خرجوا عن صمتهم.. هل فطن اليمنيون إلى ألاعيب وخطط التحالف؟

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

الضغوط الشعبية والوقفات الاحتجاجية لأبناء المهرة، نجحت أخيرا في رفع الإقامة الجبرية، التي فرضتها الأجهزة الأمنية السعودية، على محافظ المهرة السابق ووزير الدولة الحالي محمد بن كدة.

الإقامة الجبرية على بن كدة التي رفعت قبل نحو أسبوعين، واستمرت لما يقرب من شهرين، جاءت إثر تصريحات ووقفات احتجاجية مناهضة للوجود السعودي في المهرة، ما دفع الحكومة الشرعية لاستدعائه، وفرض الأجهزة السعودية الإقامة الجبرية عليه.

الأجهزة الأمنية والاستخباراتية السعودية تمنع السفر على المسؤولين اليمنيين الذين يدلون بتصريحات تنتقد السياسات السعودية في اليمن، أو تقع على الضد من أجندتها، كما تفرض الأجهزة الإماراتية قيودا على المسؤولين اليمنيين الذين يدلون بتصريحات رافضة للأجندة الإماراتية في اليمن.

وزير الدولة صلاح الصيادي صرح في مارس/آذار 2018 أن قوات التحالف السعودي والإماراتي تمنع عددا من المسؤولين اليمنيين من العودة إلى اليمن، وأنه تعرض لضغوطات إماراتية على خلفية تصريحاته، وهو الأمر الذي دفعه لتقديم الاستقالة، غير أن الرئيس هادي لم يقبلها.

وكان مصدر حكومي قد أفاد للجزيرة أن هناك قائمة تتضمن 129 اسما من المسؤولين اليمنيين، عممتها القوات الإماراتية على مطاري عدن وسيئون والمنافذ المؤدية على مدينة عدن.

تكتل رافض

تواترت التصريحات المناهضة لسياسة وأجندة التحالف السعودي الإماراتي، ومع أنها حالات فردية لمسؤولين يمنيين إلا أنها بدت كما لو أنها تشكل تيارا قد يسفر عن تكتل منظم رافض لأجندة التحالف الذي انحرف عن الأهداف التي أعلنها بداية شنه العملية العسكرية في اليمن.

آخر تلك الأصوات هو الهجوم الذي شنه نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، على التحالف العربي مايو/آيار المنقضي، قائلا: "إننا تشاركنا مع التحالف العربي في الحرب على الحوثيين، وليس الشراكة في إدارة المناطق المحررة، كما أن اتفاقنا مع التحالف هو الزحف على الحوثيين باتجاه الشمال، وليس الزحف باتجاه الشرق".

وأضاف: "نحن مازلنا دولة، ولابد أن يناط بمؤسسات هذه الدولة إدارة كل المناطق المحررة، ويجب أن يعلم الأشقاء في التحالف العربي أن هناك من رجالات الدولة من لديه الجرأة ليقول لهم إن السير معوج، ويجب أن يستقيم الحال".

ودعا الميسري مسؤولي الدولة إلى عدم الخجل، قائلا: إن "الخجل في مصير الأمم لا يصنع دولا، والأيادي المرتعشة لا تستطيع أن تصيغ مسودة استقلال الدول"، داعيا إلى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الشرعية والتحالف.

الأسبوع الماضي هاجم المسؤول السابق في الرئاسة اليمنية، ومستشار وزير الإعلام اليمني حاليًا، مختار الرحبي، مسؤولا إماراتيا، على حسابه في تويتر قائلا: "إن ما تقوم به الإمارات ليس حماية للشرعية، بل محاولة للسيطرة على جزيرة سقطرى، وميون وميناء عدن وغيرها".

جاء التصريح ردا على تغريدة المسؤول الإماراتي ومستشار ولي عهد أبو ظبي، الدكتور عبد الخالق عبد الله، على خلفية التصريحات التي أطلقها نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، أحمد الميسري، والذي اتهم التحالف بإفشال الحكومة في إدارة المحافظات المحررة.

طرد الإمارات

في هذا السياق شن محافظ المحويت الدكتور صالح سميع المقيم في الرياض هجوما لاذعا، هو الأعنف، على الأجندة الإماراتية في اليمن، ووصفها بالممارسات الرعناء والغبية، متهما الإمارات بإرباك المشهد في اليمن، وتصرفها بلؤم مستغلةً حاجة اليمن للمساندة.

وكشف سميع، لأول مرة، أن الشرعية لم تطلب الدعم من الإمارات، كما تدعي، وأنها طلبت المساندة من السعودية فقط، ودعا إلى ضرورة الاستغناء عن خدمات الإمارات، ما لم تغير أجندتها، وتقف مع الشرعية في دحر الانقلاب.

الدكتور سميع دعا الإمارات إلى مراجعة دورها في اليمن، وعدم ملشنة (عمل ميليشات) المحافظات الجنوبية، والعمل الجاد على دحر الانقلاب، والخروج من الوهم بأن الشرعية تشكل تهديدا مستقبليا، مطالبا الرئيس هادي بالاستغناء عن خدماتها، وإنهاء دورها في اليمن.

وهدد سميع باللجوء لقواعد القانون الدولي، والرفع إلى الأمم المتحدة بما تمارسه الإمارات في اليمن، إذا لم تع ِهذه المشكلة، وأن الأسابيع القادمة سيحصل فيها تغيير جوهري، حيث وصلت المسألة حدَّ كسر العظم، حد قوله.

وضع مزري

ومن قبله صرح المسؤول الأبرز والمستشار في رئاسة الجمهورية عبد العزيز جباري، في مقابلة تلفزيونية، أنه يمكن هزيمة الحوثيين بسهولة، لكن التحالف غير جاد في هزيمتهم، وهزيمة مشروعهم.

وأبدى جباري انزعاجه من العلاقة الغامضة بين التحالف والحكومة الشرعية، وإنشاء ودعم فصائل مسلحة على حساب وجود الحكومة، في إشارة للأحزمة الأمنية والتشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في المحافظة الجنوبية.

جباري لم يتجاهل "الوضع المزري الذي وصلت إليه الحكومة الشرعية، وتآكل وجودها على الأرض، وصيرورتها إلى حكومة ديكورية لا يستطيع أعضاؤها القيام بواجباتهم، ولا يقدرون على العودة إلى اليمن، وممارسة مهامهم" حسب وصفه.

لم تكن تصريحات جباري الذي قدم استقالته من منصبه كنائب رئيس للوزراء، ووزير للخدمة المدنية، هي الوحيدة التي أشار فيها لدور الإمارات، فقد صرح من قبله وزير النقل صالح الجبواني بضرورة تصحيح العلاقة بين الحكومة وتحالف الرياض ـ أبو ظبي، بعد 3 سنوات من تدخل التحالف في اليمن.

وأضاف أن التحالف واجه اتهامات بأن عملياته لم تؤد، في الواقع، إلا إلى مفاقمة الأوضاع، سواء من حيث التسبب بمقتل آلاف اليمنيين أو تدهور الوضع الإنساني أو مزيد من إضعاف الحكومة الشرعية.

يقظة متأخرة

يبدو أن هذه التصريحات مثلت يقظة لدى بعض المسؤولين الذين أدركوا، وإن بشكل متأخر، أن التحالف له أهداف وأجندة لا تتعلق بالأهداف التي أعلنها عند قيامه بشن العملية العسكرية في اليمن.

الكاتب والصحفي شاكر خالد قال لـ"الاستقلال": "أدرك بعض المسؤولين أن التحالف يعمل على إطالة أمد الحرب والاستفادة من الفراغ السياسي الذي تسبب به في اليمن، لتمرير أجندته التي لم يكن قادرا على تنفيذها منذ عشرات السنوات".

وأضاف: "نأمل أن تعمم هذه الصحوة المتأخرة على بقية المسؤولين وتدفعهم للقيام بمسؤوليتهم في الحد من العبث السعودي الإماراتي في اليمن، بنفس القدر الذي يعملون فيه لإنهاء انقلاب ميلشيا الحوثي.

وفي حين لقيت تلك التصريحات ارتياحا كبيرا من قبل عدد كبير من اليمنيين، إلا أنها تدلل، وفق مراقبين، أن خلافا غير معلن يضرب تحالف الرياض أبوظبي، وقد يسهم بفض التحالف بين الدولتين.

يقول الكاتب والصحفي محمد اللطيفي لـ"الاستقلال": "الهجوم الذي شنه مسؤولون يمنيون على أبو ظبي، يشير إلى أننا أمام ما يمكن أن يسمى شركاء متشاكسون"

ويضيف اللطيفي نحن أمام تنافس غير معلن بين الدولتين لم يصل بعد إلى حد التصادم، لكن الملاحظ للعلاقة بينهما يدرك أن هناك شرخا آخذا في التوسع في العلاقة بين الدولتين، ربما يسفر في النهاية عن فض التحالف بينهما.

دراسة لمعهد كارينغي لدراسات الشرق الأوسط، أعدها الخبير المتخصص بشؤون الشرق الأوسط نيل بارتريك بعنوان "الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن" قالت إن السعوديين يخشون من أن تنتزع الإمارات مواطئ قدم إستراتيجية، وتقوض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي التقليدي للمملكة.

يضيف بارتريك، تشتد هذه المخاوف بسبب "الدور المتوسِّع تدريجياً الذي تؤديه الإمارات في البحر الأحمر"، في إشارة منه إلى القواعد العسكرية الإماراتية الموجودة في شرق إفريقيا وجزيرتي ميون وسقطرى اليمنية.

وأوضح أن "تلك الخلافات ولّدت، أحياناً، تنافساً على النفوذ، وتسبّبت حتى باندلاع نزاعات، حيث خاض الإماراتيون وحلفاؤهم اليمنيون معارك ضد مقاتلين يمنيين مدعومين من السعودية وموالين للرئيس هادي للسيطرة على ميناء عدن، وحال هذا القتال دون تمكّن الإمارات من تنفيذ خطتها بالتقدّم شمالاً نحو تعز".