مع تراجع عملياته.. هذه المهام الجديدة لتنظيم حزب الله اللبناني في سوريا

لم تثن الضربات الإسرائيلية على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا مليشيا حزب الله اللبناني عن المضي قدما، في زيادة ترسيخ بنيتها العسكرية.
ومنذ عقد من الزمن، يستبيح مقاتلو هذه المليشيا سوريا لمنع سقوط رئيس النظام بشار الأسد، فيما تحدثت تقارير أخيرا عن حجم الترسانة العسكرية التي يمتلكها الحزب في ذلك البلد.
ترسانة عسكرية
ونشرت صحيفة "جيروزاليم بوست"، تقريرا لها أكدت فيه أن مليشيا حزب الله لديها نظام صواريخ أرض-جو تكتيكية قصيرة المدى من طراز SA8 وكذلك SA17 وSA22 في ترسانتها للدفاع الجوي.
ويعود التقرير المنشور في 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، لمركز الأبحاث الإسرائيلي "ألما"، الذي أكد أن حزب الله نشر أنظمة دفاع جوي في منطقة جبال القلمون شمال غربي دمشق المتاخمة للبقاع اللبناني، والتي تضم القاعدة الخلفية اللوجستية والعملياتية للحزب وكذلك في جنوب لبنان.
وبحسب المركز فإن نشر حزب الله أنظمة دفاع جوي قرب العاصمة السورية دمشق وجنوبي لبنان، يجعله قادرا على التصدي للضربات الجوية الإسرائيلية في البلدين.
وسبق ذلك لجوء حزب الله إلى عمل تحصين وتجهيز ثلاثة هنكارات (هياكل معدنية) واتخذتها كمستودعات للذخيرة والصواريخ بريف مدينة القصير جنوب حمص، وتحديدا بالقرب من معبر "حوش السيد علي" المتاخم لمنطقة الهرمل اللبنانية بالقرب من الحدود، وذلك في 10 ديسمبر 2021 وفق حركة تحرير وطن السورية المعارضة.
ويعتمد على تلك الهنكارات كنقطة استلام وتسليم شحنات الأسلحة والطائرات المسيرة الواردة من قبل مليشيا الحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله، وفق الحركة.
وبحسب الحركة، تمكن حزب الله اللبناني في 5 ديسمبر 2021 من بناء تحصينات تحت الأرض بجانب المواقع المدنية كالمساجد والمستشفيات والمدارس وتحديدا في مدن وبلدات القلمون بريف دمشق والقصير قرب حمص.
وما كان لافتا هو أن قادة من حزب الله نفذوا جولات استطلاعية خلال شهر ديسمبر 2021 تبعها الزج بعشرات الآليات والسيارات العسكرية محملة بالعناصر، وجرى نشرهم في مواقع أنشأت حديثا بمحيط منطقة الفرقلس التي تبعد 40 كيلومترا شرق حمص.
وتدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا العناصر لمنع سقوطه ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.
وتشير التقديرات إلى أن الحزب خسر 2000 من مقاتليه وأصيب الآلاف منهم مع تعرض بعضهم لإعاقات جسدية دائمة.
ومنذ انتهاء العمليات العسكرية في غالبية الأراضي السورية وبرود الجبهات خاصة بعد معارك ريفي حلب وإدلب مطلع 2020 التي شاركت فيها مليشيات إيرانية، ركز "حزب الله" على تثبيت حضوره بشكل يخدم مصالح طهران.
ويكثف الحزب تموضعه في سوريا، وذلك عبر كثير من الطرق ومنها استمراره بتملك وشراء الأراضي الواقعة على الحدود السورية اللبنانية وخصوصا في منطقة القلمون بريف دمشق.
وكذلك تمركزه في بلدة الحمدان بدير الزور التي يوجد فيها مطار عسكري يستخدمه للتنقل، فضلا عن انتشار كثيف في الجنوب السوري بمحافظتي القنيطرة ودرعا.
أما في حمص فتعد مدينة القصير بحمص (15 كم عن الحدود اللبنانية) من أهم معاقل حزب الله في سوريا، وهو يسيطر على المدينة بشكل كامل.
بل إنه حول المدينة منذ سيطرته عليها في يونيو/حزيران 2013 إلى مصنع للمواد المخدرة وحبوب "الكبتاغون" وزراعة الحشيش (القنب الهندي) وفق تحقيق صحفي نشر في فبراير/شباط 2019.
واستطاع حزب الله تأمين حواضن لقواته عبر اتخاذ عدد من المدن السورية معقلا لاستيطان مقاتليه وركزها في المناطق الحدودية مع لبنان.
وهذا ما يسهل على مجاميع قوات حزب الله الحركة والتنقل وتبديل المناوبات التي لا تستهلك أقل من ساعة لتعود إلى الضاحية الجنوبية في لبنان معقل المليشيا.
طريق لوجيستي
ويرى القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، أنه "كما هو معلوم فإن هذه المليشيا هي حزب عقائدي يرتبط ارتباطا وثيقا بما يسمى الثورة الإسلامية الإيرانية ويأتمر بأوامر قائدها الولي الفقيه".
وأردف في حديث لـ"الاستقلال": "لم يخف قادة الثورة الإيرانية أهدافهم في تصديرها وأطماعهم التوسعية لتشمل جميع الأراضي التي تمتد ما بين الخليج العربي والسواحل الشرقية للبحر المتوسط والبحر الأحمر".
وأضاف: "يأتي إعلانهم احتلال أربع عواصم عربية كترجمة عملية للنوايا الخبيثة التي يحملونها، وتحديا صارخا للعرب، وبالتالي حزب الله اللبناني هو أحد أهم أدوات تنفيذ المشروع الإيراني التوسعي، ورأس الحربة فيه".
ومضى يقول: "يعتبر حزب الله هو ومشغليه الإيرانيين أن تحركات قواته على الأراضي السورية واللبنانية ليس إلا انتشارا على وحدة الجغرافيا الفارسية التي يقودها الولي الفقيه، ويجري عليها مناوراته وتدريباته كيفما شاء، وفق مصالح المشروع الإيراني".
واعتبر حسون أن "حزب الله في الآونة الأخيرة استشعر وجود تهديدات إسرائيلية جدية باتت تستهدفه، خاصة مع رفع الموازنة العسكرية للحكومة الإسرائيلية في السنة الجديدة، والتي تنبئ بحرب محتملة قد تشن على جبهتين".
أولها على حزب الله باتجاه الجنوب اللبناني والثانية على الحرس الثوري الإيراني في الجنوب السوري.
وأردف قائلا: "لذلك جرى العمل الجاد والفعلي من قبل حزب الله والحرس الثوري الإيراني لإيجاد مواقع تبادلية حصينة للأسلحة الإستراتيجية والمتمثلة بالقدرات الصاروخية، ولا سيما أن الحزب يلقى ضغوطا كبيرة من القوى السياسية اللبنانية ويزداد معها الرفض الشعبي له فإن ذلك يحد من مناوراته".
وأضاف: "حزب الله يجد أنه من الأفضل إعادة نشر الأسلحة الصاروخية ذات الأمد البعيد في منطقة القصير السورية وفي القلمون نظرا للتضاريس الجبلية التي تساعد على إخفاء المنظومات في أنفاق أعدت لها في عمق الجبال ويصعب استهدافها، خاصة أن هذه المناطق أصبحت شبه خالية من سكانها الأصليين الذين هجرهم الحزب قبل سنوات".
وذهب القيادي في المعارضة السورية للقول: "إن إقامة قواعد عسكرية ونشر بطاريات الدفاع الجوي يجعل المنطقة خطا دفاعيا ثانيا ومنطقة إعادة انتشار للحزب تلجأ إليها قواته في حال تعرض الجنوب اللبناني إلى اجتياح إسرائيلي وفشلت (المليشيا) في صد الهجوم".
وهذا أمر احتمالاته واردة في ظل تطور الأسلحة والفارق الكبير بالميزانين العسكريين لإسرائيل وحزب الله والتفوق الكبير لصالح الأول، وفق قوله.
وألمح حسون إلى أن "حزب الله اللبناني أراد بعد عشر سنوات من انخراطه في المذبحة السورية التي يشارك بها مع نظام الأسد المجرم استحالة تخليص نفسه من البلاد، وبدأ بتركيز جهوده بالتخطيط لما بعد الحرب، وذلك بتأسيس وجود عسكري دائم في سوريا لخدمة مشغله الإيراني صاحب مشروع الولي الفقيه التدميري للمنطقة".
وبين العميد أن "الأهداف السياسية لحزب الله في سوريا تشمل ضمان بقاء نظام الأسد وحماية وتوسعة قوة المليشيا اللبنانية من ناحية السياسة والنفوذ".
إضافة إلى "وقف انتشار الجماعات السنية التي تغذي بعضها أجهزة أمن إيرانية، والدفاع عما أسماه الحزب بهتانا المراقد الشيعية".
ولفت حسون إلى أن "كل هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها بشكل فعال إلا من خلال الحفاظ على وجود دائم في سوريا، وذلك عبر وجود قواعد عسكرية دائمة ونشر بطاريات عسكرية جوية مستقلة سواء في القلمون أو القصير وغيرها من المناطق السورية بغية تحقيق أهداف عسكرية هامة للحزب".
ومن هذه الأهداف "الحفاظ على الأراضي السورية كطريق لوجيستي لنقل وتخزين قطع الصواريخ الإيرانية وغيرها من المعدات العسكرية".
قوة أوسطية
وتولي إيران حزب الله أهمية كبيرة لوجوده في سوريا إلى جانب الأسد الذي ينظر إليه كدولة داخل دولة وأحد أذرعه الخفية في لبنان الذي خرج منه جيش النظام السوري عام 2005 بعد وصاية عليه استمرت منذ عام 1976.
ولهذا يبقى حزب الله أعلى كعبا وحضورا من باقي التشكيلات المليشاوية التي جلبتها إيران لدعم الأسد كحركة النجباء العراقية ولوائي الفاطميون الأفغاني، وزينبيون الباكستاني.
في هذا الإطار، يؤكد العميد فاتح حسون أن "حزب الله يطمح أيضا بأن يكون في طليعة القوى الشيعية متعددة الجنسيات، وأن يصبح منظمة تنتشر قواعدها في مختلف بلدان المنطقة، ويجد أن سوريا هي الخيار الأفضل للبدء بذلك لقربها الجغرافي".
وزاد بالقول: "من خلال تواجد الحزب الدائم في سوريا يرسل رسالة مفادها أن الحدود انهارت، وأن قواعد جديدة قد ظهرت ستتسبب في إلحاق الضرر بإسرائيل ودول سنية، وأنه لم يعد مجرد مليشيا لبنانية، بل قوة مهمة في الشرق الأوسط".
وتابع حسون قائلا: "الأهم من ذلك أنه أصبح واحدا من الأدوات الأساسية التي ستسمح لإيران ببناء ممر شيعي قوي من عاصمتها وحتى البحر الأبيض المتوسط، وأن أي اتفاقيات ثنائية بين طهران ودول عربية لن تكون بالضرورة ملزمة له".
وكان المدعي العام الأميركي جيف سيشنز، صنف في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، حزب الله اللبناني واحدا من 5 مجموعات تعتبر من "أهم التهديدات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود".
ولا تعد هذه المليشيا حزبا سياسيا مثل سواه من القوى السياسية في لبنان، بل بات حاليا كيانا مستقلا ولاؤه لإيران التي تدعمه بالسلاح والمال، وتحول إلى منظومة متكاملة لا علاقة لها بالمؤسسات الحكومية.
وسبق لزعيم حزب الله حسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو 2016 إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".
وهذا ما اعتبر حينها إعلان الحزب نفسه قوة وجود إيراني في لبنان، يخضع بالكامل لأجندتها ووفق ما تقرره خرائطها الجيوستراتيجية.
البند الأبرز
يؤكد كثير من المراقبين السياسيين أن قوة تأثير حزب الله على تشكيل الحكومات أمر لا يختلف عليه اثنان، وآخرها حكومة نجيب ميقاتي الحالية التي تألفت بعد موافقة إيران لما لنواب الحزب وحلفائه من تأثير كبير.
كما يؤكد ساسة البلاد أن حزب الله ما يزال يختطف لبنان لمصلحة إيران، ولا سيما بعد أن استطاع تحويل البلاد إلى ساحة للصراعات الإقليمية والعربية، يكون نصر الله شخصيا هو المحراك فيها عبر تصريحاته التي يطلقها ضد الأطراف الرافضة للمشاريع الإيرانية في المنطقة.
ودائما ما يستشهد هؤلاء بأن عملية تشكيل حكومة تمام سلام اللبنانية عام 2014 جرت في أعقاب الاتفاق الذي جرى بين إيران والدول الكبرى.
ومن هنا تعمل إيران على تقوية نفوذ حزب الله في سوريا تحديدا لما لذلك من انعكاس مباشر على تدعيم وجوده في لبنان ومنع إضعاف شوكته عبر مده بأوراق ضغط جديدة.
وحول هذه الجزئية اعتبر رئيس تحرير موقع "جنوبية" اللبناني، علي الأمين، أنه من "المعروف أن وجود حزب الله في سوريا، هو تعبير عن الإرادة السياسية والعسكرية الإيرانية التي تعتبر أن نفوذها وسيطرتها في هذا البلد هي مسألة إستراتيجية بالنسبة لها".
إذ شكل التدخل قبل عشر سنوات لقمع الثورة السورية وحماية نظام الأسد التعبير الصريح عن أهمية دور إيران في سوريا، وفق قوله
وأكد الأمين لـ "الاستقلال" أن "سلوك حزب الله المشار إليه حاليا يعكس حال من التوجه والقلق إزاء ما يمكن أن يتم من تفاهمات دولية وإقليمية في سوريا على حساب الدور الإيراني، خاصة أن روسيا طالما لعبت دورا سلبيا تجاه هذا الدور، ولعل التفاهمات الروسية الإسرائيلية خير دليل على ما يمكن أن تذهب إليه موسكو في هذا الاتجاه".
ولفت رئيس تحرير موقع "جنوبية"، إلى أن "حزب الله الذي يدرك أيضا أن أي انكفاء له نحو الأراضي اللبنانية من دون أثمان إستراتيجية ستهدد دوره ونفوذه، خاصة أن الحزب دفع أثمانا بشرية ومادية كبيرة في سوريا، وهو لن يخرج من هذا البلد خالي الوفاض".
وأردف قائلا: "هذا ما يتحسسه اليوم حين يتطلع إلى كل التحركات والمشاورات بشأن سوريا والتي تهمل التواصل معه بل حتى مع إيران، وهو إن دل على شيء فيدل على أن خروج طهران من دمشق هو البند الأبرز في كل المبادرات السياسية تجاه البلد دوليا وعربيا وإقليميا".
وقال الأمين: "في المعلومات أن ثمة مطالبات سورية من قبل النظام وبضغط روسي بانسحاب حزب الله من القلمون وهي القاعدة الأهم له في سوريا".
وختم بالقول: "وجود حزب الله في سوريا بما هو تعبير عن الذراع العسكرية والأمنية الإيرانية في هذا البلد، وبات على طاولة البحث الجدي".
وهذا ما يقابله حزب الله وإيران بمزيد من التمدد وترسيخ النفوذ العسكري والميداني في أكثر من منطقة في سوريا، في محاولة دؤوبة لتصعيب المهمة على منافسيه وعلى خصومه، بحسب تقديره.