فورين أفيرز: هذه مخاطر اعتزام ترامب تصنيف "جماعة الإخوان إرهابية"

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا تحليليا للكاتبين دانيال بنيامين وجيسون بلازكيز، تحدثا فيه عن اعتبارات ونتائج اعتزام واشنطن إعلان الاخوان المسلمين جماعة إرهابية، على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها والعالم بأسره.

وقال الكاتبان في مقالهما: إنه "مجرد إعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية سيقوض الولايات المتحدة الأمريكية"، مشيرين إلى أن "القرار يمكن له أن "يحفز التطرف وانتشار الجماعات المنشقة العنيفة".

ترامب يلبي طلب المستبد

في أواخر أبريل/نيسان الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيسعى لجعل وزارة الخارجية تصنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية، بحسب الكاتبين الذي أضافا: إن "التوجيه جاء في أعقاب زيارة قام بها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى البيت الأبيض، وهو أحد المستبدين المفضلين لدى ترامب وعدو للإخوان المسلمين".

وأشار الكاتبان إلى أن ترامب طلب أولا في عام 2017 من وزارة الخارجية النظر في إعلان جماعة الإخوان المسلمين، لكنها قررت أن المجموعة لم تفِ بالمتطلبات القانونية للائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، لأنها ليست منظمة وحدوية وليس لديها نمط ثابت من العنف.

وأكدا الكاتبان، أن الإخوان لم يتغيروا منذ ذلك الحين، حيث إنها تشمل العديد من الجماعات المرتبطة بشكل فضفاض تحت مصطلح الإخوان المسلمين، لكنهم لا يشتركون في قيادة مركزية والمبادئ المشتركة غير التفاني الواسع للإسلام، في حين تشمل الفصول الوطنية لجماعة الإخوان المسلمين منظمات متنوعة مثل حزب النهضة السياسي، أحد أعمدة المؤسسة المؤيدة للديمقراطية في تونس، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في غزة، التي أعلنتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية بالفعل.

وأوضحا، أن "ما تغير هو البيت الأبيض، إذ أن معظم أعضاء إدارة ترامب الذين اعترضوا على هذه الخطوة، بما في ذلك وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، غادروا وتم استبدالهم بآخرين لا يقولون "لا"، مما سمح لترامب بتجاهل المعايير القانونية والتاريخية لتصنيفات لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية (fot)".

وأشار الكاتبان إلى أنه "نظرا لأن هذه الخطوة ستصب في النهاية في صالح السيسي، فقد ينتهي الأمر بترامب باستهداف جماعة الإخوان المسلمين المصرية، الفصيل الأصلي والأكثر شهرة".

قرار يحفز العنف

في هذا السياق، أشار الكاتبان إلى أن "جماعة الإخوان المصرية تأسست عام 1928 على يد حسن البنا، وقد لعبت دورا حاسما في المعارضة الفعلية لسلسلة من الحكام المصريين، على الرغم من حظرها رسميا منذ عقود، ظل تأثيرها في المجتمع المصري واسع الانتشار، فعلى سبيل المثال، في السبعينيات من القرن الماضي، تخلت جماعة الإخوان المسلمين عن العنف، وقد حافظت على هذا الالتزام منذ ذلك الحين -لم يوح أي طالب جاد في المجموعة بخلاف ذلك. لهذا السبب وحده، من غير المرجح أن تصمد تسمية التنظيم كجماعة إرهابية إذا تم الطعن في المحكمة".

وأكد الكاتبان، أن "الكثير من النقاش ركز حول اقتراح ترامب على النتائج المحتملة للمنظمات المرتبطة بالإخوان وأعضائها، حتى لو صنفت واشنطن الإخوان المصريين فقط، فإن هذه الخطوة ستصنف مئات الآلاف من الناس على أنهم إرهابيون، في الوقت الذي ستوفر فيه الولايات المتحدة غطاء لحكومة السيسي لتوسيع نطاق الحملة الوحشية بالفعل، حيث يتم سجن قيادة الإخوان في مصر أو في المنفى، ويعيش العديد من أعضائها في خوف من الاعتقال على أيدي مخابرات نظام السيسي".

من جهة أخرى، قال الكاتبان: إن "تصنيف جماعة الإخوان من شأنه أن يعزز استبعاد أعضائها من السياسة التقليدية، الأمر الذي من شأنه أن يحفز التطرف وانتشار الجماعات المنشقة العنيفة".

وعلى خلفية قرار إدارة ترامب المزمع بإعلان الاخوان المسلمين جماعة إرهابية، قال الكاتبان إن اليمين السياسي في الولايات المتحدة، قام منذ فترة طويلة بتشويه جماعة الإخوان المسلمين ويمكنه استخدام تصنيف الجماعة الإرهابية لاستهداف مجموعة من الجماعات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والتي تربطها صلات بالإخوان المسلمين، مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، ومما لا شك فيه أن الإعلان  سيُعتبر تأكيدا لنظريات المؤامرة المختلفة حول جماعة الإخوان، مثل تلك التي تصورها على أنها القلب النابض للتطرف الإسلامي، وبالتالي تغذي الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة.

في حين، أكد الكاتبان أن إعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية يمكن أن يحدث أضرارا خطيرة لسياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية، فمنذ أن تم إقرار القانون في عام 1996، كان القانون الذي تقضي بموجبه الحكومة الفيدرالية بأنشطة الجماعات الإرهابية أداة أساسية في مكافحة الجماعات الإرهابية، فإنه يمنح حكومة الولايات المتحدة عقوبات على تجميد الأصول الإرهابية في الولايات المتحدة والضغط على أن تحذو حذوها الدول الأخرى، كما أنه يوفر الأساس لمحاكمة الأشخاص لدعمهم الجماعات الإرهابية.

وأكد الكاتبان، أن "إعلان الاخوان المسلمين جماعة إرهابية يمكن أن يكون أداة قوية، حيث إن الإرهاب لا يكلف الكثير من المال، لذا فإن تجميد، على سبيل المثال، 7 ملايين دولار من أموال تنظيم القاعدة في البنوك الأمريكية، كما فعلت الولايات المتحدة منذ عام 1999، يُصيب المجموعة بانتكاسة كبيرة، في حين حاكمت الولايات المتحدة العشرات من الأشخاص بتهم الدعم المادي -بمن فيهم المقاتلون الأجانب المحتملون في تنظيم الدولة، والذين مُنعوا من السفر إلى العراق وسوريا بسبب التشريع".

ومن بين الحالات البارزة، بحسب قولهما، الليبي أحمد أبو خطالة، زعيم جماعة أنصار الشريعة بنغازي، التي صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية بعد اتهامها بالتورط في مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين في بنغازي عام 2012، ففي الوقت الذي ألقت القوات الخاصة الأمريكية القبض على أبو خطالة عام 2014، واتُهم بمجموعة من الجرائم، بما في ذلك القتل، في نهاية المطاف، لم يتمكن الادعاء من إثبات معظم التهم؛ لأنه كان يفتقر إلى أدلة على وجود أبو خطالة أثناء الهجوم، لكنه أدين بتهمة الدعم المادي ويقضي الآن عقوبة بالسجن لمدة 22 عاما.

هل تتبع الدول أمريكا؟

من ناحية أخرى، يسلط الكاتبان الضوء على " سلطة الولايات المتحدة وقدرتها على حشد الدعم من الحكومات والمنظمات الدولية الأخرى، فعندما تحدد واشنطن قضية شاملة لإعلان جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، على سبيل المثال، فإن الأمم المتحدة تحذو حذوها دائما وتدرج المجموعة ضمن نظام لجنة العقوبات المفروضة على تنظيم القاعدة".

وأشارا إلى أن "هذا النظام ملزم لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهذا يعني أنها مطالبة بتجميد أصول مجموعات أو أفراد معينين، ومنعهم من السفر، وضمان عدم تمكنهم من الحصول على الأسلحة".

وبين الكاتبان، أن "النظام الأمريكي قد أرسى الأسس لدول أخرى أصغر لإدارة التهديدات الإرهابية داخل حدودها، فعلي سبيل المثال في عام 2008، أعلنت وزارة الخارجية حركة (راجا سليمان) في الفلبين، وهي جماعة لها صلات بجبهة مورو للتحرير الإسلامي، التي تشن حملة مستمرة منذ عقود ضد حكومة مانيلا،  كما نجحت في الضغط على الأمم المتحدة لإدراج المجموعة، حيث بات من الواضح أنه إذا لم تتخذ الولايات المتحدة هذه الخطوات، فلن يكون لدى حكومة الفلبين الأساس لمتابعة مبادرات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب التي أضعفت المجموعة وهزمتها في نهاية المطاف عام 2009".

وانطلاقا من الأساس، سابق الذكر، الذى أوضح الكاتبان، فإن "الاتحاد الأوروبي أيضا يبني العديد من تصنيفاته الإرهابية على أساس قرارات الولايات المتحدة، فعلي سبيل المثال، في عام 2013، بعد جهود ضغط متضافرة من الولايات المتحدة، اعتبر الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله منظمة إرهابية، حيث لم تكن هذه الخطوة سوى نجاح جزئي -إذ حددت الولايات المتحدة المنظمة بأكملها وتأمل أن يقوم الاتحاد الأوروبي بنفس الشيء- لكنه لا يزال إنجازا مهما يحد من قدرة حزب الله على جمع الأموال وشراء العتاد في أوروبا".

وكذلك بحسب قول الكاتبين، فإن قوة النظام الأمريكي تضفي شرعية على تسميات الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، في عام 2018، خسرت "حماس" دعوى قضائية اعترضت على تصنيفها في الاتحاد الأوروبي جزئيا؛ لأن محكمة العدل الأوروبية وجدت أن نظام الولايات المتحدة (الذي يدرج حماس أيضا) كان ذا مصداقية وقد وفّر الإجراءات القانونية الواجبة.

وخلص الكاتبان في مقالهما إلى أنه "إذا تابعت إدارة ترامب تسمية جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، فسوف تؤدي إلى تآكل القوة المقنعة للتصنيفات الأمريكية، في حين، قد ترى بلدان أخرى أن هذه الخطوة متقلبة، وقد تقوض تصنيفات الاتحاد الأوروبي الحالية التي تعتمد على الجهود الأمريكية".

وتابعا: "لقد تضررت بالفعل القيادة الأمريكية العالمية في مكافحة الإرهاب بقرار إدارة ترامب بتصنيف الحرس الثوري الإيراني الشهر الماضي -وهي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق أداة قانونية مصممة للتعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية على جزء من دولة معادية، حيث أضعفت هذه الخطوة مصداقية الولايات المتحدة من خلال إظهار أن الإدارة مستعدة لضبط القواعد من أجل تهديد أعدائها، وبات من المؤكد أن تسمية جماعة الإخوان المسلمين من شأنه أن يسرع فقط من فقدان النفوذ الأمريكي".

في حين أكد الكاتبان، أن الركن الأساسي لنظام التصنيفات هو عقوباته، حيث تعمل العقوبات بشكل أفضل عندما تكون مبنية على حجج قوية -عادة ما تدعمها المخابرات الأمريكية- التي يمكن أن تستخدمها الدول الأخرى لتبرير اتباع الولايات المتحدة، وتفقد العقوبات قيمتها عندما تبدو أشبه بعبارات التعبير الرئاسي أو تفضل الحكام الآخرين، إذ أن موقف إدارة ترامب تجاه إيران يضر بالفعل بشرعية العقوبات الأمريكية ويسبب استياء بين شركاء الولايات المتحدة التقليديين، وأن إضعاف نظام إعلان منظمات إرهابية -وبالتالي زيادة احتمالية أن العقوبات الأمريكية لا تدعمها بلدان أخرى- سيكون خطأ".

واختتم الكاتبان مقالهما، بالقول: إن "الإرهاب المسلح قد خسر إلى حد كبير في الأخبار مؤخرا بسبب الهجمات المتفوقة، لكنه لا يزال يمثل تهديدا خطيرا، ومع ذلك، كانت سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب ناجحة بشكل ملحوظ -وهي حقيقة محجوبة من السياسيين والمعلقين الذين يروجون للخوف- ونظام تصنيف ومعاقبة المنظمات الإرهابية الأجنبية هو سبب مهم وراء ذلك، لكن إفساد هذا النظام هو فكرة سيئة".