مكاسب محتملة.. هل تنقل إيران "محور المقاومة" من الميدان إلى الطاولة؟

"الإصرار على الشكل القديم للمقاومة قد يؤدي إلى نتائج عكسية"
في سياق إقليمي بالغ الحساسية، أجرى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، سلسلة زيارات شملت السعودية ولبنان خلال سبتمبر/ أيلول 2025، وذلك بعد زيارته للعراق في أغسطس/ آب 2025.
وجاءت هذه الجولة في وقت تشهد فيه إيران ضغوطا متزايدة من الدول الغربية بشأن برنامجها النووي، خاصة مع تفعيل الدول الأوروبية "آلية الزناد" عبر مجلس الأمن، ودخول العقوبات حيز التنفيذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2025.
وفي هذا السياق، تناولت صحيفة "هم میهن" الفارسية أبعاد هذه الجولة، متسائلة عن المكاسب المحتملة التي قد تحقّقها إيران على صعيد سياستها الإقليمية، في ظل التحديات المتصاعدة والفرص المتاحة لإعادة تموضعها في المنطقة.

إعادة ودمج
وأشارت الصحيفة إلى أنه يمكن تلخيص نتائج الزيارة في ثلاثة سيناريوهات محتملة؛ أولها، إعادة بناء القوى المحلية الموالية لإيران في المنطقة.
ووفقا لها، يركز هذا السيناريو على إمكانية إعادة تشكيل محور المقاومة في المنطقة، بحيث يتحول العراق إلى قاعدة لوجستية ومحورية للمقاومة بدلا من سوريا، مع الحفاظ على حزب الله اللبناني كخط المواجهة الأول ضد إسرائيل.
وتوقعت الصحيفة أنه "إذا ما حظيت هذه الخطة بدعم من السعودية وحتى تركيا، فقد تشكل رادعا إقليميا فعالا ضد إسرائيل، مما يهيئ الأرضية لاستمرار وقف إطلاق النار في غزة، ويعزز الدور الإقليمي للدول العربية في القضية الفلسطينية".
أما السيناريو الثاني فجاء تحت عنوان: "تحويل القوى المحلية الموالية لإيران إلى قوى سياسية ضمن الأطر الوطنية".
وأوضحت الصحيفة أن هذا السيناريو يهدف إلى "إعادة توظيف قوى محور المقاومة داخل حدودها الوطنية، عبر إقناع العراق ولبنان بدمج هذه القوى في البنية السياسية الوطنية".
وبحسبها، فإن "هذه الخطوة لا تضمن فقط استمرار وجود القوى الموالية لإيران، بل تسهم أيضا في ترسيخ آلية المقاومة داخل الهياكل الوطنية لدول المنطقة".
وشددت الصحيفة على أن "هذا السيناريو يتطلب تعاونا وثيقا مع السعودية وتركيا لدعم اندماج هذه القوى في البنية السياسية المحلية".
وتوقعت أنه "إذا نجح هذا النموذج، يمكن تطبيقه لاحقا في اليمن، مما قد يدفع السعودية نحو تعاون أوسع مع إيران، ويعيد فتح ملف سوريا بالتنسيق مع تركيا، بما يشمل القوى الشيعية والوضع الكردي هناك".
الخيار الأسوأ
أما السيناريو الثالث، فهو -بحسب الصحيفة- الأكثر تشاؤما، ويقوم على فرضية العجز عن الاستفادة من قوى المقاومة في الظروف الراهنة.
الأمر الذي يرى التقرير أنه "يستدعي اتخاذ أحد خيارين: إما انتظار تطورات جديدة في غزة والمنطقة، أو الانسحاب من المشهد الإقليمي والتركيز على الداخل الإيراني، مع الدخول في مفاوضات مع الغرب لمواجهة تداعيات إعادة تفعيل آلية الزناد التي أُلقيت على عاتق إيران منذ عهد حكومة أحمدي نجاد".
وأشار إلى أن "السيناريو الثالث يعد الأسوأ بالنسبة لإيران؛ إذ يهدد مكانتها كمركز لمحور للمقاومة، ويحول هذه الجماعات إلى ورقة مساومة في ملف الأمن القومي، بل يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول جدوى هذا النهج الإستراتيجي".
وحول موقف دول الإقليم من هذه السيناريوهات، قالت الصحيفة: "رغم أن السيناريو الأول يبدو الأقرب إلى التطلعات الإيرانية، إلا أن تقييمات لاريجاني خلال لقاءاته مع مسؤولي الدول الثلاث تشير إلى عدم وجود دعم لهذا الخيار".
وعزت ذلك إلى أن "العراق لا يرغب في أن يتحول إلى ساحة صراع بين إيران وأميركا وإسرائيل، ولبنان لا يسعى إلى استفزاز إسرائيل لشن هجوم على سيادته، فضلا عن تراجع قدرات قوى محور المقاومة مقارنة بالماضي".
الخيار الواقعي
وبين السيناريو الأكثر تفاؤلا والسيناريو المتشائم، يبرز السيناريو الثاني الذي ترى الصحيفة أنه "الخيار الأفضل والأكثر قابلية للتنفيذ لعدة أسباب".
وقالت: "أولا، يسعى هذا الخيار إلى كبح جماح العمليات العسكرية الإسرائيلية، وثانيا، يحافظ على قوى المقاومة، ويمنحها شرعية وطنية، مما يقلل من الشبهات حول النفوذ الإيراني".
وتابعت: "وثالثا، يرسخ المقاومة داخل البنية الوطنية، ويحد من احتمالات العدوان الإسرائيلي على دول المنطقة".
وأضافت: "وأخيرا، قد يحظى هذا السيناريو بدعم إقليمي، ويؤسس لآلية جماعية أكثر موثوقية لتحقيق السلام مستقبلا، لا سيما بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر، وهو ما أشار إليه لاريجاني خلال جولته".
من هذا المنطلق، أكدت الصحيفة أن "اختيار السيناريو الثاني يمنح إيران فرصة للحفاظ على قوى المقاومة، ولكن ضمن صيغة جديدة أكثر واقعية وشرعية".
وحذرت من أن "الإصرار على الشكل القديم للمقاومة قد يؤدي إلى نتائج عكسية؛ إذ قد تتحول تلك القوى إلى عناصر مقاومة داخلية ضد حكوماتها، مما يضعف موقعها الوطني ويمنح إسرائيل الذريعة للاستمرار في اعتداءاتها".
وأردفت: "إذا كان المقصود من (القرار الإستراتيجي) هو اتخاذ القرار في الوقت المناسب، فإن زيارة لاريجاني، وما رافقها من آمال بعد تعيينه، يجب أن تدفع باتجاه السيناريو الثاني".
"وإلا، فإن مرور الوقت قد يفقد إيران أوراقها الفاعلة، ويزيد من حالة التخبط الإستراتيجي التي تعاني منها حاليا"، وفق تقييمها.
واستطردت: "لنكسر، ولو لمرة واحدة، المثل الشائع غير المنطقي الذي يقول: إن (الإيرانيين لا يجيدون التسوية مطلقا، لكنهم يستسلمون بسهولة)".
وبحسب الصحيفة، فإن "الفارق بين التسليم والمصالحة يكمن في القدرة على اتخاذ القرار الصعب في اللحظة المناسبة، بما يمنحنا فرصة حقيقية للاستمرار في لعب دور مؤثر".
واختتمت قائلة: "قد تتشابه النتائج ظاهريا، لكن المصالحة تفتح آفاقا واسعة للمناورة مستقبلا، على عكس التسليم الذي يضعنا في مأزق لا مخرج منه".