفا فيها في عامي 2006 و2009 والتي أعقبتها توترات عام 2014 تتعلق بكييف، سعى الاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتماده على واردات الغاز الطبيعي الروسي.

الغاز العابر

بحسب توفيق حكار، فإن سوناطراك "لديها قدرة غير مستخدمة على خط أنابيب الغاز ترانسميد" والتي يمكن استخدامها "لزيادة الإمدادات إلى السوق الأوروبية". 

يمكن لخط أنابيب الغاز هذا أن ينقل ما يصل إلى 32 مليار متر مكعب سنويا، أي أربع مرات أكثر من خط أنابيب الغاز ميدغاز الذي يتجه نحو إسبانيا.

أوروبا هي "السوق الطبيعي المفضل" للجزائر التي تساهم حاليا بنسبة 11 بالمئة من وارداتها من الغاز"، كما يؤكد توفيق حكار.

وقال عبد المجيد عطار وزير الطاقة الجزائري الأسبق المدير التنفيذي السابق لسوناطراك إن "الجزائر تصدر 22 مليار متر مكعب كحد أقصى عبر أنبوب الغاز ترانسميد"، مما يترك قدرة 10 مليارات متر مكعب للتصدير.  

ويمكن أيضا تسييل الغاز وإرساله عبر ناقلات الغاز الطبيعي المسال، علما أن "وحدات التسييل الموجودة في الجزائر تعمل فقط بنسبة 50/60 بالمئة من طاقتها"، بحسب عطار.

ويمر خط الغاز ترانسميد عبر تونس في اتجاه إيطاليا مع دفع مقابل لذلك إلى الدولة التونسية.

 وبحسب وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نويرة الغونجي، فإن الإتاوة التي تحصلها تونس على مرور الغاز الطبيعي الجزائري على أراضيها إلى إيطاليا ستدفع، بحسب توقعات عام 2022، نحو 500 مليون دينار (1 دولار = 141 دينار جزائري).

و"ترانسميد" هو عبارة عن خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر، يربط الجزائر بإيطاليا عبر تونس إلى صقلية.

واليوم تعدّ الجزائر ثاني أكبر مصدر للغاز إلى إيطاليا، بعد روسيا مباشرة، تقول مجلة جون أفريك.

أيضا، ما يقرب من 45 بالمئة من الغاز الذي تستورده إسبانيا وتستهلكه يأتي من الجزائر. 

وذكرت وسائل إعلام إسبانية أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" يعمل على تقييم إمكان بناء خط أنابيب غاز من شأنه أن يمد الغاز الجزائري والغاز المسال إلى السوق الأوروبية "للتخفيف من اعتماد أوروبا الوسطى على الغاز الروسي".

وسيكون هذا هو مشروع "ميدكات" الذي ألغته السلطات الإسبانية والفرنسية في عام 2019، لانخفاض ربحيته، بسبب التفضيل المتزايد للطاقات المتجددة.

إذا استمر المشروع الذي تبلغ قيمته 400 مليون يورو (457 مليون دولار)، فقد تصبح شبه الجزيرة الإيبيرية منصة توزيع وتخزين الغاز عبر ثمانية مصانع لإعادة تحويل الغاز، تقع في إسبانيا والبرتغال.

الغاز الصخري

مع ذلك، لم تستطع الجزائر بمفردها "تعويض الانخفاض في إمدادات الغاز الروسي"، كما يشير الخبير، مقدرا أنها يمكن أن "تزود الاتحاد الأوروبي بملياري أو ثلاثة مليارات متر مكعب إضافية" بحد أقصى.

وسعت الدول الأوروبية أخيرا للحصول على إمدادات بديلة للغاز الروسي. واتجهت الأنظار إلى أستراليا والولايات المتحدة، وكذلك إلى قطر، المنتج الكبير للغاز الطبيعي المسال.

البدائل المتاحة أمام الأوروبيين تطرح العديد من المشاكل اللوجيستية لنقل الغاز، وفق تقدير المجلة.

إذ تكمن المعضلة مثلا في توريد الغاز المسال القطري لأوروبا، بأنه لا يمكن للدوحة التخلي عن عملائها الآسيويين الذين ترتبط معهم بعقود طويلة الأجل، وذلك بالتوازي مع رفض الاتحاد الأوروبي إبرام عقود طويلة تمتد 10 أو 15 أو 20 عاما.

وصرح وزير الطاقة القطري سعد الكعبي في مؤتمر منتدى الدول المصدرة للنفط الذي احتضنته الدوحة، إنه لا قطر ولا أي دولة منفردة أخرى لديها القدرة على أن تسد الفراغ أو تحل محل إمدادات الغاز الروسية لأوروبا بالغاز الطبيعي المسال.

وأضاف أنه نظرا لأن معظم كميات الغاز القطرية محجوزة في عقود طويلة الأجل في الغالب لمشترين آسيويين، فإن ما يمكن تحويله للشحن إلى أوروبا يتراوح بين 10 و15 في المئة فقط.

لكن في "المدى المتوسط​​، في غضون أربع أو خمس سنوات، ستكون الجزائر قادرة على إرسال كميات أكبر"، كما يتابع عبد المجيد عطار.

واعتبر أنه من الضروري تطوير احتياطيات جديدة تتكون أساسا من الغاز غير التقليدي (الصخري).

وتقول المجلة: "تُخطط الجزائر لاستثمار 40 مليار دولار بين 2022 و2026 في التنقيب عن النفط وإنتاجه وتكريره وكذلك التنقيب عن الغاز واستخراجه". 

وتعتمد أوروبا على روسيا في نحو 40 في المئة من الغاز الطبيعي الذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب يامال-أوروبا الذي يعبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا، ونورد ستريم 1 الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي، مرورا بأوكرانيا.

وقد أثيرت في الأيام الماضية التساؤلات بشأن إمكانية تخلي أوروبا عن الغاز الروسي بالكامل خصوصا بعدما فرضت واشنطن عقوبات على الشركة المسؤولة عن بناء خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 2) الروسي الذي لم يعمل بعد.

وعلقت ألمانيا بدورها التصديق على ذات المشروع بسبب الأزمة بين روسيا والغرب.