الصين كانت بانتظارها.. كيف أكملت باكستان النظام الإقليمي الجديد في أوراسيا؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع أميركي أن باكستان تخطط للتحرر من التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة والسعودية، من خلال عقد تفاهمات وتحالفات مع دول إقليمية في مقدمتها الصين.

واعتبر موقع "أورواسيا ريفيو" أن التطورات الإقليمية المتمثلة في انسحاب أميركا من أفغانستان واستيلاء حركة طالبان عليها أدى إلى تعظيم مصالح باكستان والصين.

وسيتجه هذا الوضع الجديد نحو تحالف إقليمي مؤثر يضم أيضا إلى جانب باكستان والصين، كلا من إيران، وتركيا، والعراق، وسوريا.

مقاربة إستراتيجية

وذكر الموقع أن الخلافات وسوء التفاهم مع السعودية والولايات المتحدة بشأن التطورات في المنطقة على مدى العقدين الماضيين مهدت الطريق أمام باكستان لتحرير نفسها تدريجيا من قيود السياسة الخارجية التي تمليها واشنطن والرياض.

واتسع الخلاف بين باكستان والرياض مع منع البرلمان الباكستاني في عام 2015 الجيش من الانضمام إلى تحالف تقوده السعودية لمحاربة المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

فلم تنجر إسلام آباد إلى أي طرف في حرب اليمن، وشكل ذلك تحديا خطيرا للعلاقات السعودية الباكستانية، واشتد ذلك عندما لم تدعم السعودية باكستان بعد قرار الهند إلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير في صيف عام 2019.

وأدى تصاعد التوترات بين البلدين إلى خلافات دبلوماسية وعقوبات اقتصادية-مالية سعودية على باكستان، وهو ما كان حدثا غير مسبوق في العلاقات بين البلدين.

إذ طالبت السعودية باكستان بسداد جزء من أحد القروض قبل الموعد المحدد له بعد قطع مساعدتها المالية، وهو مطلب لم تستطع إسلام آباد تلبيته.

وأشار الموقع إلى أن انتخاب جو بايدن في أميركا مثل فرصة ذهبية لباكستان لأن نهج سلفه دونالد ترامب الإقليمي كان يهدف لتقليص دور باكستان في أفغانستان.

وتعرضت باكستان لضغوط سياسية واقتصادية كبيرة خلال رئاسة ترامب، إذ قطع المعونة العسكرية والمالية الأميركية عن إسلام آباد بحجة دعمها الإرهاب.

وقطع الملياري دولار مثل ضربة كبيرة لاقتصاد باكستان، لكنه فشل في تعطيل خطط البلاد الإقليمية.

وفي النهاية، أدرك ترامب أن الأهمية الإستراتيجية لأفغانستان بالنسبة لباكستان كانت أكثر من ملياري دولار، وقرر في النهاية التواصل مع طالبان للحفاظ على موقع واشنطن وإسلام آباد في المنطقة.

الصين حاضرة

وأوضح الموقع الأميركي أن موقف الولايات المتحدة الإيجابي تجاه باكستان من أجل تغيير المشهد في أفغانستان عبر جلب طالبان إلى السلطة، مثل فرصة جيدة للصين.

فعقدت الصين الجولة الثانية من المحادثات الإستراتيجية مع باكستان في أغسطس/ آب 2020 وأيدت بشكل كامل وحدة أراضي أفغانستان وسيادتها واستقلالها.

كما دعت الصين إلى تطوير العلاقات الثنائية مع باكستان على أساس المصالح المشتركة  لخلق بيئة أمنية أفضل ودور بناء لكلا الجانبين في المنطقة.

وكان الهدف الأول للصين في دعم باكستان، وفق الموقع، تقليل اعتمادها على المساعدات المالية الأمريكية والسعودية.

والهدف الآخر، زيادة التفاعل بين باكستان وإيران، لا سيما في إطار مبادرة الحزام والطريق.

وتتوقع بكين زيادة المشاركة الإيرانية الباكستانية للمساعدة في تحسين الوضع الأمني ​​في أفغانستان، وهو أمر ضروري لنجاح ممرها الاقتصادي.

كما تحاول الصين إقناع باكستان وإيران بإيجاد أرضية مشتركة أو مصالح مشتركة في أفغانستان من أجل تبني إستراتيجية موحدة هناك، وهو نوع من الردع الإقليمي للولايات المتحدة.

وعلى هذا النحو، يمكن للصين من خلال تعزيز مكانتها كمصدر رئيس للتمويل في العالم، أن تكتسب المزيد من النفوذ في اقتصاد باكستان وإيران وتركيا، وزيادة الديناميكية السياسية للمنطقة لصالحها.

وبالنسبة للصين، فالانسحاب الأميركي من أفغانستان قلل الضغط الإقليمي، ويمكنها الآن أن تكون أكثر نفوذا في المنطقة الممتدة من غرب البلاد إلى إيران وتركيا والعراق وسوريا وحتى البحر المتوسط.

وأشار الموقع الأميركي إلى أن الصين لا تمانع العمل مع ديمقراطية أو سلطوية دينية في أفغانستان أو نظام ديكتاتوري في سوريا.

والشاغل الرئيس الوحيد للصين في الوقت الحالي هو فراغ السلطة في أفغانستان الذي يمكن أن يؤدي إلى إحياء حركة تركستان الشرقية الإسلامية والجماعات الجهادية التابعة للإيغور.

وبالنسبة لبكين، فإن طالبان هي المجموعة الوحيدة التي يمكنها تكثيف أو كبح الحركات المتطرفة ضد دول المنطقة.

لذلك ستعمل الصين ليس فقط مع طالبان ولكن أيضا مع باكستان وإيران للحفاظ على الاستقرار على حدودها وتأمين مصالحها على المدى الطويل.

وللصين تاريخ في العمل مع طالبان، ففي التسعينيات اتصلت بكين غالبا بحركة طالبان المتنامية من خلال وسطاء باكستانيين وراقبت مقاتلي الأويغور الذين يحاولون الانضمام إلى القاعدة.

وكانت الصين فتحت ذراعيها لطالبان قبل أن تسيطر على أفغانستان، بل ودعت بعض قادة طالبان للقاء وزير الخارجية في بكين في أواخر يوليو/ تموز 2021.

وتعهدت طالبان خلال الاجتماع بخدمة مصالح الصين في أفغانستان وعدم دعم أي جماعة متطرفة مناهضة للصين.

ولطالما نظر الإستراتيجيون الصينيون إلى أفغانستان كفرصة من أجل مشاريع واسعة النطاق، حيث توفر كابل الآن قناة للصين لقطع منطقة المحيط الهادئ ومضيق ملقا المتحالفين مع الولايات المتحدة.

ما يسمح للصين بتجاوز دول آسيا الوسطى التي احتفظت روسيا بنفوذها فيها.

ووعدت الصين أخيرا باستثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة والبنية التحتية في أفغانستان، بما في ذلك بناء شبكة طرق، ما يمنح طالبان أيضا الشرعية الدولية.

وبالتالي، فإن الترتيب المستقبلي لمنطقة الشرق الأوسط وأوراسيا يشير إلى رحيل الولايات المتحدة ودخول الصين.

حاجة باكستان

وأوضح الموقع الأميركي أن العامل الرئيس الذي أدى إلى تغيير السياسة الخارجية الباكستانية هي الحاجة إلى برنامج نمو اقتصادي مستقل بدون تمويل من الولايات المتحدة والسعودية، ومن ثم ستستطيع إسلام آباد أن تلعب دورا بناء في المنطقة.

وكانت الصين الخيار الوحيد لتمويل وإنقاذ باكستان.

كما أن اتجاه باكستان إلى تعزيز العلاقات مع تركيا أيضا ناجحا للغاية حيث التقت بدعم الرئيس رجب طيب أردوغان الكامل لموقف إسلام آباد بشأن كشمير وقربت السياسات الإقليمية البلدين معا.

ولطالما اتخذت باكستان موقفا محايدا في الصراع بين طهران والرياض، وحاولت أحيانا التوسط، لكنها قوبلت بتردد سعودي.

وبشكل عام، يمكن القول إن باكستان عادت لتحديد دورها في مواجهة التطورات الدولية وسعت إلى تحقيق أقصى استفادة من موقعها الجغرافي الاقتصادي، واكتساب مجال أوسع للمناورة في المنطقة من خلال تقليل الاعتماد على الرياض وواشنطن.

وفي الوقت الحاضر، هدف باكستان هو تشكيل تحالف إقليمي يمكنه احتواء الهند وفتح مجالات جديدة للتعاون في الشؤون الإقليمية.

كما أن الاستقرار في أفغانستان ومناطقها الحدودية، وإمدادات الطاقة، وتطوير البنية التحتية، والنمو الاقتصادي دون نفوذ الولايات المتحدة والسعودية من بين الأولويات.

وتستطيع باكستان أن تلعب دورا في الكتلة الإقليمية المكونة من تركيا وروسيا والصين وإيران، وهو تكتل قادر على رفع مكانة باكستان في المنطقة.

ولا شك أن الرابط بين بكين وإسلام آباد وطهران وأنقرة، المستند إلى مشروع طريق الحزام والطريق، أكثر قيمة بكثير لباكستان من اتباع النمط التقليدي لاسترضاء واشنطن والرياض.