إيران متفائلة بعودة دبلوماسييها إلى السعودية.. هل الأزمة في طريقها للحل؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد انقطاع دبلوماسي دام ست سنوات بين السعودية وإيران، وصل ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين إلى مدينة جدة غربي المملكة، لإعادة فتح ممثلية طهران لدى منظمة التعاون الإسلامي، في خطوة أثارت تساؤلات عن مدى إمكانية انعكاسها على العلاقة بين البلدين.

وفي أبريل/نيسان 2021 انطلق في بغداد حوار ثنائي بين إيران والسعودية، بعد جهود عراقية لجمع الطرفين على طاولة واحدة، إذ عقد الجانبان أربع جولات، ثلاث منها في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، والرابعة مع تولي إبراهيم رئيسي السلطة.

تفاؤل إيراني

منح السعودية تأشيرة دخول لدبلوماسيين إيرانيين كان مبعث تفاؤل لدى السلطات الإيرانية، لإعادة العلاقات بين البلدين بعد ست سنوات من القطيعة، على خلفية إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر في 2 يناير/ كانون الثاني 2016، أعقبه اقتحام محتجين لسفارة الرياض في طهران.

وفي 17 يناير 2022، أفادت وكالة "إيسنا" الإيرانية، بأن ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين وصلوا إلى جدة لإعادة فتح الممثلية الإيرانية بعد ست سنوات من إغلاقها، فيما أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أن التركيز ينصبّ حاليا على إعادة فتح الممثلية الإيرانية لدى منظمة التعاون الإسلامي في جدة.

وأوضح خطيب زاده خلال مؤتمر صحفي في 17 يناير أن الدبلوماسيين الإيرانيين حصلوا على التأشيرة لزيارة السعودية، لافتا إلى أن الدبلوماسيين سيجرون "تقييما" لإمكانية إعادة فتح الممثلية.

كما أعلن استعداد طهران لإعادة فتح السفارة في الرياض، لكن إيران تنتظر "إجراءات عملية من السعودية".

وقبل ذلك بيوم كشف جليل رحيمي جهان أبادي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية، في 16 يناير 2022 أن "طهران والرياض تستعدان لإعادة فتح سفارتيهما"، في إطار الحوارات التي تجرى بين البلدين بوساطة من العراق.

وقال أبادي في تغريدة عبر "تويتر" إنه "جار إحياء العلاقات المهمة بين إيران والسعودية، وسفارتا البلدين تستعدان لإعادة فتحهما".

وأضاف: "هذا الأمر ستكون له تداعيات مهمة في الحد من التوترات الإقليمية من ناحية، وزيادة تماسك العالم الإسلامي من ناحية أخرى".

وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أكد استعداد بلاده لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية إذا رغبت الرياض في ذلك، مشددا على أن "طهران تؤمن بحوار إقليمي واسع، يشمل دولا وصفها بالمهمة، مثل السعودية وتركيا ومصر".

وقال عبد اللهيان خلال تصريحات لفضائية الجزيرة القطرية في 7 يناير 2022 إن حوار بلاده مع السعودية إيجابي وبنّاء، وطهران على استعداد لإعادة العلاقات مع المملكة في أي وقت، مضيفا أنه "خلال أيام سيعود ممثلونا لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، وهذه خطوة إيجابية".

على الجهة المقابلة، كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أكد في 3 يناير 2022 أن أيادي العرب ممدودة إلى إيران، بشرط تجاوبها مع الهموم العربية المتعلقة بـ"أمن واستقرار المنطقة".

وقال ابن فرحان في تصريحات خلال لقائه نظيره الأردني أيمن الصفدي: "تطرقنا إلى الدور الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ودعم المليشيات (دون تحديدها) وأكدنا على تكثيف الجهود الرامية لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل".

واستدرك الوزير السعودي قائلا: "لكننا أكدنا أيضا أن أيدينا كعرب ممدودة للإخوة في إيران في حال تجاوبوا مع معالجة هذه الهموم العربية المتعلقة بأمن واستقرار المنطقة".

"اضطرار سعودي"

وبخصوص منح السعودية تأشيرة دخول لدبلوماسيين إيرانيين، قال الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، عماد أبشناس إن "الرياض كانت مضطرة لإعطاء هؤلاء الدبلوماسيين الإيرانيين تأشيرات دخول رغم أنها ماطلت لمدة ست سنوات في ذلك".

وأكد أبشناس خلال مقابلة تلفزيونية في 18 يناير أن "إيجابية الرياض في هذا السياق أعطت تفاؤلا للإيرانيين من أنها يمكن أن تغير موقفها، لكن ما يجرى على الأرض هو الأهم، لأن جولة المحادثات الخامسة بين السعودية وإيران كان مقرر إجراؤها في بغداد منذ نحو أسبوع لكنها لم تحصل".

وكشف الكاتب الإيراني أن "ما يعرقل انعقاد الجولة الخامسة هو إصرار السعودية على أن يكون ملف اليمن ضمن جدول أعمال المفاوضات، فيما تصر إيران على أنها مفاوضات ثنائية ويجب أن تكون خلافات (السعودية وإيران) فقط على جدول الأعمال، وإذا كان هناك موضوع آخر يخص اليمن يجب حضور اليمنيين".

ويشهد اليمن منذ أكثر من سبع سنوات حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري سعودي إماراتي، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.

والساحة اليمنية حاليا ملتهبة، إثر استهداف الحوثيين العاصمة الإماراتية أبو ظبي بصواريخ وطائرات مسيرة مفخخة تسببت بمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين، فيما يرد التحالف السعودي الإماراتي بغارات جوية مكثفة على مناطق سيطرة الحوثيين.

وتابع أبشناس: "حسب معلوماتي فإن السفارة السعودية في طهران جرى ترميمها، وبدت جاهزة، وكذلك الشيء نفسه سمعته بالنسبة للسفارة الإيرانية في الرياض، أنها أيضا جاهزة، وإذا ما اتخذ القرار بعودة العلاقات، فغدا بإمكانهم أن يفتتحوا السفارات".

لكنه أفاد بأن "السعودية كانت مضطرة لإعطاء الدبلوماسيين الإيرانيين تأشيرات الدخول، وربما لو لم تكن مضطرة لماطلت أكثر من ذلك، لكن بما أنها تستضيف منظمة دولية في جدة، فهناك ضغوط على الرياض لمنح هؤلاء الدبلوماسيين التأشيرات ليكون لإيران مندوب في جدة وإلا تنتقل المنظمة إلى مكان آخر".

ولفت إلى أنه "كيف يمكن لإيران أن تقدم على خطوة مماثلة ما لم يجر حل الخلافات بين الطرفين، وبعدها إذا كان هناك بحث آخر فيجب أن يكون في إطاره، فموضوع اليمن يجب أن يكون في إطار اليمن".

وبحسب الكاتب، فإن "السعودية تريد أن تلعب دورا أكبر من حجمها في المنطقة، فاليمن وسوريا والعراق ولبنان ليسوا حديقة خلفية للسعودية أو إيران، ولكن النفوذ الإقليمي لإيران والسعودية وتركيا ومصر كان موجودا دائما منذ قرون، ولا أحد يستطيع حذف الآخر من المعادلة، وعندما يحاول أحد فعل ذلك يحصل ما نراه في المنطقة حاليا".

إجراء روتيني

في المقابل، قال الكاتب والباحث السعودي في العلاقات الدولية سالم اليامي "سمعت من مسؤولين سعوديين أن ما جرى إجراء روتيني يتمثل في منح منظمة دولية موظفين تابعين لدولة عضو فيها إقامات في المدينة التي توجد فيها المنظمة".

ولفت اليامي خلال مقابلة تلفزيونية في 18 يناير إلى أن "السبب الذي جعل السعودية ترفض وجود دبلوماسيين إيرانيين خلال السنوات الماضية، هو أن إيران كانت تبعث أشخاصا ليسوا دبلوماسيين، وإنما أعضاء في الحرس الثوري، ثبت أنهم يعملون على زعزعة الأمن والاستقرار في المملكة".

وأضاف: "ربما تكون عودة الدبلوماسيين خطوة صغيرة تدفع الجانب الإيراني لتقديم المزيد، لأن ما نشهده اليوم من تصريحات حول عودة العلاقات كانت من الجانب الإيراني على أعلى المستويات، لكن على الجانب السعودي لا أحد يلقي بالا للموضوع".

ورأى اليامي أن "عودة العلاقات بين البلدين موضوع بعيد، وربما أن هناك فشلا إيرانيا في التقدم إلى الأمام. وهناك حتما أسباب عدة تجعل السعودية لا تقدم على علاقات طبيعية مع إيران".

وأوضح الكاتب السعودي أن "إيران هي من تقدم نفسها على أنها دولة مليشيات كبيرة في المنطقة، تريد أن تفتت الأمن والسلم الأهليين، والسيطرة على المنطقة العربية وتغيير هويتها".

وتابع: لذلك أرى أن الجانب السعودي لا يبدي حسما في الموضوع، حتى وإن حدثت أربعة لقاءات أو 10 بينهما، لأنها لم تثمر عن إنجازات حقيقية على الأرض وتقدم للأمام".

وأعرب اليامي عن اعتقاده بأن "الاندفاع الإيراني هو محاولة لفك العزلة الإسلامية والإقليمية والدولية".

شروط سعودية

من جهته، قال المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، خلال حديث صحفي في 16 يناير أن "الرياض تواصل إطلاق إشارات الاعتدال تجاه إيران وأنها دوما ترغب في إجراء محادثات أكثر موضوعية".

وأوضح آل عاتي أن "ما تحقق حتى الآن، هو التفاهم حول عودة ممثلي إيران لمنظمة التعاون الإسلامي، أما قضية فتح سفارات البلدين فهي ما تزال غير متفق عليها، إذ تؤكد الرياض أن هناك خطوات يتوجب تحقيقها قبل عودة العلاقات الدبلوماسية، أولها الاعتذار الإيراني عن الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد".

وبرأي المحلل السعودي فإن إيران "تصر على أن المشاورات يجب أن تقتصر على علاقات ثنائية بحتة مثل شؤون الحج والعمرة والتعامل الثنائي، فيما تؤكد الرياض أن على طهران التخلي عن أعمالها المزعزعة لاستقرار الدول، وأن تكف عن التدخل في الدول العربية، ورفع يدها عن اليمن تحديدا ثم بحث بقية القضايا".

ونوه آل عاتي إلى أن الإيرانيين "يتبادلون الأدوار في إصدار التصاريح المتناقضة لتشكيل نوع من الضغط السياسي على السعودية، إلا أن الرياض باتت في أقوى موقف سياسي من إيران التي هي الأكثر حاجة حاليا لإنجاز محادثات تسهم في دعم موقفها في مفاوضات فيينا".

وبين الكاتب السعودي أن "الموقف الإيراني يتسم إلى الآن بالمماطلة واللعب بسيف الوقت لتحقيق كسب إعلامي أمام المجتمع الدولي والشارع الإيراني، مما يؤكد أنها ليست جادة بشأن المشاورات الثنائية بين البلدين، حيث أنهى الجانبان أربع جولات مفاوضات، وينتظر تحديد جولة خامسة".