تسريب عن قرب العودة لاتفاق 2015.. ما انعكاسات رفع عقوبات إيران على المنطقة؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع تسريب مسودة الاتفاق النووي، التي تقترب الأطراف من إقرارها في المفاوضات المنعقدة في فيينا، والتي تشير إلى العودة للنسخة القديمة من اتفاق عام 2015، برزت تساؤلات بخصوص انعكاس ذلك على منطقة الشرق الأوسط وأزماتها المتعددة.

وتتدخل إيران في أربعة بلدان عربية (اليمن، سوريا، العراق، ولبنان) من خلال مليشيات موالية لها، إضافة إلى اتهامات تطالها من دول خليجية عدة أبرزها السعودية، بالوقوف وراء دعم هجمات مليشيا الحوثي اليمنية بالصواريخ والطائرات المسيرة لقصف أراضيها.

وبدأت قبل شهور مباحثات في فيينا بين إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق (فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا) وبمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة.

وتهدف المباحثات إلى إحياء الاتفاق النووي، مقابل عودة أميركا لاحترام كامل التزاماتها بموجب اتفاق 2015 الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب وفرض عقوبات على طهران.

مسودة الاتفاق

ونشرت وكالة "رويترز" البريطانية في 17 فبراير/ شباط 2022، مسودة للاتفاق نقلا عن مصادر دبلوماسية لم تسمها، مكونة من 20 صفحة وتتضمن سلسلة إجراءات.

تبدأ بوقف إيران عمليات تخصيب اليورانيوم فوق نسبة نقاوة 5 بالمئة، وهي نسبة قريبة من المدرجة ضمن الاتفاق النووي السابق، والبالغة 3.67 بالمئة.

كما تنص المسودة على إلغاء تجميد نحو 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في بنوك كوريا الجنوبية بموجب العقوبات الأميركية.

وتشمل أيضا إطلاق سراح الأسرى الغربيين المحتجزين في إيران، وفق المقترح الذي قدمه كبير المفاوضين الأميركيين روبرت مالي، شرطا للصفقة.

وبمجرد تنفيذ تلك المرحلة الأولية من الإجراءات والتيقن منها، ستبدأ المرحلة الرئيسة لرفع العقوبات، وتتقدم تدريجا حتى تبلغ لحظة "إعادة التنفيذ"، في إشارة إلى العودة للاتفاق الأصلي.

لكن الإطار الزمني لتطبيق تلك الإجراءات ليس محل اتفاق بعد، وفق رويترز.

رغم ذلك، قدر مسؤولون أن المدة المقدرة بين يوم إعلان صيغة الاتفاق والعودة إلى الاتفاق الأصلي تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر، غير أنه لا تزال الاتفاقية المقترحة بانتظار قرار إيراني نهائي، وستكون الأيام القليلة المقبلة حاسمة.

وتشمل القضايا التي لا تزال محل استعصاء مطالبة إيران بضمانات ألا تنسحب الولايات المتحدة مرة أخرى، بينما يقول مسؤولون غربيون إن منح ضمانات من هذا القبيل "يبقى أمرا شديد الصعوبة، في ظل تعسر إلزام الإدارات الأميركية المستقبلية".

ومع ذلك، نقلت رويترز عن دبلوماسي من الشرق الأوسط ومسؤول إيراني، أن طهران منفتحة على قبول إجراء، وهو "أنه في حال انتهاك الولايات المتحدة الاتفاقية، فسيسمح لإيران بالتخصيب على نسبة 60 بالمئة من النقاوة مرة أخرى".

لكن إيران نفت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زادة، ما نقلته رويترز، مؤكدة أن الاتفاق النهائي لعودة واشنطن للاتفاق النووي "مختلف جدا" عما وصفته بـ"التقرير المحرف".

واعتبرت أن نشر "المعلومات الخاطئة" عبر الإعلام "عمل خطير".

وقال خطيب زادة أيضا خلال تصريحات صحفية نشرتها وسائل إعلام إيرانية في 17 فبراير 2022: "مع اقتراب الأيام الأخيرة (من المفاوضات) علينا أن نتوقع المزيد من التحريف".

تكرار العبث

وبخصوص قرب العودة للاتفاق النووي وانعكاسه على المنطقة، قال الكاتب الصحفي البحريني عبد الله الجنيد إن "إيران تحصلت عبر المفاوضات على تحقيق انتصار معنوي داخليا، وفرضت اعترافا دوليا بمكانتها الجيوسياسية رغم تصنيفها (الدولة الأولى عالميا في دعم الإرهاب) من الولايات المتحدة وغالبية حلفائها الإستراتيجيين".

وأضاف الجنيد خلال مقال نشرته صحيفة "الاتحاد" الإماراتية في 20 فبراير 2022 قائلا: "ها نحن الآن على أعتاب إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران وإعلان إدارة الرئيس جو بايدن أن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي لا يلزمها بتصديق جديد من الكونغرس".

وزاد: "حيث إنه قد جرى التصديق عليه عام 2015. في حين أن إدارة بايدن هي من رفع سقف اشتراطات العودة لهذه الاتفاقية، واعتبرت عدم انصياع طهران والقبول باشتراطاتها ضربا من الخيال السياسي".

واستدرك: "إلا أن واشنطن هي من تراجع ولجأ إلى تقديم محفزات مالية (الإفراج عن حسابات مجمدة لدى أطراف دولية وحسابات بالدولار)، وذلك تحفيزا لطهران على الانخراط الكلي في المحادثات".

ولفت الصحفي البحريني إلى أن المسودة المسربة لم تتطرق للسلوك الإيراني العبثي بأمن جوارها المباشر، أو استمرارها في تطوير وتزويد وكلائها بأسلحة متطورة (مسيرات، صواريخ باليستية، تمويل، غطاء سياسي)، في حين أن إدارة بايدن هي من تبنى ذلك في مقاربة تعكس توافقا مع حلفائها الإقليميين".

ومضى بالقول: "إلا أن جملة الضغوط الداخلية والدولية التي ترزح تحتها واشنطن (تأخر إنجاز التعافي الاقتصادي، الفشل في احتواء الصين وروسيا، أزمة الطاقة بأوروبا، تراجع شعبية الديمقراطيين) هو ما يدفع إدارة بايدن بالعودة لاتفاق عام 2015".

ورأى الجنيد أن "التدثر بعباءة العودة للاتفاق النووي مع إيران لن يتسع لاحتواء كل ما سبق من إخفاقات أميركية داخليا وخارجيا، إلا أن السمة الأبرز في الشخصية الأميركية الحديثة، هو إصرارها على تجاهل الأخطاء بدل مراجعة إنجازاتها السياسية بالمقارنة مع ما تحقق بفضل مكانتها إلى حين انهيار الاتحاد السوفييتي، وفضل حلفائها في ذلك الإنجاز التاريخي".

استمرار النفوذ

وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي الأردني عامر سبايلة، أنه "لن يكون هناك أي تغيير على المشهد السياسي بالشرق الأوسط بعودة طهران للاتفاق النووي، خاصة وأن إيران لم تقدم أية تنازلات تتعلق بنفوذها السياسي بدول بالمنطقة".

ونقل تقرير صحفي في 20 فبراير عن سبالية قوله: إننا سنشهد "إعادة حسابات من دول المنطقة، سواء كانت حليفة لإيران أو متضررة منها، وإعادة ترتيب الدول لملفاتها، حيث سنشهد بناء علاقات مباشرة ومصالحات مع إيران، أو بناء تحالفات لمواجهة طهران في المنطقة خاصة في ظل تراجع الدور الأميركي".

من جهته، قال المحلل السياسي السوري علي رجب، إن المشهد في الشرق الأوسط "سيكون أقرب لما كان عليه بعد اتفاق 2015، حيث قد يزيد نفوذ إيران في المنطقة ودعمها لمحورها المعروف بمحور المقاومة، وهو ما قد يعني تأزم الأوضاع في دول تشهد صراعات مثل اليمن وسوريا وحتى لبنان، إذ إن الإفراج عن أموال إيران المجمدة يعني أن طهران ستزيد دعمها لأذرعها بالمنطقة".

وأكد رجب خلال تصريحات صحفية في 20 فبراير، أن "عودة الاتفاق هو إخراج النظام الإيراني من الانعاش، وسيكون هناك مرحلة نقاهة لمعرفة مدى قدرة طهران على ضبط سياستها الخارجية مع جيرانها، وإذا تكرر مشهد ما بعد 2015 فإن الأوضاع ستشهد تأزما في المنطقة".

ولفت إلى أن المعلومات تشير إلى وجود مفاوضات جارية بين السعودية وإيران بوساطة بغداد، إضافة إلى انفتاح إماراتي على إيران، ناهيك عن وجود علاقات جيدة مع عُمان وقطر والكويت.

لكن المحلل السياسي الإيراني حسين روريان، رأى خلال تصريح صحفي في 20 فبراير، أن ما سيحدث هو "عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، من خلال رفع العقوبات وبهذا ستعود إيران إلى التزاماتها السابقة تجاه البرنامج النووي".

ونوه إلى أن "المشهد السياسي للشرق الأوسط قد يشهد تغييرا بعودة الاتفاق النووي، حيث ستقل حدة الخلافات في المنطقة، وإمكانية التفاهمات ستكون أكبر وسنشهد انفراجات سياسية خاصة مع الدول الحليفة للولايات المتحدة".

وشدد روريان على أن "عودة الاتفاق النووي تعني بالضرورة لجوء دول المنطقة لحل خلافاتها بدبلوماسية، خاصة في الملفات التي تتعلق على سبيل المثال بسوريا والعراق واليمن وغيرها من دول المنطقة".

نتائج عكسية

وعلى الصعيد ذاته، رأى الكاتب الأردني تاج الدين عبد الحق، أنه "بعيدا عن ارتدادات تجديد الاتفاق على الشارع الإيراني، وعلى الثمن الذي ستدفعه المعارضة الإيرانية من حصيلة نضالها المتراكم، فإن الاتفاق بين واشنطن وطهران بالعودة إلى الاتفاق النووي، يفتح الباب أوتوماتيكيا أمام مرحلة جديدة في العلاقات الإقليمية، وفي تطور الأزمات المؤثرة في تلك العلاقات".

وأفاد خلال مقال نشره موقع "إرم نيوز" الإلكتروني في 24 يونيو/ حزيران 2021 بأن "الانفراج في علاقات طهران بالمجتمع الدولي قد تكون له نتائج عكسية على العلاقات الإقليمية. فإيران لا تكتفي بالثمن السخي الذي حصلت عليه برفع العقوبات، بل تريد ثمنا من دول الإقليم على شكل اعتراف بدورها في إدارة شؤون الإقليم، وإضفاء شرعية على تدخلاتها السياسية والعسكرية فيه".

وبحسب عبد الحق، فإن "إيران سعت دائما إلى إبعاد تدخلاتها في شؤون المنطقة عن دائرة الاهتمام الدولي، وكانت ترفض على الدوام الربط بين اتفاقها النووي مع المجتمع الدولي وبين تدخلها في عدد من دول الإقليم، ويبدو أن تجديد الاتفاق بمعزل عن التورط الإيراني في الأزمات الإقليمية، يعني أنها نجحت في عزل وتحجيم التأثير الدولي على دور إيران في الإقليم".

وأضاف أن "دول المنطقة تدرك، وهي تتابع عن كثب المفاوضات بين إيران والمجتمع الدولي، أن رياح هذه المفاوضات تجري عكس ما تشتهي سفن المنطقة، وتجد هذه الدول أن يد الحوار التي مدتها لإيران منذ بدء الحديث عن تجديد الاتفاق النووي، تواجه حاليا صعوبات محبطة ومعيقة لبدء ذلك الحوار".

وزاد الكاتب قائلا: إن "إيران التي أبدت تصلبا في كل مراحل المباحثات النووية، تشعر اليوم، وقد ظفرت بالتجديد أنها متحررة من أي ضغوط مماثلة في حوارها الإقليمي. بل إن إيران تجد نفسها، بدلا من ذلك، في موقع من يمارس الضغوط على جيرانها، من خلال تدخلاتها السافرة، ونشاطها العسكري الذي يهدد أمن المنطقة".

وخلص عبد الحق إلى أنه "في ظل هذا الجو المفعم بالشكوك، ورغم غياب الثقة يبقى ترتيب العلاقة مع إيران  مطلبا خليجيا، وأولوية لدول المنطقة بالرغم من التداعيات الخطيرة لتجديد الاتفاق النووي، وبالرغم من النتائج السلبية المحتملة التي قد تنتج عن إحياء ذلك الاتفاق".

وتعقد في المرحلة الحالية الجولة الثامنة من المحادثات بين إيران والأطراف المعنية بالاتفاق النووي، وهي أطول الجولات ضمن محادثات فيينا، وقد انطلقت في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وتوقفت خلالها المفاوضات ثلاث مرات.

وتؤكد جميع الأطراف أن المفاوضات قد دخلت مرحلتها الأخيرة، وأن الاتفاق بات رهين قرارات سياسية للطرفين الرئيسين، الأميركي والإيراني، اللذين يرميان الكرة كل إلى ملعب الآخر بالقول إن على الطرف الآخر اتخاذ تلك القرارات.